اعتمدت إيران منذ عدة أعوام على أذرعها في الشرق الأوسط، لتمرير أجندتها، وكان حزب الله اللبناني من أبرز الجماعات المسلحة التي لقيت دعما ماليا ولوجستيا متواصلا من طهران.
وبفضل الدعم الإيراني، تمكن حزب الله من بسط نفوذه على إدارات الدولة اللبنانية، وتعميق انقساماتها السياسية، والسيطرة على قرار السلم والحرب فيها، ما أدى إلى توريط لبنان في صراعات إقليمية ذات عواقب وخيمة.
لذلك، "قد لا يخدم اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان مساعي طهران التي تهدف للحفاظ على الوضع مشتعلا في المنطقة حتى تفرض شروطها على المجتمع الدولي"، وفقا لأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة باي أتلانتيك في واشنطن العاصمة، باولو فان شيراك.
وقالت طهران، الأربعاء، إنها ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان، لكنها "تحتفظ بحق الرد" على ضربات إسرائيل الشهر الماضي.
وكانت إسرائيل ضربت أهدافا في إيران في 26 أكتوبر ، ردا على هجوم صاروخي شنته طهران على إسرائيل في الأول من الشهر نفسه.
وأبلغ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، صحفيين، أن بلاده ترحب باتفاق الثلاثاء وزعم أنها تأمل في أن يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار.
لكن فان شيراك، يرى، في حديث لموقع "الحرة" أن إيران "لن تستسيغ الاتفاق، لكنها لا تستطيع في المقابل فعل أي شيء لعرقلته".
وشدد المتحدث على أن قدرة حزب الله على المواجهة أضحت أضعف بينما موقف إيران في المشهد العام أصبح هشًا لدرجة أنها لن تقوى على الدفع في الاتجاه المعاكس للإرادة الدولية، وهي تسوية الحرب في لبنان حتى يتسنى التفرغ لوقف إطلاق النار في غزة.
وأضعفت الحرب مع إسرائيل حزب الله، بينما قُتل أغلب قياداته المعروفة في هجمات إسرائيلية متتالية وكان على رأس القائمة الأمين العام للحزب، حسن نصر الله.
وبعد الانتكاسات المتتالية للحزب، بدا وكأن الذراع القوية لإيران في المنطقة انكسرت.
وأصبحت سيطرة إيران على لبنان فعلية وواضحة في السنوات العشر الماضية، حيث سيطر حزب الله على سلطة القرار في البلاد.
ويقول فان شيراك إن إيران خسرت "ولو على المدى القريب، حلفا قوفا في لبنان"، في إشارة إلى حزب الله. وأوضح أن الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء، لا يعني نهاية الحرب، إذ إن قوة حزب الله"تراجعت لكنها لم تنته".
وتقول السفيرة الأميركية السابقة، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، جينا أبيركرومبي-وينستانلي، إن "حزب الله في وضع أضعف مما كان عليه في عام 2006".
وأضافت أن إيران لا تريد من حزب الله أن يفاقم الوضع أو أن يتسبب في توسيع نطاق النزاع إلى درجة تتطلب منها الانخراط في حرب مع إسرائيل.
ورغم الانفراجة الدبلوماسية، ازدادت حدة الأعمال القتالية عشية تنفيذ الاتفاق مع تكثيف إسرائيل غاراتها الجوية على بيروت وأجزاء أخرى من لبنان، حيث أفادت السلطات الصحية بمقتل 18 شخصًا على الأقل.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه قصف "أجزاء من الأنظمة والإدارة المالية لحزب الله"، بما في ذلك مكتب للصرافة.
وأصدرت إسرائيل مزيدًا من تحذيرات الإخلاء في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، قبل ساعات فقط من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. كما واصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
وقُتل في لبنان أكثر من 3760 شخصاً خلال الأشهر الثلاثة عشر الماضية، تحت النيران الإسرائيلية، وكان العديد منهم من المدنيين، وفقاً لمسؤولي الصحة اللبنانيين.
وقد أدى القصف إلى نزوح 1.2 مليون شخص من منازلهم. وتقول إسرائيل إنها قتلت أكثر من 2000 عضو من حزب الله.
في المقابل، أجبرت هجمات حزب الله بالصواريخ والطائرات المسيرة نحو خمسين ألف إسرائيلي على إخلاء منازلهم في شمال البلاد، ووصلت بعض صواريخه حتى تل أبيب.
وقد لقي ما لا يقل عن خمسة وسبعين إسرائيليا مصرعهم، أكثر من نصفهم من المدنيين. كما لقي أكثر من خمسين جندياً إسرائيلياً مصرعهم في الهجوم البري في لبنان، وفق أسوشيتد برس.
على ماذا ينص الاتفاق؟
ينص الاتفاق على وقف الأعمال العدائية لمدة 60 يومًا، وقد وصف المفاوضون هذا التوقف كأساس لتهدئة دائمة.
وقال الباحث السياسي اللبناني حسن قبلان في حديث لقناة "الحرة" إن قرار وقف إطلاق النار هو بمثابة "إعادة إحياء قرار 1701" الذي تم توقيعه في 2006.
وأوضح أن الاتفاق لا يتضمن أي ملحقات أو طلبات سرية، ويشدد على تمسك لبنان بسيادته دون منح الجيش الإسرائيلي حرية التحرك.
ويشمل الاتفاق، وفقه، تعزيز انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني مع قوات "يونيفل" الأممية، وانسحاب الإسرائيليين من الأراضي اللبنانية.
وأضاف قبلان أن القرار يتضمن بالخصوص سحب سلاح حزب الله من المنطقة.
وكان قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي أنهى الحرب بين البلدين في عام 2006، أساسًا لهذا الاتفاق، وقد دارت المفاوضات بشكل رئيسي حول تنفيذه.
عضو الكنيست السابق عن حزب العمل، يوسي يوناه، قال لقناة "الحرة" إن وقف إطلاق النار لا يعني انتصارًا شاملًا "وليس هناك مجال للحديث عن هذا الهدف"، مشيرًا إلى مكاسب إيجابية واضحة في لبنان، خصوصًا ما تعلق بتنفيذ قرار الأمم المتحدة 1701، وتراجع قوات حزب الله عن الحدود المتاخمة لإسرائيل، و"تقليل جوهري" لتواجد الحزب عمومًا.