دخان يتصاعد فوق الضاحية الجنوبية لبيروت بعد غارة إسرائيلية
دخان يتصاعد فوق الضاحية الجنوبية لبيروت بعد غارة إسرائيلية

ما إن ضربه صاروخ من الأسفل حتى تحوّل بناء كامل في منطقة الشياح بالعاصمة اللبنانية بيروت إلى كومة رماد، ووثقت عدسات الكاميرا الثلاثاء مشهدا صادما كان لافتا فيه أن عملية الانهيار حصلت في غضون ثوان.

فما السر وراء هذا الصاروخ الذي أطلقته إسرائيل؟ وما نوعه؟ وما آلية انفجاره التي كانت كفيلة بإذابة البناء كاملا بلمح البصر وكأنه قطعة من البسكويت؟

وجاءت الغارة بعد نحو 40 دقيقة من نشر متحدث عسكري إسرائيلي تحذيرا باللغة العربية على وسائل التواصل الاجتماعي، يطالب فيه الناس في مبنيين وفي محيطهما على مشارف ضاحية بيروت الجنوبية بضرورة إخلاء المنطقة.

ولم يوضح المتحدث أفيخاي أدرعي الثلاثاء لماذا تم استهداف المباني، باستثناء القول إنها كانت قريبة من "مصالح ومنشآت" مرتبطة بجماعة حزب الله.

وتوضح وكالة "أسوشيتد برس" أنه قبل دقائق من سقوط القنبلة (الصاروخ) على المبنى، أطلقت قذيفتان أصغر حجما على السطح فيما يشار إليه عادة باسم الضربات التحذيرية، التي سبق وأن تم اتباعها في قطاع غزة.

"من عائلة سبيس"

قاطع موقع "الحرة" معلومات وصور من مصادر مفتوحة عبرية وأجنبية وعربية وثقت ضربات مماثلة في قطاع غزة خلال العام الماضي وتوصل بعد الحديث مع خبراء عسكريين أيضا إلى أن الصاروخ الذي دمر بناء الشياح ببيروت من نوع "سبيس 2000" (SPICE 2000).

أحد خبراء الدفاع العسكريين لورينس سيلين وهو عقيد متقاعد من احتياطي الجيش الأميركي ومحارب قديم في العراق وأفغانستان.

وصاروخ "سبيس 2000" من إنتاج شركة "رافائيل" الإسرائيلية، وهو واحد من عائلة قنابل ذكية أوسع (جو – أرض) تشمل "سبيس 1000 وسبيس 250".

ويورد موقع الشركة الإسرائيلية أنه نظام توجيه متطور للقنابل العامة والاختراقية من فئة 2000 رطل، ويتيح تحويل هذه القنابل إلى أسلحة دقيقة التوجيه قادرة على ضرب الأهداف بدقة عالية وفي بيئات معقدة ومحرومة من نظام (GPS).

من خصائص "سبيس 2000" التي تستعرضها "رافائيل" أنه يتمتع باستقلالية تامة، أي من منطلق العمل بآلية "أطلق وانسَ"، حيث يقوم باستهداف الأهداف بشكل مستقل تماما بعد الإطلاق.

يصل مداه التكتيكي إلى 60 كيلومترا، وتعتمد عملية توجيهه على خوارزمية مطابقة المشاهد المتقدمة (EO Seeker) لضمان إصابة الأهداف بدقة.

ويمكن تجهيزه برؤوس حربية من نوع التفجير المتشظي أو الاختراقية، مما يجعله مناسبا للعديد من الأهداف، بحسب الشركة الإسرائيلية المصنعة له. 

ما آلية انفجاره؟

ويمكن التخطيط لمهام "سبيس 2000" إما على الأرض أو في الجو، حيث يتم تحميل البيانات الخاصة بالهدف المراد ضربه في قنبلة قبل إقلاع الطائرة التي تحمله.

