رئيس الحكومة اللبناني المكلف نواف سلام - رويترز
سلام يواجه مهمة شاقة لإيجاد توازن بين المطالب الداخلية الملحة والتوقعات الدولية المشددة

بين مطرقة الأزمات الداخلية وسندان الضغوط الخارجية، يقف لبنان أمام منعطف سياسي جديد مع تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة المقبلة. 

ففي ظل مشهد سياسي معقد وأزمة اقتصادية خانقة، يواجه رئيس الوزراء المكلف مهمة شاقة لإيجاد توازن بين المطالب الداخلية الملحة والتوقعات الدولية المشددة.

وعلى الرغم من إعلان واشنطن نأيها عن التدخل المباشر في عملية التشكيل، فإن رسائلها واضحة وحازمة: تشكيل حكومة تخلو من تأثير حزب الله، وتضم شخصيات نزيهة وذات كفاءة، تمثل روح لبنان الجديد الذي يتطلع إليه المجتمع الدولي.

تشير التسريبات الإعلامية حتى الآن إلى احتمال منح رئيس الوزراء المكلف، نواف سلام، حقائب وزارية لحزب الله في الحكومة المرتقبة. هذا السيناريو يطرح تحدياً كبيراً: كيف يمكن لحكومة تضم الحزب أن تتماشى مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي شدد على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، بما في ذلك سحب سلاح حزب الله؟

الجيش الإسرائيلي ضبط أسلحة وذخائر ودمر مواقع وأنفاق لحزب الله في جنوب لبنان.
حزب الله يسوّق لـ"انتصار وهمي جديد" في لبنان
يسعى حزب الله، المصنّف كجماعة إرهابية، إلى الترويج لما يصفه بـ"انتصار جديد" على الجيش الإسرائيلي، عقب انسحاب القوات الإسرائيلية من عدد من البلدات الجنوبية، إثر عودة السكان إليها بدفعٍ من الحزب، جاء ذلك بعد انتهاء مهلة اتفاق وقف إطلاق النار في 26 يناير، والذي تم تمديده لاحقاً حتى 18 فبراير.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ أن مشاركة حزب الله في الحكومة قد تؤثر بشكل مباشر على الدعم الدولي للبنان، الذي يمر بأزمة اقتصادية خانقة، ويحتاج إلى مساعدات مالية عاجلة وإعادة إعمار في المناطق المتضررة. فكيف سينعكس ذلك على قدرة لبنان في كسب ثقة المجتمع الدولي واستقطاب المساعدات التي باتت ضرورية للخروج من أزمته؟

في المقابل، يبرز سيناريو آخر: إذا اختار سلام تشكيل حكومة خالية من حزب الله، ترضي الدول الخليجية والمجتمع الدولي، فهل سيتمكن من تجاوز العقبات الداخلية والضغوط السياسية التي قد تعرقل هذا التوجه؟

تحد مزدوج

لا تتدخل "الولايات المتحدة بشكل مباشر في تشكيل الحكومة اللبنانية وتحديد أسماء الوزراء"، لكنها تركز كما تقول كبيرة الباحثين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، حنين غدار، "على الأهداف الكبرى التي يجب أن تحققها الحكومة الجديدة".

وتوضح غدار في حديث لموقع "الحرة" أن "هناك احتمالاً لأن يعتمد نواف سلام ورئيس الجمهورية جوزاف عون على استراتيجية تعيين وزراء لا يظهر ارتباطهم العلني بحزب الله، لكنهم يعملون تحت توجيهاته"، وتضيف "بالنسبة لأميركا، التفاصيل حول الأسماء أو الانتماءات السياسية ليست ذات أهمية بقدر ما يهمها الأداء الحكومي"، ومع ذلك، تؤكد أن واشنطن ترفض بشكل قاطع "أي حكومة تضم ممثلين علنيين عن حزب الله ".

من جانبه، المحلل السياسي السعودي الدكتور خالد باطرفي، متفائل بأن الحكومة التي سيتم تشكيلها "ستستجيب في النهاية للضغوط الدولية كونه لا يمكن تجاهلها".

