A protester runs from the tear gas fired by Lebanese army against Hezbollah supporters who were protesting near Beirut's…
الجيش اللبناني تصدى للمحتجين الذين حاولوا قطع طريق المطار - رويترز

واجه الجيش اللبناني مناصري حزب الله بقوة لإعادة فتح طريق مطار بيروت الدولي بعد أن أغلقه هؤلاء، في تحرك لافت للجيش الذي تجنب لسنوات طويلة الصدام المباشر مع جمهور الحزب، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان ذلك تحولاً في التوازنات الداخلية أم إجراء استثنائي فرضته التهديدات الإسرائيلية.

وبدأت الأزمة عندما منعت السلطات اللبنانية، يوم الخميس الماضي، طائرة إيرانية تقل زواراً لبنانيين من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي، وسط تهديدات إسرائيلية بقصف المطار، بدعوى أن إيران تستخدم الطائرات المدنية لنقل أموال إلى حزب الله.

رداً على القرار، خرج أنصار الحزب إلى الشوارع وأغلقوا طرقاً رئيسية، بينها طريق المطار، في محاولة للضغط على الحكومة للسماح للطائرة الإيرانية بالهبوط، إلا أن الجيش اللبناني تدخل بقوة لفتح الطرق ومنع تعطيل حركة المرور، في خطوة تكررت على مدى ثلاثة أيام.

تأتي هذه الأحداث في وقت دخل فيه لبنان مرحلة سياسية جديدة مع انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة وإطلاق مسار الإصلاح والإنقاذ.

وبعدما شهدت عدة مناطق لاسيما محيط المطار احتجاجات تخللها تعديات وأعمال شغب، بما في ذلك التعرض لعناصر من الجيش، ومهاجمة آليات تابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل"، حذّرت قيادة الجيش، في بيانات عدة، من مواصلة هذه الممارسات التي من شأنها خلق توتر داخلي لا تحمد عقباه خلال المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد.

وأكد الجيش أنه "سيعمل بكل حزم على منع أي مساس بالسلم الأهلي وتوقيف المخلين بالأمن".

كما أكد أن تدخله يأتي تطبيقاً لقرار السلطة السياسية بهدف منع إقفال الطرقات والتعديات على الأملاك العامة والخاصة، ولضمان سير المرافق العامة والحفاظ على أمن المسافرين وسلامتهم، مشددا أنّها لن تتهاون مع أي إخلال بالأمن أو مساس بالسلم الأهلي.

وأدت المواجهات بين الجيش اللبناني ومناصري الحزب، يوم السبت الماضي، إلى إصابة 23 عسكرياً على طريق مطار بيروت الدولي، فيما استهجن حزب الله في بيان ما وصفه بـ"إقدام بعض عناصر الجيش اللبناني على إطلاق القنابل المسيلة للدموع باتجاه المعتصمين يوم السبت الماضي"، معتبراً أن هذا التصرف "يمثل اعتداءً غير مبرر، ومحاولة مشبوهة لزج الجيش في مواجهة مع أهله وشعبه".

انتهاء عصر الميليشيا؟

وتعد المواجهات بين الجيش اللبناني وحزب الله نادرة، من أبرزها تلك التي اندلعت في يناير 2008 في الضاحية الجنوبية لبيروت خلال احتجاجات على انقطاع الكهرباء.

وبدأت الاشتباكات حينها بين الطرفين بالهراوات قبل أن يظهر مسلحون على أسطح المباني ويطلقوا النار على المحتجين، مما أسفر عن سقوط عدد من الجرحى، بينهم مسؤول في حركة أمل، الذي فارق الحياة لاحقاً، ليتصاعد التوتر من جديد ويشعل المحتجون الإطارات، ويتجدد إطلاق النار، ما دفع الجيش إلى إطلاق رصاص تحذيري لتفريق المتظاهرين.

