سلام التقى عون وبري بعد تكليفه رئاسة الحكومة - AFP

شكّل تكليف رئيس محكمة العدل الدولية، القاضي نواف سلام، برئاسة الحكومة اللبنانية مفاجأة لنواب حزب الله، الذين طلبوا تأجيل موعد الاستشارات النيابية إلى اليوم التالي بعد أن تبيّن أن كفة الميزان تميل لصالح سلام، إلا أنهم عادوا وتوجهوا إلى القصر الرئاسي للمشاركة في هذا الاستحقاق، أمام إصرار الرئيس اللبناني.

وعقب اجتماعهم مع الرئيس اللبناني، جوزاف عون، أعرب النائب محمد رعد عن أسف كتلة نواب حزب الله لما وصفه بـ"محاولة خدش إطلالة العهد التوافقية"، متهماً بعض الأطراف الداخلية بالسعي إلى "التفكيك والتقسيم والإقصاء والكيدية".

ولمّح رعد إلى وجود "اتفاق مسبق" تم قبل الموافقة على انتخاب الرئيس، كان يقضي بالتوافق على اسم رئيس الحكومة، قائلاً "لقد خطونا خطوة إيجابية عند انتخاب رئيس الجمهورية، وكنا نأمل أن نلقى اليد التي تغنت بأنها ممدودة، لكنها قطعت".

وأكد أن الكتلة تطالب بحكومة ميثاقية، مشدداً على أن "أي حكومة تناقض العيش المشترك لا شرعية لها".

في هذا السياق، امتنعت كتلة حزب الله، إلى جانب حليفتها كتلة حركة أمل، عن التصويت لأي مرشح خلال الاستشارات النيابية، هذا الموقف أثار مخاوف من تفاقم الأزمة السياسية في لبنان وإمكان تفجير أزمة حكومية جديدة.

من جانبه أكد سلام، بعد انتهاء الاجتماع مع عون ورئيس البرلمان اللبناني زعيم حركة "أمل"، نبيه بري، في القصر الرئاسي أنه ليس من أهل الإقصاء بل من أهل الوحدة، ولا من أهل الاستبعاد بل من أهل الشراكة الوطنية.

ولفت إلى أن يديه ممدودتين للجميع "من أجل البدء بالإصلاح كي لا يشعر أي مواطن بالتهميش"، كما دعا إلى "العمل على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها".

ما هي الميثاقية؟

وكان رعد طالب بتشكيل حكومة ميثاقية، وهي حكومة ترتكز على مبادئ "الميثاق الوطني"، الاتفاق غير المكتوب الذي شكل الأساس لقيام دولة لبنان عام 1943، الذي يؤكد على أهمية تحقيق العيش المشترك بين مختلف الطوائف اللبنانية.

وتبلور هذا المفهوم بشكل أكبر مع "اتفاق الطائف" عام 1989، الذي أفضى إلى تعديلات دستورية أقرت في عام 1990، من خلال إدراج الفقرة "ي" في مقدمة الدستور، التي تنص على أن "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".

لكن الميثاقية تحولت من مبدأ يعزز الشراكة الوطنية إلى سلاح سياسي يستغل لتعزيز المصالح الطائفية، حيث عمد الثنائي الشيعي إلى احتكار مفهوم "الميثاقية الشيعية".

واستغل الثنائي الشيعي هذا المبدأ في فرض شروط على التمثيل الوزاري وتعطيل عمل الحكومات من خلال الانسحاب أو تعليق المشاركة، كما حدث مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2006، حين انسحب منها ووصفت لاحقًا بـ"الحكومة البتراء"، مما أدى إلى انحراف الميثاقية عن جوهرها الأساسي.

في هذا السياق، كتب النائب السابق مصباح الأحدب عبر منصة "اكس"، "الميثاقية وجدت لحماية حقوق الطوائف لا لتسلط الأحزاب عليها".

وتساءل الأحدب "من قال إن المكون الشيعي الأساسي في الوطن لن يمثل في الحكومة".

