A picture taken from northern Israel along the border with southern Lebanon shows smoke billowing above the Lebanese village of…
التصعيد مستمر على الحدود الإسرائيلية اللبنانية.

بعد عام من تبادل إطلاق النار مع إسرائيل تحت عنوان "إسناد جبهة غزة"، أعلن نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم دعمه لجهود رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

وتجنّب قاسم، خلال خطاب متلفز ألقاه الثلاثاء، الإشارة إلى شرط وقف إطلاق النار في غزة، الذي كان الحزب قد أصر عليه سابقاً كشرط أساسي لوقف القتال في لبنان، مما أثار تساؤلات وتكهنات حول ما إذا كان موقفه يعكس تراجعاً أو ضعفاً لحزب الله، وما إذا كان يمثل تحولاً في استراتيجية الحزب تجاه الصراع في غزة، بما في ذلك احتمال فك الارتباط مع القطاع.

جاء خطاب قاسم في وقت تشهد فيه مناطق واسعة من لبنان غارات إسرائيلية مكثّفة، أسفرت عن مقتل أمين عام حزب الله  وعدد من قيادات الحزب المصنف جماعة إرهابية في الولايات المتحدة.

وبدأ الحزب إطلاق الصواريخ على إسرائيل في الثامن من أكتوبر من العام الماضي، بعد يوم واحد من هجوم حركة حماس، المصنفة جماعة إرهابية، على الأراضي الإسرائيلية.

ومع مرور الوقت، تصاعدت العمليات العسكرية بين الجانبين، لتبدأ إسرائيل في 23 سبتمبر حملة قصف جوي مكثفة استهدفت مواقع تقول إنها ضد أهداف لحزب الله في لبنان. وفي 30 سبتمبر، أعلنت بدء عمليات برية "محدودة ومركزة" عند الحدود.

موقف يعبّر عن ضعف؟

"موافقة حزب الله على وقف إطلاق النار تعتبر ضعفاً منه"، كما يقول الخبير العسكري العميد المتقاعد ناجي ملاعب.

ولفت، في حديث لموقع "الحرة"، إلى أنه "عندما كانت إسرائيل تعدّ قوتها العسكرية وتضع استراتيجيتها للدخول إلى لبنان، معلنة على لسان رئيس وزارئها بنيامين نتانياهو نيتها في تغيير خريطة الشرق الأوسط، كان يتعين على حزب الله والحكومة اللبنانية الإعلان عن التزامهما فعلياً بتطبيق القرار 1701، لتكون ورقة دبلوماسية مهمة يمكنهما استخدامها أمام المجتمع الدولي، لقطع الطريق أمام إسرائيل لتنفيذ عملياتها البرية، لكن هذا لم يحدث".

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، اعتبر الثلاثاء، أن "دعوة حزب الله لوقف إطلاق النار تظهر أنه أصبح في موقف دفاعي بعد تعرضه لضربات قاسية"، وهو ما دفعه إلى "تغيير موقفه فجأة، حيث كان يرفض على مدى عام دعوة العالم لوقف النار"، وفق ميلر.

كما أشار الخبير في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، مهند الحاج علي، في حديث لوكالة "رويترز" إلى أن "إسرائيل تمكنت من أن تكون صاحبة اليد العليا من خلال تكثيف الضغوط على حزب الله عسكرياً".

ومع ذلك، يرى ملاعب أن "حزب الله لا يزال يربط وقف إطلاق النار في جنوب لبنان بوقف العمليات في غزة، إلا أن استراتيجية إسرائيل ليست متوافقة مع هذا الطرح، في ظل الدعم الأميركي الكبير لها، الذي تعزز بزيارة الرئيس جو بايدن في 18 أكتوبر من العام الماضي، وتصريحه بأن إسرائيل لن تبقى تحت التهديد".

وفي ذات السياق، قال القيادي في حماس، سامي أبو زهري، لـ"رويترز" إن أعضاء الحركة لا يزالون "واثقين من موقف حزب الله من ربط أي اتفاق بوقف الحرب في غزة"، مستشهداً ببيانات سابقة لحزب الله.

