جمعية "القرض الحسن" تعتبر واحدة من أهم مصارد تمويل حزب الله
جمعية "القرض الحسن" تعتبر واحدة من أهم مصارد تمويل حزب الله | Source: VOA

عاد اسم جمعية "القرض الحسن"، الذراع المالي لـ"حزب الله"، إلى الواجهة من جديد، بعد استهداف الجيش الإسرائيلي فروعاً تابعة لها في مناطق لبنانية عدة، الأحد، في ظل التصعيد عسكري الكبير بين الحزب وإسرائيل.

وتثير جمعية "القرض الحسن"، التي تدير أكثر من 30 فرعاً في مختلف أنحاء لبنان، جدلاً واسعاً بشأن دورها في تمويل حزب الله، فبينما تقدم نفسها على أنها تقدم خدمات مالية تشمل منح قروض دون فوائد مقابل رهون، تواجه اتهامات بتبيض الأموال لتمويل أنشطة الحزب، ويعزز هذا الجدل حقيقة أن الجمعية تعمل خارج رقابة مصرف لبنان.

ووقع وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الاثنين، أمراً بإضافة "القرض الحسن" إلى قائمة المنظمات الإرهابية، كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، وأوضحت أن هذا التصنيف "عد جزءاً من حملة أوسع يقودها الجيش الإسرائيلي، تستهدف الموارد الاقتصادية لحزب الله وغيره من المنظمات الإرهابية".

ويعتبر "القرض الحسن" جزءاً أساسياً من البنية التحتية المالية لحزب الله، وفقاً لما قاله المحامي الدولي، المستشار أول السابق لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، آدم سميث، لقناة "الحرة"، مشيراً إلى أن الجمعية "أقامت دولة داخل دولة، ومنعت اللبنانيين من تأسيس نظام مالي مستقر، مما جعلها هدفاً للعقوبات الدولية على مدى العقدين الماضيين، والآن أصبحت هدفاً للضربات العسكرية الإسرائيلية."

يذكر أن وزارة الخزانة الأميركية فرضت عقوبات على "القرض الحسن" عام 2007، وأعقبتها بعقوبات إضافية في 2021 على ستة موظفين فيه، اتهمتهم باستخدام حسابات شخصية في مصارف لبنانية لتحويل أكثر من 500 مليون دولار إلى الجمعية ومن خلالها على مدار العقد الماضي، مما أتاح لـ "القرض الحسن" الوصول إلى النظام المالي الدولي عبر هذه الحسابات.

واجهة قاتمة

وصف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في تغريدة عبر صفحته على منصة "إكس"، جمعية "القرض الحسن" بـ"مصرف حزب الله الأسود"،  إلى أنها تمثل "قناة خلفية لمليشيا حزب الله، وتعمل على تبييض الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات التي يرعاها الحزب في لبنان ويمتد نشاطها إلى أميركا اللاتينية".

وفي هذا السياق، يوضح الخبير الاستراتيجي في المخاطر المصرفية والاقتصادية، الدكتور محمد فحيلي، أن "هذه الجمعية تعمل بموجب ترخيص صادر عن وزارة الداخلية اللبنانية، لكنها خارج نطاق النظام المصرفي والمالي في البلاد، ولا تخضع لرقابة السلطة النقدية أو لتعاميم مصرف لبنان".

ويشدد فحيلي في حديث لموقع "الحرة" على أن الجمعية "تستقطب زبائن غير قادرين على الاستفادة من الخدمات المصرفية التقليدية، لاسيما من البيئة الشيعية، إذ تعتمد على تقديم قروض بضمانات، غالباً لدعم الأسر الفقيرة أو المشروعات الصغيرة، ومن ضمن هذه القروض مبالغ صغيرة تصل إلى عتبة الـ 100 أو 200 دولار لمساعدة المزارعين أو دعم مشاريع صغيرة مثل تربية الدواجن"، مؤكداً أن "الخدمات المالية التي توفرها الجمعية غير قانونية بموجب الترخيص المحدود الذي منح لها، والذي لا يسمح لها بقبول الودائع، حيث يقتصر نشاطها على تقديم قروض صغيرة كجزء من خدمات اجتماعية".