ويقول باطرفي لموقع "الحرة"، "لن يشكل القاضي نواف سلام، ورئيس الجمهورية المعروفان بالنزاهة والكفاءة واستقلالية القرار، حكومة دون موافقة المجتمع الدولي. فهذا يعني أن خارطة الطريق التي أعلنها عون وتبناها سلام لن تُنفذ، وهي خارطة تعتمد أساساً على تعاون المجتمع الدولي، وعلى رفع العقوبات، استعادة أموال المودعين، ونزع السلاح. تحقيق كل هذه الأهداف مستحيل في ظل هيمنة حزب الله."

أما الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا، فيشير إلى أن التشكيلات الحكومية المسربة تؤكد منح حزب الله حقائب وزارية كوزارة الصحة، ويؤكد أن "أي حكومة في لبنان ستواجه صعوبات كبيرة إذا لم تضم تمثيلًا للقوى السياسية الأساسية والكتل النيابية الكبرى، حيث قد تُعرقل مشاريع القوانين التي ترسلها إلى مجلس النواب".

ويوضح أبو شقرا لموقع "الحرة" أن "أمام الحكومة المقبلة تحدٍ مزدوج، يتمثل في مخاطر غياب الدعم المالي الدولي إذا شارك حزب الله فيها، مقابل خطر عدم قدرتها على تنفيذ مشاريع وخطط تنموية تشمل قطاعات حيوية مثل القضاء والأمن والاقتصاد والمالية".

وفي السياق، أعلن الرئيس المكلف نواف سلام، أمس الأربعاء، بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في قصر بعبدا، انه "يعمل على تشكيل حكومة منسجمة وحكومة إصلاح تضم كفاءات عالية، ولن أسمح أن تحمل في داخلها إمكان تعطيل عملها بأي شكل من الأشكال، ولأجل هذه الغاية عملت بصبر".

وفي موضوع الحزبيين قال سلام "أدرك أهمية عمل الأحزاب، لكن في هذه المرحلة الدقيقة اخترت فعالية العمل الحكومة على التجاذبات السياسية، وما نحن أمامه هو ارساء عملية الاصلاح بما يليق بكم".

مستقبل المساعدات

"تراقب واشنطن عن كثب التزام الحكومة المرتقبة بتطبيق القرارات الدولية، خصوصاً ما يتعلق بنزع سلاح حزب الله"، كما تقول غدار، موضحة أن "الجيش اللبناني، رغم جهوده، لا يمكنه تنفيذ القرارات الدولية دون قرار سياسي واضح من الحكومة"، وتوضح أن "إدارة ترامب لن تتعامل مع أي حكومة لا تلتزم بهذه الشروط، وستوقف المساعدات وربما التمويل المقدم للجيش اللبناني".

وترى غدار أن تشكيل حكومة غير متعاونة مع الشروط الدولية، سيضع لبنان ضمن المحور المناهض للولايات المتحدة في المنطقة، وتقول "الموقف الأميركي واضح: إما مع أميركا أو ضدها. لا مجال للمواقف الرمادية"، وتشير إلى أنه "إذا اختار لبنان المحور المناهض لأميركا، عندها ستمنح واشنطن إسرائيل حرية التحرك في لبنان".

وتشدد على أن "البيان الوزاري للحكومة الجديدة يجب أن يتماشى مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية"، مؤكدة أن لبنان في ظل أزمته الاقتصادية "بحاجة ماسة إلى الدعم الأميركي، والخيار أمامه واضح: إما الالتزام بالشروط الأميركية، أو مواجهة العزلة الدولية وغياب أي دعم مالي أو اقتصادي".

ثلاثة عوامل أساسية ستحدد مستقبل المساعدات الدولية للبنان، في حال شارك حزب الله في الحكومة، يشرحها أبو شقرا:

1. توقف المساعدات الأميركية: كان لبنان يتلقى ما يقارب 300 مليون دولار سنوياً من الولايات المتحدة عبر السفارة والوكالة الأميركية للتنمية، لدعم الجيش اللبناني، وقطاعات متنوعة تشمل الزراعة، والتنمية الريفية، والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي، ودعم جمعيات المجتمع المدني. ويعتبر هذا المبلغ، الذي يمثل حوالي 1.5-2% من الناتج المحلي الإجمالي، رقماً كبيراً يعكس أهمية هذا الدعم.