لكن ملاعب يشدد على أن "الجيش الإسرائيلي سيستمر بمعركته ضده حزب الله سواء ربط جبهة جنوب لبنان بغزة أو فكّ هذا الارتباط، كونه يعتبره التهديد الأكبر له في لبنان".

انتحار في أتون النار! 

يرى الكاتب الباحث السياسي، مكرم رباح، أن إعلان نعيم قاسم موافقته على وقف إطلاق النار "يفتقر إلى الصدق"، مستشهداً بتهديداته التي قال فيها "إذا استمر الجيش الإسرائيلي في حربه ضد حزب الله، فالميدان هو الذي يحسم الأمور، ونحن أهل الميدان ولن نستجدي حلاً".

ويعتبر رباح، في حديث لموقع "الحرة"، أن خطاب قاسم ليس فقط دليلاً على الضعف، بل هو بمثابة "انتحار" يخدم مصالح إيران، التي تلقي بلبنان والفلسطينيين في "أتون النار".

لكن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد هشام جابر، يرى أن حزب الله "لن يعارض تنفيذ القرارات الدولية إذا وافقت عليها إسرائيل، دون أن يعلن صراحة فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة"، مضيفا أن الحزب "لن يكون عقبة أمام وقف الدمار، حيث ستقع عليه مسؤولية كبيرة حينها".

ويوضح جابر، في حديث لموقع "الحرة"، أن "حرب الاستنزاف في غزة قد تستمر لفترة طويلة، ربما تمتد لعام إضافي، وهو ما لا يمكن للبنان تحمّله".

وفي إطار جهود احتواء التصعيد، أطلق بري، مبادرته التي تهدف إلى كسر الجمود السياسي الداخلي كخطوة أولى ضمن خطة شاملة تسعى إلى إنقاذ البلاد من الوقوع في هاوية الفوضى والانهيار، وسط حالة من الترقب والقلق حول مستقبل الأوضاع في لبنان.

وتقوم المبادرة على 3 نقاط رئيسية: أولاً، الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، مع التأكيد على استعداد السلطات اللبنانية لتطبيق القرار الدولي 1701، بما في ذلك إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة.

انتهى زمن الدبلوماسية؟

"محاولة ربط وقف إطلاق النار في لبنان من دون تعهد حزب الله بتطبيق القرار 1701 لن تحظى بمصداقية على الساحة الدولية" كما يقول ملاعب، مشدداً على أن "مبادرة بري تظل غير مكتملة في ظل غياب التزام واضح من حزب الله بتنفيذ هذا القرار".

وأشار إلى أنه "كان من الضروري أن تعلن الحكومة اللبنانية بوضوح أن الحزب الله ملتزم بذلك لكي تكتسب المبادرة المصداقية المطلوبة".

كذلك يرى رباح أنه "في ظل الظروف الحالية التي تحيط بلبنان، لا يبدو أن إسرائيل مستعدة للحديث عن أي وقف لإطلاق النار دون الحصول على ضمانات بأن المنطقة المحاذية لها ستكون منزوعة السلاح بشكل حقيقي وقابل للتحقق منه".

وفي ذات السياق، قال دبلوماسيون لوكالة "رويترز"، إن "حزب الله قد تأخر كثيراً في خلق زخم دبلوماسي في ظل التطورات الأخيرة". وأوضح أحد الدبلوماسيين المعنيين بالشأن اللبناني أن "المنطق الحاكم الذي تتبناه إسرائيل حالياً أصبح عسكرياً بدلاً من دبلوماسياً".

وأكد دبلوماسي غربي كبير لـ"رويترز" أنه "لا توجد مؤشرات على وقف إطلاق النار تلوح في الأفق"، مضيفاً أن "الموقف الذي يعبر عنه المسؤولون اللبنانيون يمثل تطوراً عن موقفهم السابق الذي كان يركّز بشكل صارم على وقف إطلاق النار في غزة، وذلك في وقت كانت فيه القنابل تتساقط على بيروت".

أما الحاج علي فيرى أن "حزب الله يمارس لعبة سياسية، لكن هذا ليس كافياً بالنسبة للإسرائيليين. الأمور لا تسير على هذا النحو".

