حركة أمل وحزب الله
مخاوف في لبنان من خضوع سلام لمطالب أمل وحزب الله في نقاشات تشكيل الحكومة

يتعرض الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية، نواف سلام، لهجوم واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، إثر تسريبات إعلامية أفادت بخضوعه لمطالب "الثنائي الشيعي"، ولا سيما موافقته على منح وزارة المالية لحركة أمل.

وكانت شريحة واسعة من اللبنانيين أعربت عن تفاؤلها بعد الخسارة التي تكبدها حزب الله في الحرب الأخيرة مع إسرائيل، التي انتهت باتفاق وقف إطلاق نار يلزمه بتسليم سلاحه بدءاً من جنوب الليطاني، ومع انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وتكليف سلام بتشكيل الحكومة.، وهما خياران لم يكن الحزب يرغب بهما.

وسادت توقعات بين اللبنانيين بأن هذه التحولات قد تكون بداية لإنهاء نظام المحاصصة الطائفية ووضع البلاد على مسار التعافي من أزماتها المتفاقمة، غير أن التسريبات الأخيرة، إن صحت، تعكس استمرار هيمنة "الثنائي الشيعي" على المشهد السياسي اللبناني.

في المقابل، أكد سلام أن "تشكيل الحكومة يتقدم إيجاباً وفق الاتجاه الإصلاحي الإنقاذي، الذي تعهد به بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، ووفق المعايير التي سبق أن أعلنها".

الرئيس اللبناني جوزاف عون وخلفه نبيه بري
السيطرة على "أم الوزارات".. "لعبة نبيه بري المكشوفة" في لبنان
مع بدء الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة في لبنان، القاضي نواف سلام، مشاورات التشكيل، عاد ملف توزيع الحقائب الوزارية ليكون في صلب الجدل السياسي، متخذاً من وزارة المالية عنواناً للخلافات الأساسية التي تعكس تعقيدات التوازنات الطائفية والسياسية في لبنان.

وشدد، كما ذكرت "الوكالة الوطنية للإعلام" أمس الاثنين، أن "أي كلام عن أسماء وزارية تفرض عليه هو عار من الصحة، فهو من يختار الأسماء، بعد التشاور مع مختلف الكتل النيابية، لإنجاز تشكيلة تنسجم مع رؤيته للحكومة التي يسعى اليها".

وأصبحت وزارة المالية في لبنان نقطة صراع محوري بين القوى السياسية، إذ يمثل إصرار "الثنائي الشيعي" على الاحتفاظ بها عقبة رئيسية في أي مفاوضات لتشكيل الحكومة.

فمنذ عام 2014، يحتفظ الثنائي بهذه الحقيبة التي تمنحه "حق التوقيع الثالث" على قرارات السلطة التنفيذية، ما يجعلها بمثابة ضمانة أساسية لفرض نفوذه السياسي في البلاد.

كيل بمكيالين؟

ويرى لبنانيون أن العهد الجديد سيواجه تحدياً كبيراً إذا بدأ ولايته برضوخ الحكومة لضغوط الثنائي الشيعي، مما سيضعف من قدرته على تحقيق الإصلاحات المطلوبة محلياً ودولياً.

ما ورد في التسريبات الإعلامية بشأن إسناد حقيبة وزارة المالية لعضو كتلة "التنمية والتحرير"، الوزير السابق ياسين جابر، يشكّل "صدمة لأغلبية الشعب اللبناني"، كما اعتبرت عضو تكتل "الجمهورية القوية"، النائب غادة أيوب.

وقالت أيوب، لموقع "الحرة"، أن "اللبنانيين يعيشون حالة من الإحباط بسبب ازدواجية المعايير، خصوصاً بعد الآمال الكبيرة التي علّقت على انطلاقة العهد الجديد".

"المشكلة لا تكمن في شخص ياسين جابر"، بحسب ما تقوله أيوب، "بل في انتمائه السياسي للكتلة النيابية التابعة للثنائي الشيعي، الذي شغل عبرها مناصب وزارية ونيابية لسنوات طويلة".

وتساءلت أيوب"هل يُكافأ الثنائي الشيعي على ما تسبب به من دمار في لبنان، وعلى ارتباطاته الخارجية وتنفيذه أجندات إيرانية داخل البلاد، واستمراره في التمسك بالسلاح ورفضه الالتزام باتفاق الطائف والقرارات الدولية، بمنحه مناصب وزارية أساسية"؟

و"في المقابل، تُحرم القوات اللبنانية، التي ناضلت لعقود ضد الاحتلالات والمشاريع التي استهدفت هوية لبنان، من حقوقها، رغم امتلاكها أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب؟"، تضيف أيوب.

