آلية عسكرية في القصير.

لم تكد الجبهة الجنوبية للبنان تهدأ قليلاً بعد الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، حتى اشتعلت الجبهة الشمالية الشرقية المحاذية للحدود السورية، بتصعيد أمني خطير خلال الأيام الماضية.

وشهدت المنطقة الحدودية اشتباكات عنيفة بين قوات تابعة للإدارة السورية الجديدة ومسلحين من عشائر لبنانية، حيث امتدت النيران من داخل الأراضي السورية إلى الأراضي اللبنانية، ما دفع الجيش اللبناني إلى التدخل مباشرة.

وانطلقت شرارة هذه المواجهات بعد أن "قرر الأمن العام السوري يوم الخميس الماضي تنفيذ عمليات واسعة لمكافحة الاتجار بالمخدرات وتفكيك معامل الكبتاغون"، وفقاً للباحث والمتخصص في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي، المحامي نبيل الحلبي.

مدينة القصير في سوريا (فرانس برس)
القصير السورية.. بوابة صعود وأفول "حدود حزب الله"
قبل 12 عاما.. كسر حزب الله الحدود بين سوريا ولبنان، واختار دعم نظام بشار الأسد ضد مناهضيه من فصائل "الجيش السوري الحر".. وبعدما وضع كل ثقله العسكري هناك، تمكن من إحكام السيطرة على القصير "الاستراتيجية"، وكل القرى والبلدات التابعة لها.

وقال الحلبي، لموقع "الحرة": "شملت هذه العمليات مداهمات في مناطق عدة داخل الأراضي السورية، خاصة في قرى ريف حمص الغربي، سيما في قرى حاويك وجرماش وهيت، التي كانت تعد مراكز رئيسية لتهريب المخدرات".

وأوضح الحلبي أن هذه القرى كانت خاضعة "لسيطرة حزب الله اللبناني، وتمتد من منطقة القصير السورية إلى منطقة الهرمل داخل الأراضي اللبنانية، وتضم عائلات تحمل الجنسية اللبنانية وتنتمي إلى عشائر الهرمل، مثل عائلات زعيتر، نون، وجعفر..".

وأضاف: "وخلال عمليات تفكيك مستودعات المخدرات، اندلعت اشتباكات بين الأمن السوري ومسلحين تابعين لهذه العائلات، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى وأسرى من الجانبين، لتجري بعدها عملية تبادل".

وأكد الحلبي أن "هذه المناطق استخدمت كذلك كخط أمني لتهريب عناصر النظام السوري السابق بعد سقوطه إلى لبنان، خاصة أفراد الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد. كما توجد مؤشرات على مشاركة مجموعات من هذه الفلول في العمليات العسكرية انطلاقاً من داخل الأراضي اللبنانية، حيث تجمعهم شراكة طويلة مع حزب الله في تجارة الكبتاغون".

يذكر أنه يوم الخميس الماضي، أعلنت الإدارة السورية الجديدة، عن إطلاق حملة واسعة النطاق بهدف إغلاق ما وصفته "منافذ تهريب الأسلحة والممنوعات".

وفي سياق التصعيد، أجرى الرئيس اللبناني، العماد جوزاف عون، يوم الجمعة الماضي اتصالاً هاتفياً مع الرئيس السوري أحمد الشرع، لبحث "التنسيق لضبط الوضع على الحدود ومنع استهداف المدنيين".

أبعاد متعددة؟

ما يحدث على الحدود اللبنانية-السورية "لا يرتبط بخلفية سياسية مباشرة، بل هو صراع على النفوذ والسيطرة يحمل أبعاداً طائفية"، وفق العميد الركن المتقاعد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، الدكتور هشام جابر.

وقال جابر، لموقع "الحرة"، إن "هناك أكثر من خمس بلدات سورية على الحدود يقطنها لبنانيون من الطائفة الشيعية ينتمون إلى عشائر بعلبك-الهرمل، مثل عائلات زعيتر، علاو، ناصر الدين، وجعفر. هذه العشائر مسلحة، وعندما تحركت هيئة تحرير الشام للسيطرة على هذه القرى، اندلعت مواجهات بين الطرفين".

من جهته، رأى الباحث في شؤون الأمن القومي والاستراتيجي، العميد المتقاعد يعرب صخر، في تغريدة عبر صفحته على منصة "إكس"، أن ما يجري على الحدود " يمثل عزم إدارة العمليات العسكرية السورية على مطاردة ذيول النظام وفلول حزب الله الذين يتلطون باسم العشائر ويتذرعون بتداخل الحدود والقرى، يحاولون إعادة تنظيم خلاياهم وفتح ممرات تهريب السلاح والمخدرات لتمويل أنفسهم".

