ماكرون وميقاتي من فعاليا مؤتمر دعم لبنان في باريس
ماكرون وميقاتي من فعاليات مؤتمر دعم لبنان في باريس

شهدت فعاليات المؤتمر الدولي لدعم لبنان في العاصمة الفرنسية باريس، الخميس، الإعلان عن مساعدات دولية للبلد الذي انجر إلى حرب بين إسرائيل وجماعة حزب الله المدعومة من إيران، فيما كشف رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني، نجيب ميقاتي، عن رؤيته المتعلقة بدعم جيش بلاده، التي تمهد لتطبيق القرار الأممي 1701 على الأرض، لإنهاء القتال. 

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن بلاده ستدعم لبنان بمئة مليون يورو، ودعا إلى ضرورة وقف الحرب الدائرة في أسرع وقت ممكن.

وقال في كلمته الافتتاحية للمؤتمر الذي يهدف لجمع حوالي نصف مليار يورو لدعم النازحين بفعل الصراع بين إسرائيل وحزب الله: "يجب أن تتوقف الحرب في أسرع وقت ممكن"، موضحا أن الهدف هو "دعم سيادة لبنان" وبالتالي "إظهار أن الأسوأ ليس حتميا، وإفساح المجال أمام اللبنانيين لاستعادة التحكم بمصيرهم".

كما أعرب عن أسفه من أن "إسرائيل تواصل عملياتها العسكرية في لبنان في الجنوب في بيروت وفي مناطق أخرى وأن عدد ضحايا المدنيين يزداد".

وقال إن "هناك ضرورة لأن يوقف حزب الله هجومه على إسرائيل مهما كانت الذرائع. ونحن ندين هذه الهجمات، كما ندين استهداف  منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي أو الضربات العشوائية".

وبدوره، دعا ميقاتي في كلمته، المجتمع الدولي إلى التحرك من أجل وقف لإطلاق النار. وقال إن لبنان يدعو "المجتمع الدولي إلى التكاتف ودعم الجهود التي من شأنها إنهاء الاعتداءات المستمرة، وفرض وقف فوري لإطلاق النار".

وأوضح أن "حكومة لبنان لا تزال تدعم مبادرة أميركا وفرنسا لوقف إطلاق النار 21 يوما"، مشددا على أن قرار الأمم المتحدة رقم 1701 بصيغته الحالية يبقى "حجر الزاوية للاستقرار والأمن في جنوب لبنان".

وأشار ميقاتي إلى أن الجيش اللبناني "بدأ عمليات التجنيد، لكنه يحتاج إلى دعم مالي وتدريب دولي"، كاشفًا أنه "يمكن أن ينشر 8 آلاف جندي إضافي في الجنوب، في إطار وقف إطلاق النار".

فيما تعهدت ألمانيا بتقديم 96 مليون يورو (103 ملايين دولار) لمساعدة لبنان خلال المؤتمر، وقالت وزارة الخارجية في بيان "في مؤتمر دعم لبنان اليوم، تعهدت ألمانيا تقديم 96 مليون يورو كأموال إضافية للمساعدة في التعامل مع الأزمة في لبنان".

وأشارت الوزارة الى أن الأموال ستتدفق  إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بما في ذلك الصليب الأحمر الألماني والصندوق الإنساني اللبناني "للوصول إلى النازحين داخليا وضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والمؤسسي في لبنان".

كما قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن التكتل سوف سيقدم دعما للجيش اللبناني بقيمة 20 مليون يورو عام 2024 و40 مليونا في 2025 ودعما إنسانيا بقيمة 80 مليونا.

ونقلت وكالة رويترز  عن دبلوماسيين، أنهم لا يتوقعون تحقيق تقدم يذكر في المؤتمر.

وتربط فرنسا علاقات تاريخية مع لبنان، وتعمل مع الولايات المتحدة في محاولة للتوصل لوقف إطلاق النار. لكن نفوذها أصبح محدودا منذ شنت إسرائيل هجوما واسع النطاق على جماعة حزب الله في سبتمبر، وما أعقبه من نزوح الآلاف ومقتل أكثر من ألفي شخص، وفق الوكالة.

