حزب الله
حزب الله وافق على الانسحاب إلى ما وراء الليطاني

بعد تصريح الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصر الله، بأن "نقل نهر الليطاني إلى الحدود مع إسرائيل أسهل من ارجاع الحزب شماله، وأن جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف النار في غزة"، وافق حزب الله على شروط التسوية مع إسرائيل، التي تلزمه تفكيك ارتباطه بجبهة غزة، وتراجعه إلى شمال نهر الليطاني.

وتوصلت إسرائيل وحزب الله، الثلاثاء، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، دخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء بتوقيت بيروت، وهو ينص على انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان خلال 60 يوماً، مقابل الانسحاب الكامل لحزب الله إلى شمال نهر الليطاني. 

ويبعد الليطاني نحو 30 كم عن الحدود مع إسرائيل.

وكان حزب الله فتح جبهة جنوب لبنان، في 8 أكتوبر، غداة الهجوم الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل، ليتطور بعدها التصعيد العسكري إلى اجتياح بري إسرائيلي لجنوب لبنان، مع توسع دائرة العمليات العسكرية لتشمل مناطق متعددة في البلاد، ما تسبب بخسائر بشرية ومادية كبيرة في لبنان.

ورغم التصريحات المتكررة لحزب الله عن رفضه لشروط معينة لوقف إطلاق النار، عاد الحزب وقبل بها. هذا الموقف يثير تساؤلات عما أراده من هذه الحرب، التي كلفت لبنان وشعبه خسائر فادحة؟

خلفيات التسوية

"الضغوط العسكرية والسياسية التي تعرض لها حزب الله، بالإضافة إلى حجم الدمار، دفعته نحو توقيع الاتفاق"، كما يؤكد الباحث في الشأن السياسي نضال السبع مشدداً على أن "الحزب تلقى ضربات كبيرة، فاستهداف الجيش الإسرائيلي للبيئة الشيعية وتدمير البنية التحتية كان جزءاً من معركة جاءت ضمن توقيت ملائم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو."

كما يؤكد السبع في حديث لموقع "الحرة" أن هناك عوامل عدة دفعت الإسرائيليين إلى توقيع الاتفاق، من أبرزها "الضربات التي تلقاها الجيش الإسرائيلي، سواء في مطعم بتل أبيب أو في العديسة، حيث أجبر الإسرائيليون حينها على استخدام عدة طائرات لإجلاء الجرحى والقتلى، بالإضافة إلى الهجوم الذي استهدف بلدة الخيام قبل أيام. 

هذه التطورات دفعت المؤسسة العسكرية، إلى الضغط على المؤسسة السياسية، للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وبالتالي، نحن أمام مجموعة من العوامل المشتركة التي دفعت كلا الطرفين إلى توقيع الاتفاق".

ويعتبر السبع أن حزب الله دخل الحرب "مرغماً". 

ويشرح أن "رئيس حركة حماس، يحيى السنوار وضع الحزب في موقف حرج عندما أبلغه قبل نصف ساعة فقط بنيته تنفيذ عملية الهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، مما جعل حزب الله أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الامتناع عن التدخل وتحمل اتهامات بعدم مساندة غزة، رغم قتاله سابقا في سوريا دعماً للنظام، أو الدخول في معركة قد يتهم بسببها بتوريط لبنان في حرب لا مصلحة له فيها، وحين أعلن حزب الله فتح جبهة جنوب لبنان لإسناد غزة لم يتوقع أن تمتد الحرب لأكثر من أسبوعين إلى شهر على أبعد تقدير".

ويشدد "حزب الله دخل هذه المعركة دون استعداد كافٍ، مع تسجيل اختراقات كبيرة في صفوفه"، مشيراً إلى أن "الجيش الإسرائيلي امتلك قاعدة بيانات استخبارية ضخمة جمعها على مدى سنوات، ما مكنّه من استهداف مخازن أسلحة وصواريخ حزب الله، وإضعاف قدراته".

مع توقيع الاتفاق، سينسحب حزب الله من جنوب الليطاني والجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان بشكل تدريجي، وسيبدأ الجيش اللبناني انتشاراً تدريجياً أيضاً في جنوب لبنان، وفقا لبنود الاتفاق، وسيخضع الاتفاق إلى إشراف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ومن المتوقع أن يصبح اتفاقا دائماً بعد فترة الستين يوماً.

