جوزاف عون
الرئيس اللبناني جوزاف عون (رويترز)

شكّل انتخاب، العماد جوزاف عون، رئيسا للجمهورية اللبنانية منعطفاً مهماً في تاريخ البلاد، إذ جاء الاستحقاق الرئاسي في ظل تغيرات إقليمية ودولية أثرت على النفوذ التقليدي لحزب الله الذي كان اللاعب الأبرز في تحديد هوية الرؤساء.

وقد وجد ذلك الحزب، المصنف جماعة إرهابية، نفسه مضطراً لدعم قائد الجيش في الدورة الثانية للانتخابات، بعد معارضة طويلة لترشيحه، في مؤشر على تبدّل ميزان القوى السياسية.

ولطالما هيمن "حزب الله" على المشهد السياسي اللبناني، معطلاً الاستحقاقات الرئاسية لفرض مرشحيه من محور "الممانعة". 

لكن الحزب خاض هذه الانتخابات وسط تراجع ملحوظ في نفوذه الإقليمي وخسائره الميدانية نتيجة الحرب الأخيرة مع إسرائيل، التي كبدته خسائر فادحة، بما في ذلك فقدان عدد من قيادييه وعلى رأسهم أمينه العام السابق حسن نصر الله.

إضافة إلى ذلك، أسهم سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في توجيه ضربة قاسية للحزب، إذ انقطع طريق دعمه الاستراتيجي بالمال والسلاح من إيران.

تحول مفاجئ

ولم يحظَ عون في الدورة الأولى بدعم حزب الله، وحصل على 71 صوتاً فقط، ما حال دون فوزه الذي يتطلب 86 صوتاً.

لكن الدورة الثانية شهدت تحولاً مفاجئاً، إذ صوت الثنائي الشيعي لصالحه، مما رفع عدد أصواته إلى 99، ليطوي بذلك صفحة فراغ رئاسي طويل.

برر مقربون من حزب الله تصويته لعون بأنه خطوة محسوبة لإيصال رسالة بأن الحزب لا يزال محورياً في المشهد السياسي، وأن الرئاسة لا يمكن أن تحسم دون أصواته. 

لكن مراقبين اعتبروا هذه الخطوة تنازلاً قسرياً وهزيمة سياسية، خاصة في ظل الأجواء الداخلية والإقليمية الضاغطة.

فور انتخابه، ألقى عون خطاباً يعكس رؤيته للمرحلة المقبلة، إذ تعهد بالاستثمار في الجيش لضبط الحدود الجنوبية وترسيمها شرقاً وشمالاً، ومحاربة الإرهاب. 

كما أكد التزامه بتطبيق القرارات الدولية وحق الدولة في احتكار السلاح، في إشارة مبطنة إلى سحب سلاح حزب الله.

كذلك دعا إلى مناقشة استراتيجية دفاعية شاملة تغطي الجوانب الدبلوماسية، الاقتصادية، والعسكرية، بما "يمكن الدولة اللبنانية من إزالة الاحتلال الإسرائيلي وردع عدوانه".

ورغم وضوح خطاب عون ورؤيته المستقبلية، يبقى موقف حزب الله محاطاً بالأسئلة أهمها، لماذا تخلى عن اعتراضه الأولي وصوّت لعون؟ هل كان ذلك تراجعاً استراتيجياً أم محاولة لاستيعاب ضغوط داخلية وخارجية؟

هل هو استسلام سياسي؟

في الأيام التي سبقت الجلسة الانتخابية الرئاسية، اعتمد حزب الله، كما يقول الكاتب والصحفي مجد بو مجاهد، "نمطاً سياسياً قائماً على المماطلة في محاولة لإيجاد مرشح توافقي يخفف من حدة الانقسامات، حيث لم يكن متحمساً لوصول قائد الجيش إلى الرئاسة". 

ويضيف "شهدت الأيام الماضية مشاورات مكثفة بين محور الممانعة والقوى السيادية المعارضة، لكنها لم تسفر عن نتائج ملموسة، إذ رفض محور الممانعة جميع المرشحين الذين اقترحتهم كتل المعارضة خلال المفاوضات التي حصلت في الأروقة، وحتى الساعات الأخيرة، بقي المحور متوجساً من انتخاب قائد الجيش".

