تبعات ضربة إسرائيلية في لبنان
تبعات ضربة إسرائيلية في لبنان

أعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، شن غارات جوية جنوبي لبنان ما أسفر عن مقتل قياديين في حزب الله اللبناني، في صدرت فيه أوامر  بإخلاء "ربع مساحة" البلاد، وفق تصريحات مسؤول أممي، وذلك بالتزامن مع تواصل المساعي الدبلوماسية الدولية لوقف القتال.

وقال الجيش في بيان إن طائرات حربية أغارت وقضت على قائد منطقة حولا في حزب الله "المدعو أحمد مصطفى الحاج علي الذي كان مسؤولا عن مئات من عمليات إطلاق القذائف الصاروخية نحو منطقة كريات شمونا".

كما أضاف أنه "في غارة أخرى، قضت قواتنا على قائد منظومة القذائف المضادة للدروع لحزب الله في منطقة ميس الجبل المدعو محمد علي حمدان والذي كان مسؤولًا عن عمليات إطلاق قذائف مضادة للدروع نحو بلدات الشمال".

من جانبها، ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام، الخميس، أن عدد الغارات التي استهدفت المنطقة الحدودية في الهرمل بلغت 9 حتى ظهر اليوم.

وفي صور جنوب لبنان ذكرت الوكالة نفسها أن الطيران الحربي الاسرائيلي شن سلسلة غارات صباحا استهدفت بلدات وقرى النُفَّاخية، وديركيفا ودير إنطار ، كما قصفت المدفعية الإسرائيلية منطقة حامول عند أطراف بلدة الناقورة .

وذكرت الوكالة أيضا أن الطيران الإسرائيلي شن فجر الخميس غارات على بلدة حمر في البقاع الغربي، ما تسبب في سقوط قتيلين.

وأضافت الوكالة اللبنانية الرسمية، أنه في القطاع الشرقي جنوبًا، شنت إسرائيل صباح الخميس، سلسلة غارات على بدلة الخيام بالتزامن مع قصف مدفعي كثيف على البلدة.

وفي سياق متصل، استهدفت غارة بلدة طيرحرفا في قضاء صور، جنوبي لبنان، حسب الوكالة الوطنية للإعلام.

وكان حزب الله قد أعلن في بيان له انه استهدف ظهر اليوم دبابة اسرائيلية اثناء تقدمها إلى راس الناقورة بالصواريخ الموجهة "ما أدى الى احتراقها و تدميرها و سقوط طاقمها بين قتيل و جريح".

وأعلنت الجماعة اللبنانية المسلحة المدرجة على قائمة الإرهاب الأميركية في بيان، أنها قد استهدفت أيضا تجمعا للجنود الاسرائيليين في كفرجلعادي بصلية صاروخية.

غارات ليلية

وقال الجيش الإسرائيلي إنه شن خلال الليلة الماضية غارات في العاصمة بيروت "بتوجيه استخباراتي دقيق... مستودعات أسلحة وبنى عسكرية".

وفي سياق متصل، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل أحد جنوده خلال المعارك الدائرة في جنوب لبنان، فيما أشار مراسل الحرة إلى أن الليلة الماضية شهدت "هدوء حذرا في كافة أنحاء إسرائيل دون دوي لصافرات الإنذار".

وفي معقل حزب الله بالضاحية الجنوبية، ذكرت الوكالة أن إسرائيل شنت غارة عنيفة منتصف ليل الأربعاء/الخميس، على حارة حريك، دون ذكر تفاصيل عن الضحايا.

أوامر إخلاء.. و"استهداف" لطواقم الإسعاف

وفي سياق ذي صلة، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن ربع الأراضي اللبنانية تلقت أوامر إسرائيلية بإخلائها، ما يؤكد اتساع حرب إسرائيل ضد "حزب الله" وتفاقم الأزمة الإنسانية في لبنان.

وقال المكتب إن "الأزمة الإنسانية في لبنان تتدهور بمعدل ينذر بالخطر"، مشيرة إلى أن "الغارات الجوية الإسرائيلية لم تتكثف فحسب، بل توسعت أيضا إلى مناطق لم تكن متأثرة سابقا واستهدفت بشكل متزايد البنية التحتية المدنية الحيوية".

