جوزاف عوني
جوزاف عون (فرانس برس)

أنهى قائد الجيش اللبناني، العماد جوزاف عون، أزمة الشغور الرئاسي بوصوله إلى قصر بعبدا بعد انتخابه رئيساً للجمهورية في جلسة تاريخية عقدت، الخميس، ليطوي بذلك صفحة أزمة سياسية استمرت عامين وثلاثة أشهر.

فبعد 12 جلسة انتخابية على مدى عامين، كان آخرها في 14 يونيو 2023، جميعها انتهت بالإخفاق، أعاد رئيس مجلس النواب، نبيه بري، تحديد موعد جديد لجلسة انتخاب الرئيس في 9 يناير، لتتحول إلى محطة مفصلية في المشهد السياسي اللبناني.

وجاء انتخاب عون رئيساً للجمهورية اللبنانية في أعقاب أجواء سياسية مشحونة وصراعات حادة بين القوى السياسية والطائفية، في وقت تواجه فيه البلاد واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والمالية والأمنية في تاريخها الحديث، وعقب حرب مدمرة لم تضع أوزارها بشكل نهائي بعد، تاركة البلاد في حالة من الترقب والاضطراب.

وكانت الجلسة النيابية لانتخاب الرئيس الـ 14 للجمهورية اللبنانية بدأت قبل ظهر اليوم الخميس بعد اكتمال النصاب، في حضور الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الموفد السعودي يزيد بن فرحان، سفراء اللجنة الخماسية وعدد من الديبلوماسيين.

وحصل عون في الدورة الأولى على 71 صوتاً فيما كان المطلوب للفوز 86 صوتاً، أما بقية الأصوات فتوزعت على النحو الآتي: 37 ورقة بيضاء، 14 صوتاً لصالح "السيادة والدستور"، صوتان لشبلي الملاط، و4 أوراق ملغاة، حيث أن نواب حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر امتنعوا عن التصويت لصالح عون.

وفي الدورة الثانية التي انعقدت بعد ساعتين من انتهاء الدورة الأولى حصد عون تأييد 99 نائباً، فيما صوت 9 نواب بورقة بيضاء، كما صوت 12 نائبا بورقة "السيادة والدستور"، وحصد شبلي الملاط على صوتين، اما الاوراق الملغاة فبلغت 5، حيث صوت له حزب الله وحركة أمل في هذه الدورة

يذكر أن فوز المرشح لرئاسة الجمهورية في الدورة الأولى يتطلب حصوله على 86 صوتاً، بينما يكفي في الدورات اللاحقة حصوله على 65 صوتاً من أصل 128 نائباً.

لكن لو لم يحصل عون على 86 صوتاً في الدورة الثانية، كان ذلك سيثير جدلاً حول دستورية انتخابه، استناداً إلى المادة 49 من الدستور التي تنص على أنه "لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، خلال مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن الوظيفة أو تاريخ إحالتهم على التقاعد."

فانتخاب عون بأقل من 86 صوتاً كان يتطلب تعديلاً دستورياً، إلا أن حصوله على هذا الرقم يعدّ بمثابة تصويت ضمني على تعديل الدستور، حيث إن أي تعديل دستوري يستوجب موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، أي 86 صوتاً من أصل 128.

نهاية الأزمة الرئاسية

قبيل انتخاب عون شهدت بيروت نشاطاً دبلوماسياً مكثف، حيث توافد مبعوثون دوليون وإقليميون إلى لبنان، ما عكس الاهتمام الكبير بإنهاء أزمة الشغور، منهم المبعوث الأميركي آموس هوكستين، الذي وصل إلى بيروت يوم الاثنين، ولودريان، الذي وصل الثلاثاء، وبن فرحان، الذي زار لبنان مرتين خلال أسبوع.

وقد تركزت الجهود على دعم عون كمرشح توافقي يحظى بقبول إقليمي ودولي، خصوصاً في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، وآخرها المواجهة العسكرية بين حزب الله وإسرائيل.

النائبة بولا يعقوبيان خلال مداخلتها في جلسة البرلمان (الحرة)
"لاتحاضري في الشرف".. مشادة كلامية في جلسة اختيار رئيس جمهورية لبنان
شهدت الجلسة التي يعقدها مجلس النواب اللبناني، الخميس، لانتخاب رئيس جديد للبلاد، مشادة حامية الوطيس بين النائبة المستقلة، بولا يعقوبيان، والنائب عن التيار الوطني الحرب، سليم عون، وذلك بسبب اعتراض الأخير والعديد من النواب على تعديل الدستور لكي يتم انتخاب قائد الجيش، جوزيف عون.