كما قال رئيس حزب "القوات اللبنانية"، سمير جعجع، خلال حديث اعلامي أمس الاثنين، إن "تركيبة الدولة اللبنانية تعكس عملية التوافق، ولكن ليس من الضروري خوض أي مسألة بالتوافق، وما تحدث عنه رعد عن العيش المشترك يعدّ أيضاً خارج السياق، والإقصاء يكون في حال قرر رئيس الحكومة المكلّف نواف سلام تشكيل الحكومة العتيدة بلا الطائفة الشيعية".

وشدد على أن "أحد المفاهيم الخاطئة التي كرست في السنوات الماضية هي معنى الميثاقية التي تتمثّل في الحقيقة بين الطوائف لا بين المذاهب، وبالتالي لو لم يوافق أي نائب مسلم على القاضي سلام لكنّا أمام حالة الـ"لا ميثاقية".

وعن "تسونامي" الأصوات الذي حصل عليه سلام، يعلّق الباحث في الشأن السياسي نضال السبع قائلاً "هذا النجاح يعود إلى انسحاب النائب فؤاد مخزومي صباح الاثنين لصالح سلام..".

واعتبر أن خطوة مخزومي "وطنية اتخذها بشكل منفرد بعدما استشعر خطورة استمرار ترشحه في ظل في ظل ترشح النائب إبراهيم منيمنة وسلام، الأمر الذي كان سيؤدي إلى تشتيت أصوات المعارضة وتمهيد الطريق لنجاح نجيب ميقاتي، مع ما يعنيه ذلك من دلالات على استمرار نفوذ حزب الله داخل مؤسسات الدولة".

ويشدد السبع، في حديث لموقع "الحرة"، على أن انسحاب مخزومي "جاء ليتيح المجال أمام تسمية سلام، رغم أن الأخير بدأ السباق بدعم من 6 نواب فقط، مقارنة بمخزومي الذي كان ينطلق من قاعدة مؤلفة من 31 صوتاً وبالرغم أيضاً من الدعم السعودي الذي كان يحظى به".

استياء يعيق التشكيل؟

عكس تصريح رعد، استياء وانزعاجاً واضحاً ومفاجأة كبيرة داخل حزب الله، كما يقول السبع، مشيراً إلى أن "حزب الله كان قد نام على وقع تعهدات قدمت له بعد انتخاب عون رئيساً للجمهورية. هذه التعهدات مرتبطة برئاسة الحكومة، إعادة الإعمار، مكانة وحجم الثنائي الشيعي داخل النظام السياسي، تطبيق القرار 1701، الانسحاب الإسرائيلي، وملف الأسرى".

هذه التعهدات فشلت، كما يقول السبع، "في أول اختبار لها، ولم يقبض حزب الله الثمن، لذلك هو يعتبر ما حدث طعنة له، ومحاولة لإبعاده عن مواقع السلطة، حيث خرجت رئاسة الجمهورية من يده، وكذلك رئاسة الحكومة، فضلاً عن موقع قيادة الجيش الذي ليس له رأي فيه، وحاكمية مصرف لبنان".

ويضيف السبع "حديث رعد عن الميثاقية إشارة إلى أن الحزب لن يشارك في الحكومة الجديدة، حيث سيسعى لتعطيل مسار تكليف سلام بمنعه من تشكيل حكومة، كون تكليف سلام يشكّل هزيمة سياسية لحزب الله الذي مني كذلك بهزيمة أمنية وعسكرية تمتد من غزة إلى دمشق وصولاً إلى بيروت".

ويكشف أن نواف سلام نفسه لم يكن يتوقع تكليفه برئاسة الحكومة، موضحاً "بحسب المعلومات التي وصلتني، أحد أصدقاء رئيس الحكومة المكلف اجتمع به قبل يومين، فأبلغه سلام شخصياً أنه ليس مرشحاً لعدم وجود حظوظ لديه، وأن المعنيين أبلغوه أن الوقت ليس مناسباً لترشحه، ما دفعه إلى اتخاذ قرار السفر إلى أوروبا لاستكمال عمله هناك، كما أن النواب كانوا غير مدركين أن قرار تسميته سيصلهم صباح أمس الاثنين".

من جانبه، يعتبر النائب السابق فارس سعيد أن "ذات الاندفاعة العربية والدولية التي أدت إلى انتخاب عون لرئاسة الجمهورية هي التي عصفت في لبنان وأدت إلى وصول سلام إلى سدة رئاسة الحكومة".

