الجيش الإسرائيلي ضبط أسلحة وذخائر ودمر مواقع وأنفاق لحزب الله في جنوب لبنان.
الجيش الإسرائيلي ضبط أسلحة وذخائر ودمر مواقع وأنفاق لحزب الله في جنوب لبنان - فرانس برس

يسعى حزب الله إلى الترويج لما يصفه بـ"انتصار جديد" على الجيش الإسرائيلي، عقب انسحاب القوات الإسرائيلية من عدد من البلدات الجنوبية في لبنان، إثر عودة السكان إليها بدفعٍ من الحزب، جاء ذلك بعد انتهاء مهلة اتفاق وقف إطلاق النار في 26 يناير، الذي تم تمديده لاحقاً حتى 18 فبراير.

في هذا السياق، أعلن وزير العمل مصطفى بيرم، المحسوب على حزب الله المصنف جماعة إرهابية، عن هذا "الانتصار" عبر تغريدة نشرها في اليوم ذاته على منصة "إكس"، ادعى فيها أن الحزب "هزم دبابات إسرائيل بعباءة نسائه"، مرفقاً تغريدته بصورة تظهر امرأة ترتدي عباءة وهي تقف بجوار دبابة إسرائيلية.

لكن الواقع على الأرض يؤكد أن عدداً كبيراً من البلدات الجنوبية لم يتمكن الأهالي من دخولها كما حال، العديسة، مركبا، رب ثلاثين، حولا، كفركلا، وغيرها. 

وهناك بلدات دخلها الأهالي بمواكبة الجيش اللبناني كعيترون، ومع ذلك نفذ الجيش الإسرائيلي سلسلة تفجيرات فيها أمس الثلاثاء أدت إلى تسوية عدد من المنازل بالأرض.

بين ما يحدث فعلياً في جنوب لبنان، وما يروّج له حزب الله، يثار تساؤل حول ما إذا كان انسحاب الجيش الإسرائيلي من بعض البلدات الجنوبية قد جاء فعلاً نتيجة لضغط الأهالي، أم أن هذه المناطق لا تشكل أهمية استراتيجية لإسرائيل؟

بين الحق.. وورقة الضغط

خلال هدنة الستين يوماً التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار قبل تمديده، وجد حزب الله نفسه في "موقف حرج"، وفقاً لوصف الناشط السياسي الجنوبي، حاتم حلاوي. 

وقال حلاوي، لموقع "الحرة"، "الحزب عالق بين فكي كماشة، من جهة بيئته التي تطالبه بتوضيح فحوى اتفاق "الهزيمة" ومن جهة أخرى معارضيه الذين يحمّلونه مسؤولية الحرب ونتائجها".

وأضاف: "لا يستطيع الحزب القيام بعمل عسكري تكون نتيجته كوارث اضافية ولا يستطيع السكوت محرجاً أمام الجميع، فوجد الحل الأمثل، بدخول الأهالي إلى أرضهم بعدما وجد رغبة من بيئته رفدها بـ "تكليف شرعي"، ورغم الخسائر المتوقعة بالأرواح كان هذا حل حزب الله الأقل كلفة للحفاظ على حد أدنى من ماء الوجه".

وأكد العميد المتقاعد جورج نادر على ضرورة التفريق "بين رغبة الأهالي بالعودة إلى أرضهم وحقهم القانوني والإنساني في ذلك، وبين ما وصفه بمحاولات حزب الله لاستغلال هذه العودة لافتعال مواجهة مع إسرائيل".

وقال نادر، لموقع "الحرة"، “من حق الأهالي العودة إلى منازلهم، وهذا حق مشروع وإنساني. لكن السؤال هنا: هل هذه العودة جاءت بقرار ذاتي منهم أم أنها كانت نتيجة تنظيم ودفع من حزب الله؟ بالتأكيد، حزب الله هو الذي نظم ودفع الأهالي لمواجهة الإسرائيليين، ما أدى إلى مقتل 26 شخصاً وإصابة 126 آخرين في اليوم الأول من العودة."

وأضاف: "الخيار العسكري لم يعد متاحاً أمام حزب الله الذي وجد نفسه معزول إقليمياً ودولياً، ولا يملك حليفاً داخلياً، لذلك لجأ إلى دفع الأهالي إلى مواجهة غير متكافئة، ما تسبب بمأساة إنسانية."

ومع ذلك، أشار إلى أن "دخول الأهالي إلى بلداتهم بمواكبة الجيش اللبناني أثبت أنه الحل الأكثر أماناً، حيث تم تأمين المنطقة من الألغام والقنابل غير المنفجرة لضمان سلامتهم. الجيش اللبناني يمثل الشرعية الوطنية، على عكس حزب الله الذي يعتبر جماعة مسلحة غير شرعية."