وتقول شركته المصنعة إن دقة إصابته تصل إلى 3 أمتار، ويتميز بقدرة على ضبط زاوية ومسار الهجوم، لكي تتناسب مع الهدف وظروف المعركة.

منذ بداية الحرب في غزة وثقت كاميرات الوكالات العالمية مشاهدا لانهيار مبان تشابه إلى حد قريب ما حصل في الشياح ببيروت، يوم الثلاثاء.

وارتبط القسم الأكبر من تلك المشاهد بخان يونس، حيث أقدم الجيش الإسرائيلي على تدمير العديد من المباني الطابقية وبضربة واحدة أساسها صاروخ واحد.

ويوضح الخبير العسكري اللبناني، ناجي ملاعب أن القنبلة الذكية التي ضربت بناء الشياح (سبيس 2000) تقوم آلية انفجارها على الهدم والانهيار من الداخل.

ويشرح بمعنى آخر في حديثه لموقع "الحرة" أن الصاروخ يعمل على تفريغ الهواء من محيط البناء المستهدف، ويجعله ينهار بثوانٍ من الداخل ودون أن تتناثر الشظايا إلى الخارج. 

وهذا النوع من الصواريخ يضرب كعب المبنى من الأسفل، ولديه قدرة ارتداداية تفجيرية كبيرة تصل إلى حد قوة زلزالية، بحسب ملاعب.

ويشير إلى أنها "مجنحة حتى يتم التحكم بها عند عملية الإطلاق، ولكي تبقى موجهة إلى أن تصل إلى الهدف".

ساحات أبعد من غزة ولبنان 

تقول "رافائيل" الإسرائيلية إن "سبيس 2000" يتميز "بقوة فتك عالية وأضرار جانبية منخفضة".

وتشير صحيفة "جيروزليم بوست"، في تقرير لها عام 2019، إلى أن الشركة كانت وقعت مع شركة "لوكهيد مارتن" اتفاقية لتطوير وتسويق وتصنيع ودعم مجموعات توجيه الأسلحة الذكية والدقيقة والفعالة من حيث التكلفة (SPICE) .

وتغطي الاتفاقية التي حصلت قبل 5 سنوات طرازي "سبيس 2000" (فئة الوزن 2000 رطل  /907 كغم) و"سبيس 1000".

وهذان الصنفان يحولان القنابل غير الموجهة إلى قنابل موجهة بدقة، والتي يمكن للطيارين إطلاقها من خارج منطقة الهدف، بحسب "جيروزليم بوست".

ونقلت الصحيفة عن يوفال ميلر أحد المسؤولين في شركة "رافائيل" قوله إن صواريخ سبيس "تستخدم نظاما كهربائيا بصريا متطورا مع خوارزميات فريدة لمطابقة المشهد والتوجيه الملاحي وتقنيات التوجيه لتحقيق المهام التشغيلية في الطقس السيئ دون الحاجة إلى نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)".

ويمكن لها أيضا التغلب على تشويش نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وضبط تفاصيل المهمة على زاوية تأثير محددة للتناسب مع طبيعة الهدف، مثل زاوية غوص شديدة الانحدار لاختراق عميق للهدف.

ومن جانبه قال جون فارلي، نائب رئيس أنظمة القتال القريب في قسم الصواريخ والتحكم في النيران في شركة لوكهيد مارتن الأميركية إن نظام سبيس "يوفر لوزارة الدفاع الأميركية والعديد من الحلفاء قدرة لا توفرها أي أسلحة أخرى موجودة حاليا في المخزون".

وتوضح "جيروزاليم بوست" أن "عائلة سبيس" أثبتت فعاليتها القتالية في عدة ساحات، وعلى متن طائرات مختلفة بينها "إف 16".

وتشير في 2019 نقلا عن وسائل إعلام هندية إلى حادثة حصلت في شهر فبراير من العام المذكور، إذ هاجمت القوات الجوية الهندية "إرهابيين" متمركزين في باكستان باستخدام صاروخ سبيس.