آنذاك، حمّل حزب الله، في بيان رسمي، حكومة فؤاد السنيورة مسؤولية سقوط ثمانية قتلى وأكثر من خمسين جريحاً، مطالباً قيادة الجيش بإجراء تحقيق شفاف.

وحتى اليوم، ورغم احتجاجات مناصري حزب الله، لم تقلع الطائرة الإيرانية بعد، في انتظار قرار جديد من السلطات اللبنانية التي مدّدت أمس الاثنين قرار تعليق الرحلات الجوية من وإلى إيران.

وكان هذا القرار، صدر الخميس الماضي، ونصّ على "إعادة جدولة" الرحلات القادمة من إيران حتى 18 فبراير، قبل أن يمدّد "حتى إشعار آخر".

وكلف رئيس الجمهورية اللبناني، العماد جوزاف عون، وزير الأشغال العامة والنقل بتنفيذ القرار خلال اجتماع ترأسه، أمس الاثنين، وخصّص لبحث التطورات المتعلقة بمطار بيروت الدولي.

ودعا عون في الاجتماع إلى "عدم التهاون في فرض الأمن، وإعطاء توجيهات صارمة بعدم السماح بإقفال طريق المطار أو التعدي على الأملاك العامة".

"المرحلة التي كان فيها الجيش اللبناني يقف منتظراً تكليف السلطة السياسية المفقود قد انتهت"، كما يؤكد الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب.

وقال ملاعب، لموقع "الحرة"، إن "عصر هيمنة الميليشيات والجماعات المسلحة على مناطق معينة انتهى. ما نشهده اليوم هو عودة لدور الدولة، والجيش أصبح جاهزاً للتحرك دون عوائق."

وأشار إلى أن العديد من العوامل قد تغيرت، أبرزها هو "انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قيد نيل الثقة، ما عزز الشرعية السياسية واتخاذ قرار دفع الجيش إلى التدخل بحزم عند أي محاولة لزعزعة الأمن".

وشدد على أن حزب الله يعاني من انتكاسة قوية بعد التطورات الأخيرة، مما أضعف قدرته على فرض شروطه كما في السابق.

وقال: "المغامرة الأخيرة التي قام بها حزب الله انتهت بطريقة لا تعكس ما يدعيه بعض مناصريه عن استعادة القوة. الواقع يشير إلى أن الحزب تعرض لضربة كبيرة تقلصت معها قدرته على التأثير كما كان في الماضي".

وأكد المحلل السياسي، وجدي العريضي، أن الدولة اللبنانية لم تعد قادرة على التهاون مع أي اعتداء على سيادتها.

وقال لموقع "الحرة" إن "رئيسي الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام يدركان خطورة المرحلة وضرورة الحسم، خصوصاً بعد المواجهات التي شهدتها طريق المطار والاعتداء على قوات اليونيفيل، فالمطار هو الشريان الحيوي للبنان، وواجهته أمام العالم، ولا يمكن السماح لأي طرف بقطع الطريق إليه أو الاعتداء على القوات الدولية. لذلك، كان لا بد من تدخل الجيش وفتح الطريق بالقوة، لأن الوقوف متفرجاً لم يعد خياراً".

وأضاف أن "رئيس الجمهورية أكد في خطاب القسم على ضرورة الحفاظ على هيبة الدولة"، مشيراً إلى أن "التهاون في الملفات الأمنية، سواء فيما يتعلق بتشييع أمين عام حزب الله السابق حسن نصر الله يوم الأحد القادم أو غيره، سيؤدي إلى انهيار الدولة".

رسائل التصعيد

يأتي تصعيد حزب الله، كما يرى العريضي، في سياق محاولته إثبات وجوده بعد ما وصفه بـ"السقوط المدوي للنظام السوري والمحور الإيراني".

وأشار إلى أن الحزب يعاني من ضربة عسكرية موجعة واغتيال العديد من قياداته، لذلك "أراد حزب الله من خلال هذه التحركات أن يثبت أنه لايزال قوة قادرة على التأثير والعرقلة، لكنه لم يعد قادراً على خداع الرأي العام الداخلي والخارجي".

