احتجاجات مناصري حزب الله أمام مطار بيروت.

في مشهد يعكس تصاعد التوتر السياسي والأمني في لبنان، شنّ مناصرو حزب الله حملة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي ضد رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام.

الحملة جاءت على خلفية منع هبوط طائرة إيرانية في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت، بسبب تهديدات إسرائيلية بقصف المطار، بدعوى أن إيران تستخدم الطائرات المدنية لنقل أموال إلى حزب الله.

واتهمت إسرائيل حزب الله مرارا باستخدام المطار الوحيد في لبنان لنقل الأسلحة من إيران وقصفت عدة مرات محيط المطار أثناء حربها مع الحزب المدعوم من طهران التي انتهت أواخر العام الماضي.

وبعبارات تتجاوز النقد السياسي إلى التخوين، اتهم أنصار حزب الله عون وسلام بـ"العمالة لإسرائيل" و"التبعية للخارج"، واصفين قراراتهما بـ"تنفيذ الأجندات الغربية"، في محاولة لتحويل قرار منع هبوط الطائرات الإيرانية إلى معركة وجودية.

لم تتوقف الرسائل عند حدود العالم الرقمي، ففي منطقة الجرمق – العيشية بقضاء جزين، أقدم مناصرون للحزب على الاعتداء على نصب تذكاري لرئيس الجمهورية، وكتبوا عليه شعار حزب الله واسم أمينه العام الراحل حسن نصر الله، في خطوة تحمل دلالات تتجاوز الاستفزاز الرمزي إلى التحدي العلني.

A protester runs from the tear gas fired by Lebanese army against Hezbollah supporters who were protesting near Beirut's…
الجيش اللبناني يكسر معادلة تجنّب الصدام مع حزب الله
واجه الجيش اللبناني مناصري حزب الله بقوة لإعادة فتح طريق مطار بيروت الدولي بعد أن أغلقه هؤلاء، في تحرك غير مألوف للجيش الذي تجنب لسنوات طويلة الصدام المباشر مع جمهور الحزب، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان ذلك تحولاً في التوازنات الداخلية أم إجراء استثنائي فرضته التهديدات الإسرائيلية.

وتطرح الحملة التي يشنّها أنصار حزب الله، المصنف جماعة إرهابية، على عون وسلام تساؤلات حول دوافعها. فإذا كان الرئيسان، وفقاً لاتهامات الحزب، خصمين سياسيين ينفّذان أجندات خارجية، فكيف يمكن تفسير موافقة الحزب على تسمية عون لرئاسة الجمهورية ومشاركته في حكومة سلام بخمس حقائب وزارية عبر تحالفه مع حركة أمل؟

تأزّم وتخبّط؟

الحملة التي يشنّها أنصار حزب الله على عون وسلام "ليست مفاجئة"، وفق المحلل السياسي المحامي أمين بشير، الذي اعتبر أنها "ردّ فعل على شعور الحزب بفقدانه السيطرة على القرار السياسي في لبنان لصالح المؤسسات الشرعية".

وأشار بشير، في حديث لموقع "الحرة"، إلى أن "هذه الحملة بدأت مع انتخاب رئيس الجمهورية وامتدت إلى تسمية سلام وتشكيل الحكومة"، مشدداً على أن عون وسلام يمثلان "الشرعية"، ما جعلهما في مرمى الهجوم.

وأضاف "بعد انتخاب عون وتكليف سلام، أدرك الحزب أن الأمور انسحبت من يديه. وما زاد الطين بلّة هو إغلاق المنفذ الأخير له لتأمين الدعم المالي واللوجستي، أي مطار بيروت، الذي يعتبره تحت سيطرته بحكم وقوعه في منطقة نفوذه، وذلك بعد قطع خطوط إمداده من سوريا".

وذكّر بشير بأن "قرار الحكومة عام 2008 بشأن شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب في مطار بيروت كانت أحد الأسباب المباشرة التي دفعت حزب الله إلى تنفيذ أحداث 7 مايو"، ما يفسّر، برأيه، ردّ الفعل العنيف على قرار منع هبوط الطائرة الإيرانية.

من جهته، رأى المحلل السياسي، جورج العاقوري، أن هذه الحملة تعكس "حالة التأزم والتخبط داخل بيئة حزب الله في ظل المتغيرات المتسارعة التي لم يتمكنوا من استيعابها بعد وعدم مصارحة الحزب لهم بحقيقة ما يجري، بل هروبه إلى الأمام عبر سياسة الانكار وادعاء الانتصار".

مطار بيروت
بعد "حظر".. إيران تتطلع لمحادثات مع لبنان بشأن الرحلات الجوية
أعلنت إيران، السبت، أنها مستعدة لإجراء "محادثات بناءة" مع لبنان بهدف استئناف الرحلات الجوية بين طهران وبيروت، بعدما أثار حظر هبوط طائرتين إيرانيتين في العاصمة بيروت غضب أنصار حزب الله، المدعوم من إيران والمصنف بقائمة الإرهاب الأميركية.