ووفقا لموقع "Flight Global" كان من المقرر توريد "سبيس 1000" الموجهة بدقة إلى الهند لـ 36 طائرة مقاتلة متعددة الأدوار من طراز Dassault Rafale الفرنسية إلى جانب "سبيس 250"، والتي كان من المقرر استخدامها لطائرات Tejas الهندية.

العمالة السورية في لبنان

في بيروت والمدن اللبنانية عموما، من المعتاد رؤية عمال سوريين يتسلقون السقالات، أو يدفعون عربات خضار، أو يدخلون بوابة مصنع أو مطعم، أو يحرثون الحقول. هؤلاء ليسوا مجرد لاجئين هاربين من ويلات الحرب، إذ أصبحوا خلال السنوات القليلة الماضية العمود الفقري لقطاعات لبنانية واسعة.

لكن الآن، ومع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، رفع العقوبات المفروضة على سوريا قد يتغير المشهد كليا. 

الحديث عن إعادة إعمار سوريا لم يعد حلما، بل ممكنا أقرب إلى التحقق، يفتح أبواب العودة أمام آلاف العمال السوريين الذين وجدوا في لبنان لسنوات ملاذا، وعملا لتوفير لقمة العيش.

هذا التحول لا يخص السوريين وحدهم. لبنان، الذي يواجه واحدة من أسوأ أزماته الاقتصادية، يقف على حافة تغير كبير في سوق العمل: كيف سيتعامل مع احتمال فقدان آلاف العمال؟

فراغ في الأفق؟

"رغم إعلان الرئيس الأميركي، سيستغرق تنفيذ القرار بعض الوقت"، يقول الدكتور بشارة الأسمر، رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان، في حديث إلى قناة "الحرة". "لكن هذا القرار يفتح الباب أمام تغييرات كبيرة في وضع العمال السوريين في لبنان".

ويشير الأسمر إلى أن وتيرة عودة السوريين إلى بلادهم قد تتسارع إذا تزامن رفع العقوبات مع بدء عملية إعادة الإعمار في سوريا لا سيما إذا شاركت دول الخليج والدول الغربية في العملية.

"العمال السوريون هم اليوم ركيزة أساسية في قطاعات البناء والزراعة، وإذا رحلوا، فإن الفجوة ستكون كبيرة".

وتكبد لبنان بسبب الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل خسائر فادحة، إذ قُدرت كلفة الأضرار في قطاع السكن وحده بنحو 3 مليارات دولار، وفقا للبنك الدولي، بعد تدمير قرابة 100 ألف وحدة سكنية، معظمها في مناطق نفوذ حزب الله.

ومع سريان اتفاق وقف إطلاق النار، تصدر ملف إعادة الإعمار في لبنان الواجهة، لكن المجتمع الدولي وضع شرطا أساسيا: لا مساعدات من دون تنفيذ القرارات التي تنص على نزع سلاح حزب الله. وكانت الرسالة من الدول الغربية والعربية واحدة: المساعدات مرهونة بفرض الدولة سلطتها الكاملة على السلاح.

تداعيات في قطاع البناء.. وأكثر

يقول جميل طالب، رئيس نقابة عمال البناء في شمال لبنان، إن العمال السوريين يهيمنون على وظائف "البيتون، والقصارة، والتركيب"، وهي أعمال لا يقبل بها كثير من اللبنانيين بسبب قلة الأجور وظروف العمل القاسية. 

"إذا غادروا جميعا، سيكون لذلك تأثير كبير على القطاع،" يضيف في حديثه مع موقع "الحرة".

المفارقة، بحسب طالب، أن إعادة الإعمار في سوريا قد تدفع بعض العمال اللبنانيين أنفسهم إلى الهجرة نحو سوريا بحثا عن فرص أفضل، ما سيُفاقم أزمة العمالة محليا.