2. غياب تطبيق القوانين الإصلاحية: أقر البرلمان اللبناني في السنوات الماضية عدداً من القوانين المتعلقة بالإصلاحات المالية ومكافحة الفساد، مثل إنشاء الهيئات الناظمة لقطاع الكهرباء والطاقة، وتطبيق قانون التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية. ورغم ذلك، لم يتم إصدار المراسيم التنفيذية للكثير من هذه القوانين، مما يعيق تقدم البلاد على صعيد الإصلاحات.

3. التصنيف السلبي للبنان دولياً: إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي يعيق قدرته على الحصول على قروض دولية، نظراً لتصنيفه الائتماني المنخفض جداً. تبلغ ديون لبنان حوالي 100 مليار دولار، أي ما يعادل 500% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي مستحيل دون إعادة هيكلة شاملة للدين، بما في ذلك شطب

ودائع المودعين، وهو ما يرفضه الفرقاء السياسيون اللبنانيون.

"مسار وحيد"

"لم يتطرق الموفدون العرب والدوليون الذين زاروا لبنان مؤخراً إلى ملف إعادة الإعمار"، كما يقول أبو شقرا "وذلك على عكس ما حدث بعد حرب 2006، مما يعكس ترقبهم للحكومة التي سيشكلها سلام".

 ويوضح أن الحديث عن تمويل إعادة الإعمار عبر إيران "يواجه عقبات كبرى بسبب القيود المفروضة على التحويلات المالية وحصار المنافذ البرية والجوية والبحرية".

ويرى أبو شقرا أن "الحل الوحيد لخروج لبنان من أزمته هو الوصول إلى تسوية شاملة، تتضمن تسليم حزب الله لسلاحه وحل جناحه العسكري، بالإضافة إلى ترسيم الحدود البرية مع إسرائيل، كما جرى سابقاً في الحدود البحرية. تحقيق هذه الشروط قد يؤدي إلى تدفق المساعدات وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، حتى لو لم تُطبق الإصلاحات بالكامل أو بقي لبنان على اللائحة الرمادية".

من جانبه يقول باطرفي "لا أعلم إلى أي مدى قد يغامر الرئيسان بمواجهة ردود فعل الثنائي الشيعي، لكنني أعتقد أنه لا خيار أمامهما سوى المضي قدماً. كما أعتقد أن الثنائي الشيعي، وخصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، لن يتمكن من مواجهة العقوبات الدولية التي قد تستهدفه شخصياً، إلى جانب الأموال المهربة وقضايا الفساد المتورط بها هو وحلفاؤه. 

"وبينما قد يحتمي حزب الله بإيران ويختبئ في الأنفاق، أين يمكن لرئيس البرلمان أن يذهب؟ ليس أمامه إلا القبول بالأمر الواقع، إما بالتخلي عن حزب الله أو بإقناعه".

ويختم المحلل السياسي السعودي بالقول "في النهاية، أرى أن المسار الوحيد المتاح هو تشكيل حكومة تعتمد على الكفاءة والنزاهة، قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وتلبية شروط المجتمع الدولي. أما البديل فهو مواجهة العقوبات، ووقف الدعم المالي، وتعطيل عملية إعادة الإعمار".

 

 

 

الحدود الإسرائيلية اللبنانية

يتصاعد الحديث عن مسار تطبيعي محتمل بين لبنان وإسرائيل، خاصة بعد الإعلان عن محادثات مرتقبة بوساطة أميركية، فرغم الطابع التقني لهذه المحادثات، فإن تقارير إسرائيلية تشير إلى أنها قد تتجاوز مسألة ترسيم الحدود، لتفتح الباب أمام تحوّل في شكل العلاقة بين البلدين.

وقد نقل موقع "واينت" الإسرائيلي، الأربعاء، عن مصدر سياسي، أن المناقشات بين لبنان وإسرائيل، هي جزء من "خطة واسعة وشاملة"، وأن إسرائيل مهتمة بالتوصل إلى تطبيع مع لبنان.

وكان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أعلن أن إسرائيل تفتح مفاوضات مع لبنان بشأن الحدود البرية.

وفي السياق نفسه، أكدت نائبة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، مورغن أورتيغاس، الثلاثاء، أن واشنطن ستجمع الجانبين اللبناني والإسرائيلي في محادثات دبلوماسية لحل القضايا العالقة.