من جانبه، يرى جابر أن "قبول إسرائيل لهدنة لمدة ثلاثة أسابيع سيُعتبر فرصة لحزب الله لإعادة تنظيم صفوفه، حيث سيعدّها استراحة محارب، وهذا ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى رفض هذا السيناريو".

ويشير جابر إلى أن "مشروع وقف إطلاق النار الذي تقوده فرنسا وأميركا لا يزال مطروحاً، لكن مجلس الأمن لم يعقد جلسة بعد لمناقشته".

وأياً يكن، لا يوجد تقدم إيجابي بشأن وقف "الحرب الإسرائيلية على لبنان"، كما أشار رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، موضحاً في حديث صحفي أن تفويض حزب الله له بالمفاوضات السياسية "ليس جديداً، وإن كان تم تجديد تأكيده".

معركة حاسمة؟

ودعا سياسيون لبنانيون، في الأيام الماضية، إلى إصدار قرار لوقف إطلاق النار، مشددين على ضرورة عدم ربط مستقبل لبنان بحرب غزة.

وفي هذا السياق، صرّح عضو كتلة الكتائب اللبنانية، النائب نديم الجميّل، أن حزب الله "يحصد ما زرعه منذ عشرين عاماً".

وأشار، في حديث ضمن برنامج "حوار المرحلة" عبر قناة LBCI أمس الأربعاء، إلى أن الحزب "هددنا ودمّرنا وقتّلنا، ولم يسمح لأحد التعبير بحرية وطوّق الناس في الجبل ولم يترك المجال للدولة كي تتصرّف".

وتساءل الجميّل، عن جدوى سلاح حزب الله في مواجهة موجة النزوح الحالية، قائلاً " كيف حمى هذا السلاح بيئته وقياداته التي اغتيلت، وصولاً إلى الأمين العام نفسه؟"

وأشار إلى أن الحزب الذي دعم غزة بات اليوم يدعم وقف إطلاق النار، داعياً قيادة الحزب إلى الانفصال عن إيران وتسليم سلاحها للجيش اللبناني، مؤكداً أن وقف إطلاق النار لن يتحقق قبل تسليم السلاح، ومشدداً على أن "سلاح حزب الله دمّر لبنان، فكيف سيخرج منتصراً؟"

كما اعتبر أن القرار 1701 "استُشهد في 8 أكتوبر"، وبعد اغتيال نصر الله أصبحت هناك "معادلة جديدة".

من جانبه، قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، بعد اجتماع للهيئة العامة للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في السابع من أكتوبر، "لن نربط مصيرنا بمصير غزة"

وذكرت وكالة "رويترز" أن رئيس "تيار المردة"، سليمان فرنجية، الحليف المقرب لحزب الله، قال لصحفيين، الاثنين الماضي، إن "الأولوية" هي "وقف الهجوم الإسرائيلي". 

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت المعركة الحالية بين حزب الله وإسرائيل "معركة كسر عظم"، يجيب ملاعب "حزب الله ليس وحده في هذه المعركة، فهو جزء من محور إقليمي تدعمه إيران لتعزيز نفوذها وأهدافها في المنطقة"، لافتاً إلى أن "زيارة وزير الخارجية الإيراني للبنان جاءت لتقديم دروس للبنانيين في المقاومة".

أما رباح فيرى أنه "لا يمكن لحزب الله أن يستمر في المرحلة المقبلة بالشكل الذي هو عليه الآن"، مؤكداً أن "الحزب بحاجة إلى الاعتراف بأن صيغته الحالية وسلاحه لم يعودا قادرين على حماية لبنان أو الطائفة الشيعية، ولا حتى على تحقيق أهدافه سواء في مواجهة إسرائيل أو القتال لصالح إيران".

مركبات تابعة لقوات اليونيفيل في مرجعيون بلبنان قرب الحدود مع إسرائيل (رويترز)
مركبات تابعة لقوات اليونيفيل في مرجعيون بلبنان قرب الحدود مع إسرائيل (رويترز)

أنفاق وترسانة عسكرية ضخمة أقامها "حزب الله" طيلة السنوات الماضية، دون اكتراث لما يُعرف بـ"العين الساهرة" على تطبيق القرار 1701، أي قوة الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في جنوب لبنان ((يونيفيل).