لكن، ثمّة تطوّرات اجتمعت شكّلت أسباباً ضاغطة على حزب الله، وفق حديث بو مجاهد لموقع "الحرة"، وذلك "بدءاً من قرارات حازمة لتكتّلات نيابية عديدة في أن يكون قائد الجيش مرشّحها، تزامناً مع الحضور الدولي في لبنان وتحبيذ ترشيحه. إضافة إلى أن محور الممانعة لم يستطع أن يبقى على تشبّثه التعطيلي لاستحقاق الرئاسة وسط كلّ المتغيرات التي عرفتها المنطقة".

وكان لافتاً، كما يرى بو مجاهد، تأخير حزب الله تصويته للدورة الثانية، حيث يضع ذلك في إطار "محاولة انتظار لمعرفة كيف قد تنحو الأصوات الانتخابية..". 

و"في السياسة، يمكن قراءة تأخير القرار الانتخابي لكلّ النواب الشيعة لإيصال رئيس للجمهورية، على أنّه تأخير يشكّل محاولة للإبقاء على بعض النفوذ في هذه المرحلة والمطالبة بنقاط سياسية وحكومية لاحقة"، يتابع مجاهد.

لكن، تصويت النواب الشيعة في الدورة الثانية لا يمكن قراءته، حسب بو مجاهد، على أنه "استسلام سياسيّ إنما على أنه بحث عن المشاركة في تسوية، خصوصاً أن هناك قراراً خارجياً واسعاً لا يسمح الإبقاء على المراوحة في استحقاق الرئاسة ولأن متغيرات المنطقة ضاغطة على محور الممانعة".

من جانبه، يرى الصحفي علي الأمين، أنه لم يكن لدى حزب الله خيار سوى انتخاب عون. 

ويوضح أن "الحزب يدرك، أكثر من غيره، حجم التحولات التي أفرزتها الحرب الإسرائيلية وسقوط نظام الأسد في سوريا". 

و"هذه التحولات أنتجت معادلة جديدة في لبنان، نقلت حزب الله من موقع المقرر في رئاسة الجمهورية – أي من فرض الرئيس أو تعطيل الانتخابات – إلى مرحلة يشحذ فيها ضمانات تحول دون تهميشه"، طبقا للأمين.

امتناع الحزب عن انتخاب عون في الجلسة الأولى لم يكن، وفق ما يقول الأمين لموقع "الحرة"، "رفض التصويت له. بل أراد الحزب، كما أوضح النائب محمد رعد تحت شعار (التوافق) في الجلسة الثانية، أن يظهر أن فوز عون لم يكن ليتم لولا أصوات حزب الله وحركة أمل". 

وتابع: "وأما الحديث عن الضمانات، فيكفي أن نشير إلى أن عون، في خطاب القسم، لم يتطرق إلى المقاومة، بل تحدث بشكل قاطع عن حصرية السلاح بيد الدولة، وأكد أن الجيش هو المسؤول عن حماية الحدود وحفظ أمن لبنان".

وفي تقديره، "أراد حزب الله أن يظهر لجمهوره أنه كان الطرف الحاسم في وصول عون إلى الرئاسة، ليؤكد أنه لا يزال فاعلاً ومؤثراً، حتى لو كانت الضمانات المقدمة له تقتصر على عدم تهميشه".

"موازين القوى قد تبدلت في لبنان" كما يشدد الأمين، ويضيف "حزب الله خضع بملء إرادته لقرار خارجي بانتخاب عون، وقد عاد إلى حجمه الطبيعي أي كتلة نيابية تضم 15 نائباً". 

و"إذا عبّر بعض نوابه عن استيائهم من الضغط الدولي، فكان الأجدر بهم عدم انتخاب عون أو مقاطعة جلسة الانتخاب. قبولهم بهذه الشروط يعكس إدراكهم لضرورة التأقلم مع الواقع الجديد وتجنب الاصطدام به، وذلك نتيجة تداعيات الحرب الأخيرة مع إسرائيل وسقوط الأسد على دور الحزب ونفوذه"، حسب الأمين.