وذكر أن "أوامر الإخلاء الصادرة لأكثر من 100 قرية وحي حضري في جنوب لبنان لا تزال تجبر الناس على الفرار، وأصبح ربع الأراضي اللبنانية يخضع الآن لأوامر التهجير العسكرية الإسرائيلية".

وأضاف: "يتعرض القطاع الصحي في لبنان لضغوط هائلة من الهجمات المتواصلة على مرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها، كما يواجه قطاع التعليم في لبنان تحديات هائلة، حيث يتم حاليا إعادة توظيف غالبية المدارس العامة كملاجئ جماعية".

من جانبها أعلنت وزارة الصحة اللبنانية في بان، الأربعاء، أن الجيش الإسرائيلي "جدد استهداف" طواقم الإنقاذ والإسعاف، بعدما شن غارة على مركز الدفاع المدني في بلدة دردغيا بقضاء صور جنوبي البلاد، ما أدى في حصيلة أولية إلى مقتل خمسة من المسعفين ورجال الإنقاذ في المركز، ولا تزال عمليات رفع الأنقاض مستمرة.

ويواجه لبنان أزمة إنسانية كارثية مع وصول عدد النازحين داخليا إلى 600 ألف شخص، وفق ما حذر مسؤولون في الأمم المتحدة.

وقالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، جينين هينيس بلاسخارت، في إحاطة صحفية، الأربعاء: "يواجه لبنان صراعا وأزمة إنسانية ذات أبعاد كارثية" معربة عن "أملها في أن تكون إسرائيل الآن مستعدة لدعم الدعوات العديدة" لوقف التصعيد.

وعلى المستوى السياسي، قال رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، في تصريحات صحفية، إنه لا وجود لتقدم إيجابي بشأن الحرب الدائرة حاليا، لافتا إلى أن تفويض حزب الله له بالمفاوضات السياسية "ليس جديدا، وإن كان تم تجديد تأكيده".

وحول المواقف الدولية من مساعي وقف الحرب قال: "الفرنسيون ما زالوا معنا في الموقف، وكذلك البريطانيون. أما الأميركيون فيقولون إنهم معنا، لكنهم لا يفعلون شيئاً لوقف العدوان".

وأكد أن التفويض الذي تحدث عنه نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، ليس جديداً، ولا يغير شيئا.. في حرب عام 2006 كنت أتولى التفاوض السياسي، واليوم أفعل الشيء نفسه"، نافياً ما يتردد عن رفضه التفويض".

وأشار إلى أنه يعوّل على جلسة مجلس الأمن المرتقبة، الخميس، وما إذا كان سيصدر عنها شيء بخصوص لبنان.

من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، الأربعاء، أن المؤتمر الدولي المخصص للبنان الذي دعا إليه الرئيس، إيمانويل ماكرون، سيعقد في باريس في 24 أكتوبر لتعبئة المجتمع الدولي لمساعدة اللبنانيين ودعم مؤسساتهم.

وقالت الوزارة في بيان إن "هذا المؤتمر الوزاري سيجمع الدول الشريكة للبنان والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية والإقليمية والمجتمع المدني".

بايدن ونتانياهو في لقاء في البيت الأبيض في يوليو 2024
البيت الأبيض يكشف تفاصيل مكالمة بايدن ونتانياهو
قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي، جو بايدن، حث رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الأربعاء، على تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين في لبنان، وخاصة في المناطق المأهولة بالسكان في بيروت، بينما كرر دعمه لاستهداف مسلحي جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران.

البيت الأبيض، أعلن في بيان أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، كرر لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الأربعاء، دعمه لاستهداف مسلحي جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران.

وقال البيت الأبيض إنهما ناقشا خطط إسرائيل في المكالمة التي استمرت 30 دقيقة، وحث بايدن نتنياهو على الحد من الضرر الذي يلحق بالمدنيين في لبنان.

وتتوعد إسرائيل إيران بدفع ثمن هجومها الصاروخي الذي تسبب في أضرار طفيفة، بينما قالت طهران إنها ستقابل أي رد بدمار واسع النطاق، مما أثار مخاوف من اندلاع قتال أوسع نطاقا في المنطقة المنتجة للنفط.