يقول الأسمر، من جهته، إنه التقى قبل يومين وفدا من الاتحاد العام للعمال السوريين، بحضور عدد من رجال الأعمال اللبنانيين الذين يعتمدون على اليد العاملة السورية، وتطرق النقاش إلى إمكانية التعاون بين الشركات اللبنانية والسورية خلال المرحلة المقبلة.

ولكن "لا شيء ملموسا بعد، وعلينا الانتظار لمعرفة الاتجاهات،" يقول الأسمر، "لكن لا شك أن إعادة الاعمار في سوريا تسرّع عودة السوريين غير المرتبطين بأعمال دائمة وورش مستمرة في لبنان".

ويرى الخبير الاقتصادي، البروفيسور جاسم عجاقة، أن التحدي أكبر من قضية عمالة. "إذا انطلقت الاستثمارات في سوريا، لا سيما في قطاعات النفط والبنية التحتية والإسكان، فسوف تجذب رؤوس الأموال والعمال معا". 

ويضيف أن "تقديم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مساعدات للسوريين في بلادهم قد يشجع مزيدا منهم على العودة".

ويحذر عجاقة من أن لبنان، المعتمد بشكل كبير على العمالة السورية في قطاعات الزراعة والبناء والصناعة، قد يواجه نقصا حادا إذا ما غادر السوريون فجأة.

شمع أحمر

خلال  السنوات الماضية، شنت السلطات اللبنانية حملات صارمة على العمال السوريين غير النظاميين، بهدف الحد من وجودهم في سوق العمل، ودفعهم إلى العودة. وشملت هذه الحملات مداهمات، وتوقيفات، وحتى إقفال مؤسسات بالشمع الأحمر.

وبحسب الوكالة الوطنية للإعلام حينها، فإن الإجراءات شملت "ملاحقة مخالفات الإقامة والعمل، من خلال الكشف على المحال التي يملكها أو يديرها سوريون للتحقق من أوضاعهم القانونية، والتأكد من وجود كفيل لبناني." كما تم التحقق من تسجيلهم في المفوضية، التي تحظر عليهم العمل قانونيا.

وأثارت هذه الحملات جدلا واسعا في لبنان. فبينما رأى فيها البعض خطوة ضرورية لحماية العمال اللبنانيين، اعتبرها آخرون قاسية ومجحفة بحق اللاجئين السوريين.

الأسمر أوضح أن تلك الإجراءات جاءت نتيجة الاحتكاك الكبير بين العمال اللبنانيين والسوريين. "في كثير من الحالات، حلّ السوريون محل اللبنانيين، وحتى أصبحوا يديرون بعض المؤسسات، ما خلق توترا واضحا".

ودعا طالب، من جانبه، إلى إنهاء ما سماه "منافسة اليد العاملة الأجنبية"، وطالب بإدراج عمال البناء في الضمان الاجتماعي وتطبيق قانون العمل عليهم.

هل يخسر لبنان دوره التاريخي؟

في العمق، هناك قلق يتجاوز العمالة: هل يفقد لبنان دوره الاستراتيجي كبوابة اقتصادية إلى الخليج؟ 

يجيب عجاقة بحذر: "رفع العقوبات عن سوريا قد يعود بفائدة على لبنان على المدى الطويل، لكن في المدى القريب، قد يتراجع دوره الاقتصادي والاستراتيجي إذا لم ينفذ الإصلاحات المطلوبة منه".

وأعرب الأسمر عن أمله في أن تثمر زيارات المسؤولين اللبنانيين إلى دول الخليج والدول الغربية في الحصول على دعم مالي للبنان، لكنه أشار إلى أن "التركيز يبدو حاليا على إعادة الإعمار في سوريا".

بين رحيل العمالة وغياب الإصلاحات، يقف لبنان عند مفترق طرق اقتصادي حاسم. والسؤال هو: هل سيتكيّف مع المتغيرات أم يترك زمام الأمور للأقدار؟