فقد أصبح الشغور الرئاسي مشهداً متكرراً من الحياة السياسية في البلاد، وبعد نهاية ولاية ميشال عون عطّل حزب الله الانتخابات الرئاسية نتيجة تمسكه بدعم ترشيح سليمان فرنجية، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع النظام السوري قبل سقوطه، حيث حال غياب الإجماع النيابي دون نجاحه في الوصول إلى الرئاسة.

وقبل ساعات من جلسة اليوم الخميس، أعلن سليمان فرنجية انسحابه من السباق الرئاسي، مؤكداً أنه لم يكن يوماً عقبة أمام عملية الانتخاب. كما أعرب عن دعمه لعون، مشيداً بخصاله وقدرته على الحفاظ على "هيبة موقع الرئاسة الأولى".

ورغم رفض الثنائي الشيعي بداية لترشيح لعون، كونه المرشح الأكثر تفضيلاً لدى الأميركيين ودول عديدة، وبعد كلام أمين عام حزب الله، نعيم قاسم، ان "الإلغائيين لا فرصة لهم، والمستقوون بالأجانب لن يتمكنوا من تمرير هذا الاستحقاق باستقوائهم"، عاد مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، ليشير إلى أن الفيتو الوحيد الذي يضعه حزب الله هو على رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع.

امتنع نواب حزب الله وحركة أمل عن التصويت لقائد الجيش في الدورة الأولى، في خطوة اعتبرت رسالة سياسية مفادها أن أي اتفاق خارجي لن يتمكن من إيصال رئيس للجمهورية دون موافقتهما ومشاركتهما الفعلية.

وفي المقابل، عبّر التيار الوطني الحر عن رفضه لانتخاب عون، معللاً ذلك بأن انتخابه يتطلب تعديلاً دستورياً، مما يعني أن المضي في انتخابه يعدّ خرقاً للدستور وفق موقف التيار.

يذكر أنه وفقاً للعرف السياسي السائد في لبنان، يجب أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً من الطائفة المارونية، في حين يعود منصب رئاسة الحكومة للطائفة السنية، ورئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية، وتستمر ولاية رئيس الجمهورية لست سنوات، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد مرور ست سنوات.

من العسكر إلى القصر

تطوع جوزاف عون في الجيش بصفة تلميذ ضابط والتحق بالكلية الحربية عام 1983، وشغل منصب قائد الجيش منذ 8 مارس 2017. 

وبرز اسمه خلال محطات عدة، من أبرزها قيادته لعملية "فجر الجرود"، حيث نجح الجيش تحت قيادته في طرد مسلحي "داعش" و"جبهة النصرة" من الحدود الشرقية للبنان.

تميزت فترة قيادة عون بترسيخ الجيش كضمان للاستقرار بعيداً عن الصراعات السياسية، وخلال انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 ضد الطبقة الحاكمة، حرص عون على نشر الجيش لحماية التظاهرات السلمية، مع الحرص على حماية المؤسسات العامة والخاصة.

كما لعب الجيش بقيادة عون دوراً محورياً في احتواء أزمات كادت تعيد لبنان إلى مربع الحرب الأهلية، من أبرز هذه الأزمات كانت اشتباكات الطيونة في أكتوبر 2021، حيث تدخل الجيش لوقف الصدام بين أنصار "حزب الله" و"القوات اللبنانية" على خلفية التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، حيث سقط خلاله عدد من القتلى من أنصار "حزب الله".

جوزيف عون
"تعديل الدستور لقائد الجيش".. ما هي نقطة الخلاف على المرشح الأبرز لرئاسة لبنان؟
أعرب عدد من النواب اللبنانيين، الخميس، عن معارضتهم لتعديل الدستور من أجل انتخاب قائد الجيش رئيسًا للجمهورية، و جاء ذلك أثناء انعقاد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، حيث ظهر الخلاف بشأن المرشح المناسب للرئاسة.

كذلك تمكن الجيش من السيطرة على الاشتباكات في منطقة الكحالة المسيحية شرق بيروت في أغسطس 2023، التي اندلعت بين أبناء المنطقة وعناصر من حزب الله بعد انقلاب شاحنة تحمل أسلحة للحزب، مما أدى إلى سقوط قتيل من الكحالة وأحد عناصر حزب الله.