وعملت باريس للإعداد للمؤتمر على عجل، في مسعى لإظهار أنها لا تزال تتمتع بنفوذ في دولة كانت تحتلها في الماضي، لكن رغم مشاركة 70 وفدا و15 منظمة دولية في المؤتمر، فإن عدد الوزراء المشاركين من الدول ذات الثقل، قليل.

ويجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، جولة في الشرق الأوسط، في محاولة للدفع نحو وقف لإطلاق النار قبل الانتخابات الأميركية التي ستجري الشهر المقبل.

ويتغيب وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، عن المؤتمر، الذي يبدو أن بلاده مترددة في الانخراط في الشأن اللبناني في هذه المرحلة. وترسل الرياض وكيل وزارة لحضور الاجتماع، وفق رويترز.

وحسب وثيقة إطارية أرسلت إلى الوفود، فإن المؤتمر يهدف إلى التأكيد على ضرورة وقف الأعمال القتالية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الصادر عام 2006، الذي يدعو إلى أن يكون جنوب لبنان خاليا من أي قوات أو أسلحة غير تلك التابعة للدولة اللبنانية.

كما يسعى المؤتمر أيضا إلى تكثيف الدعم للقوات المسلحة اللبنانية، التي تعتبر الضامن للاستقرار الداخلي، والتي لها كذلك دور محوري في تنفيذ القرار 1701.

وقال مصدر دبلوماسي إيطالي، لرويترز: "الهدف النهائي هو تجنيد وتدريب وتسليح 6 آلاف وحدة جديدة في القوات المسلحة اللبنانية"، مضيفا أن روما "سترتب قريبا مؤتمرا خاصا بها يركز على تلك النقطة".

وتمتلك إيطاليا نحو ألف جندي يشاركون في قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل).

وقال بيان صادر عن تحالف يضم 150 منظمة غير حكومية قبل اجتماع باريس: "الحكومات يجب أن تبذل كل ما بوسعها لإنهاء هذه الكارثة المتفاقمة ودورة الإفلات من العقاب.. الإخفاق في التحرك الآن هو خيار.. خيار لن يؤدي إلى وقف ومنع الفظائع في المستقبل".

ويقول الجيش الإسرائيلي إن غاراته على لبنان "تستهدف مواقع لحزب الله"، مؤكدا أنه يسعى للقضاء على الجماعة المدعومة من إيران، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، وإعادة عشرات آلاف النازحين الذين تركوا مناطقهم شمالي إسرائيل بسبب الاشتباكات مع حزب الله.

وفي حديث لقناة الحرة، اعتبر قائد الفوج المجوقل السابق في الجيش اللبناني، جورج نادر، أن "الورقة الإسرائيلية التي حملها (المبعوث الأميركي عاموس) هوكستين لمقترحات التعديل على القرار الأممي 1701 تقضي بالسماح بتدخل عسكري إسرائيلي للتأكد من خلو الجنوب من سلاح حزب الله، والتدخل الجوي الدائم للمراقبة والإنذار المبكر"، مشددا على أن "هذه شروط لن يقبلها أحد".

وحسب مصادر للحرة، فإن ورقة مقترحة من هوكستين، طلبت تعديل نص مقدمة القرار لجعله قرارا "يهدف إلى إحلال السلام على الحدود بين لبنان وإسرائيل ومنع أي وجود مسلح في المناطق اللبنانية القريبة من هذه الحدود، كما طلبت توسيع النطاق الجغرافي لسلطة القرار الدولي، إلى شمال نهر الليطاني بمسافة عدة كيلومترات على أن تزيد عدد القوات الدولية العاملة ضمن قوات حفظ السلام.

وأشارت مصادر لبنانية إلى أن هوكستين لم يخرج برد لبناني واضح يقبل الشروط الإسرائيلية، ونُقل عن رئيس الحكومة قوله لهوكستين إن ما يعرضه "لن يقبله أحد في لبنان".

ويرى نادر أن الحل يكمن في تطبيق القرار الأممي 1701 الذي ينص على منطقة عازلة من نهر الليطاني إلى شبه الحدود الجنوبية.

ووفق ما كشفه مصدر لـ"لحرة"، فإن عدد عناصر الجيش اللبناني المنتشرين حالياً في جنوب لبنان هو 4500 جندي تقريبا. وتسعى هذه القوات بالتنسيق والتعاون مع القوات الدولية اليونيفيل لتطبيق القرار الدولي 1701.