ويضيف سعيد، في حديث لموقع "الحرة"، أنه "من الطبيعي أن يشعر حزب الله بالقلق من هذا العصف السياسي الذي بدأ في المنطقة وأدى إلى انهيار النظام في سوريا من جهة وانهيار طبيعة وظيفة حزب الله الإقليمية من جهة أخرى".

سيناريوهات المواجهة

بعد تكليف سلام، يجد حزب الله نفسه أمام ثلاثة خيارات، كما يقول السبع، ويوضح "إما أن يشارك في الحكومة دون التأثير بها، مما يعد خسارة له، أو لا يشارك فيها ويسمح لشخصيات شيعية أخرى بالمشاركة، ما يشكل أيضاً خسارة له..".

أما الخيار الثالث، وفق سعيد، فـ"هو رفض المشاركة في الحكومة وتشكيكه بميثاقيتها، مما يفتح الباب لأزمة حكومية كبرى، ويستمر الرئيس نجيب ميقاتي بتسيير أعمال الحكومة الحالية، ما يشكل ضربة للعهد في بدايته".

وبعدما جرت العادة في الحكومات الماضية أن تتضمن البيانات الوزارية معادلة "جيش، شعب، مقاومة"، يطرح السؤال فيما إن تمكن سلام من تشكيل حكومة، هل سيوافق حزب الله على أن يكون بيانها الوزاري متناغماً مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية، خاصة فيما يتعلق بحصرية السلاح تحت قيادة الدولة اللبنانية، عن ذلك، يجيب السبع "من المؤكد أن حزب الله لن يرضى بذلك".

ويشير إلى أن "تكليف سلام هو مشروع إشكالي داخل البلد ومشروع فراغ حكومي، فمن جهة، هو لا يستطيع تبني سلاح حزب الله، ومن جهة أخرى، البيئة الشيعية، التي تمثلها كتلة وازنة وميثاقية، تطالب ببقاء السلاح، معتبرة أنه يوفر الحماية لها، خصوصاً مع استمرار التهديد الإسرائيلي في الجنوب".

ويضيف السبع "نحن أمام إشكالية كبيرة، حيث يقع على عاتق سلام التزامات دولية واضحة، كما ظهر من حديث المبعوث الأميركي آموس هوكسين في منزل النائب فؤاد مخزومي، عندما تحدث عن سحب السلاح من جنوب خط الليطاني وشماله، مما يعني أن هناك ضغطاً أميركياً نحو نظام جديد يدفع باتجاه نزع سلاح حزب الله، وهذا يتعارض مع موقف الحزب وقدرة سلام على تحقيقه".

يذكر أن رئيس حزب "القوات اللبنانية"، سمير جعجع، شدد، خلال حديثه الإعلامي، على أن "القوات ستكون خارج أي حكومة تلحظ في بيانها الوزاري معادلة: جيش، شعب، مقاومة، أو تضم وزراء عليهم أي شبهة، إنما ستشارك في حكومة تشبه صفات رئيس الجمهورية المنتخب ورئيس الحكومة المكلف".

ويرى سعيد أن إحدى المهام الأساسية المقبلة للرئيس سلام ستكون "التعامل مع الأزمة التي تواجه الطائفة الشيعية، والتي تعد مكوناً رئيسياً ومؤسساً للكيان اللبناني".

واعتبر أنه "لا خوف على سلام في هذه المهمة نظراً إلى ماضيه الوطني وعلاقاته الوطنية الثابتة، بالإضافة إلى الأجواء الجديدة التي بدأت تتبلور في المنطقة".

ويشدد قائلا: "أعتقد أن سلام سيتعامل مع هذا الواقع بحكمة ودراية، بما يضمن شعور جميع الأطراف بأنهم تحت مظلة الدستور ووثيقة الوفاق الوطني والدولة اللبنانية".

ويشير سعيد إلى أن "سلام ينتمي إلى عائلة سياسية وبيئة تقدّر قيمة العيش المشترك في لبنان، مما يؤهله لمعالجة التحديات الوطنية الراهنة، لذلك سيسعى بكل ما لديه من قوة لمعالجة هذا الأمر".