 فالحرب الأخيرة بين إسرائيل والحزب كشفت أن الأخير واصل تعزيز قدراته العسكرية في جنوب لبنان ولاسيما المناطق الواقعة جنوبي نهر الليطاني وصولا إلى الحدود مع إسرائيل، وكأن لا رقيب ولا حسيب عليه.

انتقاد "اليونيفيل" جاء هذه المرة على لسان مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مايكل والتز.

مستشار ترامب يشكك

وقال والتز، خلال حديث في معهد الولايات المتحدة للسلام في واشنطن العاصمة، يوم الثلاثاء الماضي، إن "أنفاق وأنظمة الصواريخ كانت نشطة على مسمع من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة".

ما أظهرته الحرب الأخيرة أعاد طرح التساؤلات حول فعالية وجدوى قوات اليونيفيل، التي عزز مجلس الأمن دورها بموجب القرار 1701 عقب حرب يوليو 2006.

وأوكل مجلس الأمن لليونيفيل مساعدة الجيش اللبناني لضمان خلو جنوب نهر الليطاني من أي أسلحة غير شرعية، وهو ما طرحه والتز، الذي أشار إلى ضرورة إجراء "نقاش جاد للغاية حول مستقبل وفعالية هذه القوة".

عناصر من الجيش اللبناني. - فرانس برس
قوة من اليونيفيل في مدينة الخيام الحدودية "تمهيدا لدخول الجيش اللبناني"
جدد الجيش الإسرائيلي تحذيراته إلى سكان الجنوب اللبناني، حيث حذر من عدم الانتقال جنوبا إلى عدد من القرى الحدودية "حتى إشعار آخر"، وذلك في وقت يبدأ فيه الجيش اللبناني الانتشار في بعض المواقع في إطار اتفاق وقف إطلاق النار.

وسط الانتقادات الموجهة إلى اليونيفيل، وصل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس الخميس إلى بيروت في زيارة وصفها بأنها "تعبير عن التضامن العميق مع لبنان وشعبه الذي عانى من أزمات وأحداث داخلية وإقليمية متلاحقة تركت آثاراً سلبية عليه".

واليوم الجمعة، توجّه غوتيريش، برفقة الوفد المرافق، إلى المقر العام لقوات اليونيفيل في الناقورة، حيث عقد اجتماعاً مع القائد العام لليونيفيل، الجنرال أرولدو لاثارو. 

غوتيريش فخور بعمل اليونيفيل

وخلال الجولة، عبّر عن فخره بهذه القوة، قائلاً "أخبرت العالم أنكم جميعاً لستم فقط على الخط الأزرق في لبنان، بل على خط المواجهة من أجل السلام"، مشيراً إلى أن مهمة اليونيفيل هي البيئة الأكثر تحدياً لقوات حفظ السلام في أي مكان.

كما أوضح غوتيريش أن اليونيفيل تمكنت منذ 27 نوفمبر، وهو تاريخ دخول اتفاق وقف النار بين حزب الله وإسرائيل حيز التنفيذ، من الكشف عن أكثر من 100 مخزن أسلحة تعود لحزب الله أو لمجموعات مسلحة أخرى. 

واعتبر أن وجود أفراد مسلحين وأسلحة غير تابعة للحكومة اللبنانية أو قوات اليونيفيل بين الخط الأزرق ونهر الليطاني "يشكّل انتهاكاً صارخاً للقرار 1701 ويقوّض استقرار لبنان".

يذكر أن الانتقادات الموجهة إلى قوات "اليونيفيل" ليست جديدة، وقد تراوحت بين اتهامات بالتراخي في أداء المهام، ووجود عوائق ميدانية تفوق إمكانياتها، وصولاً إلى بالتواطؤ مع حزب الله. 

وفي ظل هذه التحديات، تواجه القوة الدولية أزمة ثقة قد تؤثر على مستقبلها في لبنان.

وفي هذا السياق، يطرح السؤال: هل تستطيع اليونيفيل تحسين أدائها واستعادة مصداقيتها، أم أن التعقيدات السياسية والميدانية ستظل حاجزاً أمام تحقيق مهمتها؟

إخفاقات أم عراقيل؟

وكان تقرير مشترك للمساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، والعميد الإسرائيلي المتقاعد الخبير الاستراتيجي للشؤون الدفاعية، أساف أوريون، اعتبر أن اليونيفيل أثبتت عدم فعاليتها في تنفيذ المهام الموكلة إليها على مدى عقود.