لكن إنفاذ القرار الذي يُفترض أن يستبدل الوجود العسكري لحزب الله جنوبي الليطاني بالجيش اللبناني واليونيفيل، يستدعي وفق تقديرات الحكومة اللبنانية تجنيد ضعف العدد المنتشر حاليا في الجنوب تقرييا أي ما بين سبعة آلاف و11 ألفا.

وأفادت مصادر "الحرة" بأن الجيش وضع أخيرا خططا لتعزيز انتشاره جنوبا، تتضمن نشر 10 آلاف جندي، مما يستوجب تجنيدَ نحو 6 آلاف عنصر إضافي بتكلفة تصلُ إلى مليار دولار وتشملُ التجهيزاتِ اللوجستية والأسلحة.

"1701 بلاس"

يجري الحديث في لبنان عن مسودة مشروع قرار أميركي- فرنسي جديد سُمي بالقرار "1701 بلاس"، يتضمن في بنوده الـ 14 "حلا ديبلوماسيا للصراع الدائر بين إسرائيل وحزب الله".

وإذ أعلنت الحكومة اللبنانية بتطبيق كامل للقرار 1701 كجزء من الإلتزمات الدولية، تختلف القوى السياسية اللبنانية في آراءها حول تطبيق القرار، بين من تطالب بتعزيز وجود قوات اليونيفيل في جنوب البلاد، مثل أحزاب "القوات اللبنانية" و"الكتائب" وعدد من النواب المستقلين، في حين تعارض أطراف أخرى، مثل كتلة حزب الله النيابية وحلفاءها في البرلمان، "أي تقليص لسيادة لبنان" أو ما تصفه "بالقدرات العسكرية للمقاومة".

هذا التباين في وجهات النظر والذي زاد من تعقيد المشهد بين القوى السياسية اللبنانية، يرى مراقبون أن البعض يستخدمه كأداة سياسية لدعم مواقفهم، أو ورقة ضغط ضد خصومهم.

الولايات المتحدة كان موقفها واضح بشأن تنفيذ القرار 1701، وتجلى ذلك من خلال تصريحات هوكستين، الذي تداولت الأنباء أنه يؤيد فكرة تعديل للقرار تحت مسمى "1701 بلاس" بحيث ينجح هذه المرة ليس فقط لوضع حد للحرب الدائرة حاليا، بل منع نشوب أي صراع في المستقبل بين إسرائيل وحزب الله.

الأستاذة في القانون الدولي من بيروت، جوديت التيني، قالت في حديث سابق لقناة "الحرة"، إن "التعديلات المزعومة ستأخذ الكثير من الوقت وبالتالي ستفوت الفرصة على اللبنانيين تطبيق القرار الموجود أصلا" والذي قالت إن "لا مشكلة فيه".

وأشارت إلى أن لبنان وإسرائيل لم ينفذا قرار 1701 منذ اعتماده عام 2006، سوى بند واحد وهو وقف إطلاق النار، والمهم أن يبدأ الطرفان بمرحلة تنفيذ بقية البنود، وطالبت بالإسراع بتطبيق القرار لإنهاء الصراع ومنع وقوع المزيد من الضحايا من القتلى والجرحى، مشيرة إلى أنه "بحسب القانون الدولي، فأن قرارات مجلس الأمن الدولي لا تسقط بمرور الزمن أو بعدم التطبيق والمهم في الأمر تطبيق تلك القرارات".

وأوضحت الأستاذة في القانون الدولي أن أمام لبنان اليوم فرصة لتطبيق القرار 1701 بجميع بنوده "كما هو"، مشيرة إلى أن عدم تطبيقه لحد الآن سببه "القرار السياسي" والظروف التي مرت بها لبنان منذ 2006 والتي منعت تطبيق هذا القرار

القرار الحالي، حسب التيني، "كامل ومنصف" لكلا الطرفين، مشيرة إلى أن المنطقة ليست بحاجة إلى إجراء تعديلات عليه، وأن "لاحد يعرف لحد الان طبيعة ومضمون هذه التعديلات وما يطرح في الصحافة ووسائل الاعلام هو مجرد كلام عام وأفكار ومقترحات".