ودعا صخر إلى تجريد هذه العشائر من سلاحها تنفيذاً للقرارين الدوليين 1701 و1559، والإسراع بتنفيذ القرار 1680 لترسيم الحدود وانتشار الجيش اللبناني عليها.

أما الحلبي، فأشار إلى أن "حمل العشائر للسلاح يعود إلى جذور تاريخية قديمة، لكن الوضع تفاقم مع ظهور حزب الله، الذي وفّر لهذه العشائر غطاءً ودعماً حيث أصبحت تمتلك أسلحة ثقيلة".

وأضاف أن "مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر نقل آليات عسكرية ثقيلة من داخل الأراضي السورية إلى لبنان، بينما يواجه الجيش اللبناني قيوداً سياسية تمنعه من مواجهة هذه العصابات، تفادياً للصدام مع حزب الله".

وكشف أن "الجيش السوري دعم الأمن العام السوري في عملياته ضد هذه العصابات، ونجح في السيطرة على القرى الحدودية التي شهدت الاشتباكات، ما دفع المسلحين إلى الانسحاب نحو الأراضي اللبنانية واستخدام الراجمات والمدفعية من منطقة الهرمل لقصف الأراضي السورية. وردّ الجيش السوري بقصف مصادر النيران، ما أدى إلى سقوط أحد صواريخه على نقطة تابعة للجيش اللبناني، الذي رد بدوره على القصف وأصدر بياناً لتوضيح الموقف".

وقال الجيش اللبناني، في البيان، إنه "بناءً على توجيهات رئيس الجمهورية جوزاف عون، أصدرت قيادة الجيش أوامر للوحدات المنتشرة على الحدود الشمالية والشرقية بالرد على مصادر النيران التي تُطلق من الأراضي السورية وتستهدف الأراضي اللبنانية، وقد باشرت الوحدات الرد باستخدام الأسلحة المناسبة".

ورغم تبادل القصف، أكد الحلبي أنه "لم تقع معارك مباشرة بين الجيشين اللبناني والسوري"، مشيراً إلى أن "ما حدث اقتصر على تبادل القصف بين الجيش السوري وعصابات التهريب المتمركزة في لبنان".

من جانبه، قال الباحث في الشأن السياسي، نضال السبع، أن "الاشتباكات جاءت في توقيت حساس، تزامن مع فشل تشكيل الحكومة اللبنانية قبل أيام، والغارات الإسرائيلية على مناطق البقاع وجنوب لبنان".

ورأى السبع، في حديث لموقع "الحرة"، أن "الهدف من هذه العمليات هو استنزاف حزب الله عسكرياً، رغم تصريحات هيئة تحرير الشام أن عملياتها تستهدف تجار المخدرات والمهربين. خاصة أن الموفد الأميركي السابق، أموس هوكستين، وخلال زيارته الأخيرة للبنان، دعا إلى سحب سلاح حزب الله جنوب وشمال نهر الليطاني، وهو مطلب جرى التأكيد عليه خلال زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى قصر بعبدا".

مفتاح استقرار الحدود

ويعاني الجيش اللبناني من نقص حاد في العديد، خاصة على الحدود اللبنانية-السورية الممتدة على طول 375 كيلومتراً، وفق ما سبق أن أكده مصدر مطلع لموقع "الحرة".

وقال المصدر إن "المعايير العسكرية تتطلب وجود 200 جندي لكل كيلومتر، ما يعني حاجة الجيش اللبناني إلى نحو 75 ألف جندي لتأمين هذه الحدود، في حين أن مجموع عديد الجيش المنتشر على كامل الأراضي اللبنانية لا يتجاوز 80 ألف جندي".

العدد الفعلي للجنود المنتشرين على الحدود اللبنانية-السورية قبل سقوط نظام الأسد لم يكن يتجاوز بحسب المصدر 4 آلاف عنصر، مما شكّل تحدياً كبيراً في تأمين الحدود، ولتعويض النقص، أقام الجيش اللبناني أبراج مراقبة، إلا أن الطبيعة الجغرافية الصعبة للحدود تزيد من تعقيد المهمة.

وبعد سقوط نظام الأسد، أعلن الجيش اللبناني عن نشر قوات إضافية لتعزيز الأمن على طول الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا، وعقب المواجهات الأخيرة بدأ بتنفيذ تدابير أمنية استثنائية على امتداد الحدود، يتخلّلها تركيز نقاط مراقبة، وتسيير دوريات، وإقامة حواجز ظرفية.