ولا تخضع الودائع لدى "جمعية القرض الحسن" لأي نظام ضمان ودائع معترف به في لبنان، كما يقول فحيلي موضحاً "أن الضمان الوحيد المتاح سياسي ومصدره المؤسسة بدعم من حزب الله - الحصانة الوحيدة للجمعية، والثقة التي يضعها البعض في هذه الجمعية قد تكون مفرطة وشبيهة بالثقة العمياء التي كانت تمنح لمصرف لبنان قبل الأزمة المالية التي عصفت بلبنان منذ أكتوبر 2019".

وفي حال نشوب أي نزاع بين أحد العملاء والجمعية، يشير الخبير الاستراتيجي في المخاطر المصرفية والاقتصادية إلى أن "المحاكم اللبنانية لن تكون قادرة على حله، لغياب أي مسار قانوني واضح يمكن اتباعه".

من ناحية أخرى، لا يمكن لمصرف لبنان منح ترخيص لجمعية مدرجة على لائحة العقوبات الأميركية مثل "القرض الحسن"، وفق ما يقوله فحيلي، معتبراً أنه من الخطأ إعطاء الجمعية وزناً يعادل النظام المصرفي اللبناني، "فهي تعتمد على قوة حزب الله في لبنان، وليس على أسس قانونية أو نظامية. كما أن خدماتها لا ترقى إلى مستوى الخدمات التي يقدمها القطاع المصرفي اللبناني".

وعلى نقيض ما تعلنه الجمعية التي تأسست عام 1982، يؤكد الكاتب والباحث السياسي الدكتور مكرم رباح أنها "جمعية غير حكومية لا تملك الحق بممارسة الأعمال المالية، هدفها الأساسي تبييض أموال حزب الله سواء تلك الناتجة عن تجارة المخدرات أو أموال الفساد، وإن كان الحزب يسعى لتقديمها على أنها تتبع الشريعة الإسلامية، بينما في الواقع تمارس الجريمة المنظمة."

وكان حزب الله يستفيد سابقاً من النظام المصرفي اللبناني، ولكن بعد انهيار هذا النظام، انتقل كما يقول رباح "إلى اقتصاد الظل، وهو  يقوم بنهب بيئته تحت ذريعة أنه يساعدها، فهو من المشاركين في سرقة أموالهم المودعة في المصارف اللبنانية وأموال بقية المودعين".

ويشدد رباح على أن "حزب الله يعتمد على أساليب غير قانونية وغير أخلاقية في نشاطاته  في تحدٍّ مستمر للسلطة والقانون والدستور، لكن وعلى الرغم من كل الفروع التي أنشأها للجمعية فقد تحوّلت في لحظات إلى ركام".

كذلك أشار الجيش الإسرائيلي بحسب ما نقل أدرعي، عبر صفحته على "إكس" إلى أن "حزب الله قدّم هذه الجمعية على أنها مؤسسة تهدف لتوفير القروض للشعب اللبناني، بينما الحقيقة تكمن في أنها محاولة لإنشاء نظام مصرفي موازٍ للنظام المصرفي الرسمي. والأخطر من ذلك، أن القرض الحسن يعمل خارج نطاق رقابة مصرف لبنان، الذي لا يمتلك معلومات دقيقة حول حجم الأموال المتداولة عبر هذه الجمعية".

ونقل موقع "غلوبس" الإسرائيلي عن المسؤول الأمني السابق، خبير الحرب المالية، عوزي شايع، قوله إن "الجمعية تعتبر المخزن المالي لحزب الله، حيث تدار من خلالها الحسابات المالية للمنظمة، بالإضافة إلى تمويل الأنشطة التجارية والخيرية".

وفيما يتعلق بقضية أجهزة الصراف الآلي التي وضعتها الجمعية عقب الأزمة المالية، يشير فحيلي إلى أن "هذه الأجهزة غير قانونية، وكان ينبغي على مصرف لبنان أن يتخذ إجراءات قانونية لمصادرتها"، ويشرح "لم يتم شراء هذه الأجهزة عبر القنوات الرسمية، حيث تباع فقط للمؤسسات المصرفية المرخصة من قبل السلطات النقدية".

