كسر الحريري صمته الطويل بخطاب سياسي شامل حمل رسائل متعددة إلى الداخل والخارج - رويترز
كسر الحريري صمته الطويل بخطاب سياسي شامل حمل رسائل متعددة إلى الداخل والخارج - رويترز

بعد نحو ثلاث سنوات من الاعتكاف السياسي، أعلن رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، اليوم الجمعة، عودة تيار المستقبل إلى الساحة السياسية، متخذاً من الذكرى العشرين لاغتيال والده، الرئيس رفيق الحريري، نقطة انطلاق جديدة.

تحت شعار "بالعشرين عالساحة راجعين"، أحيا تيار المستقبل الذكرى هذا العام في ساحة الشهداء وسط بيروت، والتي بدت أشبه بـ"استفتاء شعبي" على مكانة الحريري وجماهيريته، وقد ظهرت أنها لم تتراجع رغم غيابه عن المشهد السياسي وابتعاده عن لبنان.

وفي كلمته أمام الحشود، أكد الحريري أن "تيار المستقبل باق وسيكون صوتكم في كل الاستحقاقات والمحطات المقبلة"، في إشارة إلى أن الانتخابات البلدية والاختيارية والنيابية المقبلة، ستكون محطة أساسية لعودته الفعلية.

وتابع "بعد عشرين سنة، مشروع رفيق الحريري مستمر، من خلالكم مستمر، بصيغة جديدة، مستمر، ومن حاولوا قتل مشروعه، أنظروا أين أصبحوا. فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".

كسر الحريري صمته الطويل بخطاب سياسي شامل حمل رسائل متعددة إلى الداخل والخارج، وكان قد مهّد لإعلان عودته إلى العمل السياسي مع وصوله إلى بيروت قبل أيام من 14 فبراير، حيث عقد سلسلة لقاءات مع مسؤولين سياسيين محليين ودوليين، في خطوة بدت إيذاناً بمرحلة جديدة بعد انقطاع طويل عن النشاط السياسي.

وسبق أن أعلن رئيس تيار المستقبل تعليق عمله في الحياة السياسية في يناير 2020، في خطاب متلفز امتزجت كلماته بالدموع، ما شكّل صدمة لأنصاره وخصومه وحلفائه على حد سواء. يومها، برّر قراره بالقول "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني، والتخبط الدولي، والانقسام الوطني، واستعار الطائفية، واهتراء الدولة".

وقبل ذلك، كان الحريري قد قدّم استقالة حكومته عقب الأزمة السياسية والاقتصادية والمالية الحادة التي ضربت البلاد منذ عام 2019، استجابة لمطالب المحتجين. وجاءت هذه الخطوة بعد 17 عاماً من العمل السياسي، شهدت محطات من المد والجزر، والتحالفات والخصومات.

عودة ضرورية؟

استهل الحريري خطابه اليوم الجمعة، بالحديث عن الملف السوري، قائلاً "في هذه الساحة طردتم بشار الأسد من لبنان، وبعد عشرين سنة من الحكم الطائفي والاعتقال والوحشية، قام الشعب السوري البطل وطرد المجرم من سوريا. ربما تكون هذه بداية العدالة أو نهايتها، لكن في كلتا الحالتين، إذا لم تُنصفنا عدالة الأرض، فعدالة رب العالمين لا يهرب منها أحد".

وأضاف "هي مناسبة لنعلن دعمنا لاستقرار سوريا وأفضل العلاقات الندية بين دولتين، كما أعلنت القيادة السورية الجديدة".

فالذكرى العشرين تأتي في ظل تغييرات إقليمية كبرى، أبرزها سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، المتهم بالضلوع في اغتيال رفيق الحريري، إضافة إلى مقتل سليم عياش، القيادي في حزب الله المدان بتنفيذ الجريمة.