ويواصل الجيش اللبناني انتشاره في المناطق الحدودية التي ينسحب منها الجيش الإسرائيلي، بالتنسيق مع اللجنة الخماسية المشرفة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

 ويصدر الجيش بيانات دورية يعلن فيها عن البلدات التي يدخلها، داعياً المواطنين إلى الالتزام بتوجيهاته والتقيد بإرشادات الوحدات العسكرية المنتشرة، مع ضرورة التنسيق مع السلطات المحلية، حفاظاً على سلامتهم وأرواحهم.

وانتقد الناشط السياسي الجنوبي، فاروق يعقوب، دعوات حزب الله للأهالي بالعودة إلى بلداتهم، مشيراً إلى أنها جاءت رغم تحذيرات الجيش اللبناني من خطورة الدخول إلى هذه المناطق. 

وقال يعقوب، لموقع الحرة، "هذه الخطوة كانت محاولة من حزب الله لتحسين صورته وتخفيف الضغوط التي يواجهها، لكنها أسفرت عن مقتل 26 شخصاً في اليوم الأول، وهو ما كان يمكن تفاديه".

ولفت الانتباه إلى غياب العلم اللبناني خلال عودة الأهالي إلى بلداتهم، مشيراً إلى أن رفع الأعلام الحزبية فقط يثير تساؤلات حول طبيعة هذه التحركات والجهات التي تقف خلفها. 

وقال "حتى لو كان الأهالي مجروحين، فإن من يستطيع حمل علم حزبي قادر على حمل علم لبنان أيضاً".

القيمة الاستراتيجية

القرى التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي، وفقاً لرئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد الدكتور هشام جابر، "لا تحمل أي أهمية استراتيجية بسبب طبيعتها الجغرافية المنخفضة، بينما احتفظ الجيش الإسرائيلي بمواقعه في قرى مثل كفركلا والعديسة ومارون الرأس ذات الطبيعة المرتفعة". 

وقال جابر، لموقع الحرة، إن الجيش الإسرائيلي "يتمسك بالبقاء في مواقع مثل تلة الحمامص وتلة العويضة نظراً لموقعهما المرتفع وإشرافهما على المناطق المحيطة، وكونهما غير مأهولتين".

Residents of the southern Lebanese village of Khiam wave Hezbollah flags as they walk beneath a portrait of slain Hezbollah…
لبنانيو الجنوب بقلب التصعيد.. حزب الله يدفع أنصاره نحو "خط النار"
ترجم حزب الله التصعيد الذي هدد به في حال لم ينسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان بعد انتهاء مهلة الستين يوماً التي نص عليها اتفاق وقف النار، من خلال حث أهالي الجنوب اللبناني على التوجه إلى البلدات الحدودية، غير مكترث بالمخاطر التي قد تترتب على تعريضهم لخطر مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي.

وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي لجأ إلى تدمير بعض القرى بالكامل لمنع عودة سكانها، مثل "أجزاء من يارون وميس الجبل، لكن الأهالي ما زالوا يحاولون العودة إليها".

ورغم ذلك رأى أن "الانسحابات الإسرائيلية الأخيرة من جنوب لبنان ما كانت لتتحقق لولا إصرار الأهالي على العودة إلى قراهم، ومواكبة الجيش اللبناني لتحركاتهم". 

وأوضح أن "القرى التي لم ينسحب منها الجيش الإسرائيلي بعد تتطلب إما استمرار الضغط الشعبي المنظم بمساندة الجيش اللبناني، أو انتظار نتائج المفاوضات الدبلوماسية، باعتبار ذلك حقاً للأهالي وواجباً على الجيش".

من جهة أخرى، أكد نادر أن "إسرائيل لا تزال تحتفظ ببعض النقاط الاستراتيجية في الجنوب التي تعتبرها محاور تقدم نحو المستوطنات الشمالية، وهو ما يشكل أولوية لإسرائيل بهدف طمأنة مستوطنيها وإعادتهم إلى مناطقهم. لذا، لن تنسحب منها قبل أن ينفذ لبنان التزاماته الدولية".

أما يعقوب، فأشار إلى أن "الأهالي لم يتمكنوا من دخول أي بلدة استراتيجية تحت سيطرة القوات الإسرائيلية التي ترفض الانسحاب منها". 

وأوضح أن "الحضور الشعبي الذي شهدته بعض البلدات كان مدفوعاً بالعاطفة، خصوصاً من عائلات القتلى، ما خلق لحظة إنسانية مؤثرة. ورغم أن عودتهم مطلب مشروع وحق طبيعي، فإن حزب الله استغلها".