كما يرى سعيد أن "البيان الوزاري سيكون متناغماً مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية، بما يعكس الالتزام بالدستور والقانون". أما بشأن موقف حزب الله، فيعتقد أن الحزب "يمتلك الحكمة الكافية للتعامل مع هذا الواقع الجديد".

وفيما إن كان تشكيل حكومة جديدة برئاسة سلام سيمثل مرحلة جديدة لتفعيل المؤسسات ودولة القانون، يجيب السبع "الحكم على ذلك لا يمكن إلا بعد التجربة، حيث إن سلام لم يتولَّ هذا المنصب من قبل. صحيح أنه كان ممثلاً للبنان في الأمم المتحدة، لكنه بعيد عن الأداء الحكومي، فحتى النواب الذين سمّوه لا يعرفونه جيداً"، في حين يقول سعيد "نحن أمام فرصة حقيقية لتحقيق هذا الهدف".

رئيس الحكومة اللبناني المكلف نواف سلام - رويترز
سلام يواجه مهمة شاقة لإيجاد توازن بين المطالب الداخلية الملحة والتوقعات الدولية المشددة

بين مطرقة الأزمات الداخلية وسندان الضغوط الخارجية، يقف لبنان أمام منعطف سياسي جديد مع تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة المقبلة. 

ففي ظل مشهد سياسي معقد وأزمة اقتصادية خانقة، يواجه رئيس الوزراء المكلف مهمة شاقة لإيجاد توازن بين المطالب الداخلية الملحة والتوقعات الدولية المشددة.

وعلى الرغم من إعلان واشنطن نأيها عن التدخل المباشر في عملية التشكيل، فإن رسائلها واضحة وحازمة: تشكيل حكومة تخلو من تأثير حزب الله، وتضم شخصيات نزيهة وذات كفاءة، تمثل روح لبنان الجديد الذي يتطلع إليه المجتمع الدولي.

تشير التسريبات الإعلامية حتى الآن إلى احتمال منح رئيس الوزراء المكلف، نواف سلام، حقائب وزارية لحزب الله في الحكومة المرتقبة. هذا السيناريو يطرح تحدياً كبيراً: كيف يمكن لحكومة تضم الحزب أن تتماشى مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي شدد على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، بما في ذلك سحب سلاح حزب الله؟

حزب الله يسوّق لـ"انتصار وهمي جديد" في لبنان
يسعى حزب الله، المصنّف كجماعة إرهابية، إلى الترويج لما يصفه بـ"انتصار جديد" على الجيش الإسرائيلي، عقب انسحاب القوات الإسرائيلية من عدد من البلدات الجنوبية، إثر عودة السكان إليها بدفعٍ من الحزب، جاء ذلك بعد انتهاء مهلة اتفاق وقف إطلاق النار في 26 يناير، والذي تم تمديده لاحقاً حتى 18 فبراير.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ أن مشاركة حزب الله في الحكومة قد تؤثر بشكل مباشر على الدعم الدولي للبنان، الذي يمر بأزمة اقتصادية خانقة، ويحتاج إلى مساعدات مالية عاجلة وإعادة إعمار في المناطق المتضررة. فكيف سينعكس ذلك على قدرة لبنان في كسب ثقة المجتمع الدولي واستقطاب المساعدات التي باتت ضرورية للخروج من أزمته؟

في المقابل، يبرز سيناريو آخر: إذا اختار سلام تشكيل حكومة خالية من حزب الله، ترضي الدول الخليجية والمجتمع الدولي، فهل سيتمكن من تجاوز العقبات الداخلية والضغوط السياسية التي قد تعرقل هذا التوجه؟

تحد مزدوج

لا تتدخل "الولايات المتحدة بشكل مباشر في تشكيل الحكومة اللبنانية وتحديد أسماء الوزراء"، لكنها تركز كما تقول كبيرة الباحثين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، حنين غدار، "على الأهداف الكبرى التي يجب أن تحققها الحكومة الجديدة".