وكان بايدن قد أدلى الأسبوع الماضي بتصريحات غير مؤيدة لفكرة استهداف إسرائيل حقول النفط الإيرانية، وقال إنه لن يدعم إسرائيل في ضرب المواقع النووية الإيرانية.

ضربات في سوريا

أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، الخميس، بوقوع هجوم إسرائيلي على منطقة صناعية في محافظة حمص بوسط سوريا.

وقالت سانا إن المعلومات الأولية تفيد بأن الهجوم وقع في مدينة حسياء واستهدف "أحد معامل السيارات مما أسفر عن وقوع أضرار مادية".

كما أفادت وسائل إعلام رسمية بسماع دوي انفجارات في درعا.

من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا إن مصنع تجميع السيارات المستهدف بالغارة هو "مصنع إيراني".

وأضاف "وقع استهداف مباشر لمصنع السيارات الإيراني، وهناك أيضا غارات على ريف حماة الجنوبي".

وبحسب المرصد فإن الغارات على ريف حماة استهدفت منطقة فيها دفاعات جوية وقوات حكومية.

والأربعاء، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل في سوريا عضوا في حزب الله بضربة جوية في منطقة القنيطرة في سوريا بمحاذاة الجولان.

وجاء في بيان للجيش "ضرب سلاح الجو وقضى على أدهم جاحوت (العضو) في خلية حزب الله الإرهابية في سوريا في منطقة القنيطرة".

ووصف جاحوت على أنه وسيط كان يمرر لحزب الله "معلومات من مصادر في النظام السوري".

وكان "ينقل معلومات جمعت على الجبهة السورية للسماح بشن عمليات ضد إسرائيل من الجولان".

وأكد الجيش الإسرائيلي أن الغارة الجوية وقعت في منطقة القنيطرة في جنوب غرب سوريا قرب هضبة الجولان.

ونادرا ما تعلق السلطات الإسرائيلية على ضربات فردية في سوريا لكنها أكدت مرارا أنها لن تدع إيران تعزز نفوذها في سوريا.

كيف تصل إسرائيل إلى هذه الدقة في إصابة أهدافها؟ وما هي الاستراتيجية والأهداف؟
كيف تصل إسرائيل إلى هذه الدقة في إصابة أهدافها؟ وما هي الاستراتيجية والأهداف؟

طائرة تحلّق في الأجواء. صاروخ لا تراه لكن تشاهد أثره: سيارة تتحول في ثوان إلى حطام، أو شقة سكنية تتحول إلى كتلة لهب.

الهدف كادر أو قيادي في حزب الله.

والمشهد يتكرر.

في لبنان، تهدئة معلنة.. هذا على الأرض.

لكن في السماء، تواصل الطائرات الإسرائيلية المسيّرة التحليق وتنفيذ ضربات دقيقة تخلّف آثاراً جسيمة، ليس في ترسانة الحزب العسكرية فقط، بل في البنية القيادية كذلك.

وفيما يحاول الحزب امتصاص الضربات، تتوالى الأسئلة: كيف تصل إسرائيل إلى هذه الدقة في إصابة أهدافها؟ أهو التقدّم التكنولوجي المحض، من ذكاء اصطناعي وطائرات بدون طيار؟ أم أن هناك ما هو أخطر؟ اختراقات بشرية داخل صفوف الحزب تُستغلّ لتسهيل تنفيذ الضربات؟ وما هي الاستراتيجية الإسرائيلية هنا والأهداف؟

"اختراق بشري"

استهداف تلو الآخر، والرسالة واضحة: اليد الإسرائيلية طويلة بما يكفي لتصل إلى أي نقطة في لبنان، والعين الإسرائيلية ترى ما لا يُفترض أن يُرى.

يصف القائد السابق للفوج المجوقل في الجيش اللبناني، العميد المتقاعد جورج نادر العمليات الإسرائيلية الأخيرة بأنها "بالغة التعقيد، تعتمد على تناغم نادر بين التكنولوجيا المتقدّمة والاختراق الاستخباراتي البشري"، مشيراً إلى أن "تحديد هوية القادة الجدد الذين حلّوا مكان المُغتالين يتم عبر تقنيات متطوّرة تشمل بصمات العين والصوت والوجه"، متسائلاً "من أين حصلت إسرائيل على أسماء القادة والكوادر الجدد؟ الجواب ببساطة: عبر اختراق بشري فعّال".