حقبة مختلفة

على عكس الخطابات التقليدية التي ميزت العهود السابقة بعد الحرب الأهلية اللبنانية، جاء خطاب عون محملاً برسائل واضحة، أبرزها تأكيده على ضرورة "تثبيت حق الدولة في احتكار السلاح" كركيزة أساسية لتعزيز سيادة لبنان. 

وتعهد عون بأن انتخابه يشكل بداية "مرحلة جديدة في تاريخ لبنان"، داعياً إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية بقوله "آن الأوان لنراهن على استثمار لبنان في تعزيز علاقاتنا الخارجية، بدلاً من الاعتماد على الخارج للاستقواء على بعضنا البعض".

وحظي انتخاب عون رئيساً للبنان بترحيب واسع على الصعيدين الدولي والعربي، حيث شددت المواقف على أهمية هذه الخطوة في فتح صفحة جديدة تمكّن البلاد من استعادة أمنها واستقرارها.

وهنأ الرئيس الأميركي، جو بايدن، الخميس، عون بمناسبة انتخابه رئيساً للجمهورية، وفق بيان صادر عن البيت الأبيض.

وجرى اتصال هاتفي بين الرئيسين، أعرب بايدن خلاله عن ثقته الكاملة في قدرة الرئيس عون على قيادة لبنان خلال المرحلة المقبلة، التي وصفها بأنها "تحمل تحديات كبيرة لكنها تفتح فرصاً كبيرة للشعب اللبناني". 

كما أكد الرئيس الأميركي مساندة لبنان في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، مشيراً إلى أهمية التعاون مع المجتمع الدولي وأصدقاء لبنان الحقيقيين لضمان أمن البلاد وسيادتها وازدهارها.

وهنّأ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عون على انتخابه رئيساً للبنان، في تغريدة نشرها عبر حسابه على منصة "إكس". 

ورأى ماكرون أن هذه الانتخابات "تفتح الطريق أمام الإصلاحات واستعادة سيادة لبنان وازدهاره".

"نهاية معادلة"

 عون وضع نهاية لمعادلة "جيش، شعب، مقاومة"، كما يشدد الأمين، ويشرح "هذا جوهر خطابه بشأن أي سلاح خارج إطار الدولة، والتزامه بتطبيق القرارات الدولية، لا سيما القرارين 1701 و1559. وبالتالي، فإن الاستراتيجية الدفاعية أصبحت مرتبطة بالدولة والقرارات الدولية".

ويرى الأمين أن حزب الله "سيحاول التأقلم مع مسار داخلي واضح يعزل دوره العسكري لصالح دور الجيش، ومع توجه إقليمي ودولي جارف لا يستطيع الوقوف في وجهه أو مواجهته".

من جانبه، يرى بو مجاهد أنه لا يزال من المبكر معرفة إن كان في استطاعة رئيس الجمهورية المنتخب أن ينفّذ القرارات الدولية الخاصة بلبنان لأن ذلك يحتاج أيضاً لقرارات حكومية ومنهجية متبعة وربما حوارات سياسية بين القوى اللبنانية.

"ولكن الأكيد أن مرحلة مغايرة عن السابق بدأت مع تراجع قوة محور الممانعة في المنطقة، وهي مرحلة من الأهمية فيها تنفيذ اتفاق الطائف والقرارات الدولية"، يختم بو مجاهد حديثه إلى "موقع الحرة".

مركبات تابعة لقوات اليونيفيل في مرجعيون بلبنان قرب الحدود مع إسرائيل (رويترز)
مركبات تابعة لقوات اليونيفيل في مرجعيون بلبنان قرب الحدود مع إسرائيل (رويترز)

أنفاق وترسانة عسكرية ضخمة أقامها "حزب الله" طيلة السنوات الماضية، دون اكتراث لما يُعرف بـ"العين الساهرة" على تطبيق القرار 1701، أي قوة الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في جنوب لبنان ((يونيفيل).

 فالحرب الأخيرة بين إسرائيل والحزب كشفت أن الأخير واصل تعزيز قدراته العسكرية في جنوب لبنان ولاسيما المناطق الواقعة جنوبي نهر الليطاني وصولا إلى الحدود مع إسرائيل، وكأن لا رقيب ولا حسيب عليه.