وعلى رأس هذه القضايا، النقاط الخلافية المتبقية على الخط الأزرق، والمواقع الخمسة التي لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية، وإطلاق سراح سجناء لبنانيين.

والخط الأزرق هو خط تقني يمتد على مسافة 120 كم، تم تحديده من قبل الأمم المتحدة في عام 2000 بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، ويعد هذا الخط مؤقتاً ويستخدم كحدود فاصلة بين البلدين.

وفي خطوة أثارت تساؤلات واسعة، أطلقت إسرائيل سراح لبنانيين، فيما اعتبره البعض إشارة اعتبرها بعض المراقبين "بادرة حسن نية"، تهيئ الأجواء لمفاوضات أوسع.

وبينما تتسارع الأحداث، يبقى السؤال مطروحاً: هل يمضي لبنان فعلياً نحو مسار التطبيع مع إسرائيل، أم أن هذه المحادثات ستظل محصورة في إطارها الحدودي؟

السلام ممكن؟

وتعتبر إسرائيل اللحظة الحالية "الأنسب لعقد اتفاق سلام مع لبنان، مستفيدة من التغيرات الإقليمية"، كما يرى الباحث في الشأن السياسي نضال السبع.

وقال السبع، لموقع الحرة، إن إسرائيل "نجحت في توجيه ضربة قاسية لحزب الله وإبعاده إلى شمال الليطاني، إضافة إلى انهيار النظام السوري، وقطع خطوط إمداد الحزب، ومنع التواجد الإيراني في الأراضي السورية".

كيف يتعامل حزب الله مع خسارة شريان إمداده؟
مرّت نحو 3 أشهر على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الحدث الذي غيّر المعادلات، ليس فقط في سوريا، بل أيضاً بالنسبة لحزب الله، الذي فقد شريانه الرئيسي، فمع انهيار هذا الحليف الاستراتيجي، وجد الحزب نفسه أمام واقع جديد يفرض عليه تحديات غير مسبوقة عسكرياً ومالياً.

وأضاف السبع أن "إسرائيل تعمل على تحقيق هدفين رئيسيين: أولاً، ربط انسحابها من الأراضي اللبنانية بعملية سلام شاملة، وثانياً، ربط إعادة إعمار الجنوب اللبناني بهذا المسار التفاوضي الذي يحظى بدعم أميركي..".

وقال إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يسعى "إلى الدفع باتجاه توقيع اتفاق سلام شامل بين لبنان وإسرائيل، في إطار توسيع دائرة اتفاقات التطبيع في الشرق الأوسط".

من جانبه، رأى رئيس لقاء سيدة الجبل النائب السابق، فارس سعيد، أن الخطوة الأولى ليست في اتجاه التطبيع مع إسرائيل، بل في تنفيذ القرار 1701 بالكامل.

وقال سعيد، لموقع "الحرة"، إن "قراءة هذا القرار بتأنٍ تكشف أن البنود 8 و9 و10 تنصّ على آلية واضحة، تقضي بمحادثات بين الحكومة اللبنانية والحكومة الإسرائيلية برعاية الأمم المتحدة لحل القضايا العالقة".

ولم يرتق القرار 1701، بطبعة عام 2006، "إلى مستوى وقف لإطلاق النار، بل اقتصر على وقف العمليات العسكرية"، كما أشار سعيد.

وشدد على أن الخطوة الحالية تتمثل في "تنفيذ القرار 1701 الذي يهدف إلى الانتقال من مرحلة وقف الاعتداءات إلى مرحلة وقف إطلاق النار، ومن ثم إجراء مفاوضات تشمل ترسيم الحدود، وقضية الأسرى، والنقاط الخمس التي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي".

وأضاف سعيد أن الادعاء أن "الدفاع عن لبنان هو من اختصاص حزب أو طائفة"، لم يعد قائماً، مشدداً على أن حماية البلاد مسؤولية الدولة اللبنانية.

وذكر أن "لبنان، عبر علاقاته الدبلوماسية العربية والدولية، قادر على حل الأزمات، وسيتمكن من التنفيذ الكامل للقرار 1701 كما تمكّن من إطلاق الأسرى".

