الاتفاق ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية مع انتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني
الاتفاق ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية مع انتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني

يترقب اللبنانيون بحذر ما قد تحمله مرحلة ما بعد انتهاء فترة الهدنة بين حزب الله وإسرائيل، وسط تصاعد المخاوف من احتمالية اندلاع جولة جديدة من الصراع.

تأتي هذه المخاوف بعد تقارير إسرائيلية أشارت إلى احتمال تمديد وجود الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان لما بعد انتهاء الهدنة، في حال لم يتم نشر الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني بشكل كامل وتفكيك البنية التحتية العسكرية لحزب الله، كما نص عليه الاتفاق المبرم بين الجانبين.

في المقابل، أطلق حزب الله سلسلة من التهديدات العلنية التي تعد الأولى منذ بدء الهدنة، محذراً من تداعيات استمرار وجود القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان بعد انتهاء مدة الستين يوماً المحددة في الاتفاق، معتبراً أن أي بقاء للقوات الإسرائيلية بعد هذه المهلة سيعتبر "احتلالاً" للبنان.

وفي السياق، أعلن الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، أمس الأربعاء، أن "المقاومة مستمرة وقد استعادت عافيتها"، مما يطرح تساؤلات حول كيفية استعادة الحزب قوته رغم التحديات التي يواجهها، مثل قطع طريق إمداده بالسلاح عبر سوريا، وتشديد المراقبة على مداخل لبنان البرية والجوية والبحرية، إضافة إلى المراقبة الجوية الإسرائيلية للأراضي اللبنانية، والسؤال الأهم: هل يمتلك حزب الله فعلاً الإمكانيات اللازمة لخوض جولة جديدة من المعارك مع إسرائيل؟ أم أن تصريحاته مجرد رسائل سياسية تهدف إلى تعزيز النفوذ الداخلي للحزب؟

يذكر أنه في 27 نوفمبر الماضي، توصلت إسرائيل ولبنان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وضع حداً لنحو 14 شهراً من القتال الذي اندلع في 8 أكتوبر 2023، تاريخ إطلاق حزب الله نيرانه على إسرائيل، معلناً فتح جبهة جنوب لبنان "لدعم وإسناد غزة"، وذلك في أعقاب الهجوم الذي نفذته حركة حماس على إسرائيل في اليوم السابق.

وينص الاتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان على مراحل خلال 60 يوماً، مع انتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني بالتنسيق مع قوات اليونيفيل، بالإضافة إلى تفكيك البنية التحتية العسكرية لحزب الله.

ويواصل الجيش اللبناني تعزيز انتشاره في جنوب لبنان، في إطار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وسبق أن أكد قائد الجيش اللبناني، العماد جوزيف عون على أن الجيش اللبناني "يقوم بمهامه وسيستمر بذلك لتطبيق القرار 1701 بالتعاون مع اليونيفيل، والمطلوب أن تلتزم إسرائيل بتفاهم وقف إطلاق النار، وهذه هي مهمة اللجنة المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار".

من جانبه أعلن الجيش الإسرائيلي، أنه يعمل "ضد أنشطة حزب الله التي تشكل تهديدا.. وتنتهك التفاهمات بين إسرائيل ولبنان"، مؤكداً أنه "ملتزم بتفاهمات وقف إطلاق النار".

رسائل داخلية؟

"تأتي تهديدات حزب الله الأخيرة ضمن إطار التهويل الكلامي وشدّ العصب الداخلي، من دون أن تغيّر شيئاً من الواقع على الأرض"، كما يرى يؤكد الكاتب والباحث السياسي جورج العاقوري، ويقول "الأرجح إنها مجرد ذر للرماد في العيون، إذ إن الحزب لم يعد كما كان قبل السابع من أكتوبر الماضي، ولن يعود إلى ذلك الوضع نتيجة الضربة القاسية التي تعرضت له بنيته وإمداداته والتحوّلات الكبيرة التي شهدتها المنطقة وإنهيار محور الممانعة ".

ويشدد العاقوري في حديث لموقع "الحرة" على استحالة استعادة حزب الله لقدراته السابقة، مرجعاً ذلك إلى عوامل عدة، منها "الخسائر البشرية الكبيرة التي مني بها وشملت الآلاف من كوادره، مما يجعل من الصعب عليه تعويضها سريعاً، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد في سوريا التي كانت تمثل شرياناً حيوياً للحزب وصلة وصل مع إيران وملجأ آمناً لمخازنه، إضافة إلى ذلك، باتت طرق إمداده تحت رقابة مشددة دولياً، سواء عبر سوريا أو المداخل البرية والبحرية والجوية للبنان".

ويضيف "اليوم، محور الممانعة أصبح أطلالاً غير قادر على استعادة شكله القديم، الذي كان يتمثل في الهلال الممتد من إيران إلى لبنان مروراً بسوريا، وحتى غزة عبر حماس، فهذه الحقبة انتهت، وأصبحت جزءاً من الماضي".