انتقاد "اليونيفيل" جاء هذه المرة على لسان مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مايكل والتز.

مستشار ترامب يشكك

وقال والتز، خلال حديث في معهد الولايات المتحدة للسلام في واشنطن العاصمة، يوم الثلاثاء الماضي، إن "أنفاق وأنظمة الصواريخ كانت نشطة على مسمع من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة".

ما أظهرته الحرب الأخيرة أعاد طرح التساؤلات حول فعالية وجدوى قوات اليونيفيل، التي عزز مجلس الأمن دورها بموجب القرار 1701 عقب حرب يوليو 2006.

وأوكل مجلس الأمن لليونيفيل مساعدة الجيش اللبناني لضمان خلو جنوب نهر الليطاني من أي أسلحة غير شرعية، وهو ما طرحه والتز، الذي أشار إلى ضرورة إجراء "نقاش جاد للغاية حول مستقبل وفعالية هذه القوة".

عناصر من الجيش اللبناني. - فرانس برس
قوة من اليونيفيل في مدينة الخيام الحدودية "تمهيدا لدخول الجيش اللبناني"
جدد الجيش الإسرائيلي تحذيراته إلى سكان الجنوب اللبناني، حيث حذر من عدم الانتقال جنوبا إلى عدد من القرى الحدودية "حتى إشعار آخر"، وذلك في وقت يبدأ فيه الجيش اللبناني الانتشار في بعض المواقع في إطار اتفاق وقف إطلاق النار.

وسط الانتقادات الموجهة إلى اليونيفيل، وصل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس الخميس إلى بيروت في زيارة وصفها بأنها "تعبير عن التضامن العميق مع لبنان وشعبه الذي عانى من أزمات وأحداث داخلية وإقليمية متلاحقة تركت آثاراً سلبية عليه".

واليوم الجمعة، توجّه غوتيريش، برفقة الوفد المرافق، إلى المقر العام لقوات اليونيفيل في الناقورة، حيث عقد اجتماعاً مع القائد العام لليونيفيل، الجنرال أرولدو لاثارو. 

غوتيريش فخور بعمل اليونيفيل

وخلال الجولة، عبّر عن فخره بهذه القوة، قائلاً "أخبرت العالم أنكم جميعاً لستم فقط على الخط الأزرق في لبنان، بل على خط المواجهة من أجل السلام"، مشيراً إلى أن مهمة اليونيفيل هي البيئة الأكثر تحدياً لقوات حفظ السلام في أي مكان.

كما أوضح غوتيريش أن اليونيفيل تمكنت منذ 27 نوفمبر، وهو تاريخ دخول اتفاق وقف النار بين حزب الله وإسرائيل حيز التنفيذ، من الكشف عن أكثر من 100 مخزن أسلحة تعود لحزب الله أو لمجموعات مسلحة أخرى. 

واعتبر أن وجود أفراد مسلحين وأسلحة غير تابعة للحكومة اللبنانية أو قوات اليونيفيل بين الخط الأزرق ونهر الليطاني "يشكّل انتهاكاً صارخاً للقرار 1701 ويقوّض استقرار لبنان".

يذكر أن الانتقادات الموجهة إلى قوات "اليونيفيل" ليست جديدة، وقد تراوحت بين اتهامات بالتراخي في أداء المهام، ووجود عوائق ميدانية تفوق إمكانياتها، وصولاً إلى بالتواطؤ مع حزب الله. 

وفي ظل هذه التحديات، تواجه القوة الدولية أزمة ثقة قد تؤثر على مستقبلها في لبنان.

وفي هذا السياق، يطرح السؤال: هل تستطيع اليونيفيل تحسين أدائها واستعادة مصداقيتها، أم أن التعقيدات السياسية والميدانية ستظل حاجزاً أمام تحقيق مهمتها؟

إخفاقات أم عراقيل؟

وكان تقرير مشترك للمساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، والعميد الإسرائيلي المتقاعد الخبير الاستراتيجي للشؤون الدفاعية، أساف أوريون، اعتبر أن اليونيفيل أثبتت عدم فعاليتها في تنفيذ المهام الموكلة إليها على مدى عقود.

