جوزاف عون
المجلس فشل في انتخاب عون في الدورة الأولى

أنهى قائد الجيش اللبناني، العماد جوزاف عون، أزمة الشغور الرئاسي بوصوله إلى قصر بعبدا بعد انتخابه رئيساً للجمهورية في جلسة تاريخية عقدت الخميس، ليطوي بذلك صفحة أزمة سياسية استمرت عامين وثلاثة أشهر.

فبعد 12 جلسة انتخابية على مدى عامين، كان آخرها في 14 يونيو 2023، جميعها انتهت بالإخفاق، أعاد رئيس مجلس النواب، نبيه بري، تحديد موعد جديد لجلسة انتخاب الرئيس في 9 يناير، لتتحول إلى محطة مفصلية في المشهد السياسي اللبناني.

وجاء انتخاب عون رئيساً للجمهورية اللبنانية في أعقاب أجواء سياسية مشحونة وصراعات حادة بين القوى السياسية والطائفية، في وقت تواجه فيه البلاد واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والمالية والأمنية في تاريخها الحديث، وعقب حرب مدمرة لم تضع أوزارها بشكل نهائي بعد، تاركة البلاد في حالة من الترقب والاضطراب.

وكانت الجلسة النيابية لانتخاب الرئيس الـ 14 للجمهورية اللبنانية بدأت قبل ظهر اليوم الخميس بعد اكتمال النصاب، في حضور الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الموفد السعودي يزيد بن فرحان، سفراء اللجنة الخماسية وعدد من الديبلوماسيين.

وحصل عون في الدورة الأولى على 71 صوتاً فيما كان المطلوب للفوز 86 صوتاً، أما بقية الأصوات فتوزعت على النحو الآتي: 37 ورقة بيضاء، 14 صوتاً لصالح "السيادة والدستور"، صوتان لشبلي الملاط، و4 أوراق ملغاة، حيث أن نواب حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر امتنعوا عن التصويت لصالح عون.

وفي الدورة الثانية التي انعقدت بعد ساعتين من انتهاء الدورة الأولى حصد عون تأييد 99 نائباً، فيما صوت 9 نواب بورقة بيضاء، كما صوت 12 نائبا بورقة "السيادة والدستور"، وحصد شبلي الملاط على صوتين، أما الأوراق الملغاة فبلغت 5، حيث صوت له حزب الله وحركة أمل في هذه الدورة.

يذكر أن فوز المرشح لرئاسة الجمهورية في الدورة الأولى يتطلب حصوله على 86 صوتاً، بينما يكفي في الدورات اللاحقة حصوله على 65 صوتاً من أصل 128 نائباً.

لكن لو لم يحصل عون على 86 صوتاً في الدورة الثانية، كان ذلك سيثير جدلاً حول دستورية انتخابه، استناداً إلى المادة 49 من الدستور التي تنص على أنه "لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، خلال مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن الوظيفة أو تاريخ إحالتهم على التقاعد."

فانتخاب عون بأقل من 86 صوتاً كان يتطلب تعديلاً دستورياً، إلا أن حصوله على هذا الرقم يعدّ بمثابة تصويت ضمني على تعديل الدستور، حيث إن أي تعديل دستوري يستوجب موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، أي 86 صوتاً من أصل 128.

نهاية الأزمة الرئاسية

قبيل انتخاب عون شهدت بيروت نشاطاً دبلوماسياً مكثف، حيث توافد مبعوثون دوليون وإقليميون إلى لبنان، ما عكس الاهتمام الكبير بإنهاء أزمة الشغور، منهم المبعوث الأميركي آموس هوكستين، الذي وصل إلى بيروت يوم الإثنين، ولودريان، الذي وصل الثلاثاء، بن فرحان، الذي زار لبنان مرتين خلال أسبوع.

وقد تركزت الجهود على دعم عون كمرشح توافقي يحظى بقبول إقليمي ودولي، خصوصاً في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، وآخرها المواجهة العسكرية بين حزب الله وإسرائيل

فقد أصبح الشغور الرئاسي مشهداً متكرراً من الحياة السياسية في البلاد، وبعد نهاية ولاية ميشال عون عطّل حزب الله الانتخابات الرئاسية نتيجة تمسكه بدعم ترشيح سليمان فرنجية، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع النظام السوري قبل سقوطه، حيث حال غياب الإجماع النيابي دون نجاحه في الوصول إلى الرئاسة.