ما يجري يعكس "كيلاً بمكيالين" في عملية تشكيل الحكومة، وفق أيوب، مشيرة إلى غياب الشفافية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالحقائب الوزارية، كما أنها تطرح شكوكاً حول وجود ضمانات قدّمها حزب الله للرئيس المكلف تتعلق بتطبيق القرارين الدوليين 1701 و1559، لا سيما بشأن تسليم سلاحه جنوب الليطاني وشماله، مقابل حصوله على حقائب وزارية سيادية.

وقالت النائبة اللبنانية: "إذا كانت هذه الضمانات موجودة، فعلى الرئيس المكلف الإعلان عنها. وإذا لم تكن موجودة، فإن منح وزارة المالية للثنائي يشكّل خطراً بإدخال عنصر تعطيل للحكومة".

وأكدت أن "التجارب السابقة أظهرت من هو الفريق الذي استخدم وزارة المالية لتعطيل تشكيلات قضائية وعسكرية وقرارات حكومية حاسمة"، موضحة أن "الخطر الحقيقي لا يقتصر على الثلث المعطّل أو الميثاقية، بل في أن وزارة المالية قادرة على تعطيل كافة أعمال الحكومة".

يذكر أن وزير المالية يتمتع بصلاحيات واسعة، أبرزها اقتراح أسماء حاكم مصرف لبنان ونوابه على مجلس الوزراء، وفقاً للمادة 18 من قانون النقد والتسليف.

إضافة إلى ذلك، تعد وزارة المالية مركزية في صنع القرار الحكومي، إذ يمكن استخدامها لتعطيل قرارات حيوية، عبر حجب توقيعها، كما تلعب دوراً محورياً في إدارة الإنفاق الحكومي، حيث يحدد الوزير أولويات الصرف.

"المعركة الحقيقية"

وقال الكاتب الباحث السياسي، مكرم رباح، إن "منح وزارة المالية للثنائي الشيعي سيؤثر معنوياً على حكومة نواف سلام"، لكنه يشدد في الوقت ذاته على ضرورة أن يكون الشعب اللبناني واقعياً، مشيراً إلى أن "التغيير الحقيقي يتطلب الاهتمام بالانتخابات النيابية المقررة بعد سنة ونصف".

وأردف رباح قائلا، لموقع "الحرة"، إن المشكلة الأساسية تكمن في أن "رئيس الجمهورية يتجنب الصدام مع الثنائي الشيعي، وهو ما يدفع ثمنه نواف سلام خلال مرحلة تشكيل الحكومة".

أما رئيس "لقاء سيدة الجبل"، النائب السابق فارس سعيد، فإنه لا يضع منح وزارة المال للطائفة الشيعية ضمن إطار الخضوع.

وقال سعيد، لموقع الحرة، إن سلام "موكّل تشكيل حكومة تأخذ بعين الجغرافيا البرلمانية القائمة"، مضيفا: "لا يستطيع سلام تشكيل حكومة دون مشاركة الشيعة، وفي الوقت ذاته لا يمكنه الخضوع لشروط أي طرف لبناني، سواء كان حزب الله وحركة أمل أو الفريق الآخر".

ورأى أن المعركة الحقيقية ليست حول وزارة المال أو ما إذا كانت ستسند إلى الطائفة الشيعية، مشيرا إلى أن "منح وزارة المال لهذا الطرف أو ذاك لا يعني انتصار لبنان أو هزيمته. المعركة الفعلية هي معركة بناء الدولة، وهي مسؤولية سيخوضها سلام إلى جانب رئيس الجمهورية، بهدف نقل لبنان من مرحلة إلى أخرى".

واعتبر أن القضايا المطروحة في لبنان تتجاوز مسألة وزارة المال لتشمل ملفات أساسية، "مثل القرار 1701، وسلاح حزب الله، وأموال المودعين، وإعادة النظر في القطاع المصرفي، والكهرباء، والعلاقات اللبنانية-السورية، وغيرها".

وقال سعيد: "في ظل هذه القضايا الكبرى، يتم اختزال نجاح أو فشل سلام بمنح وزارة المال لهذا الطرف أو ذاك، بينما المعركة الحقيقية هي قدرته في ظل الاندفاعة العربية والدولية التي ساعدت على وصوله إلى هذا الموقع، على إنقاذ لبنان ونقله إلى مرحلة جديدة".