وشدد العريضي أن السلطة السياسية لن تتهاون بعد اليوم، لافتاً إلى أن رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة أعطى أوامر واضحة بفتح طريق المطار والقبض على المتورطين في الاعتداء على قوات اليونيفيل، التي تعمل في لبنان منذ منتصف السبعينات.

بدوره، اعتبر ملاعب أن بيان مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، الذي دان فيه الاعتداء على قوات اليونيفيل، يمثل تحولاً لافتاً.

وقال إن "صفا اعتبر التعدي على اليونيفيل تصرفا غير مسؤول، نافياً مسؤولية الحزب عما جرى، وهو أمر لم يكن معتادا في السابق".

لكن ملاعب يشكك في ادعاء الحزب بأن الجهات التي نفذت الاعتداء هي "عناصر غير منضبطة"، مؤكداً أن هذه العناصر تتحرك بناء على أوامر واضحة.

وقال "هذا الخطاب لم يعد مقنعاً كما في السابق. اليوم، عندما يقال إن هناك عناصر غير منضبطة، فإن الجيش اللبناني سيتعامل مع هذا التصريح على أنه تفويض صريح للتحرك ضدهم، ومن يطلق هذه التصريحات سيتحمل المسؤولية".

واعتبر أن "مرحلة التساهل مع القوى الخارجة عن سلطة الدولة قد ولّت"، مضيفا أن "حفظ الأمن في لبنان يسير وفق تسلسل واضح "تبدأ به القوى الأمنية وفي حال عجزها تتدخل المؤسسة العسكرية".

ويوم الجمعة الماضي، أضرم محتجون النار في إحدى مركبات قافلة تابعة لقوات اليونيفيل أثناء توجهها إلى مطار بيروت، ما أسفر عن إصابة نائب قائدها المنتهية ولايته، الذي كان في طريقه إلى بلاده بعد انتهاء مهمته.

وأكدت اليونيفيل أن مثل هذه "الهجمات ضد قوات حفظ السلام تعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وقد تشكل جرائم حرب".

وعلى أثر التعدّي على موكب اليونيفيل، وعناصر من الجيش، نفّذ الجيش، سلسلة عمليات أمنية ومهمات حفظ أمن في إطار ملاحقة المتورطين في تلك التعديات.

في هذا السياق، تم توقيف عدد من المتورطين، ويجري التحقيق معهم بإشراف القضاء المختص

وأكد وزير الداخلية والبلديات، العميد أحمد الحجار، يوم السبت الماضي، أن "التعبير عن الرأي مسموح ضمن الأصول والقوانين"، مشدداً على أنه يمنع "قطع الطرق والتعدّيات، والتدابير ستكون جديّة".

وأشار إلى أنه اتخذ اقصى التدابير للمحافظة على الامن والاستقرار وطمأنة المواطنين.

غطاء خارجي؟

التحرك الحاسم للسلطة اللبنانية جاء مدعوماً، كما يقول العريضي، بمواقف عربية ودولية، "لا سيما بياني وزارتي الخارجية السعودية والإماراتية، اللذين أكدا دعمهما لرئيسي الجمهورية والحكومة في مواجهة الاعتداءات والانتهاكات"، معتبراً أن استمرار الفوضى يهدد فرص الاستثمار في لبنان.

وأعلنت السعودية، الأحد، "دعمها الكامل" للإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية "لمواجهة محاولات العبث بأمن المواطنين، والتعامل بحزم مع الاعتداء".

وأشارت، في بيان، إلى تجديد "الدعم والثقة" في قرارات الرئيس اللبناني جوزاف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، وما يقوم به الجيش اللبناني "من مهام تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار".