وتوضح غدار في حديث لموقع "الحرة" أن "هناك احتمالاً لأن يعتمد نواف سلام ورئيس الجمهورية جوزاف عون على استراتيجية تعيين وزراء لا يظهر ارتباطهم العلني بحزب الله، لكنهم يعملون تحت توجيهاته"، وتضيف "بالنسبة لأميركا، التفاصيل حول الأسماء أو الانتماءات السياسية ليست ذات أهمية بقدر ما يهمها الأداء الحكومي"، ومع ذلك، تؤكد أن واشنطن ترفض بشكل قاطع "أي حكومة تضم ممثلين علنيين عن حزب الله ".

من جانبه، المحلل السياسي السعودي الدكتور خالد باطرفي، متفائل بأن الحكومة التي سيتم تشكيلها "ستستجيب في النهاية للضغوط الدولية كونه لا يمكن تجاهلها".

ويقول باطرفي لموقع "الحرة"، "لن يشكل القاضي نواف سلام، ورئيس الجمهورية المعروفان بالنزاهة والكفاءة واستقلالية القرار، حكومة دون موافقة المجتمع الدولي. فهذا يعني أن خارطة الطريق التي أعلنها عون وتبناها سلام لن تُنفذ، وهي خارطة تعتمد أساساً على تعاون المجتمع الدولي، وعلى رفع العقوبات، استعادة أموال المودعين، ونزع السلاح. تحقيق كل هذه الأهداف مستحيل في ظل هيمنة حزب الله."

أما الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا، فيشير إلى أن التشكيلات الحكومية المسربة تؤكد منح حزب الله حقائب وزارية كوزارة الصحة، ويؤكد أن "أي حكومة في لبنان ستواجه صعوبات كبيرة إذا لم تضم تمثيلًا للقوى السياسية الأساسية والكتل النيابية الكبرى، حيث قد تُعرقل مشاريع القوانين التي ترسلها إلى مجلس النواب".

ويوضح أبو شقرا لموقع "الحرة" أن "أمام الحكومة المقبلة تحدٍ مزدوج، يتمثل في مخاطر غياب الدعم المالي الدولي إذا شارك حزب الله فيها، مقابل خطر عدم قدرتها على تنفيذ مشاريع وخطط تنموية تشمل قطاعات حيوية مثل القضاء والأمن والاقتصاد والمالية".

وفي السياق، أعلن الرئيس المكلف نواف سلام، أمس الأربعاء، بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في قصر بعبدا، انه "يعمل على تشكيل حكومة منسجمة وحكومة إصلاح تضم كفاءات عالية، ولن أسمح أن تحمل في داخلها إمكان تعطيل عملها بأي شكل من الأشكال، ولأجل هذه الغاية عملت بصبر".

وفي موضوع الحزبيين قال سلام "أدرك أهمية عمل الأحزاب، لكن في هذه المرحلة الدقيقة اخترت فعالية العمل الحكومة على التجاذبات السياسية، وما نحن أمامه هو ارساء عملية الاصلاح بما يليق بكم".

مستقبل المساعدات

"تراقب واشنطن عن كثب التزام الحكومة المرتقبة بتطبيق القرارات الدولية، خصوصاً ما يتعلق بنزع سلاح حزب الله"، كما تقول غدار، موضحة أن "الجيش اللبناني، رغم جهوده، لا يمكنه تنفيذ القرارات الدولية دون قرار سياسي واضح من الحكومة"، وتوضح أن "إدارة ترامب لن تتعامل مع أي حكومة لا تلتزم بهذه الشروط، وستوقف المساعدات وربما التمويل المقدم للجيش اللبناني".

وترى غدار أن تشكيل حكومة غير متعاونة مع الشروط الدولية، سيضع لبنان ضمن المحور المناهض للولايات المتحدة في المنطقة، وتقول "الموقف الأميركي واضح: إما مع أميركا أو ضدها. لا مجال للمواقف الرمادية"، وتشير إلى أنه "إذا اختار لبنان المحور المناهض لأميركا، عندها ستمنح واشنطن إسرائيل حرية التحرك في لبنان".