وقبل ساعات من جلسة اليوم الخميس، أعلن فرنجية انسحابه من السباق الرئاسي، مؤكداً أنه لم يكن يوماً عقبة أمام عملية الانتخاب. كما أعرب عن دعمه لعون، مشيداً بخصاله وقدرته على الحفاظ على "هيبة موقع الرئاسة الأولى".

ورغم رفض الثنائي الشيعي بداية لترشيح عون، كونه المرشح الأكثر تفضيلاً لدى الأميركيين ودول عديدة، وبعد كلام أمين عام حزب الله، نعيم قاسم، ان "الإلغائيين لا فرصة لهم، والمستقوون بالأجانب لن يتمكنوا من تمرير هذا الاستحقاق باستقوائهم"، عاد مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، ليشير إلى أن الفيتو الوحيد الذي يضعه حزب الله هو على رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع.

امتنع نواب حزب الله وحركة أمل عن التصويت لقائد الجيش في الدورة الأولى، في خطوة اعتبرت رسالة سياسية مفادها أن أي اتفاق خارجي لن يتمكن من إيصال رئيس للجمهورية دون موافقتهما ومشاركتهما الفعلية.

في المقابل، عبّر التيار الوطني الحر عن رفضه لانتخاب عون، معللاً ذلك بأن انتخابه يتطلب تعديلاً دستورياً، مما يعني أن المضي في انتخابه يعدّ خرقاً للدستور وفق موقف التيار.

يذكر أنه وفقاً للعرف السياسي السائد في لبنان، يجب أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً من الطائفة المارونية، في حين يعود منصب رئاسة الحكومة للطائفة السنية، ورئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية، وتستمر ولاية رئيس الجمهورية لست سنوات، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد مرور ست سنوات.

من العسكر إلى القصر

تطوع جوزيف عون في الجيش بصفة تلميذ ضابط والتحق بالكلية الحربية عام 1983، وشغل منصب قائد الجيش منذ 8 مارس 2017. برز اسمه خلال محطات عدة، من أبرزها قيادته لعملية "فجر الجرود"، حيث نجح الجيش تحت قيادته في طرد مسلحي "داعش" و"جبهة النصرة" من الحدود الشرقية للبنان.

تميزت فترة قيادة عون بترسيخ الجيش كضمان للاستقرار بعيداً عن الصراعات السياسية، وخلال انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 ضد الطبقة الحاكمة، حرص عون على نشر الجيش لحماية التظاهرات السلمية، مع الحرص على حماية المؤسسات العامة والخاصة.

كما لعب الجيش بقيادة عون دوراً محورياً في احتواء أزمات كادت تعيد لبنان إلى مربع الحرب الأهلية، من أبرز هذه الأزمات كانت اشتباكات الطيونة في أكتوبر 2021، حيث تدخل الجيش لوقف الصدام بين أنصار "حزب الله" و"القوات اللبنانية" على خلفية التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، حيث سقط خلاله عدد من القتلى من أنصار "حزب الله".

كذلك تمكن الجيش من السيطرة على الاشتباكات في منطقة الكحالة المسيحية شرق بيروت في أغسطس 2023، التي اندلعت بين أبناء المنطقة وعناصر من حزب الله بعد انقلاب شاحنة تحمل أسلحة للحزب، مما أدى إلى سقوط قتيل من الكحالة وأحد عناصر حزب الله.

نجاح عون في الحفاظ على المؤسسة العسكرية كصمام أمان في ظل الانهيار السياسي والاقتصادي، عزز مكانته كقائد يحظى باحترام داخلي وخارجي، وقد نجح في الحفاظ على توازن صعب بين علاقاته مع الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي للجيش، وتجنب التصعيد مع حزب الله، كما اكتسب تقدير الدول العربية، خصوصاً السعودية، التي رأت فيه شخصية قادرة على المساهمة في استقرار لبنان.

تم التمديد للعماد جوزيف عون مرتين، الأولى في ديسمبر 2023 عندما صدق البرلمان اللبناني على اقتراح قانون يمدد بموجبه ولاية قائد الجيش لعام إضافي، والثانية في نوفمبر 2024.