كما أكد رباح على أهمية "التركيز على ما ستقوم به الحكومة المقبلة، وعلى بيانها الوزاري الذي ينبغي أن يتضمن نزع سلاح حزب الله وضمان إجراء الانتخابات النيابية في موعدها"، ويشدد "أي انشغال بقضايا أخرى هو مجرد إضاعة للوقت".

شلل سياسي؟

تمسّك الثنائي الشيعي بوزارة المالية يتعارض مع الرؤية الدولية والخليجية، لا سيما السعودية، التي تشدد على ضرورة تشكيل حكومة اختصاصيين بعيداً عن المحاصصة السياسية. هذا التناقض يثير تساؤلات حول كيفية تعاطي هذه الدول مع هذا الواقع.

في هذا السياق، أوضح رباح قائلاً "حتى هذه اللحظة، لا يوجد موقف واضح، ولكن إذا تم منح الثنائي الشيعي وزارة المالية، فإن ذلك سيؤثر في المستقبل على الأموال التي ترسل إلى لبنان. ولا أعتقد أن هذه الأموال مطروحة في الوقت الحالي، لكن منح وزارة المالية للثنائي الشيعي سيجعل من الحصول على هذه الأموال أكثر صعوبة".

كما أن منح حقيبة المالية للثنائي الشيعي، سيعيد لبنان كما تحذّر أيوب، إلى حالة الشلل السياسي التي شهدها في السنوات الماضية.

وقالت: "خلال الاستشارات النيابية، أشار الرئيس المكلف إلى أن حكومة الوفاق الوطني هي حكومة الشلل الوطني. فإذا كان يسير في تشكيل الحكومة بهذا النهج، فإنه يناقض تصريحاته السابقة، لأن دخول حزب الله بخطابه الحالي إلى الحكومة يعني استمرار النهج ذاته".

وشدد "إذا قرر الرئيس المكلف تشكيل حكومة شلل وطني، عليه أن يصارح اللبنانيين بما يجري، سواء كان قد أُجبر على ذلك أو أن هناك أموراً لا نعلمها. الشعب اللبناني له الحق في معرفة الأسباب التي تدفعه إلى الإذعان لشروط الثنائي الشيعي، خاصة في ظل الخراب الذي تسبب به حزب الله منذ حرب 2006 وحتى اليوم، في وقت أولوية الحكومة المقبلة إعادة الإعمار وجذب الدعم المالي من الدول الخليجية للمساهمة في ذلك".

وتختم أيوب مؤكدة أن "تشكيل الحكومة دون معايير واضحة وعادلة ينذر بفشل مسبق في تنفيذ خطاب القسم، الذي يفترض أن يكون البيان الوزاري انعكاساً له".

وتوجهت برسالة إلى الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية قائلة "كيف يمكن إدارة المرحلة المقبلة وفق هذا النهج الذي يكافئ التسلط ويهمّش القوى السيادية؟ الإجابة مطلوبة بشفافية أمام الشعب اللبناني".

لقطة لمطار رفيق الحريري في بيروت (رويترز)
لقطة لمطار رفيق الحريري في بيروت (رويترز)

لا تزال قضية الطائرة الإيرانية التي منعت السلطات هبوطها تتفاعل في لبنان، حيث أقفل محتجون طريق المطار حتى ساعة متأخرة من ليل الخميس الجمعة، تزامنا مع إعلان المديرية العامة للطيران المدني اللبناني التوجه لإرسال طائرة لإجلاء اللبنانيين العالقين في طهران.

وذكرت مراسلة "الحرة" في بيروت، الجمعة، أن السفارة اللبنانية في طهران تلقت طلبا من شركة الشرق الأوسط للطيران للسماح لطائرتين بالهبوط في مطار طهران.

ونقلت عن السفارة قولها إن سفير لبنان في طهران بصدد تحضير كتاب لإرساله إلى الخارجية الإيرانية التي عليها منح الإذن وإرساله لسلطات الطيران الإيرانية لتسمح بدورها بهبوط الطائرتين.

إلا أن الطلب اللبناني بهبوط طائرتين للشرق الأوسط لقي رفضا إيرانيا، وفق ما أكد مصدر في الطيران المدني اللبناني لوسائل إعلام لبنانية، الجمعة.

وقطع عشرات الشبان الموالين لحزب الله مساء الخميس مدخل مطار بيروت والطريق الدولية المؤدية إليه بالإطارات المشتعلة، احتجاجا على إبلاغ السلطات خطوط ماهان الإيرانية بتعذر استقبال رحلتين مجدولتين من طهران، وفق ما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام ومسؤول في المطار.