وتشدد على أن "البيان الوزاري للحكومة الجديدة يجب أن يتماشى مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية"، مؤكدة أن لبنان في ظل أزمته الاقتصادية "بحاجة ماسة إلى الدعم الأميركي، والخيار أمامه واضح: إما الالتزام بالشروط الأميركية، أو مواجهة العزلة الدولية وغياب أي دعم مالي أو اقتصادي".

ثلاثة عوامل أساسية ستحدد مستقبل المساعدات الدولية للبنان، في حال شارك حزب الله في الحكومة، يشرحها أبو شقرا:

1. توقف المساعدات الأميركية: كان لبنان يتلقى ما يقارب 300 مليون دولار سنوياً من الولايات المتحدة عبر السفارة والوكالة الأميركية للتنمية، لدعم الجيش اللبناني، وقطاعات متنوعة تشمل الزراعة، والتنمية الريفية، والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي، ودعم جمعيات المجتمع المدني. ويعتبر هذا المبلغ، الذي يمثل حوالي 1.5-2% من الناتج المحلي الإجمالي، رقماً كبيراً يعكس أهمية هذا الدعم.

2. غياب تطبيق القوانين الإصلاحية: أقر البرلمان اللبناني في السنوات الماضية عدداً من القوانين المتعلقة بالإصلاحات المالية ومكافحة الفساد، مثل إنشاء الهيئات الناظمة لقطاع الكهرباء والطاقة، وتطبيق قانون التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية. ورغم ذلك، لم يتم إصدار المراسيم التنفيذية للكثير من هذه القوانين، مما يعيق تقدم البلاد على صعيد الإصلاحات.

3. التصنيف السلبي للبنان دولياً: إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي يعيق قدرته على الحصول على قروض دولية، نظراً لتصنيفه الائتماني المنخفض جداً. تبلغ ديون لبنان حوالي 100 مليار دولار، أي ما يعادل 500% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي مستحيل دون إعادة هيكلة شاملة للدين، بما في ذلك شطب

ودائع المودعين، وهو ما يرفضه الفرقاء السياسيون اللبنانيون.

"مسار وحيد"

"لم يتطرق الموفدون العرب والدوليون الذين زاروا لبنان مؤخراً إلى ملف إعادة الإعمار"، كما يقول أبو شقرا "وذلك على عكس ما حدث بعد حرب 2006، مما يعكس ترقبهم للحكومة التي سيشكلها سلام".

 ويوضح أن الحديث عن تمويل إعادة الإعمار عبر إيران "يواجه عقبات كبرى بسبب القيود المفروضة على التحويلات المالية وحصار المنافذ البرية والجوية والبحرية".

ويرى أبو شقرا أن "الحل الوحيد لخروج لبنان من أزمته هو الوصول إلى تسوية شاملة، تتضمن تسليم حزب الله لسلاحه وحل جناحه العسكري، بالإضافة إلى ترسيم الحدود البرية مع إسرائيل، كما جرى سابقاً في الحدود البحرية. تحقيق هذه الشروط قد يؤدي إلى تدفق المساعدات وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، حتى لو لم تُطبق الإصلاحات بالكامل أو بقي لبنان على اللائحة الرمادية".

من جانبه يقول باطرفي "لا أعلم إلى أي مدى قد يغامر الرئيسان بمواجهة ردود فعل الثنائي الشيعي، لكنني أعتقد أنه لا خيار أمامهما سوى المضي قدماً. كما أعتقد أن الثنائي الشيعي، وخصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، لن يتمكن من مواجهة العقوبات الدولية التي قد تستهدفه شخصياً، إلى جانب الأموال المهربة وقضايا الفساد المتورط بها هو وحلفاؤه. 

"وبينما قد يحتمي حزب الله بإيران ويختبئ في الأنفاق، أين يمكن لرئيس البرلمان أن يذهب؟ ليس أمامه إلا القبول بالأمر الواقع، إما بالتخلي عن حزب الله أو بإقناعه".

ويختم المحلل السياسي السعودي بالقول "في النهاية، أرى أن المسار الوحيد المتاح هو تشكيل حكومة تعتمد على الكفاءة والنزاهة، قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وتلبية شروط المجتمع الدولي. أما البديل فهو مواجهة العقوبات، ووقف الدعم المالي، وتعطيل عملية إعادة الإعمار".