وأعلنت الوكالة الوطنية للإعلام أن الجيش اللبناني يستكمل انتشاره اليوم الاثنين، في المنطقة الحدودية الشمالية لمدينة الهرمل مع سوريا، بعد انسحاب مقاتلي العشائر خلف الحدود التي ينتشر فيها الجيش.

في إطار التدابير الأمنية التي تقوم بها المؤسسة العسكرية في مختلف المناطق، دهمت وحدات من الجيش اللبناني تؤازر كلاً منها دورية من مديرية المخابرات منازل مطلوبين في بلدَتي القصر- الهرمل والعصفورية - عكار، وضبطت كمية كبيرة من القذائف الصاروخية والرمانات اليدوية والأسلحة الحربية والذخائر، بحسب ما أعلن الجيش في بيان اليوم الاثنين.

وفي السياق، توقع السبع أن تستمر الاشتباكات على الحدود اللبنانية-السورية في الفترة المقبلة.

وأشار إلى أن الاشتباكات "تأتي في إطار الضغوط المتزايدة على حزب الله. ومع ذلك، سيحاول الحزب تجنب الانجرار إلى هذه المعركة، نظراً لوضعه العسكري الحرج، خاصة بعد فقدانه خطوط إمداده بالأسلحة عبر سوريا والضغط الإسرائيلي المتواصل منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، كما أن الحزب يدرك أن إسرائيل قد لا تنفذ بنود الاتفاق، ما يزيد من احتمالية تصعيد الأوضاع".

من جهته، رأى جابر أنه " لا يجوز أن تتصارع فئات مسلحة لبنانية مع الجانب السوري الرسمي في ظل صمت الدولة اللبنانية. لذلك، تدخل الجيش اللبناني وطلب من مسلحي العشائر الانسحاب، واستخدم مدافعه لإسكات مرابض هيئة تحرير الشام".

واعتبر جابر أن الحل الأمثل للوضع الراهن يكمن في "التواصل المباشر بين الحكومتين اللبنانية والسورية. فلبنان لا يرغب في مواجهة عسكرية مع أطراف تابعة للإدارة السورية الجديدة، خاصة أن الاشتباكات بين الجيشين اللبناني والسوري نادرة تاريخياً. لذا، يجب التركيز على الجهود الدبلوماسية لتجنب التصعيد العسكري وضمان احترام الحدود بين البلدين".

كما شدد جابر على ضرورة معالجة قضية اللبنانيين المقيمين في القرى السورية الحدودية، مشيراً إلى أهمية ربطها بملف اللاجئين السوريين في لبنان.

وأكد أن "هذا الملف يتطلب حلولاً شاملة ومتكاملة، خصوصاً مع تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة".

أما الحلبي، فدعا الجيش اللبناني إلى "الاستفادة من المبادرة السورية لمكافحة عصابات تهريب المخدرات".

وأوضح أن "هذه العصابات لم تعد تجد ملاذاً آمناً داخل الأراضي السورية كما كان في السابق بعد تمكّن قوات الأمن السورية من السيطرة على مناطقها الحدودية، فالهروب إلى الجرود أو الأراضي السورية بات خياراً غير متاح، ما يتيح فرصة للجيش اللبناني لتطهير المنطقة اللبنانية من هذه العصابات".

وأكد الحلبي على ضرورة التنسيق الأمني بين لبنان وسوريا لاحتواء التصعيد، محذراً من أن "استمرار قصف العصابات من الأراضي اللبنانية نحو سوريا سيدفع الجيش السوري إلى الرد، خاصة أن القرى السورية الحدودية مأهولة بالسكان، ولن يسمح باستمرار تعرضها للنيران. لذلك، يجب التحرك سريعاً لحماية أمن المدنيين على جانبي الحدود، لأن تفاقم الأمور سيؤدي إلى خسائر فادحة للطرفين".

الحدود الإسرائيلية اللبنانية

يتصاعد الحديث عن مسار تطبيعي محتمل بين لبنان وإسرائيل، خاصة بعد الإعلان عن محادثات مرتقبة بوساطة أميركية، فرغم الطابع التقني لهذه المحادثات، فإن تقارير إسرائيلية تشير إلى أنها قد تتجاوز مسألة ترسيم الحدود، لتفتح الباب أمام تحوّل في شكل العلاقة بين البلدين.