كواليس تبييض الأموال

وتصل الأموال الإيرانية إلى حزب الله بثلاث طرق رئيسية، ذكرها الجيش الإسرائيلي: أولها "عن طريق فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، حيث يتم نقل النفط والأموال إلى سوريا براً وجواً، ويتم بيع النفط لشركات مثل شركة "BS" التابعة لعائلة قاطرجي، مما يدر ملايين الدولارات إلى حزب الله".

أما الطريقة الثانية فهي عبر الرحلات الجوية، "حيث يتم نقل الأموال الناتجة عن مبيعات النفط الإيرانية إلى السفارة الإيرانية في بيروت تحت غطاء دبلوماسي، ليتم تحويلها لاحقاً إلى الحزب، والطريقة الثالثة تتمثل في دعم المشاريع الاقتصادية، حيث يروّج حزب الله، برعاية إيرانية، لاستيراد الغاز إلى سوريا وإنشاء شركات مدنية تعمل في مجالات مختلفة في سوريا ولبنان واليمن وتركيا".

وفيما يتعلق بالأموال التي لا تأتي من إيران، فإن حزب الله يستغل جمعية "القرض الحسن" لتحقيق أرباح على حساب المواطنين اللبنانيين، كما أشار الجيش الإسرائيلي أن حزب الله يستخدم هذه الأموال "لتمويل أنشطته الإرهابية، بما في ذلك التسلح، وشراء منشآت لتخزين الأسلحة، وإنشاء مواقع إطلاق، ودفع أجور العناصر، إلى جانب تنفيذ عمليات إرهابية مختلفة".

يعرّف القانون رقم 44 لعام 2015، الخاص بـ"مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب" في لبنان، في مادته الثانية، جريمة تبييض الأموال بأنه "أي فعل يُقصد منه إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة أو تقديم تبرير زائف لها بأي وسيلة كانت"، ويشمل ذلك تحويل الأموال أو نقلها، أو استبدالها أو استخدامها لشراء ممتلكات بهدف إخفاء مصدرها غير المشروع، أو مساعدة الأشخاص المتورطين في الجرائم المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون للإفلات من الملاحقة".

وتعرف المادة الأولى من هذا القانون، الأموال غير المشروعة بأنها تلك الناتجة عن 21 جريمة، سواء وقعت في لبنان أو خارجه، ومنها الإرهاب، تمويل الإرهاب، الاتجار بالمخدرات والأسلحة والأعضاء البشرية، الدعارة، الفساد في القطاع العام، والتهرب الضريبي.

إدخال حزب الله للأموال غير المشروعة إلى القطاع المصرفي اللبناني يشكل جريمة تبييض أموال، وفي هذا السياق ذكرت "منظمة الدفاع عن الديمقراطيات" الأميركية، في تقرير، حمل عنوان " القرض الحسن التابع لحزب الله والقطاع المصرفي في لبنان"، أن "كبار ممولي حزب الله امتلكوا حسابات في القرض الحسن، واستخدم موظفو الجمعية حسابات شخصية في المصارف اللبنانية الكبرى لتنفيذ معاملات نيابة عن الجمعية، مما أتاح لها الوصول إلى النظام المصرفي اللبناني".

وأوضحت المنظمة أن وزارة الخزانة الأميركية فرضت عام 2019 عقوبات على "بنك جمال تراست" لتورطه في تسهيل وصول "القرض الحسن" إلى القطاع المصرفي، "وهو ما كان أحد الأسباب الرئيسية وراء فرض تلك العقوبات"، وعقب ذلك تقدم المصرف بطلب إلى مصرف لبنان للحصول على الموافقة لتصفيته، وهو ما تم بالفعل.

ويحذّر فحيلي من المخاطر الكبيرة التي تواجه المؤسسات التي تتعامل مع "جمعية القرض الحسن"، حتى لو كانت المبالغ المتداولة صغيرة، نظراً لاحتمال تعرضها للعقوبات الأميركية. ويشير إلى أن "حزب الله يعتمد على مكاتب تحويل الأموال لإجراء التحويلات المالية إلى الخارج، مستخدماً أسماء أفراد بهدف تجنب العقوبات المفروضة عليه".