وفي المقابل، رأى حلاوي أنه "في ظل التفوق التكنولوجي الإسرائيلي، لم يعد هناك فرق يذكر بين ما يسمى بلدات استراتيجية وغير استراتيجية. أعتقد أن بقاء إسرائيل بعد انتهاء الـ 60 يوماً يهدف الى محاكاة الداخل لإقناع الجمهور بأن ما حدث هو نصر كامل (بغض النظر إذا كان كذلك أو لا) بالتالي هو رسالة للجميع بأن إسرائيل هي صاحبة الكلمة الأخيرة في ظل التفوق العسكري الذي كرّسته في الحرب".

وأضاف "إذا ما وضعنا الخسائر البشرية المحزنة جانباً، قد يكون هذا أذكى ما فعله حزب الله منذ 8 أكتوبر تاريخ أغبى قرار اتخذه حزب الله في جميع حروبه، فقد سجّل إنجازاً إعلامياً، لا أعلم ما إذا كان ذلك نتيجة عمل متعمد أو سوء تقدير من إسرائيل".

يذكر أن الجيش الإسرائيلي يواصل إصدار بيانات تحذيرية، تدعو إلى تجنب التحرك في مناطق معينة جنوب لبنان حتى إشعار آخر. 

وشدد على أن أي شخص يتحرك جنوباً يعرض نفسه للخطر، وأكد في بياناته أنه سيقوم بإبلاغ السكان بالمناطق التي يمكنهم العودة إليها بأمان.

وفي 2 فبراير، كرر الجيش الإسرائيلي أنه ينفذ عملية "إعادة انتشار"، موضحاً أن" هذه الخطوة تأتي في إطار اتفاق وقف إطلاق النار، بهدف تمكين الجيش اللبناني من الانتشار تدريجياً في المنطقة الحدودية، والعمل على تفكيك وإبعاد حزب الله الإرهابي وعناصره وبنيته التحتية من جنوب لبنان".

وأشار بيان الجيش الإسرائيلي إلى أن العملية تتم بشكل تدريجي، مؤكداً الحاجة إلى مزيد من الوقت في بعض المناطق لضمان عدم عودة حزب الله لترسيخ وجوده.

مسار المواجهة

مواجهة الجيش الإسرائيلي لا يمكن أن تتم بهذه الطريقة، كما شدد يعقوب، لافتاً إلى أن "القوات الإسرائيلية أطلقت النار على الأهالي دون تردد. يجب أن تكون عودة الأهالي إلى بلداتهم آمنة، مصحوبة بخطط لإعادة الإعمار وتوفير الخدمات الأساسية لضمان استقرارهم، بدلاً من تعريضهم لمخاطر غير محسوبة. المشكلة ليست في الأهالي، بل في استغلال حزب الله لمعاناتهم".

وأكد يعقوب أن "انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان لن يتم إلا بقرار إسرائيلي، بعد تنفيذ لبنان التزاماته بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع عليه".

وقال نادر إن "إسرائيل تعتبر أن لبنان لم ينفذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، خاصة فيما يتعلق بتفكيك البنية التحتية للجماعات المسلحة بدءاً من جنوب الليطاني، وهو ما لم يحدث فعلاً. القرار 1701 واضح في هذا الشأن، ويتطلب أيضاً تطبيق القرار 1559 الذي ينص على حل وتسليم سلاح جميع المجموعات المسلحة غير الشرعية، وكذلك القرار 1680 الذي يفرض مراقبة المداخل البرية والبحرية والجوية لمنع تهريب الأسلحة والأشخاص لأي مجموعة مسلحة غير شرعية".

وطالب نادر حزب الله بتسليم سلاحه للجيش اللبناني والعمل كحزب سياسي، قائلاً "السلاح الذي كان يدعي الحزب أنه يحمي الشعب اللبناني، جلب الدمار إلى لبنان. الخيارات العسكرية أمام الحزب انتهت، وحان الوقت لتسليم السلاح والعمل في السياسة فقط، فهذا هو الحل الأمثل".

أما حلاوي فرأى أن "الأمور تتجه نحو انسحاب إسرائيلي تدريجي تحت الضغوط الدولية، خصوصاً من الجانب الفرنسي الذي كرّس نفسه وصياً اقتصادياً على لبنان، وسيترجمه لاحقاً باستثمارات، خاصة بعد حصوله على حقوق في مرفأ بيروت".