نجاح عون في الحفاظ على المؤسسة العسكرية كصمام أمان في ظل الانهيار السياسي والاقتصادي، عزز مكانته كقائد يحظى باحترام داخلي وخارجي، وقد نجح في الحفاظ على توازن صعب بين علاقاته مع الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي للجيش، وتجنب التصعيد مع حزب الله، كما اكتسب تقدير الدول العربية، خصوصاً السعودية، التي رأت فيه شخصية قادرة على المساهمة في استقرار لبنان.

تم التمديد للعماد جوزاف عون مرتين، الأولى في ديسمبر 2023 عندما صدق مجلس النواب اللبناني على اقتراح قانون يمدد بموجبه ولاية قائد الجيش لعام إضافي، والثانية في نوفمبر 2024.

يذكر أن عون ولد في عام 1964 في منطقة سن الفيل، وهو يحمل إجازتين، واحدة في العلوم السياسية وأخرى في العلوم العسكرية، ويتقن اللغتين الفرنسية والإنكليزية، وهو متزوج من نعمت نعمه، التي كانت ترأس قسم البروتوكول والعلاقات العامة في الجامعة اللبنانية الأميركية، ولديه ولدان: خليل، ونور.

مشهد متكرر

عون هو خامس عسكري يصل إلى قصر بعبدا، حيث جرت العادة أن يطرح اسم قائد الجيش في لبنان كخيار توافقي عندما تتعقد عملية انتخاب الرئيس نتيجة الانقسامات السياسية والطائفية، ويعود ذلك إلى دور قائد الجيش في تحقيق التوازن بين مختلف الأطراف، إضافة إلى مكانته كرمز للوحدة الوطنية في وجدان اللبنانيين، ما يجعله شخصية جامعة تحظى بقبول واسع.

فمنذ انتهاء ولاية الرئيس إلياس الهراوي، الذي تولى الرئاسة في 24 نوفمبر 1989 عقب انتهاء الحرب الأهلية، والتي جددت ولايته لثلاث سنوات حتى عام 1998، شهدت الانتخابات الرئاسية تحولاً بارزاً مع وصول قادة الجيش فقط إلى قصر بعبدا، فقبل هذه الفترة، لم ينتخب قائد للجيش لرئاسة الجمهورية سوى فؤاد شهاب.

بعد حقبة الهراوي، كانت البداية مع انتخاب العماد إميل لحود في 15 أكتوبر 1998، الذي أتى من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية مباشرة، وقد عرف عهده بتمديد ولايته حتى 2007، قبل أن يدخل لبنان في شغور رئاسي استمر ستة أشهر.

هذا الشغور، الذي أعقب نهاية ولاية لحود في 24 نوفمبر 2007، صاحبه تصعيد سياسي وأمني بلغ ذروته في أحداث 7 مايو 2008. انتهت هذه الأزمة بتوقيع "اتفاق الدوحة"، الذي مهّد الطريق لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في 25 مايو 2008، وهو الآخر أتى من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية مباشرة.

وقد عدّل الدستور اللبناني لانتخاب كل من فؤاد شهاب وإميل لحود، أما انتخاب ميشال سليمان فلم يحتاج إلى ذلك، لأنه جاء بأكثرية الثلثين أي 86 صوتاً.

ومع انتهاء ولاية سليمان في 24 مايو 2014، دخل لبنان في فراغ رئاسي استمر عامين ونصف العام. خلال هذه الفترة، عقد البرلمان 46 جلسة دون التمكن من انتخاب رئيس، إلى أن انتخب ميشال عون رئيساً في 31 أكتوبر 2016، وحينما وصل إلى الرئاسة كان مستقيلاً من منصبه قبل سنوات.

في 31 أكتوبر 2022، انتهت ولاية عون ليجد لبنان نفسه في أزمة شغور جديدة. دعا بري إلى 12 جلسة انتخابية على مدى عامين، آخرها في 14 يونيو 2023، لكنها جميعاً باءت بالفشل، قبل أن تنجح جلسة اليوم في إنهاء الشغور الرئاسي.

سيتسلّم عون سلطاته الدستورية، في احتفال يقام بعد الظهر في القصر الجمهوري في بعبدا، وسط حضور إعلامي لبناني وعربي ودولي.