خسارة ثلاثية

يقول الكاتب والمحلل السياسي إلياس الزغبي أنه "بعيداً عن العاطفة الشعبية التي تحاول عبر عودة النازحين التعويض العاطفي عن الوقائع المأساوية من خلال الحديث عن انتصارات مزعومة، والقول بأن حزب الله منع إسرائيل من تحقيق أهدافها، وبعيداً عن القراءات المتشابكة للنصوص الراعية لهذا الاتفاق، وكذلك نص الوثيقة الثنائية الموازية بين إسرائيل وأميركا، فإن الواقع على خطورة النتائج ويؤكد أن المرحلة المقبلة ستكون مختلفة كلياً عن المرحلة السابقة، سواء على مستوى التأثير العسكري للحزب أو تأثيره السياسي داخل لبنان."

لا شك أن حزب الله فقد كما يشدد الزغبي في حديث لموقع "الحرة" "ثلاثة عناوين رئيسية خاض تحتها حربه منذ 8 أكتوبر 2023، وهي: أولاً سقوط شعار إسناد غزة، ثانياً سقوط شعار وحدة الساحات، وثالثاً انهيار ثلاثية شعب-جيش-مقاومة. وقد بات الحزب أمام الحقيقة العارية بأنه مجبر فعلياً على إخلاء منطقة جنوب الليطاني لمصلحة الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية. وعندما يصبح سلاحه متمركزاً شمال الليطاني، يكون قد فقد مبرر وجوده الأساسي، أي المقاومة، التي تتطلب اشتباكاً ميدانياً مباشراً مع العدو. وهنا تكمن ضرورة التعامل بحذر ووعي كاملين مع مرحلة انتقال سلاح حزب الله إلى الداخل اللبناني."

ويشير الزغبي إلى أن "سابقة اجتياح بيروت والجبل عام 2008 لا تزال حاضرة في الأذهان، لكن اليوم هناك حاجزان فاعلان أمام أي محاولة جديدة للانقضاض على الداخل اللبناني. الأول هو تماسك المكونات اللبنانية الرافضة لسلاح الحزب، سواء في الجنوب أو في الداخل. والثاني يتمثل في الرقابة الدولية والعربية المفتوحة على أداء إيران وحزب الله".

واليوم الأربعاء، باشرت قوات الجيش اللبناني، الانتشار في جنوب الليطاني، بعدما دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وقال الجيش اللبناني في تغريدة على منصة (X) إن قواته تنتشر بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، وأن الانتشار العسكري في المنطقة يأتي التزاما من الحكومة اللبنانية تنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن بمندرجاته كافة والالتزامات ذات الصلة.

الاختبار الأول لهذه المرحلة سيكون وفق الزغبي "استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث سيظهر مدى تراجع الهيمنة التي فرضها سلاح حزب الله على مدى السنوات الأخيرة. ويتطلب ذلك أداء جديداً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالعودة إلى التزام الدستور بجميع مندرجاته."

بعد هذه المرحلة، يمكن الحديث كما يضيف "عن إعادة بناء الدولة اللبنانية على أسس جديدة، أبرزها تعزيز السيادة على القرار الشرعي، وضبط الحدود البرية والجوية والبحرية، وإعادة إنتاج سلطة متحررة من أي وصاية خارجية، لا سيما الوصاية الإيرانية في نسختها الأخيرة".

ضغط وتكبيل

يعتبر السبع أن الحكمة "لا تكمن في الاستمرار بالمعركة، بل في التوجه نحو اتفاق يضمن الحفاظ على ما تبقى من قوة حزب الله". لكنه يتساءل عن مدى التزام الجيش الإسرائيلي بهذا الاتفاق، خصوصاً أن غزة ما زالت تواجه تحديات كبرى دون أي إطار سياسي يحميها"، ويشير إلى الدور الأميركي في تمرير هذا الاتفاق، متسائلاً عما إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستسعى لإقرار اتفاق مشابه في غزة.

وأسفر الصراع بين حزب الله وإسرائيل منذ أكتوبر 2023 عن مقتل 3768 شخصاً وإصابة 15699 آخرين حتى 24 نوفمبر، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية. ولم يصدر حزب الله أي إحصاءات رسمية حديثة عن عدد قتلاه في المعارك الدائرة مع إسرائيل. وكانت قد أعلنت سابقا مقتل نحو 500 من مقاتليها حتى سبتمبر الماضي، فيما ذكر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن حزب الله خسر نحو 2450 مقاتلاً، بحسب وكالة رويترز.