ويتابع نادر "حتى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، المعروف بتشدده الأمني وإقامته في مواقع محصّنة، لم يكن بمنأى عن محاولات التتبّع، إذ تحدّثت تقارير استخباراتية دولية عن اختراق بشري ساعد في تحديد موقعه".

ويرى أن "ما نشهده هو منظومة اغتيال متطوّرة ومتعددة الأبعاد، تمزج بين الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة والعمل البشري الدقيق. هذه الثلاثية تفسّر نجاح العمليات الأخيرة، والأثر العميق الذي تتركه في هيكلية حزب الله، سواء على المستوى العملياتي أو المعنوي".

من جانبه، يرى الباحث في الشأن السياسي نضال السبع أن هذه الاستهدافات "تعكس مزيجاً من التفوق التقني الإسرائيلي والاختراق الأمني الداخلي في بنية الحزب، وكما هو واضح فإن إسرائيل تمتلك قائمة أهداف تتعامل معها تباعاً، وفقاً لمعلومات دقيقة يتم تحديثها باستمرار، ما يتيح لها تنفيذ عمليات مدروسة بعناية شديدة، ويحدّ من قدرة حزب الله على المناورة أو استعادة توازنه سريعاً".

صمت وعجز

على الرغم من الضربات المتتالية التي تلقاها الحزب منذ 27نوفمبر الماضي، والتي أودت بحياة عدد كبير من كوادره، لم يقم بالرد، ويُفسّر نادر ذلك بـ"ضعف فعلي في القدرة على الرد، أكثر من كونه خياراً استراتيجياً".

ويقول نادر "ليس بالضرورة أن الحزب لا يريد الرد، بل الحقيقة أنه لم يعد يمتلك القدرة. هو يعاني من تراجع عملياتي ملحوظ، وتصدّع في هيكليته القيادية، يرافقه حصار سياسي داخلي وخارجي يزداد ضيقاً".

ويضيف "حتى لو قرّر الرد، فما الذي يمكنه فعله فعلاً؟ هل يملك القدرة على تنفيذ عملية نوعية تترك أثراً؟ المعطيات الحالية تشير إلى أن هذه القدرة باتت شبه معدومة، لا سيما بعد خسارته الغطاء السياسي الذي كان يوفره له بعض الحلفاء، ومع تزايد عزلته على الصعيدين العربي والدولي".

ويختم نادر بالقول "تصريحات الحزب تعكس حالة من التردد والارتباك. فتارةً يتحدّث عن التزامه بقرارات الدولة، وتارةً يلوّح بحق الرد. لكن الواقع على الأرض يقول إنه في وضع حرج: محاصر سياسياً، وعاجز عسكرياً، وأي مغامرة جديدة قد تكلّفه الكثير... وهو يعلم ذلك جيداً".

من جانبه، يرى السبع أن حزب الله لا يسعى حالياً إلى الرد، بل يركّز على "مرحلة إعادة التقييم والاستعداد"، مشيراً إلى أن الحزب "رغم الخسائر، لا يزال يحتفظ ببنية عسكرية كبيرة، تفوق في بعض جوانبها إمكانيات الجيش اللبناني نفسه، لكنه في المقابل، يقرأ المشهد اللبناني الداخلي بدقة، ويدرك حساسية التزامات الدولة تجاه المجتمع الدولي، ولا سيما مع توقف خطوط إمداده من سوريا، ما يدفعه إلى التريّث في اتخاذ قرار المواجهة".

خريطة استراتيجية تغيرت

يرى الباحث نضال السبع أن الإسرائيليين يشعرون بالتفوق. يضيف "عزز هذا الانطباع عدد من العوامل، أبرزها سقوط النظام السوري كحليف استراتيجي، والتقدم الميداني في غزة، وعجز الحزب عن تنفيذ ضربات نوعية، فضلاً عن ازدياد عزلته السياسية في الداخل اللبناني، لا سيما بعد انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتشكيل نواف سلام للحكومة".