انتخاب عون رئيساً، خطوة يأمل اللبنانيون أن تكون بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني. من جهة أخرى، يمثل انتخابه بالنسبة للمجتمع الدولي خطوة نحو تثبيت الاستقرار في لبنان وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني، لاسيما القرار 1701، بما يشمل سحب سلاح حزب الله.

جوزاف عون قال في خطاب القسم أنه سيعمل على أن يكون حق حمل السلاح مقتصرا على الدولة - AFP

لقطة رصدتها عدسات الكاميرا في البرلمان اللبناني خلال خطاب القسم لقائد الجيش، جوزاف عون، بعد انتخابه رئيسا للبلاد يوم الخميس الماضي، تعكس ضعف موقف حزب الله في هذه المرحلة بعد أن كان يدير خيوط اللعبة السياسية لأعوام طويلة عبر سياسة ترهيب وترغيب الخصوم.

فحين كان عون يقول أمام مجلس النواب بعد دقائق من انتخابه إنه سيعمل على أن يكون حق حمل السلاح مقتصرا على الدولة في إشارة إلى ترسانة حزب الله، استدارت الكاميرا إلى نواب المنظمة المصنفة إرهابية الذين بدوا واجمين في حين كان باقي النواب يصفقون للرئيس المنتخب.

كما شهد اليوم الاثنين انتكاسة جديدة لحزب الله، حين كلف عون القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة الجديدة على عكس إرادة الحزب الذي كان يرغب بإعادة تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، ما دفع النائب محمد رعد، للقول إن معارضي الجماعة المدعومة من إيران يعملون على تفكيكها وإقصائها من السلطة في لبنان.

ومن أبرز الملفات التي تتصدر أولويات العهد الجديد في لبنان، هو تطبيق الاتفاق اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الذي ينصّ على انسحاب إسرائيل من المناطق التي دخلتها في الجنوب ويشمل الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر في العام 2006، الذي من بنوده ابتعاد حزب الله عن الحدود، ونزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان وحصره بالقوى الشرعية دون سواها.

ورغم أن حزب الله كان قد كلف رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتفاوض خلال الحرب من أجل وقف إطلاق النار، وقد وافقت الحكومة اللبنانية، التي يشارك فيها وزراء من الحزب، على الاتفاق، فإن تصريحات قيادات الحزب بعد ذلك أظهرت تمسكه بسلاحه وعدم نيته التخلي عنه.

ومع بدء عهد جديد، تتجه الأنظار نحو كيفية تعامل الرئيس عون مع ملف السلاح غير الشرعي الشائك، وفيما إن كان سينجح في تذليل العقبات التي قد تعيق تحقيق هدفه.

تحديات قديمة في عهد جديد

يتصدر ملف السلاح غير الشرعي أبرز التحديات التي تواجه الرئيس اللبناني الجديد، كما يشدد الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب.

ويقول ملاعب "يعاني لبنان منذ عقود من سلاح حزب الله غير الشرعي والذي استخدم في نزاعات إقليمية، ما شوّه صورة لبنان وأدى إلى تعامل عربي ودولي قاس معه".

ويؤكد ملاعب، في حديث لموقع "الحرة"، أن استثناء سلاح "حزب الله" من البند المتعلق بحل الميليشيات ونزع سلاحها، المنصوص عليه في اتفاق الطائف تحت شعار "المقاومة"، منح الحزب غطاءً سياسياً لتشريع سلاحه.

إلا أن التغيرات الإقليمية الأخيرة، وخاصة حرب الحزب الأخيرة مع إسرائيل وما تضمنه اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين، إلى جانب سقوط نظام بشار الأسد الذي أدى إلى قطع طرق إمداد الحزب بالسلاح والمال من إيران، وضعت حزب الله كما يقول ملاعب "أمام تحديات كبيرة تهدد قدرته على الحفاظ على وضعه السابق".

ويشير إلى أن "قانون الأسلحة والذخائر في لبنان الصادر عام 1954 بموجب مرسوم اشتراعي، يمنع استيراد السلاح من أي جهة إلا عبر السلطة والمؤسسات الشرعية. وحتى صناعة الأسلحة تخضع لشروط صارمة، إذ يتطلب تصنيعها الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية، كما يمنع حيازة البارود لتصنيع الأسلحة، ولا يسمح ببيعها إلا للأجهزة الرسمية في الدولة اللبنانية".