وقدّر البنك الدولي الأضرار السكنية في لبنان بنحو 2.8 مليار دولار، مع تدمير أكثر من 99 ألف وحدة سكنية، وأشار إلى أن إجمالي الخسائر الاقتصادية في لبنان بلغت نحو 8.5 مليار دولار، مع توقع انكماش الناتج المحلي بنسبة 5.7% في عام 2024.

على صعيد النزوح، أفادت المنظمة الدولية للهجرة بأن أكثر من 886 ألف شخص نزحوا داخلياً في لبنان، فيما فرّ 540 ألفاً إلى سوريا.

وعن قدرة حزب الله على استعادة قوته، يشير السبع إلى أن "الاتفاق يمنع الحزب من ترميم قدراته العسكرية، وذلك عبر اللجنة المشتركة التي تضم فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل والأمم المتحدة ولبنان".

 هذه اللجنة، بحسب السبع، "ستراقب أي محاولة لتصنيع أو إدخال أسلحة جديدة، حيث ستقوم بإبلاغ الجيش اللبناني للتدخل، وفي حال لم يتحرك، سيتولى الجيش الإسرائيلي استهداف المنشآت أو الشاحنات. هذا الأمر سيكبّل حزب الله ويضعه تحت ضغط كبير، فالوضع الحالي لا يشبه الظروف التي مر بها الحزب في عامي 2000 و2006، أي تحرير جنوب لبنان وحرب يوليو".

حزب الله والسلاح الفلسطيني

لبنان يتغير.

سقط النظام السوري. خسر حزب الله حربا جديدة مع إسرائيل. والدولة تبدو جادة في سحب سلاح الحزب.

لكن يظل سلاح آخر، سلاح التنظيمات الفلسطينية في لبنان، وهو أقدم من سلاح حزب الله، وربما يكون ورقة يستخدمها الحزب في مستقبل صراعاته داخل الحدود، وخارجها، وفق محللين.

نظام سقط وجيش تحرك

بعد سقوط نظام بشار الأسد وراء الحدود، في سوريا الجارة، شن الجيش اللبناني ما سماها عملية "إجهاز" على كل المراكز المسلحة خارج المخيمات الفلسطينية، في قوسايا والسلطان يعقوب وحشمش في البقاع شرق لبنان، وهي مراكز كان يدعمها نظام الأسد.

وأعلن الرئيس اللبناني جوزاف عون أن الجيش تسلم ستة مواقع فلسطينية وضبط ما فيها من أسلحة ومعدات.

لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني أعلنت، من جانبها، خلو لبنان من أي سلاح فلسطيني خارج المخيمات.

لكن، ماذا عن السلاح داخل المخيمات؟

موقف الحكومة واضح. البيان الوزاري الصادر في السابع عشر من أبريل أكد التزامها ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها "بقواها الذاتية حصراً".

لكن المحلل السياسي اللبناني علي الأمين يقول لـ"الحرة" إن السلاح وإن كان سحب بالفعل من قوات فلسطينية في المناطق اللبنانية كلها، لكن تظل هناك أسلحة في مراكز لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في مناطق تابعة لنفوذ حزب الله خصوصاً في ضاحية بيروت الجنوبية.

ويتحدث الأمين عن خلايا لحماس والجهاد الإسلامي "تحت حصانة وإدارة حزب الله ولا تزال موجودة حتى اليوم وتعمل بغطاء من الحزب وتحت إدراته". لكن الأسلحة الموجودة في هذه المراكز من النوعية المتوسطة مثل صواريخ 107 وصواريخ كاتيوشا وبعض المسيرات.

تاريخ إشكالي

منذ عقود، وملف السلاح الفلسطيني له دور محوري في توازنات لبنان، داخليا بين أقطابه السياسية، وخارجيا في علاقاته مع الإقليم.

اتفاق القاهرة الموقع عام 1969 سمح للفلسطينين بالتسلح ضمن المخيمات، والعمل عسكريا ضد إسرائيل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.