وقد نقل موقع "واينت" الإسرائيلي، الأربعاء، عن مصدر سياسي، أن المناقشات بين لبنان وإسرائيل، هي جزء من "خطة واسعة وشاملة"، وأن إسرائيل مهتمة بالتوصل إلى تطبيع مع لبنان.

وكان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أعلن أن إسرائيل تفتح مفاوضات مع لبنان بشأن الحدود البرية.

وفي السياق نفسه، أكدت نائبة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، مورغن أورتيغاس، الثلاثاء، أن واشنطن ستجمع الجانبين اللبناني والإسرائيلي في محادثات دبلوماسية لحل القضايا العالقة.

وعلى رأس هذه القضايا، النقاط الخلافية المتبقية على الخط الأزرق، والمواقع الخمسة التي لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية، وإطلاق سراح سجناء لبنانيين.

والخط الأزرق هو خط تقني يمتد على مسافة 120 كم، تم تحديده من قبل الأمم المتحدة في عام 2000 بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، ويعد هذا الخط مؤقتاً ويستخدم كحدود فاصلة بين البلدين.

وفي خطوة أثارت تساؤلات واسعة، أطلقت إسرائيل سراح لبنانيين، فيما اعتبره البعض إشارة اعتبرها بعض المراقبين "بادرة حسن نية"، تهيئ الأجواء لمفاوضات أوسع.

وبينما تتسارع الأحداث، يبقى السؤال مطروحاً: هل يمضي لبنان فعلياً نحو مسار التطبيع مع إسرائيل، أم أن هذه المحادثات ستظل محصورة في إطارها الحدودي؟

السلام ممكن؟

وتعتبر إسرائيل اللحظة الحالية "الأنسب لعقد اتفاق سلام مع لبنان، مستفيدة من التغيرات الإقليمية"، كما يرى الباحث في الشأن السياسي نضال السبع.

وقال السبع، لموقع الحرة، إن إسرائيل "نجحت في توجيه ضربة قاسية لحزب الله وإبعاده إلى شمال الليطاني، إضافة إلى انهيار النظام السوري، وقطع خطوط إمداد الحزب، ومنع التواجد الإيراني في الأراضي السورية".

كيف يتعامل حزب الله مع خسارة شريان إمداده؟
مرّت نحو 3 أشهر على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الحدث الذي غيّر المعادلات، ليس فقط في سوريا، بل أيضاً بالنسبة لحزب الله، الذي فقد شريانه الرئيسي، فمع انهيار هذا الحليف الاستراتيجي، وجد الحزب نفسه أمام واقع جديد يفرض عليه تحديات غير مسبوقة عسكرياً ومالياً.

وأضاف السبع أن "إسرائيل تعمل على تحقيق هدفين رئيسيين: أولاً، ربط انسحابها من الأراضي اللبنانية بعملية سلام شاملة، وثانياً، ربط إعادة إعمار الجنوب اللبناني بهذا المسار التفاوضي الذي يحظى بدعم أميركي..".

وقال إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يسعى "إلى الدفع باتجاه توقيع اتفاق سلام شامل بين لبنان وإسرائيل، في إطار توسيع دائرة اتفاقات التطبيع في الشرق الأوسط".

من جانبه، رأى رئيس لقاء سيدة الجبل النائب السابق، فارس سعيد، أن الخطوة الأولى ليست في اتجاه التطبيع مع إسرائيل، بل في تنفيذ القرار 1701 بالكامل.

وقال سعيد، لموقع "الحرة"، إن "قراءة هذا القرار بتأنٍ تكشف أن البنود 8 و9 و10 تنصّ على آلية واضحة، تقضي بمحادثات بين الحكومة اللبنانية والحكومة الإسرائيلية برعاية الأمم المتحدة لحل القضايا العالقة".

ولم يرتق القرار 1701، بطبعة عام 2006، "إلى مستوى وقف لإطلاق النار، بل اقتصر على وقف العمليات العسكرية"، كما أشار سعيد.

وشدد على أن الخطوة الحالية تتمثل في "تنفيذ القرار 1701 الذي يهدف إلى الانتقال من مرحلة وقف الاعتداءات إلى مرحلة وقف إطلاق النار، ومن ثم إجراء مفاوضات تشمل ترسيم الحدود، وقضية الأسرى، والنقاط الخمس التي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي".

وأضاف سعيد أن الادعاء أن "الدفاع عن لبنان هو من اختصاص حزب أو طائفة"، لم يعد قائماً، مشدداً على أن حماية البلاد مسؤولية الدولة اللبنانية.