والتقرير حمل عنوان "إيجابيات وسلبيات إنقاذ قوات "اليونيفيل (أو التخلي عنها)"، ونشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في 20 أغسطس 2024.

وأشار شنكر وأوريون، في التقرير، إلى أن اليونيفيل نادراً ما تمكنت من مصادرة أسلحة حزب الله قبل اندلاع الحرب في أكتوبر وما تلاها من حملة جوية إسرائيلية.

وأشار التقرير  إلى فشل اليونيفيل في التحقيق في أكثر من 3000 مستودع أسلحة ومواقع عسكرية استهدفتها إسرائيل منذ أكتوبر، بما في ذلك قواعد مدمرة تديرها منظمة "أخضر بلا حدود"، التي تعتبر واجهة بيئية مزعومة لحزب الله.

ويعكس اكتشاف وتدمير الأنفاق في جنوب لبنان من قبل إسرائيل كما يقول الصحفي علي الأمين "الخلل الكبير في وظيفة قوات اليونيفيل في مناطق انتشارها، بالإضافة إلى الخلل في تطبيق القرار 1701". 

ويرى أن "هذا الخلل لم يكن ناتجاً عن غياب المعرفة لدى اليونيفيل بوجود هذه الأنفاق، بل بسبب غياب الإرادة الدولية الفعلية لتطبيق القرار، مما أدى إلى محاولة تفسير بنوده بطريقة تحول دون قيام اليونيفيل بواجبها".

ويضيف الأمين، في حديث لموقع "الحرة"، أن "حزب الله استخدم بشكل متكرر السكان لمنع اليونيفيل من تنفيذ مهمتها"، مشيراً إلى أن الجيش اللبناني أيضاً لعب دوراً أقرب إلى حزب الله منه إلى اليونيفيل". 

واعتبر الأمين أن "ميزان القوى على الأرض هو الذي كان يفرض وجهة تطبيق القرار 1701، مع غياب الاهتمام الدولي طالما أن الاستقرار قائم وليس هناك من مواجهات عسكرية على طرفي الحدود".

غياب الصلاحيات

ويرى الكاتب المحلل السياسي، وجدي العريضي، أن قوات اليونيفيل تفتقر إلى الصلاحيات اللازمة لمنع حزب الله من التسلح أو بناء الأنفاق. 

ويشير إلى أن هذه القوات "ليست قوات ردع، بل قوات طوارئ دولية، ما يجعلها غير قادرة على مواجهة الحزب".

ويضيف العريضي، في حديث لموقع "الحرة"، أن "الجيش اللبناني والسلطة اللبنانية لم يتمكنا أيضاً من منع حزب الله من اقتناء السلاح، نتيجة وجود ما وصفه بدويلة حزب الله، التي أضعفت مؤسسات الدولة بالكامل، بما فيها الأمنية والسياسية..". 

كما أن "دعم وزراء ونواب الحزب، إلى جانب المساندة الإيرانية والسورية السابقة، لعب دوراً أساسياً في تمكين الحزب من بناء ترسانته العسكرية التي دمّر جزء كبير منها خلال الحرب الأخيرة، خاصة عبر طريق دمشق التي شكّلت ممراً أساسياً لتمرير السلاح إليه"، وفق العريضي.

ويلفت إلى أن قوات اليونيفيل تعرضت للاعتداءات في بعض المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الله، مثل حادثة مقتل الجندي الإيرلندي قبل عام تقريباً، "مما يعكس سيطرة الحزب على جنوب لبنان".

أما الكاتب الباحث السياسي، الدكتور مكرم رباح، فيقول إن "الجميع، بمن فيهم قوات اليونيفيل، الشعب اللبناني، والإسرائيليون، كانوا على علم بوجود أنفاق حزب الله وترسانة أسلحته". 

لكنه يرى أن "عناصر قوات اليونيفيل في جنوب لبنان كانوا بمثابة رهائن لدى حزب الله أكثر من كونهم مراقبين للحدود".

