معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسوريا
صورة أرشيفية لمعبر المصنع الحدودي بين لبنان وسوريا

يعيش الفلسطينيون الذين لجؤوا إلى سوريا قبل سنين طويلة، ثم أجبرتهم الحرب الأهلية على الانتقال إلى لبنان، معاناة إنسانية كبيرة في ظل التصعيد الإسرائيلي والقصف المتواصل منذ أكثر من 3 أسابيع، خاصة من نزح منهم من مدينة صور جنوبي البلاد، إلى باقي البلدات والمدن اللبنانية.

وشهد جنوبي لبنان تصعيدًا خطيرًا منذ 23 سبتمبر، عندما أعلن الجيش الإسرائيلي عن توغل بري "محدود"، ترافق مع غارات مكثفة استهدفت مواقع لجماعة حزب الله اللبنانية، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة.

وأوضح مدير مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، فايز أبو عيد، في حديثه لموقع "الحرة"، أن "اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يواجهون صعوبة في إيجاد ملجأ آمن، وسط غياب ملحوظ لدور المنظمات والجهات المعنية برعاية شؤونهم، مما أدى إلى تفاقم مأساتهم وزيادة معاناتهم".

وكانت تلك العائلات الفلسطينية قد فرت، كما يقول أبو عيد، من ويلات الحرب في سوريا التي اندلعت عام 2011 عقب احتجاجات شعبية طالبت بإسقاط نظام بشار الأسد.

ووفقًا للأمم المتحدة، فقد أدى ذلك إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص، بينهم آلاف من الفلسطينيين، بالإضافة إلى نزوح ولجوء أكثر من نصف السكان داخل وخارج سوريا.

"التاريخ يعيد نفسه"

"أحمد" (اسم مستعار)، أحد أبناء مخيم اليرموك جنوبي العاصمة دمشق، نزح مع أسرته من مدينة صور إلى مركز سبلين في إقليم الخروب بمدينة صيدا، التابع لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين"الأونروا".

وعن المعاناة التي تكبدها أثناء نزوحه مع عائلته وأطفاله الصغار، قال أحمد لموقع "الحرة": "هربنا من الحرب في سوريا قبل 13 عامًا ننشد الأمن والأمان في لبنان، وتركنا كل شيء خلفنا، منزلنا وجنى العمر.. خرجنا بثيابنا فقط".

وتابع الرجل البالغ من العمر 45 عاما: "اليوم يعيد التاريخ نفسه، ونجد أنفسنا أيضًا في مهب ريح النزوح والتشرد من جديد".

وأضاف بنبرة محبطة: "لقد كُتب على الفلسطيني الوجع والألم، ويبقى في حالة ترحال وتشرد وعدم استقرار. نحن محبطون، ويبدو أنه لا مفر لنا اليوم سوى الموت".

أما دارين، تلك الشابة ذات الـ21 ربيعًا من أبناء مخيم درعا جنوبي سوريا، فقد تزوجت قبل تصاعد الصراع العسكري في لبنان بمدة قصيرة، وانتقلت من مكان إقامتها مع عائلتها في طرابلس شمالي لبنان إلى مخيم الرشيدية بمدينة صور، لتعيش مع زوجها الذي يعمل عاملًا في أحد المقاهي بالمدينة.

وقالت لموقع "الحرة"، إنها "اضطرت للنزوح من جنوبي لبنان إلى طرابلس لتقطن هي وزوجها في بيت والدها، الذي يضم 4 عائلات".

وتابعت: "كنت أحلم بحياة زوجية هادئة تجمعني أنا وزوجي فقط، وعشت أحلى أيام حياتي وبدأنا نخطط لمستقبلنا ومستقبل أطفالنا. والآن، أتت هذه الحرب اللعينة لتقضي على كل ما حلمنا به، ولتجعلنا نازحين لا حول ولا قوة لنا، إلا انتظار المساعدات والفرج القريب من الله".

وتتابع دارين، التي فضلت عدم ذكر اسمها كاملًا، وهي تحاول حبس دموعها التي تساقطت دون إرادتها: "لقد مللنا هذه الحالة. ألم يحن لنا أن ننعم بالسلم والسلام؟، أن نفكر كما بقية الشعوب ببناء مستقبل مشرق لنا ولأطفالنا؟، لكن للأسف، لا حياة لمن تنادي ولا مجيب لنا سوى الله".

أما سفيان (52 عامًا)، المقيم حاليًا في النرويج، فأوضح لموقع "الحرة" أن زوجته وبناته الأربع، وجميعهن دون الـ13 من العمر، اضطررن للفرار من منزلهن في صور، حيث يقمن حاليًا بصورة مؤقتة في منزل أحد الأقارب بمدينة صيدا المجاورة.