وذكر أن "لبنان، عبر علاقاته الدبلوماسية العربية والدولية، قادر على حل الأزمات، وسيتمكن من التنفيذ الكامل للقرار 1701 كما تمكّن من إطلاق الأسرى".

ما موقف لبنان الرسمي؟

وعن موقف الحكومة اللبنانية من التطبيع، قال نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، طارق متري، في لقاء مع "الحرة" بث الاثنين، "هناك تحركات غير رسمية داخل الولايات المتحدة للضغط على الإدارة الأميركية كي تشترط علينا الدخول في مسار تطبيعي مع إسرائيل، وهذا أمر حقيقي. لكننا، كحكومة، لم نتعرض لأي ضغط مباشر من أي جهة".

وعن رد الحكومة اللبنانية في حال تلقي طلب رسمي بهذا الشأن، قال متري "نحن بطبيعة الحال غير مستعدين لذلك".

في المقابل، أكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية، الدكتور مئير مصري، أن "لبنان لم يكن مجرد جار لإسرائيل، بل كان صديقاً حميماً لها وقدم لها الدعم في السابق".

وأشار إلى أن "الجيش اللبناني لم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل التي لم تواجه في لبنان سوى عناصر خارجة عن السيادة اللبنانية".

وقال مصري، في مقابلة مع قناة i24، أن " لبنان الرسمي كاد أن يصوت لصالح قرار التقسيم عام 1947".

كما أشار إلى "التحالف العسكري بين إسرائيل وما عرف آنذاك اليمين المسيحي اللبناني الذي استمر لعقود، وتوّج بالحرب المشتركة ضد منظمة التحرير الفلسطينية في أوائل الثمانينيات، ومن ثم توقيع معاهدة السلام اللبنانية-الإسرائيلية في 17 مايو 1983، التي حظيت بتصديق البرلمان اللبناني، حيث صوتت عليها مختلف الطوائف، بأغلبية كبيرة، لكنها ألغيت عام 1984 بضغط سوري".

وحول ملف الحدود، شدد مصري على أنه "لا يوجد أي خلاف حول الحدود، والجهة الوحيدة التي تدعي وجود نزاع هي حزب الله". 

وأشار إلى وثيقة "وقعها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي أنان، تؤكد أن إسرائيل انسحبت عام 2000 حتى الحدود الدولية وفق ما هو متعارف عليه في الأمم المتحدة، وهي الحدود التي بقيت ثابتة لعقود".

نقاط النزاع

المحادثات المرتقبة بين لبنان وإسرائيل تهدف إلى تثبيت النقاط الحدودية العالقة، وليست عملية ترسيم جديد للحدود، كما شدد السبع.

وشرح: "الحدود البرية بين البلدين معروفة ومحددة مسبقاً بموجب اتفاقيات دولية، أبرزها اتفاق "بوليه – نيوكومب" عام 1923، الذي رسم الحدود بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني، واتفاقية الهدنة اللبنانية-الإسرائيلية عام 1949، التي صادقت عليها الأمم المتحدة".

ويبلغ عدد النقاط الخلافية على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية 13 نقطة، وبحسب ما أشار وزير الخارجية اللبناني السابق، عبد الله بو حبيب، في تصريحات سابقة " تم التوصل إلى اتفاق بشأن 7 منها، فيما تبقى 6 نقاط موضع نزاع".

وتمتد هذه النقاط على طول الحدود، من البحر في رأس الناقورة غرباً وصولاً إلى بلدة الغجر شرقاً على الحدود مع سوريا، وتتوزع على النحو التالي: النقطة B1 في رأس الناقورة، 3 نقاط في بلدة علما الشعب، نقطة واحدة في كل من البستان، مروحين، رميش، مارون الراس، بليدا، ميس الجبل، العديسة، كفركلا، والوزاني.

ووفقاً لما سبق أن ذكره العميد المتقاعد، بسام ياسين، الذي ترأس الوفد اللبناني التقني العسكري المفاوض حول الحدود البحرية، لموقع "الحرة"، فإن ما حدث بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، وعقب حرب يوليو 2006، هو أن إسرائيل تقدّمت في بعض النقاط داخل الأراضي اللبنانية وبقيت فيها، وفي المقابل، تقدّم لبنان في بعض النقاط الحدودية ولا يزال متمركزاً فيها.