والتقرير حمل عنوان "إيجابيات وسلبيات إنقاذ قوات "اليونيفيل (أو التخلي عنها)"، ونشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في 20 أغسطس 2024.

وأشار شنكر وأوريون، في التقرير، إلى أن اليونيفيل نادراً ما تمكنت من مصادرة أسلحة حزب الله قبل اندلاع الحرب في أكتوبر وما تلاها من حملة جوية إسرائيلية.

وأشار التقرير  إلى فشل اليونيفيل في التحقيق في أكثر من 3000 مستودع أسلحة ومواقع عسكرية استهدفتها إسرائيل منذ أكتوبر، بما في ذلك قواعد مدمرة تديرها منظمة "أخضر بلا حدود"، التي تعتبر واجهة بيئية مزعومة لحزب الله.

ويعكس اكتشاف وتدمير الأنفاق في جنوب لبنان من قبل إسرائيل كما يقول الصحفي علي الأمين "الخلل الكبير في وظيفة قوات اليونيفيل في مناطق انتشارها، بالإضافة إلى الخلل في تطبيق القرار 1701". 

ويرى أن "هذا الخلل لم يكن ناتجاً عن غياب المعرفة لدى اليونيفيل بوجود هذه الأنفاق، بل بسبب غياب الإرادة الدولية الفعلية لتطبيق القرار، مما أدى إلى محاولة تفسير بنوده بطريقة تحول دون قيام اليونيفيل بواجبها".

ويضيف الأمين، في حديث لموقع "الحرة"، أن "حزب الله استخدم بشكل متكرر السكان لمنع اليونيفيل من تنفيذ مهمتها"، مشيراً إلى أن الجيش اللبناني أيضاً لعب دوراً أقرب إلى حزب الله منه إلى اليونيفيل". 

واعتبر الأمين أن "ميزان القوى على الأرض هو الذي كان يفرض وجهة تطبيق القرار 1701، مع غياب الاهتمام الدولي طالما أن الاستقرار قائم وليس هناك من مواجهات عسكرية على طرفي الحدود".

غياب الصلاحيات

ويرى الكاتب المحلل السياسي، وجدي العريضي، أن قوات اليونيفيل تفتقر إلى الصلاحيات اللازمة لمنع حزب الله من التسلح أو بناء الأنفاق. 

ويشير إلى أن هذه القوات "ليست قوات ردع، بل قوات طوارئ دولية، ما يجعلها غير قادرة على مواجهة الحزب".

ويضيف العريضي، في حديث لموقع "الحرة"، أن "الجيش اللبناني والسلطة اللبنانية لم يتمكنا أيضاً من منع حزب الله من اقتناء السلاح، نتيجة وجود ما وصفه بدويلة حزب الله، التي أضعفت مؤسسات الدولة بالكامل، بما فيها الأمنية والسياسية..". 

كما أن "دعم وزراء ونواب الحزب، إلى جانب المساندة الإيرانية والسورية السابقة، لعب دوراً أساسياً في تمكين الحزب من بناء ترسانته العسكرية التي دمّر جزء كبير منها خلال الحرب الأخيرة، خاصة عبر طريق دمشق التي شكّلت ممراً أساسياً لتمرير السلاح إليه"، وفق العريضي.

ويلفت إلى أن قوات اليونيفيل تعرضت للاعتداءات في بعض المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الله، مثل حادثة مقتل الجندي الإيرلندي قبل عام تقريباً، "مما يعكس سيطرة الحزب على جنوب لبنان".

أما الكاتب الباحث السياسي، الدكتور مكرم رباح، فيقول إن "الجميع، بمن فيهم قوات اليونيفيل، الشعب اللبناني، والإسرائيليون، كانوا على علم بوجود أنفاق حزب الله وترسانة أسلحته". 

لكنه يرى أن "عناصر قوات اليونيفيل في جنوب لبنان كانوا بمثابة رهائن لدى حزب الله أكثر من كونهم مراقبين للحدود".