"التغيرات التي شهدتها المنطقة ولبنان دفعت الرئيس الحريري إلى إنهاء تعليقه للعمل السياسي"، كما يؤكد النائب السابق عن تيار المستقبل، عاصم عراجي، مشيراً إلى أن "غيابه أدى إلى فراغ في الزعامة السنية والوطنية".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يقول عراجي "مع احترامنا لكل النواب السنة في مجلس النواب، لم تكن هناك زعامة سنية على مستوى لبنان، ولا زعامة وطنية بعد انسحاب الحريري. كما يعلم الجميع، كان الشهيد رفيق الحريري زعامة وطنية أكثر مما كان زعامة سنية، وكذلك الرئيس سعد الحريري، الذي لم يكن مجرد ممثل للطائفة السنية، بل كان لديه نواب من مختلف الطوائف وكان مقرباً من الجميع. لذلك، أدى تعليق عمله السياسي إلى حالة من الإرباك داخل الطائفة السنية وعلى مستوى الوضع السياسي في البلد".

ويضيف أن "عودة الحريري أصبحت ضرورية، خاصة أنه يمنح اللبنانيين والجهات الخارجية قدراً من الاطمئنان. فوالده، الرئيس رفيق الحريري، كان شخصية مؤثرة في العلاقات الدولية والإقليمية والمحلية، وكذلك الرئيس سعد الحريري، الذي يتمتع بعلاقات قوية على المستويين الإقليمي والدولي".

من جانبه يؤكد النائب السابق عن تيار المستقبل، نزيه نجم، أن "أكثر من 85% من اللبنانيين، من الشمال إلى الجنوب والبقاع وبيروت، يريدون عودة الرئيس سعد الحريري إلى السياسة، إذ لم يتمكن أحد من ملء الفراغ الذي تركه".

ويعتبر نجم في حديثه لموقع "الحرة" أن "مع تغير الأوضاع في سوريا ولبنان، كان لا بد من العودة إلى الناس والوقوف إلى جانبهم لمساعدتهم قدر المستطاع".

فرصة ذهبية

في خطابه، أشار الحريري إلى حجم الأزمات التي عصفت بلبنان خلال العقدين الماضيين، قائلاً "في هذه العشرين سنة، مر بلدنا بأزمات كبيرة أنهكت اللبنانيين، ولم ننكر يوماً أن جزءاً من المسؤولية يقع علينا. تحملنا مسؤوليتنا بكل شجاعة، وقدمت استقالتي، وعلّقنا العمل السياسي، وأفسحنا المجال لمدة ثلاث سنوات وأكثر، لكن الأزمات بقيت وازدادت".

وأضاف "قد تقولون: أنا الوحيد المسؤول؟ لا يهم، أنا أقبل. غيري مسؤول عن خياراته، ونحن مسؤولون عن أنفسنا أمام الناس وأمام رب العالمين".

أيّد عاصم عراجي قرار الحريري تعليق نشاطه السياسي في عام 2020، معتبراً أنه كان مبرّراً في ظل الظروف آنذاك، حيث لم يكن من الممكن إحداث أي تغيير فعلي. ويوضح "الرئيس الحريري بذل كل الجهود الممكنة قبل أن يعتذر عن تشكيل الحكومة الأخيرة، بعدما وصل إلى طريق مسدود"، مذكّراً بما حدث عام 2011 عندما أُسقطت حكومته أثناء دخوله البيت الأبيض، بالإضافة إلى الضغوط التي تعرض لها، مثل أحداث القمصان السود، في إشارة إلى اجتياح حزب الله لبيروت في 7 مايو 2008.

من جانبه، يرى نجم أنه كان من المنطقي أن يعلّق الحريري نشاطه السياسي آنذاك، استجابة للواقع السياسي القائم ومطالب الشارع. ويوضح أن "حكومة الحريري استقالت في عام 2019، وبعدما سعى إلى تشكيل حكومة جديدة لإصلاح الأوضاع، لم تمنحه القوات اللبنانية أصواتها في استشارات التكليف، ما دفعه إلى الاعتكاف، حيث رأى أن "من الأفضل إفساح المجال أمام الآخرين لتولي الحكم، لعلهم يحققون نتائج أفضل".

ويضيف نجم "أردنا أن نمنح الفرصة لمن كانوا يعترضون وينزلون إلى الشارع، لنرى ما الذي يمكنهم تحقيقه. ولو نجحوا، ربما لما كانت هناك حاجة لعودة الحريري إلى السياسة، لكن الواقع أثبت العكس. فقد استغرق الأمر على سبيل المثال أكثر من سنتين وثلاثة أشهر لانتخاب رئيس للجمهورية".