وفي هذا السياق، صرح السفير الإسرائيلي السابق في مصر، حاييم كورين، لموقع "غلوبس" أن "حزب الله يعتمد في تحويل الأموال على النقد والعملات المشفرة، مستفيداً من نفوذه في مطار بيروت"، وأضاف "هذه الأنشطة المالية غير المشروعة جعلت حزب الله واحد من أغنى المنظمات الإرهابية في العالم، بفضل شبكاته الممتدة في أميركا اللاتينية وأفريقيا، التي تسهم في غسل مليارات الدولارات بطرق يصعب تتبعها".

من جهة أخرى، أشار الموقع الإسرائيلي إلى تقرير للباحث في منظمة الدفاع عن الديمقراطيات، الدكتور إيمانويل أوتلانجي، نشر في جامعة رايخمان عام 2020، أوضح فيه أن "شبكات حزب الله الإجرامية، التي تدر مئات الملايين من الدولارات سنوياً لتمويل منظمته العسكرية، تمر أيضاً عبر أوروبا. وتستخدم هذه الشبكات في جريمة نقل المخدرات من أميركا اللاتينية إلى أسواق بعيدة، وغسل أرباحها لصالح الكارتلات، فضلاً عن تحقيق أرباح من العمولات".

نهاية محتومة؟

وفي ديسمبر 2020، تمكنت مجموعة من القراصنة الإلكترونيين تدعى "Spiderz" من اختراق حسابات جمعية "القرض الحسن"، و"نشرت معلومات تتعلق بنحو 400 ألف حساب مرتبط بالجمعية، تضمّنت أسماء شخصيات بارزة في حزب الله. ومن بين هذه الشخصيات قائد قوة الرضوان الذي اغتالته إسرائيل وسام الطويل، وإبراهيم علي ضاهر، رئيس الوحدة المالية للحزب، وحتى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي" وفقاً لما نشره موقع "غلوبس".

وعقب هذا الاختراق، أصدرت بعض المصارف اللبنانية بيانات نفت فيها وجود حسابات رسمية باسم "القرض الحسن"، بحسب ما أشارت إليه "منظمة الدفاع عن الديمقراطيات"، موضحة أنه "رغم صحة هذه البيانات من الناحية القانونية، إذ لا توجد حسابات مسجلة باسم الجمعية، إلا أن الوثائق المسربة كشفت أن مسؤولي الجمعية استخدموا حساباتهم الشخصية لإجراء معاملات نيابة عنها".

ورغم هذا الجدل، يؤكد فحيلي أن التأثير الاقتصادي لـ"القرض الحسن" "محدود"، مشيراً إلى أن "حجم نشاطه التجاري ضئيل مقارنة بالقطاع المصرفي اللبناني، او حتى بحجم النشاطات الاقتصادية التي تمول حالياً بالأوراق النقدية".

وتنص المادة 200 من قانون النقد والتسليف على إدانة أي شخص يمارس أعمال التسليف دون تسجيله لدى مصرف لبنان، فيما تلزم المادة 206 بملاحقة مخالفي القانون أمام المحاكم الجزائية.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الضربة التي استهدفت مراكز القرض الحسن، "من المؤكد أنها ستؤثر سلباً على حزب الله"، كما أفاد موقع "فويس أوف أميركا" بأن حزب الله "يواجه أزمة مالية حادة، بعد أن أدى الهجوم الإسرائيلي المستمر إلى تعطيل ثلاثة من مصادره الرئيسية للتمويل، وهي القرض الحسن، المصارف التجارية المتعثرة، والطائرات التي تنقل النقد إلى مطار بيروت".

من جانبه يشير فحيلي إلى أن الاعتقاد بأن حزب الله يعتمد على القرض الحسن كمصدر رئيسي للتمويل "أمر غير دقيق، وهذا في التحليل وليس بالمعلومات، لأن احتياجات الحزب المالية اليومية، سواء لشراء الأسلحة أو دفع رواتب عناصره، تتجاوز بكثير ميزانية الجمعية"، مشيراً إلى أن الحزب قد يعتمد على الجمعية لدفع رواتب عوائل القتلى والمسلحين، "لكنه لا يستطيع استخدامها في تحويل الأموال إلى الخارج، نظراً لإدراجها على لائحة العقوبات الأميركية".