وفيما يتعلق بتداعيات بقاء الجيش الإسرائيلي في بعض المواقع بعد 18 فبراير، رأى جابر أن "حزب الله قد يلجأ إلى تنظيم مقاومة محلية تعتمد على شباب المناطق الجنوبية، مستفيداً من معرفتهم الجيدة بالتضاريس، لتنفيذ عمليات تستهدف المواقع الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية"، مؤكدا أن "هذه العمليات تعتبر مقاومة شرعية، لكن التحدي يكمن في رد الفعل الإسرائيلي".

وتساءل جابر عن مدى توسيع الرد الإسرائيلي إذا اقتصر على مناطق جنوب الليطاني، التي يفترض أنها خالية من أسلحة حزب الله الثقيلة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، أم أنه سيتوسع ليشمل شمال الليطاني. 

وأشار إلى أن "أي قصف إسرائيلي شمال الليطاني قد يدفع حزب الله إلى الرد، مما قد يؤدي إلى تصعيد خطير وتوسيع رقعة الصراع"، محذراً من احتمالية أن تتدهور الأوضاع بسرعة إلى مواجهة واسعة النطاق.
 

اللبنانيون يترقبون تطورات المشهد الأمني ـ صورة أرشيفية.

يترقب اللبنانيون تطورات المشهد الأمني الذي يزداد احتداماً بعد إطلاق 3 صواريخ باتجاه إسرائيل، وردّ الأخيرة بغارات جوية واسعة استهدفت عدة قرى لبنانية في الجنوب والشرق. 

ومع استمرار احتفاظ حزب الله بسلاحه متجاوزاً اتفاق الهدنة، تبدو المواجهة مفتوحة على مزيد من التصعيد.

ففي تحدٍّّ للاتفاقيات الدولية وخطاب قسم رئيس لبنان جوزاف عون والبيان الوزاري، يواصل حزب الله تمسكه بسلاحه، ما يجعل احتمالات التهدئة شبه معدومة. 

في المقابل، تواصل إسرائيل استهداف بنيته التحتية وقياداته العسكرية بضربات جوية، في محاولة لإضعافه أو القضاء عليه.

والسبت الماضي، اعترض الجيش الإسرائيلي 3 صواريخ أُطلقت من منطقة لبنانية تبعد نحو 6 كيلومترات عن الحدود، في ثاني عملية إطلاق عبر الحدود منذ توقف القتال في نوفمبر بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة.

وردّاً على الهجوم، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، أنه أصدر تعليمات، بالتنسيق مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس، للجيش "بالتحرك بقوة ضد عشرات الأهداف الإرهابية في لبنان".

من جانبه، نفى حزب الله مسؤوليته عن الصواريخ التي أُطلقت باتجاه إسرائيل، في وقت يواجه فيه تحديات متزايدة بعد الخسائر التي تكبدها في الحرب الأخيرة. 

ورغم تهديد مسؤوليه بالرد على الضربات الإسرائيلية والتأكيد على أن "للصبر حدود"، يرى مراقبون أنه يواجه صعوبات في تنفيذ تهديداته.

وفي ظل استمرار الغارات الإسرائيلية على مواقع وقيادات الحزب، يفرض السؤال نفسه: هل تكفي هذه الضربات لتحقيق أهداف إسرائيل؟ أم أن حزب الله قادر على امتصاصها وإعادة بناء قدراته مجدداً؟

حسم أم استنزاف؟

"نجحت إسرائيل في جمع معلومات دقيقة عن حزب الله تشمل الأسماء والمواقع والأسلحة"، كما يشير الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب، مؤكداً أن السكان في المناطق المستهدفة "لا يخشون المسيّرات الإسرائيلية أو صوتها، لأنهم يدركون أنهم ليسوا في دائرة الاستهداف، وهو ما يعكس تمييز إسرائيل بين حزب الله والمجتمع المدني اللبناني".

ويقول ملاعب لموقع "الحرة"، "إسرائيل تختار أهدافها بعناية، مستهدفة الأشخاص الذين تعتبرهم جزءاً من حزب الله، مما يجعل بقية السكان يدركون أنهم خارج دائرة الاستهداف".

القضاء على حزب الله "ليس أمراً سهلاً"، كما يرى ملاعب "فالغارات الجوية وحدها لا تحسم المعارك، كما أن اكتشاف الأنفاق التابعة للحزب يؤكد أن بنيته العسكرية لا تعتمد فقط على السلاح المكشوف، بل على استراتيجيات بديلة تعزز استمراريته".

ويشير إلى تصريحات الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، الذي أكد أن "حتى إذا تم قطع طرق الإمداد من سوريا، فإن الحزب يمتلك مخزوناً يكفيه لسنوات، مما يجعل من الصعب القضاء على سلاحه عبر الهجمات العسكرية فقط".