وفي حديثه عن الحرب الإسرائيلية الأخيرة، شدد الحريري "نحن مع الدولة وجيشنا الوطني ومع تطبيق 1701 وخروج الجيش الإسرائيلي من المناطق المحتلّة. نريد دولة، السلاح فيها للجيش والقوى الأمنية الشرعية".

وقال " لبنان لديه فرصة ذهبية: بات لدينا رئيس جمهورية، وحكومة جديدة، وأمل جديد عبّر عنه خطاب القسم للرئيس جوزاف عون وبيان الرئيس نواف سلام. هذا أملنا أن يتحقّق. قرارنا أن ندعم هذه الفرصة، ونرفض ثم نرفض أي محاولة للالتفاف عليها".

وإلى أهل الجنوب والبقاع والضاحية توجه بالقول "أنتم شركاء في هذه الفرصة ومن دونكم لا يمكن أن تتحقّق. لكن يجب أن تكسروا أي انطباع من السابق بأنكم قوة تعطيل واستقواء وسلاح. أنتم شركاء في فتح جسور العلاقة مع الأخوة العرب وشركاء في إعادة الإعمار، والأهم: أنتم شركاء بقوة في إعادة الاعتبار للدولة، التي وحدها بجيشها وقواها الأمنية ومؤسساتها، تحمي اللبنانيين، كل اللبنانيين".

وعن تأثير تراجع حزب الله على قرار الحريري بالعودة، يرى عراجي أن المسألة مرتبطة بالتغيرات الإقليمية، "وتحديداً سقوط نظام بشار الأسد، الذي كان يفرض سيطرته على المشهد اللبناني"، ويضيف "الجميع يعلم حجم الضغوط التي تعرض لها الرئيس الراحل رفيق الحريري، والتي انتهت باغتياله. لذلك، فإن التحولات الإقليمية والدولية هي العامل الأساسي الذي دفع سعد الحريري إلى إنهاء تعليق عمله السياسي، إلى جانب المتغيرات الداخلية".

الدخان يرتفع في جنوب بعد الضربات الإسرائيلية
الوضع بين لبنان وإسرائيل لا يزال هشًا

أجرى وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، السبت، اتصالا هاتفيا مع نظيره اللبناني، يوسف رجى،. بحث التطورات الأخيرة التي يشهدها جنوب لبنان.

وناقشا الوزيران آخر التطورات إزاء التصعيد المقلق في جنوب لبنان وما قد يشكله من توتر وعدم استقرار بالمنطقة ويؤدي إلى تأجيج الوضع الهش بالإقليم.

وحذر الوزير المصري من مخاطر الانزلاق لدائرة تصعيد قد تسفر عن مزيد من عدم الاستقرار بالمنطقة.

وشدد عبد العاطي على موقف مصر الداعم للدولة اللبنانية ومؤسساتها الوطنية واستقرارها في مواجهة التحديات الأمنية، معيدًا التأكيد على رفض مصر لأية تحركات من شأنها أن تمس أمن وسلامة واستقرار الشعب اللبناني الشقيق.

كما أشار إلى ضرورة التنفيذ والالتزام باتفاق وقف الأعمال العدائية في جنوب لبنان، والانسحاب الفوري والكامل غير المنقوص للقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وتمكين الجيش اللبناني من تنفيذ القرار ١٧٠١، وأهمية التطبيق الكامل والمتزامن للقرار من جانب كل الأطراف دون انتقائية.

ويشهد الجنوب اللبناني تطورات أمنية كبيرة إثر إطلاق ثلاثة صواريخ باتجاه إسرائيل، وقيام الجيش الإسرائيلي بالردّ من خلال غارات وصفت بالعنيفة جدا على قرى في الجانب اللبناني.

واعتبرت قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان أن أي تصعيد من شأنه أن يؤدي إلى عواقب وخيمة في المنطقة وأنّ الوضع بين لبنان وإسرائيل لا يزال هشًا للغاية.

وقال الجيش الإسرائيلي في وقت سابق إنه اعترض ثلاثة صواريخ أطلقت من منطقة لبنانية على بعد نحو ستة كيلومترات شمال الحدود، في ثاني عملية إطلاق عبر الحدود منذ توقف القتال في نوفمبر تنفيذا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة.

وردا على الصواريخ، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان إنه أصدر تعليمات هو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس الجيش "بالتحرك بقوة ضد عشرات الأهداف الإرهابية في لبنان".