وتجمع شبان رافعين رايات حزب الله الصفر على الطريق المؤدية إلى المطار، وأضرموا النيران في إطارات مطاط، ما أدى إلى قطع الطريق.

وأشعلت مجموعة أخرى الإطارات أمام مدخل المطار، وفق ما أوردت الوكالة الرسمية. ورفع بعضهم صورا للأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله الذي يُشيّعه الحزب نهاية الأسبوع المقبل، بعد مقتله بغارة إسرائيلية في سبتمبر. وردد المحتجون هتافات مناوئة لإسرائيل والولايات المتحدة.

وعمل الجيش اللبناني على منع المحتجين من قطع الطريق وتسهيل حركة المرور، وفق الوكالة الوطنية. وأظهرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تدافعا بين محتجين غاضبين وعناصر من الجيش اللبناني.

وجاءت التحركات بعد تداول مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي من مطار طهران، يدعو فيه مسافر لبناني إلى قطع طريق المطار. ويقول "ننتظر منذ الصباح هنا. نحن لبنانيون.. ولا أحد يتحكم بنا" بعد إلغاء رحلتهم إلى بيروت. وناشد رئيس البرلمان نبيه بري التدخل لإعادة المسافرين اللبنانيين إلى بيروت.

وقال مسؤول في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت لفرانس برس إن "المطار تلقى طلبا من وزارة الأشغال العامة والنقل بإبلاغ خطوط ماهان الإيرانية بعدم استقبال رحلتين تابعتين لها إلى بيروت، واحدة كانت مقررة مساء الخميس وأخرى الجمعة".

وأضاف "أُرجئت الرحلتان إلى الأسبوع المقبل"، من دون تحديد السبب.

وفي طهران، نقلت وكالة مهر عن، سعيد شالاندري، رئيس مجلس إدارة مطار الإمام الخميني قوله "رحلة اليوم إلى بيروت كانت مجدولة.. لكن الوجهة لم تمنح الأذونات اللازمة".

وندد النائب في حزب الله، إبراهيم الموسوي، بالتهديدات الإسرائيلية لمطار بيروت.

وقال في بيان إن "على الدولة اللبنانية بأجهزتها كافة أن تتحمل مسؤولياتها لإنهاء هذا الأمر والعمل على إعادة مواطنيها إلى بلدهم فورا وعدم الامتثال للتهديدات الإسرائيلية تحت أي مسمى أو ظرف".

من جهتها قالت المديرية العامة للطيران المدني في بيان إنه "حرصا... على تأمين سلامة وأمن مطار رفيق الحريري الدولي، تم اتخاذ بعض الإجراءات الأمنية الإضافية التي تتوافق مع المقاييس والمعايير الدولية (...)".

وأضافت أن الأمر "اقتضى إعادة جدولة توقيت بعض الرحلات الآتية إلى لبنان مؤقتا، ومنها الرحلات الآتية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية لغاية تاريخ 18 فبراير 2025". وتابعت "يجري العمل الآن مع شركة طيران الشرق الأوسط لتسيير رحلة الليلة لنقل المسافرين اللبنانيين العالقين في مطار طهران".

وجاء ذلك غداة تحذير المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، من أن فيلق القدس وحزب الله "يستغلان.. على مدار الأسابيع الأخيرة مطار بيروت الدولي من خلال رحلات مدنية، في محاولة لتهريب أموال مخصصة لتسليح حزب الله".

وقال في منشور على منصة أكس إن الجيش الإسرائيلي "على تواصل مع آلية المراقبة لتطبيق وقف إطلاق النار وينقل معلومات معينة بشكل متواصل لإحباط أعمال النقل هذه"، مشيرا إلى تقديرات بـ"نجاح بعض المحاولات".

ونفى حزب الله ومسؤولون لبنانيون مرارا اتهامات باستخدام الحزب المطار من أجل نقل وتخزين سلاح من طهران. وعززت الأجهزة الأمنية بإشراف الجيش اللبناني خلال الحرب الأخيرة بين الحزب وإسرائيل إجراءات الرقابة والتفتيش في المطار لضمان عدم استهدافه.

وأخضعت سلطات المطار مطلع العام الحالي طائرة إيرانية أقلت وفدا دبلوماسيا لتفتيش دقيق، ما أثار انتقادات واسعة من مناصري حزب الله وإشادة من خصومه.

ويسري منذ 27 نوفمبر اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله تم التوصل إليه بوساطة أميركية ورعاية فرنسية. وكان يفترض تطبيق بنوده ضمن مهلة 60 يوما، قبل أن يتم تمديدها حتى الثلاثاء المقبل.