وكان مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف ذكر أن "لا مبرر لقصف القرض الحسن"، معتبراً أن الهدف من ذلك هو "هز الثقة مع اللبنانيين"، نافياً أن يكون "حزب الله يقبض رواتبه أو يمول تسليحه من هذه المؤسسة".

وأكد  عفيف، خلال مؤتمر صحفي عقده الثلاثاء أن "جمعية القرض الحسن تحسّبت لهذا اليوم وستقوم بما هو واجب عليها تجاه المودعين"، ورغم محاولات الجمعية طمأنة عملائها بنقل الذهب والودائع إلى أماكن آمنة، إلا أن الشكوك تحيط بقدرتها على الاستمرار.

وفيما إن كانت الجمعية ستعاود نشاطها بعد الحرب، يرى فحيلي أن "هذا القرار سياسي أكثر منه مالي أو اقتصادي"، أما رباح، فيوضح أن "تدمير بعض فروع "القرض الحسن لن يشل تمويل حزب الله أو عمليات تبييض الأموال التي يديرها"، مشيراً إلى أن الحزب "يعتمد بشكل أساسي على التمويل الإيراني والأموال التي يحصل عليها بالتواطؤ مع الطبقة الحاكمة في لبنان، بالتالي التأثير عليه قد يكون معنوياً داخل بيئته، لكنه لن يوقف نشاطاته المالية".

سلاح حزب الله

الحوار، والاستراتيجية الدفاعية، مفردات خطاب لطالما استخدمته السياسة اللبنانية في نقاش ملف سلاح حزب الله، لكن هل تملك الدولة رفاهية الوقت لإدارة حوار ونقاش استراتيجيات، أم أن الخيارات تصبح أكثر كلفة وتداعياتها أقل قابلية للتحكّم؟

المجتمع الدولي يشترط بسط السيادة الكاملة للدولة اللبنانية على كامل أراضيها كمدخل أساسي لأي دعم سياسي أو اقتصادي، فيما تحذر إسرائيل من أنها "ستنفذ المهمة" بنفسها، في حال استمر "تقاعس الدولة".

فهل لا يزال الانتظار خياراً قابلاً للصرف في ميزان التطورات الإقليمية والدولية؟ وهل يُمكن للتعويل على عامل الوقت أن يصمد طويلاً في وجه التحوّلات المتسارعة؟

مصادر تتحدث للحرة عن مؤشرات على نهج جديد.

قنبلة موقوتة

الوقت يداهم لبنان، تؤكد عضو كتلة "الجمهورية القوية" النائب غادة أيوب.

وتشرح "لبنان يعيش تحت وطأة سلاح غير شرعي منذ سنوات، وهذا السلاح جرّ علينا الويلات، من عزلة عربية ودولية، إلى انهيار اقتصادي، إلى تهديد دائم للسلم الأهلي".

ومن يظن "أن ملف السلاح غير الشرعي هو بلا مهلة، واهم أو متواطئ"، تؤكد أيوب. "لأن استمرار سلاح حزب الله هو قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت بوجه مشروع بناء الدولة وبوجه العهد، ولا يجوز لأي مسؤول في الدولة اللبنانية أن يدفن رأسه في الرمال".

وتشدد أيوب في حديث لموقع "الحرة" على أنه "لا مجال بعد الآن للتسويات ولا للتنازلات ولا يمكن أن يبقى هذا الموضوع موضوعًا مؤجّلًا أو قابلًا للمراوغة".

فالبلاد "أمام خطر دائم، ليس فقط على المستوى الأمني، بل على مستوى الاستقرار السياسي والاقتصادي والعلاقات الدولية".

حان "وقت التنفيذ"، تقول، لأنه "لا يمكن أن يُبنى وطن أو يُستعاد الاقتصاد في ظل دويلة ضمن الدولة".
والوقت "ليس مفتوحًا، وكل تأخير هو تراكم إضافي للأزمات".