ويشير رباح، في حديث لموقع "الحرة"، إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في أن "اليونيفيل لا تستطيع تنفيذ مهامها عندما يكون سكان تلك المناطق متواطئين مع إيران وحزب الله، وقد دفع قسم من الشعب اللبناني ثمن غياب المسؤولية لدى بعض سكان البلدات الحدودية".

يذكر أن مجلس الأمن الدولي أنشأ بعثة اليونيفيل في مارس عام 1978 بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان. 

ومنذ ذلك الحين تعمل هذه القوة على طول الخط الأزرق الذي يفصل بين لبنان وإسرائيل، وقد تم توسيع ولايتها وتجديدها على مر الأعوام.

بين التواطؤ والإخلاص

وصف شينكر وأوريون في تقريرهما قوات اليونيفيل بالـ"متواطئة"، ومن أسباب ذلك كما يعتبران "اعتمادها على حسن نية السكان في أمنها واستثمارها في استقرار البلاد".

بنا على ذلك "فإنها غالباً ما تتجنب مراقبة المناطق التي قد تولّد توترات بشكل فعال، وتخفف من حدة تقاريرها، وتقدم مساعدات اقتصادية لأنصار حزب الله جنوب الليطاني".

وفيما إن كانت اليونيفيل فعلاً متواطئة مع حزب الله، يقول الأمين "هناك عوامل جعلت قوات اليونيفيل غير قادرة على تنفيذ مهمتها، دون أن يعني ذلك وجود تواطؤ بينها وبين حزب الله، بل كان ذلك انعكاساً لموقف دولي غير حاسم في التصدي لانتهاكات القرار 1701، طالما أن الاستقرار والأمن كانا شبه مستتبين في المنطقة".

ويشرح الأمين "كان هناك تواصلاً ولو غير مباشر بين حزب الله واليونيفيل التي هي قوة لحفظ السلام وليست قوة ردع أو فرض سلام. ولهذا السبب كانت تتحاشى الاصطدام مع الحزب، الذي وجّه لها رسائل عديدة بأنه لن يتساهل إزاء أي ما يعتبره مساً بقدراته العسكرية أو مواقعه غير القانونية في جنوب الليطاني، لا سيما في المناطق الحدودية".

ويضيف أن أداء اليونيفيل كان "يعكس ميزان القوى الدولي وطبيعة القرار 1701، الذي لا يندرج ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إضافة إلى التفسيرات المتباينة لبنوده، وخصوصاً تلك المتعلقة بحرية الحركة دون مواكبة الجيش اللبناني".

كذلك يشدد رباح على أن اليونيفيل "ليست متواطئة مع حزب الله، لكنها في الوقت نفسه غير قادرة على التحول إلى أداة صراع". 

ويشير إلى أن العقبة الأساسية أمامها هي "غياب إرادة لبنانية واضحة، خاصة من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله، للتعاون في أداء مهامها".

وكان المتحدث باسم اليونيفيل، أندريا تيننتي، أشار في مؤتمر صحفي عقده في 30 أكتوبر الماضي، إلى أن دور القوات الأممية يتمثل في دعم تنفيذ القرار 1701 ومراقبة الانتهاكات والإبلاغ عنها.

وشدد أن اليونيفيل "تواصل أداء هذا الدور بإخلاص وثبات من خلال تقاريرها الشاملة والمنتظمة التي تقدمها لمجلس الأمن".

وفي كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن في 10 أكتوبر الماضي، أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان بيير لاكروا، أن دور قوات اليونيفيل يقتصر على دعم تنفيذ القرار 1701. 

لكنه شدد في الوقت نفسه على أن مسؤولية تنفيذ بنود هذا القرار "يقع على عاتق الطرفين نفسيهما".

دور على المحك؟

فرض اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُقر بين لبنان وإسرائيل في 27 نوفمبر كما يقول الأمين "وقائع جديدة وملحقات لهذا القرار، بما في ذلك تشكيل لجنة رقابة برئاسة أميركية تمنح صلاحية تفسير بنود القرار". 

ويرى الأمين أن "الوضع الحالي يشير إلى أن قدرة حزب الله على التصدي لتنفيذ القرار انتهت بعد قبوله الانسحاب من الجنوب".