من جانبها، دانت دولة الإمارات بشدة حادثة إحراق مركبة اليونيفيل، مشددة على أن استهداف قوات حفظ السلام يعد انتهاكاً لمبادئ القانون الدولي ولأحكام قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.

كما أكدت "وقوف دولة الإمارات ودعمها الراسخ للبنان ولسيادته ووحدة أراضيه، ودعمها للدور الهام الذي تقوم به قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في لبنان".

ويرى العريضي أنه "إذا استمرت السلطة اللبنانية في نهج التراخي الذي بدأ منذ منتصف السبعينات، فلن يكون هناك أمل في بناء دولة أو مؤسسات، وهذا ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى وقف المساعدات إلى لبنان إلى حين اتخاذ إجراءات واضحة لمواجهة الميليشيات المسلحة."

وفيما يتعلق بتأثير هذا التحول على العلاقة بين الجيش وحزب الله، أكد العريضي أن "الجيش هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن الأمن والاستقرار في أي دولة".

وشدد أن "أي جهاز أمني يجب ألا يخشى الميليشيا"، قبل أن يردف قائلا: "إذا أراد لبنان أن يكون دولة حقيقية، فيجب أن يكون لديه جيش قوي مدعوم بغطاء سياسي واضح، فهو المسؤول عن التصدي لأي اعتداء على الأمن، سواء جاء من حزب الله أو غيره، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمرافق حيوية مثل طريق المطار أو بالاعتداء على القوات الدولية".

مخاوف لبنانية من حرب جديدة - رويترز
مخاوف لبنانية من حرب جديدة - رويترز

يعيش اللبنانيون حالة من القلق المتزايد مع تصاعد التوترات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، إذ بات شبح الحرب يخيم على حياتهم اليومية، متسللاً إلى تفاصيلها مع كل انفجار أو تحذير من تصعيد جديد.

وخلال الأيام الأخيرة، شهدت الحدود الجنوبية تصعيداً خطيراً مع إطلاق ثلاثة صواريخ من لبنان باتجاه إسرائيل، التي ردّت بسلسلة غارات جوية استهدفت مناطق في الجنوب والبقاع.

هذا التطور أعاد إلى الأذهان مشاهد الحرب الأخيرة، في وقت لم تتعافَ فيه البلاد بعد من تداعياتها، ولم يتم البدء حتى في إعادة إعمار ما دمرته.

لا تزال المنازل المدمرة شاهدة على حرب لم تُطوَ صفحتها بعد، فيما يجد اللبنانيون أنفسهم مجدداً في مواجهة واقع مجهول، حيث لا ضمانات بأن الأيام المقبلة لن تحمل تصعيداً أشد، خصوصاً مع استمرار التهديدات التي قد تتحول في أي لحظة إلى مواجهة مفتوحة تزيد من معاناتهم.

وفي ظل هذا المشهد القاتم، تتجه الأنظار إلى المسؤولين اللبنانيين وإلى مدى قدرتهم على احتواء الأزمة ومنع الانزلاق نحو حرب شاملة. فهل تستطيع السلطات اللبنانية تجنيب البلاد سيناريو كارثياً آخر، أم أن لبنان يقترب من مواجهة جديدة قد تفاقم مآسيه؟

يأس وجمود

في جنوب لبنان، يعيش بعض الأهالي حالة من اليأس وسط تصاعد التوترات الأمنية، حيث تجد سهام، وهي من سكان مدينة صور (فقدت منزلها في الحرب الأخيرة واضطرت إلى استئجار منزل آخر)، نفسها غارقة في الإحباط. تقول بأسى: "للأسف، وكأنّه كُتب علينا أن نعيش في حروب متواصلة، حتى أصبحت أفضّل الموت".

تعكس كلمات سهام مشاعر العجز التي تخيم على كثير من اللبنانيين، وتضيف في حديث لموقع "الحرة" "نحن وُلدنا في الحروب، اللبنانيون يعانون نفسياً"، مؤكدة أن الناس لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد من النزوح والمعاناة.