ما موقف لبنان الرسمي؟

وعن موقف الحكومة اللبنانية من التطبيع، قال نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، طارق متري، في لقاء مع "الحرة" بث الاثنين، "هناك تحركات غير رسمية داخل الولايات المتحدة للضغط على الإدارة الأميركية كي تشترط علينا الدخول في مسار تطبيعي مع إسرائيل، وهذا أمر حقيقي. لكننا، كحكومة، لم نتعرض لأي ضغط مباشر من أي جهة".

وعن رد الحكومة اللبنانية في حال تلقي طلب رسمي بهذا الشأن، قال متري "نحن بطبيعة الحال غير مستعدين لذلك".

في المقابل، أكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية، الدكتور مئير مصري، أن "لبنان لم يكن مجرد جار لإسرائيل، بل كان صديقاً حميماً لها وقدم لها الدعم في السابق".

وأشار إلى أن "الجيش اللبناني لم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل التي لم تواجه في لبنان سوى عناصر خارجة عن السيادة اللبنانية".

وقال مصري، في مقابلة مع قناة i24، أن " لبنان الرسمي كاد أن يصوت لصالح قرار التقسيم عام 1947".

كما أشار إلى "التحالف العسكري بين إسرائيل وما عرف آنذاك اليمين المسيحي اللبناني الذي استمر لعقود، وتوّج بالحرب المشتركة ضد منظمة التحرير الفلسطينية في أوائل الثمانينيات، ومن ثم توقيع معاهدة السلام اللبنانية-الإسرائيلية في 17 مايو 1983، التي حظيت بتصديق البرلمان اللبناني، حيث صوتت عليها مختلف الطوائف، بأغلبية كبيرة، لكنها ألغيت عام 1984 بضغط سوري".

وحول ملف الحدود، شدد مصري على أنه "لا يوجد أي خلاف حول الحدود، والجهة الوحيدة التي تدعي وجود نزاع هي حزب الله". 

وأشار إلى وثيقة "وقعها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي أنان، تؤكد أن إسرائيل انسحبت عام 2000 حتى الحدود الدولية وفق ما هو متعارف عليه في الأمم المتحدة، وهي الحدود التي بقيت ثابتة لعقود".

نقاط النزاع

المحادثات المرتقبة بين لبنان وإسرائيل تهدف إلى تثبيت النقاط الحدودية العالقة، وليست عملية ترسيم جديد للحدود، كما شدد السبع.

وشرح: "الحدود البرية بين البلدين معروفة ومحددة مسبقاً بموجب اتفاقيات دولية، أبرزها اتفاق "بوليه – نيوكومب" عام 1923، الذي رسم الحدود بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني، واتفاقية الهدنة اللبنانية-الإسرائيلية عام 1949، التي صادقت عليها الأمم المتحدة".

ويبلغ عدد النقاط الخلافية على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية 13 نقطة، وبحسب ما أشار وزير الخارجية اللبناني السابق، عبد الله بو حبيب، في تصريحات سابقة " تم التوصل إلى اتفاق بشأن 7 منها، فيما تبقى 6 نقاط موضع نزاع".

وتمتد هذه النقاط على طول الحدود، من البحر في رأس الناقورة غرباً وصولاً إلى بلدة الغجر شرقاً على الحدود مع سوريا، وتتوزع على النحو التالي: النقطة B1 في رأس الناقورة، 3 نقاط في بلدة علما الشعب، نقطة واحدة في كل من البستان، مروحين، رميش، مارون الراس، بليدا، ميس الجبل، العديسة، كفركلا، والوزاني.

ووفقاً لما سبق أن ذكره العميد المتقاعد، بسام ياسين، الذي ترأس الوفد اللبناني التقني العسكري المفاوض حول الحدود البحرية، لموقع "الحرة"، فإن ما حدث بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، وعقب حرب يوليو 2006، هو أن إسرائيل تقدّمت في بعض النقاط داخل الأراضي اللبنانية وبقيت فيها، وفي المقابل، تقدّم لبنان في بعض النقاط الحدودية ولا يزال متمركزاً فيها.

نتيجة لذلك، تم إنشاء "الخط الأزرق" ليحدد خط انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، لكن بعض النقاط الحدودية ظلّت عالقة بسبب الاستعجال في إعلان الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 ووقف إطلاق النار عام 2006، مما جعلها اليوم موضع خلاف بين الجانبين".