من جهة أخرى، استفادت إسرائيل كما يقول الأمين "من ملحقات القرار، التي تمنحها حق تجاوز بنوده على قاعدة أن خروقات حزب الله تتيح لها حرية التصرف لاستهداف ما تعتبره انتهاكاً للقرار في حال عجزت اليونيفيل والجيش اللبناني عن لجمه".

"تولى الجيش اللبناني قيادة هذه المرحلة، وسيتعاون مع اليونيفيل"، كما يقول رباح، ومع ذلك، تبقى المشكلة الأساسية برأيه "في عدم اعتراف حزب الله وحركة أمل بأن توقيع القرار 1701 يعني فعلياً التخلي عن سلاحهما بشكل كامل، سواء في جنوب الليطاني أو شماله".

ويصف العريضي اللجنة المكلفة تطبيق القرار 1701 بأنها "محور أساسي، جاءت نتيجة توافق دولي كبير، بقيادة الوسيط الأميركي آموس هوكستين، وبدعم فرنسي وبريطاني ودولي، بالإضافة إلى دعم عربي". 

ويرى أن هذه اللجنة "تملك القدرة على مراقبة ومتابعة تنفيذ بنود القرار، بما في ذلك ضبط تسلح حزب الله".

لكن العريضي يشير إلى "وجود غموض حول دور اللجنة وآلية عملها"، مستنداً إلى تصريحات سفراء سابقين في الولايات المتحدة. 

ويقول "المفاوضات التي أجراها رئيس مجلس النواب نبيه بري، نيابة عن حزب الله، مع الوسيط الأميركي، تحمل في طياتها بنوداً توصف بـ"الاستسلامية"، ما قد يمنح "إسرائيل مساحة لاستهداف ما تبقى من سلاح الحزب أو حتى تنفيذ عمليات اغتيال تطال قياداته".

ويرى أن "المشهد سيصبح أكثر وضوحاً مع تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وتشكيل حكومة جديدة في لبنان. هذه التطورات، ستحدد المسار المستقبلي لتطبيق القرار 1701 وآلية التعامل مع ملف حزب الله وسلاحه".

وكان شينكر وأوريون، دعيا في تقريرهما إلى مراجعة جذرية لعمل قوة اليونيفيل، التي تكلف سنوياً 500 مليون دولار، تتحمل الولايات المتحدة منها 125 مليون دولار.

وذكرا أن أن استمرار ضعف فعالية ومصداقية هذه القوة يثير التساؤلات حول جدوى وجودها، ما يدفع إلى التفكير في إلغاء نشرها بشكل دائم.

وإذا كانت واشنطن تعتقد أن "اليونيفيل" قادرة على المساهمة في تأجيل أو منع حرب أخرى بين حزب الله وإسرائيل، فسيتعين عليها وفق شينكر وأوريون اتخاذ عدة خطوات لإنقاذ ما يمكنها إنقاذه من هذه المنظمة. 

وفي حال استمرار الأداء الضعيف لليونيفيل، يعتبر الكاتبان أنه يتعين حينها على واشنطن النظر بجدية في استخدام حق النقض ضد ولايتها، وإنهاء انتشارها، والبدء من جديد.

وفي وقت تثار شكوك بشأن مستقبل ودور قوات اليونيفيل، أكد غوتيريش من الناقورة مواصلة العمل بشكل وثيق مع الدول المساهمة بهذه قوات لضمان حصولها على القدرات المعززة، بما في ذلك إزالة الألغام والتخلص من الذخائر غير المنفجرة، بغية تمكينها من استئناف الدوريات ومهام المراقبة الموكلة إليها.

وقال غوتيريش، متوجهاً إلى الجنرال أرلدو لاثارو وقيادة البعثة، "أعلم أن هذه القدرات، إلى جانب تكييف أسلوب العمليات ضمن إطار ولايتكم، هي حيوية لاستعادة حرية الحركة والوصول في جميع أنحاء منطقة عمليات اليونيفيل. وسأؤكد على هذه الرسائل في اجتماعاتي غدا مع القادة اللبنانيين".