وأعرب سفيان عن خشيته على سلامة عائلته هناك مع تواصل الغارات، لافتًا إلى أنه كان يأمل بإعادة بناته إلى دمشق، لكن قصف المعبر الحدودي بين سوريا ولبنان (معبر المصنع) حال دون ذلك.

ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين السوريين المتواجدين في لبنان، وفقًا لقاعدة بيانات وكالة الأونروا، حوالي 23 ألف لاجئ، ما يعادل 4800 أسرة، يتوزعون على العديد من المدن بنسب متفاوتة.

وأكد أبو عيد في حديثه لموقع "الحرة"، أن "فلسطينيي سوريا، منذ لجوئهم إلى لبنان عام 2012، كانوا وما زالوا يعيشون أوضاعًا إنسانية مأساوية، نتيجة أوضاعهم القانونية والاقتصادية المزرية في ظل قيود قانونية صارمة تزيد من صعوبة حياتهم اليومية، فيما تخيم عليهم مخاوف الترحيل القسري".

وأشار إلى أن ما زاد من محنتهم وأثار مخاوفهم بشكل كبير، هو اندلاع الحرب في لبنان، حيث وجدوا أنفسهم "محاصرين بين نارين؛ فلا أمان في المكان الذي يعيشون فيه، ولا وجهة واضحة يلجؤون إليها".

وأضاف أبو عيد أن مئات العائلات الفلسطينية السورية نزحت من مناطق جنوبي لبنان وبيروت إثر الغارات المكثفة التي استهدفت مناطقهم، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.

ووفقًا لتقرير الأونروا "رقم 6" بشأن حالة الاستجابة الطارئة في لبنان، فقد قامت حتى 10 أكتوبر الجاري بتسجيل 1,162 أسرة، تمثل ما مجموعه 4,083 شخصًا، في ملاجئ الطوارئ التابعة لها في جميع أنحاء لبنان.

ومن بين هؤلاء، فإن ما يقارب 41.2 بالمئة منهم لاجئون فلسطينيون من لبنان، و20.5 بالمئة لاجئون فلسطينيون من سوريا، و17.8 بالمئة منهم لبنانيون، إضافة إلى 18.6 بالمئة من السوريين.

وإضافة إلى ذلك، فإن حوالي 0.9 بالمئة منهم من جنسيات أخرى، وأقل من 1 بالمئة مصنفون على أنهم بلا هوية أو ضمن فئة "آخرون".

وعن أعداد الضحايا من فلسطينيي سوريا الذين سقطوا منذ بدء التصعيد الأخير، ذكر أبو عيد أن "15 لاجئًا فلسطينيًا سوريًا" قتلوا خلال سبتمبر الماضي، جراء الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مناطق متفرقة في لبنان.

ونوه بأن من بين الضحايا، عائلة كاملة مكونة من 6 أفراد، بينهم طفلتان.

وختم أبو عيد حديثه بالقول: "مع استمرار الحرب وإعلان إسرائيل أن جميع مناطق وبلدات لبنان باتت مستهدفة، تتعالى صرخات اللاجئين في لبنان، مطالبين بإنصافهم ومنحهم حقهم في العيش بكرامة وأمان".

يشار إلى أن الجيش الإسرائيلي ينفي استهداف المدنيين في لبنان، ويؤكد أنه يستهدف "مواقع وبنى تحتية لجماعة حزب الله"، قائلا إنها تتواجد في مناطق سكنية مدنية.

وكان الجيش الإسرائيلي، وفقا للأمم المتحدة، قد أصدر أومرا إخلاء لنحو 25 بالمئة من سكان لبنان.

تلاميذ في مدرسة خاصة بمنطة مرجعيون اللبنانية - AFP
تلاميذ في مدرسة خاصة بمنطة مرجعيون اللبنانية - AFP

يُرتقب أن تفتح المدارس الرسمية اللبنانية أبوابها لموسم دراسي جديد غدا الإثنين بناء على الدعوة التي أطلقها وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي عقب عرضه خطة أعدّتها الوزارة لانطلاقة العام الدراسي.

هذه الدعوة لاقت تفاعل هيئات تعليمية وأهالي تلاميذ ينتظرون أن يعود أطفالهم إلى مقاعد الدراسة، استكمالا لدراستهم، في ظل حرب مدمرة تعيشها لبنان.