ويشير رباح، في حديث لموقع "الحرة"، إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في أن "اليونيفيل لا تستطيع تنفيذ مهامها عندما يكون سكان تلك المناطق متواطئين مع إيران وحزب الله، وقد دفع قسم من الشعب اللبناني ثمن غياب المسؤولية لدى بعض سكان البلدات الحدودية".

يذكر أن مجلس الأمن الدولي أنشأ بعثة اليونيفيل في مارس عام 1978 بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان. 

ومنذ ذلك الحين تعمل هذه القوة على طول الخط الأزرق الذي يفصل بين لبنان وإسرائيل، وقد تم توسيع ولايتها وتجديدها على مر الأعوام.

بين التواطؤ والإخلاص

وصف شينكر وأوريون في تقريرهما قوات اليونيفيل بالـ"متواطئة"، ومن أسباب ذلك كما يعتبران "اعتمادها على حسن نية السكان في أمنها واستثمارها في استقرار البلاد".

بنا على ذلك "فإنها غالباً ما تتجنب مراقبة المناطق التي قد تولّد توترات بشكل فعال، وتخفف من حدة تقاريرها، وتقدم مساعدات اقتصادية لأنصار حزب الله جنوب الليطاني".

وفيما إن كانت اليونيفيل فعلاً متواطئة مع حزب الله، يقول الأمين "هناك عوامل جعلت قوات اليونيفيل غير قادرة على تنفيذ مهمتها، دون أن يعني ذلك وجود تواطؤ بينها وبين حزب الله، بل كان ذلك انعكاساً لموقف دولي غير حاسم في التصدي لانتهاكات القرار 1701، طالما أن الاستقرار والأمن كانا شبه مستتبين في المنطقة".

ويشرح الأمين "كان هناك تواصلاً ولو غير مباشر بين حزب الله واليونيفيل التي هي قوة لحفظ السلام وليست قوة ردع أو فرض سلام. ولهذا السبب كانت تتحاشى الاصطدام مع الحزب، الذي وجّه لها رسائل عديدة بأنه لن يتساهل إزاء أي ما يعتبره مساً بقدراته العسكرية أو مواقعه غير القانونية في جنوب الليطاني، لا سيما في المناطق الحدودية".

ويضيف أن أداء اليونيفيل كان "يعكس ميزان القوى الدولي وطبيعة القرار 1701، الذي لا يندرج ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إضافة إلى التفسيرات المتباينة لبنوده، وخصوصاً تلك المتعلقة بحرية الحركة دون مواكبة الجيش اللبناني".

كذلك يشدد رباح على أن اليونيفيل "ليست متواطئة مع حزب الله، لكنها في الوقت نفسه غير قادرة على التحول إلى أداة صراع". 

ويشير إلى أن العقبة الأساسية أمامها هي "غياب إرادة لبنانية واضحة، خاصة من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله، للتعاون في أداء مهامها".

وكان المتحدث باسم اليونيفيل، أندريا تيننتي، أشار في مؤتمر صحفي عقده في 30 أكتوبر الماضي، إلى أن دور القوات الأممية يتمثل في دعم تنفيذ القرار 1701 ومراقبة الانتهاكات والإبلاغ عنها.

وشدد أن اليونيفيل "تواصل أداء هذا الدور بإخلاص وثبات من خلال تقاريرها الشاملة والمنتظمة التي تقدمها لمجلس الأمن".

وفي كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن في 10 أكتوبر الماضي، أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان بيير لاكروا، أن دور قوات اليونيفيل يقتصر على دعم تنفيذ القرار 1701. 

لكنه شدد في الوقت نفسه على أن مسؤولية تنفيذ بنود هذا القرار "يقع على عاتق الطرفين نفسيهما".

دور على المحك؟

فرض اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُقر بين لبنان وإسرائيل في 27 نوفمبر كما يقول الأمين "وقائع جديدة وملحقات لهذا القرار، بما في ذلك تشكيل لجنة رقابة برئاسة أميركية تمنح صلاحية تفسير بنود القرار". 