يذكر أن عون ولد في عام 1964 في منطقة سن الفيل، وهو يحمل إجازتين، واحدة في العلوم السياسية وأخرى في العلوم العسكرية، ويتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وهو متزوج من نعمت نعمه، التي كانت ترأس قسم البروتوكول والعلاقات العامة في الجامعة اللبنانية الأميركية، ولديه ولدان: خليل، ونور.

مشهد متكرر

عون هو خامس عسكري يصل إلى قصر بعبدا، حيث جرت العادة أن يطرح اسم قائد الجيش في لبنان كخيار توافقي عندما تتعقد عملية انتخاب الرئيس نتيجة الانقسامات السياسية والطائفية، ويعود ذلك إلى دور قائد الجيش في تحقيق التوازن بين مختلف الأطراف، إضافة إلى مكانته كرمز للوحدة الوطنية في وجدان اللبنانيين، ما يجعله شخصية جامعة تحظى بقبول واسع.

فمنذ انتهاء ولاية الرئيس إلياس الهراوي، الذي تولى الرئاسة في 24 نوفمبر 1989 عقب انتهاء الحرب الأهلية، والتي جددت ولايته لثلاث سنوات حتى عام 1998، شهدت الانتخابات الرئاسية تحولاً بارزاً مع وصول قادة الجيش فقط إلى قصر بعبدا، فقبل هذه الفترة، لم ينتخب قائد للجيش لرئاسة الجمهورية سوى فؤاد شهاب.

بعد حقبة الهراوي، كانت البداية مع انتخاب العماد إميل لحود في 15 أكتوبر 1998، الذي أتى من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية مباشرة، وقد عرف عهده بتمديد ولايته حتى 2007، قبل أن يدخل لبنان في شغور رئاسي استمر ستة أشهر.

هذا الشغور، الذي أعقب نهاية ولاية لحود في 24 نوفمبر 2007، صاحبه تصعيد سياسي وأمني بلغ ذروته في أحداث 7 مايو 2008. انتهت هذه الأزمة بتوقيع "اتفاق الدوحة"، الذي مهّد الطريق لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في 25 مايو 2008، وهو الآخر أتى من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية مباشرة.

وقد عدّل الدستور اللبناني لانتخاب كل من فؤاد شهاب وإميل لحود، أما انتخاب ميشال سليمان فلم يحتاج إلى ذلك، لأنه جاء بأكثرية الثلثين أي 86 صوتاً.

ومع انتهاء ولاية سليمان في 24 مايو 2014، دخل لبنان في فراغ رئاسي استمر عامين ونصف العام. خلال هذه الفترة، عقد البرلمان 46 جلسة دون التمكن من انتخاب رئيس، إلى أن انتخب ميشال عون رئيساً في 31 أكتوبر 2016، وحينما وصل إلى الرئاسة كان مستقيلاً من منصبه قبل سنوات.

في 31 أكتوبر 2022، انتهت ولاية عون ليجد لبنان نفسه في أزمة شغور جديدة. دعا بري إلى 12 جلسة انتخابية على مدى عامين، آخرها في 14 يونيو 2023، لكنها جميعاً باءت بالفشل، قبل أن تنجح جلسة اليوم في إنهاء الشغور الرئاسي.

سيتسلّم عون سلطاته الدستورية، في احتفال يقام بعد الظهر في القصر الجمهوري في بعبدا، وسط حضور إعلامي لبناني وعربي ودولي.

انتخاب جوزيف عون رئيساً، خطوة يأمل اللبنانيون أن تكون بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني. من جهة أخرى، يمثل انتخابه بالنسبة للمجتمع الدولي خطوة نحو تثبيت الاستقرار في لبنان وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني، لاسيما القرار 1701، بما يشمل سحب سلاح حزب الله.

 

مركبات تابعة لقوات اليونيفيل في مرجعيون بلبنان قرب الحدود مع إسرائيل (رويترز)
مركبات تابعة لقوات اليونيفيل في مرجعيون بلبنان قرب الحدود مع إسرائيل (رويترز)

أنفاق وترسانة عسكرية ضخمة أقامها "حزب الله" طيلة السنوات الماضية، دون اكتراث لما يُعرف بـ"العين الساهرة" على تطبيق القرار 1701، أي قوة الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في جنوب لبنان ((يونيفيل).