بالتالي تهدف تصريحات حزب الله بالدرجة الأولى كما يرى العاقوري إلى "توجيه رسائل داخلية لمحاولة استنهاض نفوذه المتراجع"، مشيراً إلى أن هذه المحاولات تبدو غير مجدية، ويشدد "سطوة الحزب التي كانت قائمة لن تعود بأي حال من الأحوال".

كذلك يرى الكاتب والباحث السياسي الدكتور مكرم رباح أن تهديدات حزب الله "غير واقعية"، مؤكداً أن "الحزب، عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، تنازل عن سلاحه، وما يسعى الآن إلى تحقيقه هو تحويل هذه الخسارة إلى نصر داخلي، من خلال التأكيد على حقه في الاحتفاظ بهذا السلاح".

ويقول رباح في حديث لموقع "الحرة" أن التطورات على الأرض، خاصة بعد سقوط نظام الأسد، جعلت هذه التهديدات تبدو بلا أساس ومجرد "بدعة سياسية إن لم تكن مهزلة".

من جانبه يعتبر العميد الركن المتقاعد الدكتور هشام جابر أن "موقف حزب الله الإعلامي أمر طبيعي، خاصة مع استمرار الخروقات الإسرائيلية لاتفاق الهدنة"، ويوضح أن "البيئة الحاضنة للحزب بدأت تطرح تساؤلات حول سياسته، لاسيما أن تلك البيئة لم تُستشر عند اتخاذ قرار الحرب"، مما أدى إلى معاناة وصفها بـ"المصائب".

ويشير جابر وهو رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة في حديث لموقع "الحرة"، إلى أن التساؤلات داخل البيئة الحاضنة للحزب تتعلق بالالتزام بالاتفاق الأخير مع إسرائيل، "حيث يرى البعض أن الحزب التزم وحده ببنود الاتفاق، في وقت تستمر الانتهاكات الإسرائيلية" ويؤكد أن هذه الضغوط الداخلية دفعت الحزب إلى "تبني موقف إعلامي واضح يهدف إلى توجيه رسائل سياسية، فالصمت لم يعد خياراً في ظل هذه الظروف".

وسبق أن قدّمت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية، عبر بعثة البلاد الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، تتضمن "احتجاجا شديدا" على "الخروقات المتكررة التي ترتكبها إسرائيل" للهدنة.

وأشار لبنان في الشكوى إلى أن "الخروقات الإسرائيلية من قصف للقرى الحدودية اللبنانية، وتفخيخ للمنازل، وتدمير للأحياء السكنية، وقطعٍ للطرقات، تقوّض مساعي التهدئة وتجنّب التصعيد العسكري، وتمثّل تهديداً خطيراً للجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة".

سيناريوهات ما بعد الهدنة

فيما يتعلق بمستقبل الاتفاق بين لبنان وإسرائيل، يرى جابر أن هناك ثلاثة سيناريوهات بعد انتهاء فترة الستين يوماً المحددة، السيناريو الأول، التزام إسرائيل بنصوص الاتفاق، بما في ذلك وقف الخروقات وانسحابها من القرى اللبنانية المحتلة وتسليمها للجيش اللبناني".

السيناريو الثاني "أن تتوقف الخروقات الإسرائيلية دون الانسحاب من القرى المحتلة، والسيناريو الثالث، استمرار إسرائيل بالخروقات وعدم انسحابها، مما يعني فعلياً انهيار الاتفاق. من دون استبعاد أن تسعى إسرائيل إلى طلب تمديد الاتفاق لاستمرار الوضع الراهن".

ويشير جابر إلى أن حزب الله "فقد جزءاً كبيراً من قوته، لكنه لم يفقدها بالكامل، ولا يناسبه إعادة فتح الجبهة من جديد"، ويحذر من أن "عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي قد يؤدي إلى نشوء مقاومة شعبية مسلحة في القرى المحتلة، شبيهة بتلك التي ظهرت قبل التحرير في عام 2000"، معتبراً أن "هذا السيناريو مرجح إذا استمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية"، ويلفت إلى أن "المقاومين في جنوب لبنان، وغالبيتهم من أبناء القرى الحدودية أو جنوب الليطاني، قد ينظمون أنفسهم في مجموعات صغيرة لشن عمليات ضد الاحتلال".

في السياق، يعتبر العاقوري أنه في حال كانت رسائل حزب الله تحمل نوايا تصعيدية فعلية، فإن التداعيات ستكون كارثية، قائلاً "التجربة السابقة خلال الحرب الأخيرة كانت مؤلمة للحزب، أما الآن فستكون خسائره مضاعفة".

بالتالي أي محاولة من حزب الله لافتعال مواجهة عسكرية جديدة بعد مرور ستين يوماً على وقف إطلاق النار، ستناقض ما التزم به سابقاً، كما يقول العاقوري ويشرح "الحزب ارتضى بوقف إطلاق النار وفوّض الرئيس نبيه بري لإدارة الأمور، كما وافق وزراؤه على مضمون الاتفاق. أي تنصّل من هذه الموافقة ستكون له تداعيات سلبية أكبر مما سبق، وسيلحق ضرراً إضافياً بالحزب وبلبنان".