يشبّه السبع ما يجري اليوم في لبنان بالمشهد الذي أعقب حرب يوليو 2006، "حيث توقفت العمليات العسكرية رسمياً، فيما بدأت إسرائيل التحضير لما وصفته آنذاك بـ(المعركة الأخيرة)، مستغلة فترة الهدوء الطويل لإعادة التموضع وتكثيف الجهوزية".

يقول إن "حزب الله دخل مرحلة إعادة تقييم وتجهيز بعد سلسلة الضربات التي تلقاها في الأشهر الماضية، في حين تسعى إسرائيل إلى منعه من التقاط الأنفاس، عبر استمرارها في تنفيذ عمليات نوعية ودقيقة، تشبه إلى حدّ بعيد تلك التي نفذتها في الساحة السورية بعد العام 2011، عندما استباحت الأجواء السورية".

ويضيف أن "المشهد ذاته يتكرر اليوم في لبنان، حيث باتت الطائرات المسيّرة الإسرائيلية جزءاً من المشهد اليومي، تنفّذ عمليات اغتيال متتالية".

كسر البنية القيادية

لكن هل تؤثر هذه العمليات على بنية الحزب؟

يوضح السبع أن "الاستهدافات الأخيرة تطال كوادر داخل حزب الله، لكن الضربة الكبرى وقعت خلال حرب الشهرين، حين تعرّضت قيادات الصف الأول والثاني للاغتيال، أما اغتيال كوادر من الصف الثالث، فله تأثير محدود ولا يحدث خللاً جذرياً في الهيكل التنظيمي للحزب".

من جهته، يرى العميد المتقاعد جورج نادر أن أهداف إسرائيل من تصفية الكوادر العسكرية تلامس عمقاً استراتيجياً أكبر، موضحاً: "الرسالة الأساسية التي تبعث بها إسرائيل من خلال هذه العمليات هي التأكيد على قدرتها على استهداف أي عنصر أو قائد في حزب الله، وفي أي موقع داخل الأراضي اللبنانية، ما يكرّس واقعاً أمنياً جديداً تتحكم فيه بالمجال الجوي للبنان".

ويؤكد نادر أن وراء هذا الاستهداف "رسالة مباشرة مفادها أن لا أحد بمنأى، ما يترك أثراً نفسياً بالغاً على العناصر، ويقوّض شعورهم بالأمان".

خريطة استهدافات

رسمت إسرائيل، خلال السنوات الماضية، خريطة دقيقة لاستهداف قيادات حزب الله، عبر عمليات اغتيال شكّلت ضربة قاسية للحزب. ومن بين أبرز هذه العمليات، اغتيال ثلاثة من أمنائه العامين.

ففي 16 فبراير 1992، اغتيل عباس الموسوي، الأمين العام الأسبق لحزب الله، في غارة جوية استهدفت موكبه في جنوب لبنان.

وفي سبتمبر 2024، قتل حسن نصر الله، بصواريخ خارقة للتحصينات، في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعد أسابيع، في أكتوبر 2024، اغتيل هاشم صفي الدين، خلفية نصر الله، في عملية مماثلة.

وطالت الاغتيالات شخصيات بارزة في الجناح العسكري للحزب، أبرزهم عماد مغنية، الذي قُتل في فبراير 2008، إثر تفجير سيارة مفخخة في أحد أحياء دمشق، وفي مايو 2016، لقي مصطفى بدر الدين، خليفة مغنية مصرعه في تفجير استهدفه قرب مطار دمشق.

واغتيل فؤاد شكر، القائد البارز في وحدة "الرضوان"، في يوليو 2024، بواسطة طائرة استهدفته داخل مبنى سكني في الضاحية الجنوبية.

وفي سبتمبر 2024، لقي إبراهيم عقيل، عضو مجلس الجهاد والرجل الثاني في قيادة الحزب بعد مقتل شكر، المصير ذاته، إثر ضربة بطائرة استهدفته في الضاحية.

ويرى نادر أن "هذه الاغتيالات لا تكتفي بالتأثير الرمزي، بل تُحدث خللاً فعلياً في التراتبية القيادية داخل الحزب، إذ يصعب تعويض القادة المستهدفين بسرعة أو بكفاءة مماثلة، ما يربك الأداء الميداني والتنظيمي، ويجعل من عمليات الاغتيال أداة استراتيجية تستخدم لإضعاف حزب الله من الداخل".