 فالحرب الأخيرة بين إسرائيل والحزب كشفت أن الأخير واصل تعزيز قدراته العسكرية في جنوب لبنان ولاسيما المناطق الواقعة جنوبي نهر الليطاني وصولا إلى الحدود مع إسرائيل، وكأن لا رقيب ولا حسيب عليه.

انتقاد "اليونيفيل" جاء هذه المرة على لسان مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مايكل والتز.

مستشار ترامب يشكك

وقال والتز، خلال حديث في معهد الولايات المتحدة للسلام في واشنطن العاصمة، يوم الثلاثاء الماضي، إن "أنفاق وأنظمة الصواريخ كانت نشطة على مسمع من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة".

ما أظهرته الحرب الأخيرة أعاد طرح التساؤلات حول فعالية وجدوى قوات اليونيفيل، التي عزز مجلس الأمن دورها بموجب القرار 1701 عقب حرب يوليو 2006.

وأوكل مجلس الأمن لليونيفيل مساعدة الجيش اللبناني لضمان خلو جنوب نهر الليطاني من أي أسلحة غير شرعية، وهو ما طرحه والتز، الذي أشار إلى ضرورة إجراء "نقاش جاد للغاية حول مستقبل وفعالية هذه القوة".

عناصر من الجيش اللبناني. - فرانس برس
قوة من اليونيفيل في مدينة الخيام الحدودية "تمهيدا لدخول الجيش اللبناني"
جدد الجيش الإسرائيلي تحذيراته إلى سكان الجنوب اللبناني، حيث حذر من عدم الانتقال جنوبا إلى عدد من القرى الحدودية "حتى إشعار آخر"، وذلك في وقت يبدأ فيه الجيش اللبناني الانتشار في بعض المواقع في إطار اتفاق وقف إطلاق النار.

وسط الانتقادات الموجهة إلى اليونيفيل، وصل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس الخميس إلى بيروت في زيارة وصفها بأنها "تعبير عن التضامن العميق مع لبنان وشعبه الذي عانى من أزمات وأحداث داخلية وإقليمية متلاحقة تركت آثاراً سلبية عليه".

واليوم الجمعة، توجّه غوتيريش، برفقة الوفد المرافق، إلى المقر العام لقوات اليونيفيل في الناقورة، حيث عقد اجتماعاً مع القائد العام لليونيفيل، الجنرال أرولدو لاثارو. 

غوتيريش فخور بعمل اليونيفيل

وخلال الجولة، عبّر عن فخره بهذه القوة، قائلاً "أخبرت العالم أنكم جميعاً لستم فقط على الخط الأزرق في لبنان، بل على خط المواجهة من أجل السلام"، مشيراً إلى أن مهمة اليونيفيل هي البيئة الأكثر تحدياً لقوات حفظ السلام في أي مكان.

كما أوضح غوتيريش أن اليونيفيل تمكنت منذ 27 نوفمبر، وهو تاريخ دخول اتفاق وقف النار بين حزب الله وإسرائيل حيز التنفيذ، من الكشف عن أكثر من 100 مخزن أسلحة تعود لحزب الله أو لمجموعات مسلحة أخرى. 

واعتبر أن وجود أفراد مسلحين وأسلحة غير تابعة للحكومة اللبنانية أو قوات اليونيفيل بين الخط الأزرق ونهر الليطاني "يشكّل انتهاكاً صارخاً للقرار 1701 ويقوّض استقرار لبنان".

يذكر أن الانتقادات الموجهة إلى قوات "اليونيفيل" ليست جديدة، وقد تراوحت بين اتهامات بالتراخي في أداء المهام، ووجود عوائق ميدانية تفوق إمكانياتها، وصولاً إلى بالتواطؤ مع حزب الله. 

وفي ظل هذه التحديات، تواجه القوة الدولية أزمة ثقة قد تؤثر على مستقبلها في لبنان.