من جانبه يؤكد العميد الركن المتقاعد، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، الدكتور هشام جابر، أن "إسرائيل ستواصل هجماتها على لبنان إذ إن يظل الهدف الأسمى لها القضاء على حزب الله عسكرياً، لكن تحقيق ذلك صعب جداً. ومع ذلك، تسعى إسرائيل من خلال ضرباتها المتكررة إلى إضعاف الحزب إلى الحد الأدنى الذي تريده."

ويقول جابر لموقع "الحرة" إن"الضربات الجوية تُحدث دماراً، لكنها لا تكفي للقضاء على الحزب أو إضعافه بالكامل. حزب الله لا يزال يمتلك قدرات عسكرية مخفية، وهو يعمل على إعادة تنظيم صفوفه رغم الاستهدافات المستمرة."

أما مسألة تسليم سلاح الحزب للدولة اللبنانية، فيرتبط وفق جابر "بإدماجه في استراتيجية دفاعية وطنية تشرف عليها السلطة العسكرية."

تجدر الإشارة إلى أنه بموجب اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في نوفمبر، كان من المفترض أن يجري إخلاء جنوب لبنان من أي أسلحة لحزب الله وأن تنسحب القوات الإسرائيلية من المنطقة، وأن ينشر الجيش اللبناني قوات فيها.

وينص الاتفاق على أن الحكومة اللبنانية مسؤولة عن تفكيك جميع البنى التحتية العسكرية في جنوب لبنان ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها.

مفتاح الحل

أكد الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، رفضه التخلي عن سلاح الحزب المصنف جماعة إرهابية، متجاهلاً التزامات الدولة اللبنانية وتعهداتها الرسمية، بما في ذلك اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الذي وافق عليه الحزب عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري والحكومة اللبنانية.

وفي مقابلة تلفزيونية على قناة "المنار"، في 9 مارس، أكد قاسم أن "رئيس الجمهورية تحدث عن حصرية السلاح، ونحن أيضاً مع حصرية السلاح بيد قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني لضبط الأمن والدفاع، ولسنا ضد أن يكونوا هم المسؤولين. نرفض منطق الميليشيات ونرفض أن يشارك أحد الدولة في حماية أمنها، لكن نحن لا علاقة لنا بهذا الموضوع، نحن مقاومة".

وبعد إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، دعا الرئيس اللبناني جوزاف عون القوى المعنية في الجنوب اللبناني كافة، لاسيما لجنة المراقبة المنبثقة عن اتفاق نوفمبر 2024، والجيش، إلى متابعة ما يحصل بجدية قصوى لتلافي أي تداعيات وضبط أي خرق أو تسيّب يمكن أن يهدد الوطن في هذه الظروف الدقيقة. 

كما طلب عون من قائد الجيش العماد رودولف هيكل، اتخاذ الإجراءات الميدانية الضرورية للمحافظة على سلامة المواطنين، والتحقيق لجلاء ملابسات ما حصل".

من جانبه، يرى ملاعب أن "انسحاب إسرائيل إلى الحدود الدولية المعترف بها في اتفاقية عام 1949 سيساهم في تعزيز دور الدولة اللبنانية في استعادة سلطتها على السلاح".

ورغم ذلك يلفت ملاعب إلى أن "قرار حزب الله ليس محلياً بالكامل، بل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإيران، لذلك مستقبل سلاح الحزب يتأثر بشكل رئيسي بالعلاقة بين إيران والولايات المتحدة، وخلال الشهرين المقبلين سيتم تحديد ما إذا كانت الجهود الأميركية ستؤدي إلى صفقة بين الطرفين أو ما إذا كنا نتجه نحو تصعيد جديد".

وفي حال فشلت الجهود الدبلوماسية، يحذر ملاعب، من أن "البديل سيكون المواجهة العسكرية، ما قد يؤدي إلى تصعيد دموي في المنطقة، بما في ذلك تفعيل إيران لأذرعها".

وعن السيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة في حال لم يسلم الحزب سلاحه، يرى جابر أن "إسرائيل ستواصل غاراتها على لبنان وعمليات الاغتيال التي تستهدف كوادر وقيادات حزب الله، في إطار سعيها المستمر لإضعافه أو القضاء عليه".

كما لم يستبعد لجوء إسرائيل إلى تنفيذ عمليات كوماندوز ضد أهداف محددة، "فرغم صعوبة هذا الخيار وتكلفته العالية، يبقى احتمالاً قائماً".