ورغم أن الحرب الأخيرة كانت مكلفة على مختلف الفئات، ترى سهام أن اللبنانيين المقيمين في مناطق محسوبة على حزب الله تحملوا العبء الأكبر، مشيرة إلى أن "هناك قرى دُمّرت بالكامل. المواطنون باتوا في حاجة ماسة إلى الاستقرار وإعادة إعمار منازلهم ومستقبلهم، وليس إلى المزيد من الحروب".

ورغم مخاوفها، تؤكد سهام أنها لن تغادر منزلها إذا اندلعت مواجهة جديدة>

وتحذر من أن العائلات النازحة هذه المرة قد تواجه صعوبات أكبر في إيجاد ملاذ آمن، خاصة مع تصاعد الخطاب الاستفزازي لبعض مسؤولي حزب الله، إلى جانب الحملات الإلكترونية الواسعة التي انطلقت عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث شملت تهديدات صريحة لمعارضي الحزب ومنتقديه، متوعدةً إياهم بـ"التأديب"، وذلك بدلاً من أن يُسلّم الحزب سلاحه للجيش اللبناني، كي ينعم اللبنانيون بالسلام".

وفي ظل التصعيد المتزايد، لا يقتصر القلق على لبنان وحده، بل يمتد إلى الجوار أيضاً لاسيما غزة وسوريا، كما يوضح الباحث في الشأن السياسي نضال السبع لموقع "الحرة".

وشهد لبنان في الأيام الأخيرة ضربات إسرائيلية "عنيفة"، وفق وصف السبع، "استهدفت مناطق عدة رداً على إطلاق صواريخ لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها".

ويرى السبع أن هذا التصعيد "يعكس مدى هشاشة الوضع الأمني، وسط تحذيرات من إمكانية تفاقم الأمور". 

وفي هذا السياق، يُجري المسؤولون اللبنانيون اتصالات مكثفة مع المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في محاولة لاحتواء التوترات ومنع انزلاق لبنان إلى مواجهة شاملة.

وفي هذا الإطار، دعا رئيس لبنان، العماد جوزاف عون، القوى المعنية في الجنوب اللبناني كافة، ولاسيما لجنة المراقبة المنبثقة عن اتفاق نوفمبر 2024، والجيش الى متابعة ما يحصل بجدية قصوى لتلافي أي تداعيات وضبط أي خرق أو تسيّب يمكن أن يهدد الوطن في هذه الظروف الدقيقة. 

كما طلب عون من قائد الجيش العماد رودولف هيكل اتخاذ الإجراءات الميدانية الضرورية للمحافظة على سلامة المواطنين.

في مهب المجهول

تعيش مروى، وهي من سكان بلدة معركة جنوب لبنان، حالة من القلق المستمر، تخشى أن يكون القادم أسوأ. تقول بأسى "في الحرب الأخيرة، اضطررت للنزوح مع عائلتي إلى شمال البلاد، قبل أن نعود بعد إعلان اتفاق وقف النار، لكن لا أشعر بأي أمان. أنا لا أخاف فقط من اندلاع حرب جديدة، فالحرب قائمة أساساً، لكن الخوف هو أن تتوسع وتصبح أشمل".

وترى مروى في حديث لموقع "الحرة" أن القلق يعمّ جميع اللبنانيين، "خصوصاً أهالي الجنوب، الذين يدركون أن أي تصعيد جديد قد يكون أكثر عنفاً وتدميراً". 

هذا الشعور بالخوف المستمر دفعها إلى التردد في المضي قدماً في مشروعها العملي، موضحة "التهديدات مستمرة، وكل يوم نسمع تحذيرات من أن التصعيد قد يعود في أي لحظة. لذلك، نقوم بتأجيل مخططاتنا".