وفي هذا السياق، يطرح السؤال: هل تستطيع اليونيفيل تحسين أدائها واستعادة مصداقيتها، أم أن التعقيدات السياسية والميدانية ستظل حاجزاً أمام تحقيق مهمتها؟

إخفاقات أم عراقيل؟

وكان تقرير مشترك للمساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، والعميد الإسرائيلي المتقاعد الخبير الاستراتيجي للشؤون الدفاعية، أساف أوريون، اعتبر أن اليونيفيل أثبتت عدم فعاليتها في تنفيذ المهام الموكلة إليها على مدى عقود.

والتقرير حمل عنوان "إيجابيات وسلبيات إنقاذ قوات "اليونيفيل (أو التخلي عنها)"، ونشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في 20 أغسطس 2024.

وأشار شنكر وأوريون، في التقرير، إلى أن اليونيفيل نادراً ما تمكنت من مصادرة أسلحة حزب الله قبل اندلاع الحرب في أكتوبر وما تلاها من حملة جوية إسرائيلية.

وأشار التقرير  إلى فشل اليونيفيل في التحقيق في أكثر من 3000 مستودع أسلحة ومواقع عسكرية استهدفتها إسرائيل منذ أكتوبر، بما في ذلك قواعد مدمرة تديرها منظمة "أخضر بلا حدود"، التي تعتبر واجهة بيئية مزعومة لحزب الله.

ويعكس اكتشاف وتدمير الأنفاق في جنوب لبنان من قبل إسرائيل كما يقول الصحفي علي الأمين "الخلل الكبير في وظيفة قوات اليونيفيل في مناطق انتشارها، بالإضافة إلى الخلل في تطبيق القرار 1701". 

ويرى أن "هذا الخلل لم يكن ناتجاً عن غياب المعرفة لدى اليونيفيل بوجود هذه الأنفاق، بل بسبب غياب الإرادة الدولية الفعلية لتطبيق القرار، مما أدى إلى محاولة تفسير بنوده بطريقة تحول دون قيام اليونيفيل بواجبها".

ويضيف الأمين، في حديث لموقع "الحرة"، أن "حزب الله استخدم بشكل متكرر السكان لمنع اليونيفيل من تنفيذ مهمتها"، مشيراً إلى أن الجيش اللبناني أيضاً لعب دوراً أقرب إلى حزب الله منه إلى اليونيفيل". 

واعتبر الأمين أن "ميزان القوى على الأرض هو الذي كان يفرض وجهة تطبيق القرار 1701، مع غياب الاهتمام الدولي طالما أن الاستقرار قائم وليس هناك من مواجهات عسكرية على طرفي الحدود".

غياب الصلاحيات

ويرى الكاتب المحلل السياسي، وجدي العريضي، أن قوات اليونيفيل تفتقر إلى الصلاحيات اللازمة لمنع حزب الله من التسلح أو بناء الأنفاق. 

ويشير إلى أن هذه القوات "ليست قوات ردع، بل قوات طوارئ دولية، ما يجعلها غير قادرة على مواجهة الحزب".

ويضيف العريضي، في حديث لموقع "الحرة"، أن "الجيش اللبناني والسلطة اللبنانية لم يتمكنا أيضاً من منع حزب الله من اقتناء السلاح، نتيجة وجود ما وصفه بدويلة حزب الله، التي أضعفت مؤسسات الدولة بالكامل، بما فيها الأمنية والسياسية..". 

كما أن "دعم وزراء ونواب الحزب، إلى جانب المساندة الإيرانية والسورية السابقة، لعب دوراً أساسياً في تمكين الحزب من بناء ترسانته العسكرية التي دمّر جزء كبير منها خلال الحرب الأخيرة، خاصة عبر طريق دمشق التي شكّلت ممراً أساسياً لتمرير السلاح إليه"، وفق العريضي.

ويلفت إلى أن قوات اليونيفيل تعرضت للاعتداءات في بعض المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الله، مثل حادثة مقتل الجندي الإيرلندي قبل عام تقريباً، "مما يعكس سيطرة الحزب على جنوب لبنان".

أما الكاتب الباحث السياسي، الدكتور مكرم رباح، فيقول إن "الجميع، بمن فيهم قوات اليونيفيل، الشعب اللبناني، والإسرائيليون، كانوا على علم بوجود أنفاق حزب الله وترسانة أسلحته". 

