آثار غارة إسرائيلية على لبنان
آثار غارة إسرائيلية على لبنان

أعلن الجيش الإسرائيلي شن نحو 230 غارة على مناطق في لبنان وقطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية، شملت ما قال إنها "خلايا ومواقع لإطلاق قذائف مضادة للدروع ومنصات لإطلاق صواريخ".

ويقول الجيش الإسرائيلي إنه "يعمل بشكل محدد ضد بنى تحتية وضد عناصر حزب الله في جنوب لبنان"، وإن قواته "قضت على مدار الساعات الماضية على عشرات المسلحين في اشتباكات وغارات جوية، ودمرت الكثير من البنى وعثرت على وسائل قتالية عديدة". 

ونقل مراسل الحرة عن الجيش الإسرائيلي، أنه شن على مدار الساعات الماضية، غارات "على نحو 200 هدف لحزب الله في عمق وجنوبي لبنان، شملت خلايا ومواقع لإطلاق قذائف مضادة للدروع ومنصات لإطلاق صواريخ أرض-أرض".
21 قتيلاً في الشمال

والإثنين، وسّع الجيش الإسرائيلي غاراته إلى الشمال اللبناني، حيث ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أنها أسفرت عن مقتل 21 شخصاً على الأقل، وفق حصيلة للصليب الأحمر اللبناني، جراء غارة استهدفت لأول مرة، بلدة أيطو في قضاء زغرتا.

ويعدّ هذا الاستهداف الثاني لشمالي لبنان منذ السبت، حين طالت غارة إسرائيلية بلدة دير بيلا، الواقعة على بعد 15 كيلومتراً من مدينة البترون الساحلية. 

وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام، أن الغارة "استهدفت منزلاً لجأت إليه عائلات من الجنوب".

"أوامر إخلاء في العمق"

ولفتت الوكالة إلى أن رقعة القصف في الجنوب اللبناني اتسعت أيضاً، الإثنين، مع صدور إنذارات بإخلاء قرى وبلدات، شملت قرى منطقة الزهراني التي لا يزال يسكنها الآلاف، كونها بعيدة نسبياً عن الحدود بنحو 40 كيلومتراً.

وأما في شرق لبنان، فقد نفذ الجيش الإسرائيلي غارة في بلدة العين بالبقاع الشمالي، تزامناً مع مرور قافلة مؤلفة من 3 شاحنات باتجاه بلدة رأس بعلبك، بعد أن تم إفراغ حمولة شاحنتين في مدينة بعلبك، وفق وكالة الإعلام.

وأعلن محافظ بعلبك - الهرمل بشير خضر، أن إحدى شاحنات المساعدات التي كانت متجهة نحو رأس بعلبك أصيبت بأضرار، نتيجة عصف الغارة في بلدة العين، مما أدى إلى إصابة سائق الشاحنة بجروح.

من جانبه، ذكر مراسل الحرة، الثلاثاء، أن الجيش الإسرائيلي اعترض صاروخين أُطلقا من لبنان، دون وقوع إصابات أو أضرار.

وأشار إلى أن دوي صافرات إنذار سُمع في مناطق واسعة في إسرائيل، وطال الجليلين الأعلى والأسفل وخليج حيفا جنوبا حتى مدينة قيساريا.

غارات على غزة

وفي قطاع غزة، شن الجيش الإسرائيلي حوالي 30 غارة على مواقع مختلفة خلال الساعات الـ24 الماضية.

وقال الجيش إن قوات الفرقة 162 "تواصل العمل في منطقة جباليا"، معلنا أنها قتلت "مسلحين، ومن ضمنهم خلية نفذت عملية إطلاق قذائف مضادة للدروع نحو القوات الإسرائيلية". 

وقالت هيئة البث الإسرائيلية، إن قوات الجيش "أكملت ضرب طوق حول مدينة جباليا، وفصلها عن بيت حانون وبيت لاهيا شمالا، وعن مدينة غزة جنوبا"، مضيفة أن العملية العسكرية "مستمرة وتتركز على تجريد حماس من إمكانية السيطرة على شمالي قطاع غزة".

وفي وسط وجنوبي قطاع غزة، تواصل "قوات فرقة غزة والفرقة 252 بالجيش الإسرائيلي أعمالها"، حيث قال متحدث باسم الجيش إن القوات "قضت على عدد من المسلحين ودمرت عدة بنى تحتية، وكشفت ودمرت منصة صاروخية لحماس". 

من جانبها، ذكرت وكالة "وفا" الفلسطينية، أن الغارات الإسرائيلية على مناطق متفرقة من القطاع، أسفرت عن مقتل وإصابة فلسطينيين، فجر الثلاثاء.
ونقلت عن مصادر محلية وطبية، أن 7 أشخاص، من بينهم أطفال، قتلوا وأصيب آخرون بعد قصف منزل في إسكان الأوروبي ببلدة الفخاري شرق خان يونس، جنوبي قطاع غزة.