ورغم ذلك، فإن السلاح منتشر على نطاق واسع في لبنان، وفق ما يقوله وذلك "بسبب عدم السيطرة الكاملة على الحدود مع سوريا، وهذا ما يتيح دخول الأسلحة عبر عمليات التهريب البرية إضافة إلى عمليات التهريب عبر البحر، وتشمل هذه الأسلحة ما يدخل لصالح حزب الله أو المخيمات الفلسطينية أو للاستخدام الفردي".

وحسم مصير قضية السلاح غير الشرعي سبق انتخاب الرئيس عون كما يقول المحلل السياسي جورج العاقوري.

ويقول العاقوري، لموقع "الحرة"، إن "اتفاق وقف إطلاق النار شكّل أساساً لهذه القضية التي تطال جوهر مفهوم الدولة، حيث لا يمكن لدولة أن تستمر في ظل وجود سلاح غير شرعي موازٍ للسلاح الشرعي..".

ويضيف أن "التجربة اللبنانية تثبت ذلك. حزب الله فاوض من خلال "الأخ الاكبر" الرئيس نبيه بري على الاتفاق ووافق عبر وزرائه عليه وهو ينص بوضوح على إنهاء السلاح غير الشرعي شمال وجنوب الليطاني وتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بلبنان".

التحدي الأكبر في هذا الملف يكمن، بحسب العاقوري، "في كيفية تمهيد حزب الله لجمهوره بقبوله تسليم سلاحه".

ويضيف "الحزب يمارس سياسة الإنكار حالياً، محاولاً التهرب من التزاماته من خلال الزعم بأن سحب السلاح يقتصر على جنوب الليطاني، لكنه يدرك أن هذا السلاح يواجه ثلاثة خيارات: استهداف إسرائيلي مستمر، تسليم السلاح للجيش اللبناني، أو تحويله إلى خردة غير قابلة للاستعمال".

كذلك يرى رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد الدكتور هشام جابر، في حديث لموقع "الحرة"، أن تطبيق القرار 1701 شكّل بداية لتقليص سلاح حزب الله جنوب الليطاني.

ويوضح قائلا: "الحكومة اللبنانية وافقت على القرار، ووزراء حزب الله أُجبروا على الموافقة، وتم تسليم 60% من السلاح جنوب الليطاني. لكن إذا استمرت إسرائيل في احتلال أراض جنوب لبنان، ستبقى المقاومة مشروعة دولياً، ولن يستطيع أحد الاعتراض عليها".

يذكر أن موقع المنار الإلكتروني التابع لحزب الله، روّج بعد انتخاب عون، أن الحزب حصل على ضمانات منه بشأن سلاحه قبل التصويت له.

ونقل الموقع عن مصادر مطلعة، كما وصفها، أن أبرز النقاط التي تم تثبيتها خلال اللقاء الذي جمع عون بالثنائي الشيعي بين الدورتين الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية، هي أن القرار 1701، الذي ينص على نزع السلاح في جنوب الليطاني، ليس مرتبطاً بالقرار 1559، الذي يدعو إلى حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها.

الرئيس اللبناني ومعركة "السلاح".. "لقطة" تختصر أزمة حزب الله
لقطة رصدتها عدسات الكاميرا في البرلمان اللبناني خلال خطاب القسم لقائد الجيش، جوزاف عون، بعد انتخابه رئيسا للبلاد يوم الخميس الماضي، تعكس ضعف موقف حزب الله في هذه المرحلة بعد أن كان يدير خيوط اللعبة السياسية لأعوام طويلة عبر سياسة ترهيب وترغيب الخصوم.

أبعد من سلاح الحزب

لا يقتصر التحدي الأمني في لبنان على سلاح حزب الله الثقيل والمتوسط فحسب، بل يشمل أيضاً انتشار السلاح الفردي بين المدنيين بشكل غير قانوني، لا سيما في المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الله.

هذا الانتشار أدى إلى زيادة التوترات وزعزعة الأمن في العديد من المناطق، ما شكل تحدياً كبيراً للسلطات اللبنانية في فرض سيادة القانون وضبط الأمن.

وتعود ظاهرة انتشار السلاح الفردي في لبنان إلى عقود طويلة، تعززت بفعل الحرب الأهلية وما تلاها من اضطرابات أمنية متكررة. ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لجأ البعض إلى السلاح كوسيلة للدفاع عن النفس أو لتحقيق غايات غير قانونية.

وبات السلاح الفردي يستخدم بشكل متزايد في ارتكاب الجرائم، بما في ذلك السرقات وعمليات النشل في الأماكن العامة، إضافة إلى السلب بالقوة.