لكنه يرى أن "عناصر قوات اليونيفيل في جنوب لبنان كانوا بمثابة رهائن لدى حزب الله أكثر من كونهم مراقبين للحدود".

ويشير رباح، في حديث لموقع "الحرة"، إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في أن "اليونيفيل لا تستطيع تنفيذ مهامها عندما يكون سكان تلك المناطق متواطئين مع إيران وحزب الله، وقد دفع قسم من الشعب اللبناني ثمن غياب المسؤولية لدى بعض سكان البلدات الحدودية".

يذكر أن مجلس الأمن الدولي أنشأ بعثة اليونيفيل في مارس عام 1978 بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان. 

ومنذ ذلك الحين تعمل هذه القوة على طول الخط الأزرق الذي يفصل بين لبنان وإسرائيل، وقد تم توسيع ولايتها وتجديدها على مر الأعوام.

بين التواطؤ والإخلاص

وصف شينكر وأوريون في تقريرهما قوات اليونيفيل بالـ"متواطئة"، ومن أسباب ذلك كما يعتبران "اعتمادها على حسن نية السكان في أمنها واستثمارها في استقرار البلاد".

بنا على ذلك "فإنها غالباً ما تتجنب مراقبة المناطق التي قد تولّد توترات بشكل فعال، وتخفف من حدة تقاريرها، وتقدم مساعدات اقتصادية لأنصار حزب الله جنوب الليطاني".

وفيما إن كانت اليونيفيل فعلاً متواطئة مع حزب الله، يقول الأمين "هناك عوامل جعلت قوات اليونيفيل غير قادرة على تنفيذ مهمتها، دون أن يعني ذلك وجود تواطؤ بينها وبين حزب الله، بل كان ذلك انعكاساً لموقف دولي غير حاسم في التصدي لانتهاكات القرار 1701، طالما أن الاستقرار والأمن كانا شبه مستتبين في المنطقة".

ويشرح الأمين "كان هناك تواصلاً ولو غير مباشر بين حزب الله واليونيفيل التي هي قوة لحفظ السلام وليست قوة ردع أو فرض سلام. ولهذا السبب كانت تتحاشى الاصطدام مع الحزب، الذي وجّه لها رسائل عديدة بأنه لن يتساهل إزاء أي ما يعتبره مساً بقدراته العسكرية أو مواقعه غير القانونية في جنوب الليطاني، لا سيما في المناطق الحدودية".

ويضيف أن أداء اليونيفيل كان "يعكس ميزان القوى الدولي وطبيعة القرار 1701، الذي لا يندرج ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إضافة إلى التفسيرات المتباينة لبنوده، وخصوصاً تلك المتعلقة بحرية الحركة دون مواكبة الجيش اللبناني".

كذلك يشدد رباح على أن اليونيفيل "ليست متواطئة مع حزب الله، لكنها في الوقت نفسه غير قادرة على التحول إلى أداة صراع". 

ويشير إلى أن العقبة الأساسية أمامها هي "غياب إرادة لبنانية واضحة، خاصة من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله، للتعاون في أداء مهامها".

وكان المتحدث باسم اليونيفيل، أندريا تيننتي، أشار في مؤتمر صحفي عقده في 30 أكتوبر الماضي، إلى أن دور القوات الأممية يتمثل في دعم تنفيذ القرار 1701 ومراقبة الانتهاكات والإبلاغ عنها.

وشدد أن اليونيفيل "تواصل أداء هذا الدور بإخلاص وثبات من خلال تقاريرها الشاملة والمنتظمة التي تقدمها لمجلس الأمن".

وفي كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن في 10 أكتوبر الماضي، أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان بيير لاكروا، أن دور قوات اليونيفيل يقتصر على دعم تنفيذ القرار 1701. 

لكنه شدد في الوقت نفسه على أن مسؤولية تنفيذ بنود هذا القرار "يقع على عاتق الطرفين نفسيهما".

دور على المحك؟

فرض اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُقر بين لبنان وإسرائيل في 27 نوفمبر كما يقول الأمين "وقائع جديدة وملحقات لهذا القرار، بما في ذلك تشكيل لجنة رقابة برئاسة أميركية تمنح صلاحية تفسير بنود القرار". 