كما قتل 3 أشخاص وأصيب آخرون في قصف منزل لعائلة الدحدوح، في محيط مسجد صلاح الدين بحي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة.

مطار بيروت

لأعوام طويلة، حول حزب الله مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت إلى معبر تهريب لحقائب العملة الصعبة والذهب والسلاح، في تجاوز صارخ لسلطة الدولة اللبنانية. 

اليوم، ومع تصاعد الضغوط الداخلية والدولية، تعمل السلطات اللبنانية على إعادة فرض هيبتها على هذا المرفق الحيوي، في مسعى لضبط الوضع الأمني وفرض السيادة على أحد أبرز منافذ البلاد.

وفي هذا السياق، أطلقت الحكومة اللبنانية سلسلة إجراءات أمنية وإدارية، شملت منع هبوط شركات الطيران الإيرانية، وإجراء تغييرات أمنية داخل المطار، إضافة إلى فصل عشرات الموظفين للاشتباه بانتمائهم إلى حزب الله، وفقا لتقارير. 

وكثّفت السلطات عمليات التفتيش ووسّعت دائرة المراقبة على الشحنات الواردة والصادرة، سعيا لكبح أي نشاطات مشبوهة.

وترافق ذلك مع حملة دبلوماسية قادها لبنان لطمأنة المجتمع الدولي بالتزامه بمكافحة التهريب وتجفيف منابع التمويل غير المشروع، في مسعى لاستعادة الثقة الدولية بلبنان.

إجراءات صارمة؟

وأسفرت سلسلة عمليات أمنية في المطار عن إحباط تهريب أموال وذهب في الآونة الأخيرة، يشتبه في ارتباطها بحزب الله، وكان أحدثها قبل أيام عندما ضبطت السلطات شحنة ذهب، نفى النائب في البرلمان اللبناني عن حزب الله حسن فضل الله، أن تكون مرتبطة بالحزب.

وفي فبراير الماضي، أعلنت وزارة المالية اللبنانية عن ضبط مليونين ونصف مليون دولار مع أحد المسافرين القادمين من تركيا.

وفي هذا السياق، أجرى رئيس الحكومة نواف سلام في 13 مايو جولة تفقدية في المطار برفقة وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني، واجتمع مع قائد جهاز أمن المطار العميد فادي كفوري وعدد من المسؤولين. 

واطلع سلام على سبل تعزيز الأمن وتسهيل حركة المسافرين.

"الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية في مطار بيروت الدولي ماثلة للعيان ويلاحظها جميع رواده من لبنانيين وأجانب، مغادرين أو واصلين"، يقول المحلل السياسي الياس الزغبي.

ويضيف أن تلك الإجراءات "أمنيّة وإدارية وتنظيمية وسياحية مشددة، ولكنها خاضعة لمزيد من الاختبار والمتابعة لئلّا تكون ظرفية أو طارئة تعود بعدها الفوضى ويستشري الفلتان كما كانت عليه الأمور سابقا".

ولاقت الإجراءات المتخذة في المطار "ارتياحا خارجيا وداخليا"، وفق ما يقوله الزغبي لموقع "الحرة"، "وهذا ما شجع بعض الدول الخليجية على السماح لمواطنيها بالمجيء إلى لبنان بعد احتجاب سنوات، ما يؤدي إلى صيف سياحي واعد في حال استمرار الهدوء في الربوع اللبنانية".

ويرجح الزغبي انزعاج حزب من هذه التدابير "لأنها أقفلت في وجهه باباً أساسياً من أبواب تهريب الأموال والمخدرات وحتى الأسلحة، خصوصاً بسبب منع الطائرات الإيرانية من الهبوط".

ورغم الضغوط التي يمارسها حزب الله على الدولة وأجهزتها لوقف هذه الإجراءات "تتابع السلطات السياسية والأمنية مهمتها لأن المسألة بالغة الجدية للعرب والعالم ولا تستطيع هذه السلطات التهاون فيها".

تحديات قائمة

تواجه مطار بيروت ثلاث مشكلات رئيسية، وفقا للخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب، وهي تتراوح بين التحديات الأمنية والثغرات اللوجستية والإدارية، قد تنعكس على الأمن العمليات وسيرها.

يشير ملاعب في حديث لموقع "الحرة" إلى أن الموقع الجغرافي للمطار يشكل تهديداً أمنياً بالغ الأهمية.

"يقع المطار في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي منطقة ذات نفوذ شيعي، مما يجعل السيطرة الأمنية خاضعة لتأثير مباشر من قوى الثنائي الشيعي".