تفكيك المخازن

من جانبه، يرى المحلل السياسي، المحامي أمين بشير، أن مقاربة الدولة اللبنانية لملف سلاح حزب الله تشهد تحوّلاً جذرياً، "فبعد أن كان هذا الملف يطرح في إطار الاستراتيجية الدفاعية والحوار الوطني، جاءت زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى بيروت لتحدث نقطة تحوّل مفصلية في مسار التعاطي مع هذا الملف".

الزيارة الأميركية الأخيرة حملت رسالة واضحة، كما يقول بشير لموقع "الحرة"، "مفادها أن أي خطوة تتعلق بتفكيك أو تسليم سلاح حزب الله يجب أن تكون معلنة للرأي العام، لا أن تبقى طي الكتمان. هذا الطرح، لم يكن تفصيلاً، بل كان بمثابة فرض واقع جديد على الدولة اللبنانية، سرعان ما تجلّى بالإعلان عن تفكيك 193 مخزناً من أصل 260 تابعاً لحزب الله، وفق ما كشفه مصدر عسكري لأحد الصحفيين".

ويضيف بشير "هذا التطوّر شكّل صدمة للرأي العام، الذي اعتاد سماع وعود مكرّرة بالحوار دون نتائج ملموسة، وسط نفي دائم من حزب الله لأي نية لتسليم السلاح. لكن ما كان يدار في الغرف المغلقة خرج فجأة إلى العلن، وأصبح تفكيك المخازن مسألة لا تحتمل التعتيم".

حلقة مفرغة؟

سياسة كسب الوقت، أو ما يسمى بسياسة "النعامة"، وفق ما تصف أيوب لا تحمي لبنان، بل تعرّضه كما تقول "أكثر فأكثر للخطر. حزب الله لا ينتظر الدولة ليقرر خطواته، بل يورّط لبنان بقرارات لصالح إيران ومن إيران من دون الرجوع إلى المؤسسات الدستورية". 

"هذا الواقع،" يضيف، "يفتح الباب على مصير مجهول، وربما مواجهة عسكرية تُفرض على اللبنانيين جميعاً من دون رأيهم أو موافقتهم. وحدها الدولة، من خلال قرارها السيادي، تستطيع أن تحمي لبنان، لا الميليشيات".

وتشدد أيوب "نحن مع الحوار، لكن ليس الحوار الذي يطالبون به حول موضوع السلاح لأن الحوار لا يمكن أن يكون غطاءً للشلل أو للاستمرار في الأمر الواقع. إن تجربة السنوات الماضية أثبتت أن طاولات الحوار و'الاستراتيجية الدفاعية' تحوّلت إلى عنوان للاستهلاك الداخلي من دون أي تقدّم فعلي، بل أتت بمفاعيل عكسية وكارثية على البلد ولم تكن سوى وسائل استفاد منها حزب الله لكسب الوقت وللانقضاض على ما تبقى من هيبة الدولة".

"كل طاولات الحوار التي شارك فيها حزب الله انقلب عليها مباشرة"، تقول أيوب. وتوضح "أسقط حوار 2006 عبر حرب يوليو، وأسقط حوار سان كلو 2007 عبر اجتياح بيروت في العام التالي، وأسقط حوار الدوحة 2008 عبر تعطيل الحكومة والسلطة التنفيذية، وأسقط حوار بعبدا 2012 عبر مشاركته في الحرب السورية، وأسقط حوار بعبدا 2017 عبر تمسّكه بالسلاح، وأسقط حوار بعبدا 2019 عبر ضرب النظام المالي، وهذه بعض الأمثلة". 

"لذلك، لا يمكن أن نتوقع من حزب الله أن يتخلى عن سلاحه طوعاً، لكن لا يمكن أيضًا للدولة أن تستسلم لهذا الواقع. المطلوب ضغط سياسي وشعبي ودولي، وموقف وطني موحّد، لاكتساب السيادة كاملة. وهذه ليست مهمة مستحيلة، لكنها تتطلب قراراً".