معاناة متواصلة

لا يكاد الطلاب اللبنانيون ينتهون من معاناة حتى يدخلوا في أخرى، منذ الاحتجاجات الشعبية التي شهدها لبنان عام 2019، مرورًا بوباء كورونا، ووصولا إلى الحرب الدائرة حاليا التي حوّلت كثيرا منهم إلى ضحايا ونازحين.

أم حسام، الوالدة لخمسة أطفال، نازحة من الجنوب إلى إحدى المدارس في صيدا، تستغرب في حديثها لموقع "الحرة" الكلام عن بدء العام الدراسي في ظل الوضع الحالي، والذي خسرت فيه منزلها في القصف.

اضطرت أم حسام إلى إخلاء منزلها مع بدء القصف، ولم تستطع لملمة أي شيء من أغراض العائلة. تقول إنها "لا تفكّر الآن بالتعليم، بل تهتمّ بسلامة أطفالها فقط".

فيما أبو وليد، النازح من منطقة جنوبية أخرى، يقول لموقع "الحرة" إن لديه هاتفًا واحدًا سيضعه بتصرّف ابنه البكر الذي يدرس في الصف الثانوي الأول، لاستكمال تعليمه، "لكن من المستحيل أن يتمكّن من تعليم أطفاله الثلاثة الآخرين، في ظل هذه الظروف وانعدام الإمكانات"، كما يقول.

عودة "خطرة"

التوجس نفسه يعيشه مديرو المدارس ومدرسوها والعاملون بها، فقد أكد مدير مدرسة، رفض الكشف عن اسمه، لموقع "الحرة"، أن الثانوية التي يشرف عليها صارت الآن مركزا لإيواء للنازحين.

يقول إنه أُبلغ قبل يومين من العودة للدراسة بأن وزارة التعليم أمّنت مركزًا آخر للإشراف عليه، ما يعني "استحالة العودة هذا الأسبوع، قبل الاطلاع على المركز الآخر، والبحث في كيفية تأمين المستلزمات اللوجستية كمقاعد التعليم والألواح وغيرها، لكي يتمكن من تطبيق قرار الوزير".

ويؤكد أن "حاله يشبه حال معظم مسؤولي المدارس في المناطق الآمنة غير القادرة على العودة بالتاريخ المحدّد".

ويشكو بعض المعلمين من صعوبات العودة للمدارس باعتبار أنهم نزحوا إلى مناطق بعيدة، ومنهم مَن لم يتمكّن من جمع أغراضه، في ظل ظروف صعبة تعقد خيارات التعليم بما فيها التدريس عن بعد.

ولهذا السبب، دعت رابطة التعليم الثانوي، في بيان، المديرين إلى "التروّي وعدم الضغط على الأساتذة إلى حين وضوح الرؤية لخطة الوزارة، وما لم يستجب الوزير إلى تأجيل بداية العام الدراسي، كما اعتبروا خطّة العودة للدراية "ضبابيّة" و"تعرّضهم للخطر".

وأكدت الرابطة أن المعلمين مستعدون للعودة للفصول الدراسية "عندما تزول الأسباب والهواجس والإجابة عن التساؤلات والاتفاق عليها".

وبيان رابطة التعليم الثانوي جاء متوافقًا مع بيان رابطة التعليم الأساسي التي دعت إلى "الامتناع عن الحضور ريثما يصدر القرار اللازم والواضح بتحديد بدل الإنتاجية وموعد تسديدها للمعلّمين وطالبت بالتأجيل أيضًا لأسباب لوجيستيّة".

أثر الحرب

وكان الوزير عباس الحلبي قد أطلق خطة تربوية في ظل الوضع الأمني الحالي بالبلد، وأعلن بموجبها أن التعليم سيكون لمدة ثلاثة أيام أسبوعيا، وبمعدل 21 ساعة في الأسبوع، واعتماد التعليم من بعد في المدارس غير الآمنة.

ووفقا للخطة نفسها، سيكون هناك دوامان حضوريان قبل الظهر، وآخر بعد الظهر يمتد لخمسة أيام. ويحق للطالب أن يتسجّل للدراسة عن بعد في مدرسته، أو حضوريًا في إحدى المدارس الأخرى حيث يقيم بعد النزوح.

ووزارة التربية اللبنانية من أكثر القطاعات تأثرًا بالحرب، إذ استنفرت طواقمها لتأمين مراكز إيواء في بدايات المواجهات العسكرية، وهي اليوم تعد خطة لتأمين التعليم في المدارس الرسمية للنازحين وغيرهم.

كما تسعى الوزارة إلى التعاون مع المدارس الخاصة في تأمين بداية عودة دراسية، وتحاول تأمين مستحقات المعلمين، رغم تبعات الحرب.