هذه القضية أدت إلى ارتفاع معدلات الجريمة وزرع الخوف بين المواطنين، وسط عجز الأجهزة الأمنية عن الحد من انتشار السلاح.

ويساهم غياب سلطة قضائية مستقلة في تفاقم المشكلة، حيث يحظى المدعومون من الأحزاب والطبقة السياسية بحصانة تحميهم من الملاحقة القانونية حتى في حال تورطهم بإطلاق النار.

وفي هذا السياق، تعهد الرئيس الجديد بالعمل على تحقيق استقلال القضاء.

ويشير جابر إلى أن "قانون السلطة القضائية المستقل، الذي أعده الرئيس الراحل حسين الحسيني منذ 25 عاماً، لم يعرض حتى الآن على المجلس النيابي، لأن الطبقة السياسية الحالية لا يناسبها وجود قضاء مستقل يستطيع مساءلة أي شخص، مهما كان نفوذه".

وتحدث الرئيس عون، في خطابه، عن تبني استراتيجية دفاعية شاملة.

عن ذلك يوضح جابر أن "الاستراتيجية الدفاعية ترتكز على الجيش اللبناني كنواة لها، مدعوماً بقوى الأمن الداخلي وغيرها من القوى الشرعية..".

"أما المجموعات العسكرية غير النظامية، مثل حزب الله، فتلتزم بهذه الاستراتيجية، حيث يتم سحب أسلحتها الثقيلة ووضعها في مخازن بإشراف الجيش، ويمارس أفرادها حياتهم بشكل طبيعي في زمن السلم، وفي حال إعلان حالة الطوارئ، تلتحق بالجيش اللبناني خلال 72ساعة".

هل يتخطى "حقل الألغام"؟

يصف جابر المرحلة الراهنة بأنها "حقل ألغام" للرئيس عون، مشيراً إلى أن الطبقة السياسية التقليدية تنظر إليه بريبة، كونه قادماً من خلفية غير سياسية ولم ينشأ في كنف النخبة الحاكمة.

يقول جابر "عون استلم الحكم بتأييد شعبي واسع، لكنه بحاجة لاختيار مستشارين أكفاء لتجاوز العقبات".

ويرى جابر أن "حزب الله لديه مصلحة في الالتزام بإرادة الدولة اللبنانية، خاصة بعد أن دعّم انتخاب عون رئيساً للجمهورية".

ويشدد على ضرورة تشكيل حكومة مستقلة عن الأحزاب السياسية، مضيفا ان "لبنان مليء بالكفاءات من مختلف الطوائف، لكن تشكيل الحكومات كان دوماً يخضع للتوازنات السياسية التي تعيق الاستفادة من هذه الكفاءات".

أما ملاعب، فيرى أن "اللجنة الخماسية الدولية التي أشرفت على انتخاب رئيس الجمهورية، تشكل دعماً إضافياً في هذا الملف، حيث يمكنها توفير غطاء سياسي دولي لأي قرارات تتعلق بسحب السلاح غير الشرعي".

كما يعتبر العاقوري أن مرحلة السلاح غير الشرعي وصلت إلى نهايتها، مشيرا إلى أن "هناك تقاطعاً داخلياً وخارجياً لمعالجة هذا الملف.

ويقول: "لبنان دفع ثمناً باهظاً لهذا السلاح الذي تتحكم به طهران، سواء في مواجهة إسرائيل وادعاء القدرة على ردعها أو عبر استخدامه في الداخل اللبناني، كما حدث في أحداث السابع من أيار".

الضغط الدولي والإقليمي، إلى جانب تغيّر المعطيات الميدانية وتقلص نفوذ إيران في المنطقة، عوامل ستدفع حزب الله كما يرى العاقوري لتسليم سلاحه.

ويشدد "عملية نزع السلاح لن تكون عسكرية، فالجيش اللبناني لن يزج في مواجهة دموية مع الحزب. لكن الضغط المستمر ونتائج المغامرات العسكرية التي خاضها الحزب ستؤدي عاجلًا إلى تسليم سلاحه".

ويصف العاقوري استعادة الجيش اللبناني لمعسكرات فتح الانتفاضة والجبهة الشعبية (القيادة العامة) بأنها "خطوة مهمة على طريق تنفيذ القرار 1559"، فهي تمثل دليلاً واضحاً على أن الدولة اللبنانية تسير في الاتجاه الصحيح نحو "استعادة سيادتها الكاملة وتطبيق القرارات الدولية".