الحوار حول التنفيذ فقط

أما بشير فيشير إلى تراجع بعض رؤساء الأحزاب عن تحفظاتهم حول الحوار، إثر اتصالات مباشرة مع رئيس الجمهورية "الأخير أوضح أن الحوار لا يعني العودة إلى طاولة وطنية جامعة، بل هو حوار مباشر بينه وبين حزب الله، لبحث آليات تسليم السلاح: هل يسلّم للجيش؟ هل يعاد إلى إيران؟ أم يفكك بطريقة أخرى؟

هذا التوضيح، وفق بشير، "أزال القلق من احتمال العودة إلى الحلقة المفرغة من الحوارات، وفتح الباب أمام نقاش جدي في تنفيذ القرار 1701 بشكل فعلي لا شكلي".

الموقف الدولي واضح وصارم تجاه لبنان كما يشدد بشير "لا مساعدات، لا إعادة إعمار، ولا دعم استثماري أو اقتصادي، من دون حل جذري لملف سلاح حزب الله. هذا ما عبّرت عنه بوضوح الدول الخليجية، والدول الأوروبية، والإدارة الأميركية، التي لم تعد تقبل بتسويف أو مماطلة".

كذلك تؤكد أيوب أن "المجتمع الدولي ينظر إلى هذا الملف كأحد الأسباب الأساسية لفشل الدولة اللبنانية في استعادة سيادتها واستقرارها". وتقول "هناك قناعة متزايدة لدى المجتمع الدولي أن غياب القرار الحاسم في هذا الملف ينعكس سلباً على كل مسار الدعم والمساعدة". 

"هذا التردّد قد لا يُفهم على أنه حكمة، بل على أنه عجز أو تواطؤ. وإذا لم تُظهر الدولة إرادة فعلية في معالجة السلاح غير الشرعي، فإن أي مساعدة دولية ستبقى مشروطة ومحدودة".

منظومة هيمنة

من جانبه، يرى بشير أن المشكلة لا تتعلق فقط بالسلاح كرمز للهيمنة، "بل بحزب الله كمنظومة متكاملة تهيمن على مفاصل الدولة، اقتصادياً وأمنياً وحتى قضائياً.

ويقول "نحن لا نتحدث فقط عن سلاح، بل عن شبكة مصالح موازية تنخر جسم الدولة من الداخل"، في إشارة إلى مؤسسات الحزب المالية، "كمؤسسة القرض الحسن، وشبكة المؤسسات الموازية التي أنشأها في قطاعات الكهرباء، والمرافئ، وحتى القضاء".

لبنان اليوم، كما يقول بشير، يقف بين خيارين "إما نجاح المفاوضات الأميركية–الإيرانية وانعكاساتها الإيجابية على الداخل اللبناني، وإما انفجار عسكري جديد في حال فشلها، فيما إسرائيل تترقب لاستغلال أي فراغ لتبرير تدخلها العسكري، تحت ذريعة بناء حزام أمني لسكان شمالها".

من هنا، يحذّر من الاكتفاء بدور المتفرّج على طاولة المفاوضات. ويشدد على ضرورة أن "تمتلك الدولة اللبنانية، ممثلة بالرئيس والحكومة، موقفاً وطنياً واضحاً حيال هذا الملف، لا يقتصر فقط على المهلة الزمنية، بل يتجاوزها إلى ما بعدها. يجب أن نكون جاهزين للاستفادة من الفرص أو مواجهة التحديات، لا أن نكون مجرد ضحايا على طاولة مفاوضات تدار من الخارج".

ويختم بشير بالتأكيد على أن تفكيك منظومة حزب الله ليس مجرد مطلب سياسي، "بل ضرورة لبناء دولة حديثة قادرة على استعادة سيادتها وثقة المجتمع الدولي بها، ويقول "لبنان لا يمكن أن ينهض طالما هناك مجموعة مذهبية تعمل وفق نظام مصالح خاص، وتخضع لسلطة خارجية. المطلوب ليس فقط نزع السلاح، بل تفكيك كامل للشبكات الرديفة التي أضعفت الدولة ودمّرت مؤسساتها".