ويرى الأمين أن "الوضع الحالي يشير إلى أن قدرة حزب الله على التصدي لتنفيذ القرار انتهت بعد قبوله الانسحاب من الجنوب".

من جهة أخرى، استفادت إسرائيل كما يقول الأمين "من ملحقات القرار، التي تمنحها حق تجاوز بنوده على قاعدة أن خروقات حزب الله تتيح لها حرية التصرف لاستهداف ما تعتبره انتهاكاً للقرار في حال عجزت اليونيفيل والجيش اللبناني عن لجمه".

"تولى الجيش اللبناني قيادة هذه المرحلة، وسيتعاون مع اليونيفيل"، كما يقول رباح، ومع ذلك، تبقى المشكلة الأساسية برأيه "في عدم اعتراف حزب الله وحركة أمل بأن توقيع القرار 1701 يعني فعلياً التخلي عن سلاحهما بشكل كامل، سواء في جنوب الليطاني أو شماله".

ويصف العريضي اللجنة المكلفة تطبيق القرار 1701 بأنها "محور أساسي، جاءت نتيجة توافق دولي كبير، بقيادة الوسيط الأميركي آموس هوكستين، وبدعم فرنسي وبريطاني ودولي، بالإضافة إلى دعم عربي". 

ويرى أن هذه اللجنة "تملك القدرة على مراقبة ومتابعة تنفيذ بنود القرار، بما في ذلك ضبط تسلح حزب الله".

لكن العريضي يشير إلى "وجود غموض حول دور اللجنة وآلية عملها"، مستنداً إلى تصريحات سفراء سابقين في الولايات المتحدة. 

ويقول "المفاوضات التي أجراها رئيس مجلس النواب نبيه بري، نيابة عن حزب الله، مع الوسيط الأميركي، تحمل في طياتها بنوداً توصف بـ"الاستسلامية"، ما قد يمنح "إسرائيل مساحة لاستهداف ما تبقى من سلاح الحزب أو حتى تنفيذ عمليات اغتيال تطال قياداته".

ويرى أن "المشهد سيصبح أكثر وضوحاً مع تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وتشكيل حكومة جديدة في لبنان. هذه التطورات، ستحدد المسار المستقبلي لتطبيق القرار 1701 وآلية التعامل مع ملف حزب الله وسلاحه".

وكان شينكر وأوريون، دعيا في تقريرهما إلى مراجعة جذرية لعمل قوة اليونيفيل، التي تكلف سنوياً 500 مليون دولار، تتحمل الولايات المتحدة منها 125 مليون دولار.

وذكرا أن أن استمرار ضعف فعالية ومصداقية هذه القوة يثير التساؤلات حول جدوى وجودها، ما يدفع إلى التفكير في إلغاء نشرها بشكل دائم.

وإذا كانت واشنطن تعتقد أن "اليونيفيل" قادرة على المساهمة في تأجيل أو منع حرب أخرى بين حزب الله وإسرائيل، فسيتعين عليها وفق شينكر وأوريون اتخاذ عدة خطوات لإنقاذ ما يمكنها إنقاذه من هذه المنظمة. 

وفي حال استمرار الأداء الضعيف لليونيفيل، يعتبر الكاتبان أنه يتعين حينها على واشنطن النظر بجدية في استخدام حق النقض ضد ولايتها، وإنهاء انتشارها، والبدء من جديد.

وفي وقت تثار شكوك بشأن مستقبل ودور قوات اليونيفيل، أكد غوتيريش من الناقورة مواصلة العمل بشكل وثيق مع الدول المساهمة بهذه قوات لضمان حصولها على القدرات المعززة، بما في ذلك إزالة الألغام والتخلص من الذخائر غير المنفجرة، بغية تمكينها من استئناف الدوريات ومهام المراقبة الموكلة إليها.

وقال غوتيريش، متوجهاً إلى الجنرال أرلدو لاثارو وقيادة البعثة، "أعلم أن هذه القدرات، إلى جانب تكييف أسلوب العمليات ضمن إطار ولايتكم، هي حيوية لاستعادة حرية الحركة والوصول في جميع أنحاء منطقة عمليات اليونيفيل. وسأؤكد على هذه الرسائل في اجتماعاتي غدا مع القادة اللبنانيين".