الحكم بفشل أو نجاح أي قرار مرهون بتنفيذه أولا وثم تقييمه لاحقا وإجراء التعديلات المطلوبة لسد الثغرات، وفق التيني، التي تقول إن "هذا الأمر لم يحدث في القرار 1701 الذي يعتبر بحسب ميثاق الأمم المتحدة قرار ملزم، وبالتالي فإن الطرفين بحاجة أولا إلى تطبيق القرار وعدم تفويت الفرصة وبعد ذلك لكل حادث حديث".

ماذا يحمل المستقبل لنبيه بري؟
ماذا يحمل المستقبل لنبيه بري؟

مع تصاعد التوترات في لبنان واستمرار المواجهات بين حزب الله وإسرائيل، تتزايد التحديات داخل الطائفة الشيعية في البلاد، فقد أدت هذه المواجهات إلى تراجع حزب الله عسكرياً، خاصة بعد اغتيال أمينه العام حسن نصر الله وعدد من قياداته، وذلك في ظل تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على قاعدته الشعبية، وتصاعد الانتقادات من الداخل والخارج ضده، إذ تتهمه جهات محلية وإقليمية ودولية بدوره في زعزعة الاستقرار والأمن في لبنان والمنطقة.

أمام هذا الوضع، تبرز تساؤلات بشأن إمكانية أن يستغل رئيس مجلس النواب اللبناني وزعيم حركة أمل، نبيه بري، هذه الظروف لإعادة التوازن داخل الطائفة الشيعية، خاصة بعد تراجع دوره لصالح حزب الله في السنوات الأخيرة، وذلك من خلال السعي إلى استعادة مكانته عبر اتخاذ مواقف أكثر استقلالية عن الحزب.

ويرى مراقبون للشأن اللبناني أن نفوذ بري، شهد تراجعاً ملحوظاً منذ ربط سياساته بسياسات حزب الله، سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي.

هذا التراجع تعمّق مع تصاعد دور حزب الله بعد حرب 2006، وتوسّع نفوذه الإقليمي إثر تدخله في الحرب السورية، مما رسّخ مكانة الحزب كقوة بارزة في المشهد الشيعي واللبناني، حتى بات ينظر إلى بري من قبل شريحة واسعة كـ"ملحق سياسي" للحزب.

وعقب اغتيال نصر الله، برز بري، كمرجعية سياسية محورية للطائفة الشيعية، لاسيما بعد تكليفه من قبل الأمين العام الجديد لحزب الله، نعيم قاسم، بقيادة جهود التوصل إلى وقف إطلاق النار، ليعلق بري على ذلك في حديث صحفي بالقول إن تفويض حزب الله له بالمفاوضات السياسية "ليس جديداً، وإن كان تم تجديد تأكيده".

مشهد ضبابي؟

رغم أن "حزب الله أصابه الوهن الشديد بعد تمكن إسرائيل من اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وغالبية من قادته، وكلّ الخسائر التي أصابته، وعدم تراجع الجيش الاسرائيلي عن استهداف بنيته التحتية"، لكنّه كما يقول الكاتب والصحفي مجد بو مجاهد "لم ينتهِ حتى الآن ولا يزال قادراً على تنظيم حضوره سياسيّاً ومواصلة القتال عسكريّاً، بما تبقى من قدرات قتالية مع قيام إيران مباشرةً بإدارة مفاصله السياسية والعسكرية في هذه المرحلة".

ويعتبر بو مجاهد أن إبقاء حزب الله على هيمنته على القرار السياسي داخل الطائفة الشيعية، كما على القرار الاستراتيجي في لبنان أو عدمه، "مسألة ستقرّرها المفاوضات الدبلوماسية التي على أساسها ستنتهي الحرب مهما طالت، والكيفية لإنهائها وأمدها الزمنيّ، لكن يتبيّن أن إسرائيل لا تكتفي باتفاق يضمن المنطقة الخالية من السلاح جنوبي الليطاني فقط، وتسعى إلى ما هو أكثر من تطبيق القرار الدوليّ 1701، إذ انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الضغط لتحقيق تسوية قبل الأوان، وقوله إنه لا يحدّد موعداً لنهاية الحرب، بل أهدافاً".