وتضيف: "لبنان لم يعد يشجّع على الاستثمار. نحن نعيش في حالة من العجز، نترقب المصير المجهول واحتمال أن نجد أنفسنا مجدداً في حرب لا نريدها، حرب لا تجلب سوى المزيد من الموت والدمار".

في المقابل، تسعى الحكومة اللبنانية إلى تفادي الانجرار إلى مواجهة مع إسرائيل، وفق ما يشير السبع.

ويشدد: "لبنان غير معني حالياً بأي تصعيد عسكري. بالتوازي، تتحدث تقارير عن زيارة مرتقبة للمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، إلى بيروت خلال الأيام المقبلة، في محاولة لفتح قناة تفاوضية مباشرة بين لبنان وإسرائيل، إلا أن هذا التوجه يواجه رفضاً واضحاً، خاصة من رئيس مجلس النواب نبيه بري".

ويحذر السبع من أن "المخاوف تتزايد في الأوساط الدبلوماسية والسياسية من احتمال أن تستغل إسرائيل أي حادث أمني لشن هجمات عسكرية موسعة وإنشاء حزام أمني داخل الأراضي اللبنانية بعمق يتراوح بين 7 و10 كيلومترات. خطوة كهذه قد تفتح الباب أمام توترات جديدة، في وقت لم يتعافَ فيه لبنان بعد من تداعيات المواجهات السابقة".

معادلات جديدة؟

في العاصمة اللبنانية بيروت، يعيش منير، مثل كثير من اللبنانيين، في حالة من القلق المستمر وسط ضبابية المشهد الأمني والسياسي. ويقول "نحن في حالة رعب دائمة، لا نعرف إذا كانت الحرب قد انتهت أم لا. هل سيتوقف إطلاق النار؟ هل ستُطلق صواريخ جديدة على إسرائيل؟ وكيف سيكون الرد الإسرائيلي؟".

ويشير منير إلى غياب أي شعور بالأمان في ظل الوضع الراهن، مضيفاً "نحن في بلد بلا ملاجئ، أي مكان قد يكون مستهدفاً، وأي شخص قد يكون في خطر"، ورغم ذلك، يؤكد "لا خيار أمامنا سوى البقاء، ننتظر ما سيحمله الغد".

أما هناء، التي تقيم بالقرب من الضاحية الجنوبية لبيروت، فتعيش في حالة من التوتر الدائم. تقول "كلما سمعت صوت دراجة نارية أو فرقعة، أعتقد أنه صاروخ"، وتضيف "أعيش على أعصابي، خصوصاً منذ أن عاد القصف الإسرائيلي على غزة. وأنا الآن أنتظر في كل لحظة أن يتصاعد التوتر في لبنان".

في ظل هذه المخاوف، تُتابع قيادة الجيش التطورات بالتنسيق مع اليونيفيل والجهات المعنية لاحتواء الوضع المستجد على الحدود الجنوبية، كما جاء في بيان رسمي، بينما دعا وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي إلى تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بكامل بنوده.

وبموجب الاتفاق المبرم في نوفمبر، كان من المفترض إخلاء جنوب لبنان من أي أسلحة تابعة لحزب الله، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة، مع نشر الجيش اللبناني لضمان الاستقرار. 

كما نص الاتفاق على أن تتحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية تفكيك جميع البنى التحتية العسكرية في الجنوب ومصادرة الأسلحة غير المصرح بها.

ويراقب حزب الله الوضع بحذر، محاولاً تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، كما يرى السبع، ويقول "الحزب يواجه تحديات معقدة، خصوصاً بعد قطع خطوط إمداده إثر سقوط نظام الأسد، ما يجعله غير مستعد لمغامرة عسكرية جديدة في هذه المرحلة".

من جهتها، ترى إسرائيل، وفق السبع أن "الحزب يمرّ بمرحلة ضعف، وهو ما قد يدفعها إلى محاولة فرض معادلات جديدة على الأرض، من خلال شن حرب تهدف إلى القضاء على ما تبقى من قوة لدى الحزب".