نتيجة لذلك، تم إنشاء "الخط الأزرق" ليحدد خط انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، لكن بعض النقاط الحدودية ظلّت عالقة بسبب الاستعجال في إعلان الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 ووقف إطلاق النار عام 2006، مما جعلها اليوم موضع خلاف بين الجانبين".

وتعدّ النقطة B1 في رأس الناقورة أبرز نقاط الخلاف، وفق ياسين، نظراً لموقعها الجغرافي والعسكري الاستراتيجي، حيث تقع على مرتفع يشرف على مساحات واسعة من الجانبين اللبناني والإسرائيلي، ويتيح رؤية بصرية تصل إلى مدينة حيفا داخل الأراضي الإسرائيلية.

وقال ياسين "كانت هذه النقطة محور الخلاف الرئيسي خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، فقد أصرّ لبنان على اعتبارها نقطة الانطلاق البري لترسيم حدوده البحرية، وسط رفض من الجانب الإسرائيلي الذي يسيطر على تلك المنطقة الحدودية ويعتبرها جزءا من أراضيه".

أما بقية النقاط الـ12، فبينها بقع صغيرة لا يتعدى الخلاف عليها الأمتار المعدودة، وأخرى تمتد إلى 2000 و3000 متر مربع، فيما تصل أكبرها إلى 18 ألف متر مربع، وفقاً لياسين.

وتشمل أكبر المناطق المتنازع عليها بلدات رميش والعديسة والوزاني، بينما يقدّر لبنان المساحة الإجمالية التي يعتبرها مقتطعة من أراضيه بنحو 485,039 متراً مربعاً.

فيما يتعلق بمزارع شبعا، بلدة الغجر، وتلال كفرشوبا، أشار ياسين إلى أن حل هذا النزاع يتطلب اتفاقاً ثلاثياً بين لبنان وسوريا وإسرائيل لتحديد الحدود في تلك المنطقة.

وتجدر الإشارة إلى أن سكان بلدة الغجر، الواقعة على الجانب اللبناني، يرفضون الانضمام إلى لبنان، ما يطرح معضلة إضافية، حيث أكد ياسين أن "الأرض لبنانية ولا يمكن التخلي عنها لأن سكانها يرفضون الانضمام. قد يكون الحل في ترحيلهم إلى حيث يريدون الانتماء."

حزب الله وقدرة التعطيل

ويثير الحديث عن أي تقارب بين لبنان وإسرائيل جدلاً واسعاً في لبنان، حيث يُنظر إلى هذا الملف على أنه قضية شديدة الحساسية، في ظل الرفض القاطع لأي تطبيع من قبل قوى سياسية رئيسية، على رأسها حزب الله.

ومع ذلك، يرى السبع أن "الحزب غير قادر على تعطيل مسار التطبيع، خاصة إذا استمرت التوازنات السياسية في البرلمان على حالها، ولم يتمكن من تشكيل تحالفات تعرقل أي اتفاق يمر عبر المؤسسات الدستورية".

وأشار إلى أنه "حتى في المحطات السياسية السابقة، لم يتمكن الحزب من فرض خياراته بالكامل. فقد عارض انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية، لكنه عاد وصوّت له..".

كما رفض حزب الله "ترشيح نواف سلام لرئاسة الحكومة، إلا أن الأخير حصل على 95 صوتاً في البرلمان. وبالتالي، حتى لو استُثني 30 نائباً محسوبين على الثنائي الشيعي، يبقى هناك 65 نائباً، وهي نسبة كافية لتمرير أي قانون داخل المجلس النيابي"، وفق السبع.

ورغم ذلك، يستذكر الباحث في الشأن السياسي، تجربة عام 1983، حين توصلت إسرائيل إلى "اتفاق 17 أيار (مايو)" مع الحكومة في عهد الرئيس اللبناني أمين الجميّل بعد اجتياحها بيروت، "إلا أن الاتفاق لم يُنفّذ بسبب رفض النظام السوري آنذاك".

لكن السبع يشير إلى أن "المشهد اليوم مختلف، إذ تصبّ المتغيرات الإقليمية والدولية في مصلحة إسرائيل".

وبشأن طبيعة التطبيع المحتمل، أوضح السبع أن "حتى لو تم توقيع اتفاق سلام، فلن يعني ذلك تغييراً جذرياً في المشهد على الأرض".

وأضاف "هل سيتمكن المواطن الإسرائيلي من الهبوط في مطار بيروت، وزيارة الضاحية، والتوجه إلى جونية؟ بالتأكيد لا. قد توقّع اتفاقات سلام، لكن الواقع لن يتغير بهذه السهولة".