وفي سياق حديثه عن إمكانية إعادة تشكيل التوازنات السياسية داخل الطائفة الشيعية يعتبر بو مجاهد، في حديث لموقع "الحرة"، أن ذلك "سيكون بعد انتهاء الحرب"، ويوضح "إذا تلاحقت خسائر حزب الله أكثر على النحو الذي عرفته الأسابيع الماضية وصيغ أي اتفاق على حسابه، ذلك سيغيّر طبعاً في التوازنات، حتى إن بقي حزب الله سياسيّاً، وذلك مرجّح، لكن يمكن لتغيير التوازنات أن يفسح المجال أمام قوى وأحزاب سياسية ناشئة وتغييرية لدى الطائفة الشيعية، خصوصاً أن هناك فئات منها تسعى للتغيير ويمكن للمشاريع السياسية التغييرية أن تحصل على جزء من التأييد الشعبي إن تغيّرت المعادلات السياسية وتراجعت هيمنة حزب الله".

من جانبه، يكشف الصحفي علي الأمين، عن قلق كبير يشعر به بري تجاه وضع حزب الله الحالي، مشيراً إلى أن هذا القلق "يأتي من الارتباط العميق الذي نشأ بين بري وحزب الله على مدار أكثر من عشرين عاماً، إذ بنى بري نظام مصالحه السياسية على أساس التحالف مع الحزب وتبنّيه الخيار الإيراني".

ويوضّح الأمين في حديث لموقع "الحرة" أن بري "أسس منذ عام 1992 نفوذه السياسي على التحالف مع حزب الله برعاية إيرانية- سورية، مما أدى إلى تشابك المصالح بين الطرفين، وجعل فكّ هذا التحالف أمراً بالغ الصعوبة، وبالتالي أي تراجع في نفوذ حزب الله سيؤثر سلباً على بري".

ويتابع الأمين مشيراً إلى أنه "رغم سعي بعض القيادات والعناصر داخل حركة أمل لإظهار نوع من التمايز عن حزب الله، إلا أن أي ضعف يصيب الحزب يثير القلق داخل الحركة، من احتمال تأثرها به أو عدم قدرتها على سد الفراغ الذي قد يخلّفه".

لذلك يرى الأمين أن بري لن يقدم على "خطوة تعديل التوازنات داخل الطائفة الشيعية، وإعادة صياغة دوره، لكنه، في ظل الضغوط المحلية والدولية المتزايدة، قد يجد نفسه مضطراً للمضي قدماً في ملفات حساسة، مثل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة"، مؤكداً أن هذه التنازلات، إن حصلت "لن تكون خياراً طوعياً، بل استجابة لهذه الضغوط".

تباينات جوهرية

و"تحمل الثنائية الشيعية القائمة منذ أوائل التسعينيات بعد حرب دموية بين الطرفين ومن جراء اتفاق إيراني – سوري، في طياتها تباينات عميقة"، كما يقول الباحث السياسي جورج العاقوري.

ويوضح العاقوري في حديث لموقع "الحرة" أن "مشروع حركة أمل بقيادة بري سياسي، محوره لبنان وحدوده، بينما يتبنى حزب الله مشروعاً أيديولوجياً دينياً يتجاوز لبنان إلى الأمة الإسلامية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو جزء من تصدير الثورة. هذا التباين الكبير، لا بدّ ان يطفو إلى العلن، نظراً لخطورة المرحلة الراهنة التي تهدد هوية لبنان، وتضعه أمام تحديات وجودية تمسّ كافة مكوناته".

يذكر أنه، عام 1982، نشأ حزب الله من رحم حركة أمل (التي أسسها موسى الصدر عام 1974)، وذلك بالتزامن مع تولي بري رئاسة الحركة. ومع صعود حزب الله، برزت بين الطرفين توترات متزايدة، إذ رأت حركة أمل في الحزب قوة منافسة تسعى إلى السيطرة على الساحة السياسية والطائفية في لبنان. وقد أدى هذا التنافس واختلاف الرؤى والأهداف إلى مواجهات مسلحة بينهما خلال ثمانينيات القرن الماضي وذلك في سياق الحرب الأهلية اللبنانية.

ومع مرور الوقت، توصل الحزب والحركة، اللذان كان يطلق عليهما "الإخوة الأعداء"، إلى ما يصفه البعض بـ"زواج الضرورة"، وأصبحا بعدها يعرفان بالثنائي الشيعي، وفي حين يظهر أن الطرفين متماسكان، لكن الواقع يشير إلى أن حركة أمل تدرك قوة حزب الله، في حين يعي الحزب دور حركة أمل كطرف رئيسي في التوازنات الداخلية ضمن الطائفة الشيعية، ومن هنا تشابكت مصالحهما.