وتعدّ النقطة B1 في رأس الناقورة أبرز نقاط الخلاف، وفق ياسين، نظراً لموقعها الجغرافي والعسكري الاستراتيجي، حيث تقع على مرتفع يشرف على مساحات واسعة من الجانبين اللبناني والإسرائيلي، ويتيح رؤية بصرية تصل إلى مدينة حيفا داخل الأراضي الإسرائيلية.

وقال ياسين "كانت هذه النقطة محور الخلاف الرئيسي خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، فقد أصرّ لبنان على اعتبارها نقطة الانطلاق البري لترسيم حدوده البحرية، وسط رفض من الجانب الإسرائيلي الذي يسيطر على تلك المنطقة الحدودية ويعتبرها جزءا من أراضيه".

أما بقية النقاط الـ12، فبينها بقع صغيرة لا يتعدى الخلاف عليها الأمتار المعدودة، وأخرى تمتد إلى 2000 و3000 متر مربع، فيما تصل أكبرها إلى 18 ألف متر مربع، وفقاً لياسين.

وتشمل أكبر المناطق المتنازع عليها بلدات رميش والعديسة والوزاني، بينما يقدّر لبنان المساحة الإجمالية التي يعتبرها مقتطعة من أراضيه بنحو 485,039 متراً مربعاً.

فيما يتعلق بمزارع شبعا، بلدة الغجر، وتلال كفرشوبا، أشار ياسين إلى أن حل هذا النزاع يتطلب اتفاقاً ثلاثياً بين لبنان وسوريا وإسرائيل لتحديد الحدود في تلك المنطقة.

وتجدر الإشارة إلى أن سكان بلدة الغجر، الواقعة على الجانب اللبناني، يرفضون الانضمام إلى لبنان، ما يطرح معضلة إضافية، حيث أكد ياسين أن "الأرض لبنانية ولا يمكن التخلي عنها لأن سكانها يرفضون الانضمام. قد يكون الحل في ترحيلهم إلى حيث يريدون الانتماء."

حزب الله وقدرة التعطيل

ويثير الحديث عن أي تقارب بين لبنان وإسرائيل جدلاً واسعاً في لبنان، حيث يُنظر إلى هذا الملف على أنه قضية شديدة الحساسية، في ظل الرفض القاطع لأي تطبيع من قبل قوى سياسية رئيسية، على رأسها حزب الله.

ومع ذلك، يرى السبع أن "الحزب غير قادر على تعطيل مسار التطبيع، خاصة إذا استمرت التوازنات السياسية في البرلمان على حالها، ولم يتمكن من تشكيل تحالفات تعرقل أي اتفاق يمر عبر المؤسسات الدستورية".

وأشار إلى أنه "حتى في المحطات السياسية السابقة، لم يتمكن الحزب من فرض خياراته بالكامل. فقد عارض انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية، لكنه عاد وصوّت له..".

كما رفض حزب الله "ترشيح نواف سلام لرئاسة الحكومة، إلا أن الأخير حصل على 95 صوتاً في البرلمان. وبالتالي، حتى لو استُثني 30 نائباً محسوبين على الثنائي الشيعي، يبقى هناك 65 نائباً، وهي نسبة كافية لتمرير أي قانون داخل المجلس النيابي"، وفق السبع.

ورغم ذلك، يستذكر الباحث في الشأن السياسي، تجربة عام 1983، حين توصلت إسرائيل إلى "اتفاق 17 أيار (مايو)" مع الحكومة في عهد الرئيس اللبناني أمين الجميّل بعد اجتياحها بيروت، "إلا أن الاتفاق لم يُنفّذ بسبب رفض النظام السوري آنذاك".

لكن السبع يشير إلى أن "المشهد اليوم مختلف، إذ تصبّ المتغيرات الإقليمية والدولية في مصلحة إسرائيل".

وبشأن طبيعة التطبيع المحتمل، أوضح السبع أن "حتى لو تم توقيع اتفاق سلام، فلن يعني ذلك تغييراً جذرياً في المشهد على الأرض".

وأضاف "هل سيتمكن المواطن الإسرائيلي من الهبوط في مطار بيروت، وزيارة الضاحية، والتوجه إلى جونية؟ بالتأكيد لا. قد توقّع اتفاقات سلام، لكن الواقع لن يتغير بهذه السهولة".