ويرى الأمين أن "الوضع الحالي يشير إلى أن قدرة حزب الله على التصدي لتنفيذ القرار انتهت بعد قبوله الانسحاب من الجنوب".

من جهة أخرى، استفادت إسرائيل كما يقول الأمين "من ملحقات القرار، التي تمنحها حق تجاوز بنوده على قاعدة أن خروقات حزب الله تتيح لها حرية التصرف لاستهداف ما تعتبره انتهاكاً للقرار في حال عجزت اليونيفيل والجيش اللبناني عن لجمه".

"تولى الجيش اللبناني قيادة هذه المرحلة، وسيتعاون مع اليونيفيل"، كما يقول رباح، ومع ذلك، تبقى المشكلة الأساسية برأيه "في عدم اعتراف حزب الله وحركة أمل بأن توقيع القرار 1701 يعني فعلياً التخلي عن سلاحهما بشكل كامل، سواء في جنوب الليطاني أو شماله".

ويصف العريضي اللجنة المكلفة تطبيق القرار 1701 بأنها "محور أساسي، جاءت نتيجة توافق دولي كبير، بقيادة الوسيط الأميركي آموس هوكستين، وبدعم فرنسي وبريطاني ودولي، بالإضافة إلى دعم عربي". 

ويرى أن هذه اللجنة "تملك القدرة على مراقبة ومتابعة تنفيذ بنود القرار، بما في ذلك ضبط تسلح حزب الله".

لكن العريضي يشير إلى "وجود غموض حول دور اللجنة وآلية عملها"، مستنداً إلى تصريحات سفراء سابقين في الولايات المتحدة. 

ويقول "المفاوضات التي أجراها رئيس مجلس النواب نبيه بري، نيابة عن حزب الله، مع الوسيط الأميركي، تحمل في طياتها بنوداً توصف بـ"الاستسلامية"، ما قد يمنح "إسرائيل مساحة لاستهداف ما تبقى من سلاح الحزب أو حتى تنفيذ عمليات اغتيال تطال قياداته".

ويرى أن "المشهد سيصبح أكثر وضوحاً مع تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وتشكيل حكومة جديدة في لبنان. هذه التطورات، ستحدد المسار المستقبلي لتطبيق القرار 1701 وآلية التعامل مع ملف حزب الله وسلاحه".

وكان شينكر وأوريون، دعيا في تقريرهما إلى مراجعة جذرية لعمل قوة اليونيفيل، التي تكلف سنوياً 500 مليون دولار، تتحمل الولايات المتحدة منها 125 مليون دولار.

وذكرا أن أن استمرار ضعف فعالية ومصداقية هذه القوة يثير التساؤلات حول جدوى وجودها، ما يدفع إلى التفكير في إلغاء نشرها بشكل دائم.

وإذا كانت واشنطن تعتقد أن "اليونيفيل" قادرة على المساهمة في تأجيل أو منع حرب أخرى بين حزب الله وإسرائيل، فسيتعين عليها وفق شينكر وأوريون اتخاذ عدة خطوات لإنقاذ ما يمكنها إنقاذه من هذه المنظمة. 

وفي حال استمرار الأداء الضعيف لليونيفيل، يعتبر الكاتبان أنه يتعين حينها على واشنطن النظر بجدية في استخدام حق النقض ضد ولايتها، وإنهاء انتشارها، والبدء من جديد.

وفي وقت تثار شكوك بشأن مستقبل ودور قوات اليونيفيل، أكد غوتيريش من الناقورة مواصلة العمل بشكل وثيق مع الدول المساهمة بهذه قوات لضمان حصولها على القدرات المعززة، بما في ذلك إزالة الألغام والتخلص من الذخائر غير المنفجرة، بغية تمكينها من استئناف الدوريات ومهام المراقبة الموكلة إليها.

وقال غوتيريش، متوجهاً إلى الجنرال أرلدو لاثارو وقيادة البعثة، "أعلم أن هذه القدرات، إلى جانب تكييف أسلوب العمليات ضمن إطار ولايتكم، هي حيوية لاستعادة حرية الحركة والوصول في جميع أنحاء منطقة عمليات اليونيفيل. وسأؤكد على هذه الرسائل في اجتماعاتي غدا مع القادة اللبنانيين".