ويضيف "رغم إزالة الإعلانات التابعة لحزب الله على الطرق المؤدية إلى المطار، فإن ذلك لا يعني خروج المنطقة من نطاق السيطرة الفعلية".

ويشير ملاعب إلى أن "الجيش اللبناني اضطر في فترة معينة إلى فتح مسار بديل عبر منطقة الشويفات لتسهيل دخول الموظفين، بعد تعذّر استخدام الطريق الرئيسي نتيجة إغلاقها على أيدي مسلحين، وتم تمرير الموظفين بمحاذاة المدرج تحت حماية عسكرية لضمان وصولهم".

وأشار ملاعب إلى أن "الإرث الذي خلفه التعاون بين الرئيس السابق ميشال عون وحزب الله أتاح للأخير نفوذا في المطار، تجلى في التعيينات وآلية سير العمل".

في ما يتعلق بالثغرات اللوجستية، انتقد ملاعب ضعف تقنيات المراقبة في المطار، مشيرا إلى أن "تطوير الأنظمة الأمنية يمكن أن يحد بشكل كبير من عمليات التهريب".

واتهم "بعض الموظفين الذين يعطلون الأجهزة بالتواطؤ لتسهيل مرور البضائع المهربة".

وعن التحديات الإدارية،يشدد على أن جهاز الجمارك يمثل "نقطة ضعف خطيرة"لأن "أي خلل في إدارة الجمارك يفتح الباب أمام عمليات التهريب، خاصة في ظل ضعف الإجراءات التقنية واللوجستية".

ويرى ملاعب أن هناك فجوة مالية صادمة في إيرادات المطار  إذ أن "قيمة الواردات اللبنانية في عام 2024 بلغت نحو 17 مليار دولار، بينما لم تتجاوز إيرادات الضرائب والجمارك 500 مليون دولار، رغم أنه كان من المفترض أن تصل إلى ملياري دولار".

يعتقد ملاعب أن "هذه الفجوة تكشف عن مافيات منظمة تستفيد من التهرب الضريبي بشكل ممنهج".

وفي سياق آخر، يشير ملاعب إلى أن إضرابات مراقبي الملاحة الجوية باتت تشكل تهديدا مباشرا لحركة الطيران وسلامة العمليات.

تحذير من التخريب

في تصريحات أدلى بها لقناة "الحرة" في مارس الماضي، شدد وزير الأشغال العامة والنقل في الحكومة اللبنانية، فايز رسامني، على أن حماية مطار رفيق الحريري الدولي تتصدر أولويات الحكومة، خاصة في ظل التحديات الأمنية الراهنة.

وأكد رسامني أن الحكومة اتخذت "كل الإجراءات الصارمة لضمان أمن المطار وسلامة المسافرين"، وأشار إلى أن الجهود الحالية تركز على تعزيز البنية التحتية الأمنية "بكل الإمكانيات المطلوبة".

وكشف الوزير عن خطة لاستبدال المعدات اليدوية في المطار بتقنيات حديثة لتعزيز الأمن، وقال إن المرافئ اللبنانية، بما فيها مرفأ بيروت، ستُزود قريباً بأجهزة ماسح ضوئي متقدمة. ولفت إلى أن هذه الأجهزة "لن تقتصر مهمتها على مكافحة التهريب، بل ستسهم أيضاً في زيادة إيرادات الدولة".

ومن المتوقع، وفقا للزغبي، "أن ينسحب النجاح في ضبط المطار على سائر المرافق البحرية والبرية ولاسيما مرفأ بيروت. كما أن الحدود مع سوريا هي موضع عناية مشتركة بين بيروت ودمشق تحت الرعاية الدولية، لكنها تحتاج إلى إجراءات أكثر صعوبة بسبب اتساعها والخروق المتعددة والمنتشرة عليها شرقاً وشمالاً. وتنتظر استكمال الاتفاقات المشتركة برعاية مباشرة من المملكة العربية السعودية التي جمعت الطرفين اللبناني والسوري في لقاءات تنسيقية مباشرة".

ويحذر الزغبي من أن حزب الله "قد يلجأ إلى محاولة تخريب هذه الإجراءات الجوية والبحرية والبرية كي يعيد إحياء مسالك التهريب التي كانت تدرّ عليه أموالاً هائلة، لكنه في الحقيقة بات مكشوفاً أمام الداخل والخارج وتراجعت قدرته كثيراً عسكرياً ولوجستياً، مع أنه لا يزال يسعى إلى تأمين سكك للتهريب عبر البر والبحر". 

ومع استمرار الرقابة المتشددة سيتكبد حزب الله مزيدا من الضعف والانكشاف. لكن العلاج التام للتهريب يتطلب كثيرا من الجهود الإضافية، لأن هذا التهريب قديم ومتجذر ولا يتم استئصاله بين ليلة وضحاها، يقول الزغبي.