وفي الثامن من أكتوبر 2023، فتح حزب الله جبهة جنوب لبنان في إطار ما وصفه بـ "الدعم والإسناد" لحركة حماس في حرب غزة، وفي 23 سبتمبر الماضي، بدأت إسرائيل بغزو بري لجنوب لبنان، مع الاستمرار باستهداف المنشآت العسكرية والمالية لحزب الله واغتيال كوادره البشرية أينما جدت في مختلف أنحاء الأراضي اللبنانية وحتى السورية.

هذه التطورات زادت من تعقيد الوضع في لبنان الذي يعاني منذ نحو 5 سنوات من أزمة اقتصادية خانقة، إذ أدت "جبهة الإسناد" إلى دخول البلاد في دوامة جديدة من الأزمات تشمل القصف والدمار والنزوح، إضافة إلى المعاناة الإنسانية التي تتفاقم مع تصاعد التوترات السياسية والانقسامات الداخلية.

استمرار حزب الله في الحرب الحالية، كما يصف العاقوري "طقوس انتحار جماعي للشعب اللبناني عامة، وذلك نظراً لعدم التكافؤ الكبير في القوى بينه وبين إسرائيل"، ويشدد على ضرورة "تدخل جهة لإنقاذ لبنان وهذا المكوّن الذي يتعرض لهجمات إسرائيلية ممنهجة، تستهدف ليس فقط كوادر حزب الله، بل تضرب البيئة الشيعية ومقومات حياتها بأسرها".

ويرى العاقوري أن "الشخص الوحيد القادر على اتخاذ خطوات إنقاذيه للمكوّن الشيعي خاصة واللبنانيين عموماً هو بري، الذي يتحمل مسؤولية تاريخية ووجدانية في هذا السياق، لاسيما بعد تصريحات أمين عام حزب الله نعيم قاسم، بأن القتال سيستمر حتى آخر نفس، مع إضفاء قداسة دينية على الحرب التي يعتبرها الحزب مقدسة، ومع وضع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي الحرب في هذا الإطار".

من الثنائي إلى التنوع السياسي؟

التحدي الآن كما يعتبر العاقوري، يكمن "فيما إذا كان بري سيجرؤ على اتخاذ خطوة إنقاذ، وما إذا كان سيسلط الضوء على الحقائق بوضوح أو يستمر في صمته المريب أمام إنكار حزب الله لحجم الخسائر التي تتكبدها البلاد والمكوّن الشيعي تحديداً".

ومنذ توليه رئاسة مجلس النواب اللبناني عام 1992، عرف عن بري تمكّنه من بناء شبكة واسعة من العلاقات السياسية، مما ساعده على تشكيل مسار الأحداث السياسية والاجتماعية في البلاد، حتى أنه بات يعرف بـ"رجل المهمات الصعبة"، نظراً لقدرته على التوفيق بين الأطراف المتنازعة وحل الخلافات المعقدة.

ورغم ذلك، يعتبر بري واحداً من الشخصيات السياسية الأكثر إثارة للجدل في لبنان، إذ يتهمه البعض بالضلوع في الفساد، وبكونه شريكاً في المسؤولية عن الأزمات المتتالية التي هزّت البلاد ولا تزال، وعن عرقلة التحقيقات في ملف انفجار مرفأ بيروت عام 2020.

وبعد أن تضع الحرب أوزارها في لبنان، "لن يكون بري فقط من سيشارك في إعادة تشكيل التوازنات رغم مرونته السياسية وقدرته على التكيّف مع التحولات الإقليمية" كما يشدد مجاهد، مؤكداً أن "القرار الأخير هو للمواطنين الشيعة الذين يمكن أن تتاح أمامهم مشاريع سياسية متنوعة ومنها حديثة في مرحلة لاحقة، إضافة إلى الأحزاب التقليدية، لكنّ خاصيّة الحضور الحاليّ لبري، في أنه جزء من سلطة رسمية لبنانية لإدارة المرحلة الانتقالية نحو إنهاء الحرب، من دون أن يلغي ذلك قدرة حركته السياسية على المشاركة في ترتيبات سياسية خلال مراحل لاحقة".