ويشدد "أي تصعيد جديد من قبل حزب الله سيؤكد للمجتمع الدولي أن التوصل إلى حلول معه أمراً مستحيلاً، وأن كل الجهود الدبلوماسية معه لا تجدي نفعاً، وبأنه لا يفهم سوى لغة الحديد والنار".

الاتفاقية تشترط ان تعزز قوات الأمم المتحدة "يونيفل" انتشارها في جنوب لبنان
الاتفاقية تشترط ان تعزز قوات الأمم المتحدة "يونيفل" انتشارها في جنوب لبنان

تنتهي اليوم الأحد 26 يناير/كانون الثاني، المهلة المحددة في اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني المدعوم من إيران، والذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

هذا الاتفاق، الذي تم بوساطة أميركية، كان يهدف إلى وضع حد للنزاع الممتد لأكثر من عام، حيث كان يشترط انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، مع تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل).

ومع انتهاء المهلة، تتزايد المخاوف الدولية بشأن عدم التزام الأطراف بالاتفاق. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا السبت الأطراف المعنية إلى الوفاء بالتزاماتهم "في أقرب وقت ممكن"، مشدداً على أهمية استعادة لبنان سيادته على كامل أراضيه.

جاء هذا في سياق محادثة هاتفية مع الرئيس اللبناني جوزاف عون، حيث أعرب عن قلقه من المماطلة في تنفيذ بنود الاتفاق. الرئيس اللبناني من جانبه، شدد على ضرورة إلزام إسرائيل باحترام الاتفاق لضمان استقرار المنطقة.

العمليات الإسرائيلية ألحقت دمارا واسعا في جنوب لبنان - أسوشيتد برس
إسرائيل تبحث البقاء في جنوب لبنان.. هل تشتعل الحرب مجددا؟
تبحث إسرائيل إمكانية البقاء بمواقع محددة في جنوب لبنان، وذلك بالتزامن مع قرب انتهاء مهلة الستين يوما التي كان من المقرر أن تنسحب خلالها قواتها من جميع القرى والبلدات والمواقع الحدودية، بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار وقع في أواخر نوفمبر الماضي.

وبحسب بنود الهدنة، يتوجب على حزب الله، سحب عناصره وتجهيزاته والتراجع إلى شمال نهر الليطاني الذي يبعد حوالى 30 كيلومترا من الحدود، وتفكيك أي بنى عسكرية متبقية في الجنوب.

في الجانب الإسرائيلي، أكد مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أن الانسحاب الإسرائيلي لن يتم بالكامل في الموعد المحدد، مشيراً إلى أن القوات الإسرائيلية ستواصل الانسحاب "بالتنسيق مع الولايات المتحدة" نظراً لعدم تنفيذ لبنان الاتفاق بشكل كامل.

وأوضح البيان، أن إسرائيل "لن تعرّض بلداتها ومواطنيها للخطر، وستحقق أهداف الحرب في الشمال، بالسماح للسكان بالعودة إلى منازلهم بأمان".

من جهته، ألقى الجيش اللبناني باللوم على إسرائيل في التأخير، مؤكداً أنه مستعد لاستكمال انتشاره في المنطقة فور انسحاب القوات الإسرائيلية، وأقر بحصول "تأخير في عدد من المراحل نتيجة المماطلة في الانسحاب من الجانب الإسرائيلي".

وقد سادت أجواء من التوتر بين الأطراف، حيث اتهم لبنان إسرائيل بالمماطلة في تنفيذ الاتفاقية، في حين هدد حزب الله بأن عدم احترام إسرائيل لمهلة الانسحاب "يعتبر تجاوزاً فاضحاً للاتفاق".

جنود إسرائيليون في جنوب لبنان - رويترز
الهدنة تنتهي الأحد.. إلى أين يتجه الوضع في جنوب لبنان؟
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بقاء جزء من قواته في جنوب لبنان لحين تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بالكامل، موجهًا اللوم للجيش اللبناني وحزب الله لعدم التزامهما بشروط "انتشار كامل للجيش في جنوب لبنان وانسحاب عناصر الحزب إلى شمال نهر الليطاني".

وبالرغم من سريان الهدنة، شهدت الأسابيع الماضية تبادل الاتهامات بانتهاك وقف إطلاق النار، حيث نفذت إسرائيل ضربات ضد منشآت وأسلحة للحزب، بينما أفاد الإعلام اللبناني عن عمليات تفخيخ لمنازل ومبانٍ في القرى الحدودية.

في ظل هذه التطورات، ما زالت المخاوف قائمة بشأن استقرار المنطقة واحتمالية تصعيد التوترات إذا لم يتم الالتزام الكامل ببنود الاتفاق.

وقد حذر الجيش اللبناني السكان من العودة إلى القرى الحدودية بسبب الألغام والمخلفات التي خلفتها العمليات العسكرية الإسرائيلية.