بعد سنوات قليلة، عام 1975، كان الاتفاق فتيلة أخرى أدت لانفجار الحرب الأهلية.

وفي يونيو 1987، وقع الرئيس اللبناني أمين الجميل، قانوناً يلغي اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير، بعدما صوت البرلمان اللبناني على إلغائه.

لكن ظل السلاح الفلسطيني موجوداً. وخاض فلسطينيون معارك ضد جهات لبنانية وغير لبنانية. لكن دوره في المعارك مع إسرائيل ظل محدودا بعد ما استأثر بها حزب الله منذ بداية الثمانينات.

يعيش في لبنان، حسب تقرير للدولية للمعلومات، حوالي 300 ألف لاجئ فلسطيني، يتوزعون على 12 مخيما، أكبرها مخيم عين الحلوة (50 ألف نسمة) قرب صيدا، جنوب لبنان.

وتنشط عسكريا في لبنان حركة "فتح"، أقدم الحركات الفلسطينية، ولرئيسها محمود عباس موقف معلن يؤيد تسليم السلاح الموجود داخل المخيمات للدولة اللبنانية ضمن خطة أمنية واضحة وضمانات لحماية المخيمات.

تنشط كذلك حركة "حماس"، وهي حليفة لحزب الله، وتعرض عدد من قياداتها لاستهداف إسرائيلي في لبنان منذ اندلاع حرب غزة، أبرزهم صالح العاروري، الذي اغتالته إسرائيل في ضربة بالضاحية الجنوبية لبيروت في الثاني من يناير عام 2024، وحسن فرحات الذي اغتيل في الرابع من أبريل 2025 في صيدا.

وفي لبنان أيضا، نشطت "الجبهة الشعبية– القيادة العامة"، وهو فصيل احتفظ بمواقع عسكرية في البقاع بدعم سوري.

وينشط أيضا تنظيمان سلفيان هما "عصبة الأنصار" و"جند الشام"، ويتركزان في مخيم عين الحلوة ويُعدان من بين الأكثر تطرفاً.

كذلك، في السنوات الأخيرة، ظهرت تنظيمات عصابية مسلحة في غير مخيم تنشط في تجارة المخدرات وغيرها من الأنشطة الإجرامية.

"خرطوشة أخيرة"

تقدر مصادر أن 90 في المئة من السلاح في المخيمات هو سلاح فردي، لكن بعض المخازن تحتوي على ذخيرة من الصواريخ.

وتتولى لجان فلسطينية أمن المخيمات.

وتؤكد مصادر فلسطينية أن الجيش يسيطر بشكل كامل على مداخل هذه المخيمات ومخارجها في المناطق اللبنانية كافة، لكن لا سيطرة فعلية له بعد داخل هذه المخيمات.

يقول المحلل السياسي علي الأمين إن السلاح الموجود داخل المخيمات أو المراكز الأمنية القليلة المتبقية خارجه مرتبط بشكل كبير بسلاح حزب الله.

يضيف "الفصائل الفلسطينية الأساسية والرئيس الفلسطيني محمود عباس لا مانع لديهم من تسليم السلاح الموجود داخل المخيمات"، لكن حزب الله والأحزاب الموالية له ترفض تسليم هذه الأسلحة للتمسك بورقة ضغط على الحكومة اللبنانية واستعمالها كـ"خرطوشة أخيرة قبل الاستسلام".

ويرى الأمين أن سحب السلاح من المخيمات مرتبط بشكل وثيق بسلاح حزب الله وأن الأخير يقوم بإدارة ومراقبة هذا السلاح خصوصاً التابع لحركتي حماس والجهاد الإسلامي الموجود داخل المخيمات وخارجها كون الحزب كان المصدر الأساسي لهذه الأسلحة في مرحلة سابقة.

شمال الليطاني

حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية لم يعد مطلبا دوليا فقط.

على وقع قرارات دولية (1701 و1559)، وبالتزامن مع إعادة طرح قانون بايجر 6 في الكونغرس مرة ثانية في مارس 2025، أعلن الجيش اللبناني أنه ضبط منطقة جنوب الليطاني، وسيطر على أكثر من 500 هدف ونقطة كانت تابعة لـ "حزب الله".

واليوم تتجه الأنظار إلى شمال الليطاني والخطوة التالية التي ستتخذ لضبط السلاح، كل السلاح، في لبنان.