وأكد العاقوري، لموقع "الحرة"، أن "هذه المتغيرات تبدأ من اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله وكبار قادته، وصولا إلى فقدان النفوذ العسكري وتزايد الضغوط لنقل دور الحزب إلى المسار السياسي المحصور بصناديق الاقتراع، لا بصناديق الرصاص، إضافة إلى واقع محور الممانعة مع سقوط نظام آل الأسد وانقطاع الشريان الأساسي لإمدادات الحزب والقلق الإيراني مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض".

وتجميد الرحلات الجوية بين بيروت وطهران يمثّل كما يقول العاقوري "انعكاسا جديداً للمشهدية القائمة جراء المتغيرات في لبنان والمنطقة".

وقال إن "وزير الأشغال السابق علي حمية المحسوب على "الحزب" كان طلب من الإيرانيين خلال الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل الامتناع عن توجيه طائرة لهم إلى بيروت دون أن يحرّك أنصار الحزب أي اعتراض ميداني أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي آنذاك".

وأضاف "بعدما كان وزير الخارجية الإيراني يأتي إلى بيروت ويوجّه "أمر اليوم" إلى محور الممانعة، أصبح الإيرانيون اليوم عاجزين حتى عن إرسال طائرة إلى بيروت، بينما بات حزب الله يستجدي في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي السماح بهبوطها".

هذه الحملات والتحركات لا تعدو وفق العاقوري "كونها محاولة لامتصاص احتقان الشارع داخل بيئة الحزب"، لافتاً إلى أن هذا الجمهور بدأ "يكتشف أن ما يروّجه الحزب لا يعكس الحقيقة، وأن لا انتصار تحقق على الأرض".

تحذيرات من "ذهنية التعطيل"

من الهجوم على منصات التواصل الاجتماعي إلى الاعتداء الفعلي، انتقلت الحملة التي يقودها أنصار حزب الله على عون وسلام، حيث تم الاعتداء على نصب تذكاري لعون يوم الاثنين الماضي في منطقة الجرمق – العيشية بقضاء جزين.

النائبة غادة أيوب نددت بالاعتداء، واعتبرته "عملاً مداناً بكل المقاييس، واعتداءً على رمز من رموز وحدة لبنان وحامي الدستور".

وشددت، في تغريدة عبر منصة "إكس"، على أن "هذا الفعل لا يمكن السكوت عليه، وعلى الأجهزة المعنية التحرك بسرعة بما يتناسب مع حجم الجريمة التي تطال قيم لبنان وثوابته".

وأضافت "الله يحمي لبنان من العابثين بأمنه ومن الذين يتجرؤون على العبث بأمنه، والذين يسعون لتقويض استقراره وتهديد سلمه."

في المقابل، أصدر حزب الله بياناً دان فيه الاعتداء، واصفاً إياه بأنه "عمل فتنوي مشبوه"، داعياً إلى تفويت الفرصة على أي محاولات لزعزعة الاستقرار الداخلي.

وفي هذا السياق، يرى العاقوري أن "خطورة الحملة، سواء كانت منظمة أو عفوية، تكمن في أنها تعكس حالة الشحن التي يعيشها جمهور حزب الله"، مشيراً إلى أن هذا الجمهور "اعتاد أن تكون دويلته هي الحاكمة، لا الدولة".

وذكّر العاقوري بتصريحات مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا في 5 يناير الماضي، عندما قال: "نحن على بعد أمتار من المطار... لا تجربونا".

واعتبر أن اعتراضات أنصار حزب الله على مواقع التواصل الاجتماعي وتحركاتهم في الشارع، لم يغيّرا القرار الرسمي المتعلّق بمنع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت.

ولفت إلى أن تجميد الرحلات بين لبنان وإيران "حتى إشعار آخر"، يمثّل تراجعاً جديداً لحزب الله، مشابهاً لتراجعه في ملف رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة وتمديد اتفاق وقف إطلاق النار.

ضرورة لا خيار

وأعرب بشير عن استغرابه من ازدواجية موقف الحزب، فكيف يهاجم حكومة يشارك فيها بوزراء بالتحالف مع حركة أمل؟.

وقال: "يبدو أنه يعترض ضد نفسه. فمن يتخذ موقفاً تصعيدياً في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يفترض به أن يترجمه عبر وزرائه في الحكومة".

ورأى بشير أن تمسّك الحزب بالمشاركة في الحكومة يعكس خشيته من فقدان التأثير في حال الانسحاب، مشيراً إلى أن "الحديث عن الميثاقية لن يُسمع منه إذا خرج ونواب حركة أمل من السلطة، مما قد يؤدّي إلى تلاشي نفوذهما".

كذلك يستبعد العاقوري انسحاب حزب الله من الحكومة في المرحلة الحالية، معتبراً أن الحزب يسعى لتجنب تحمّل أعباء إعادة الإعمار وتداعيات اي تأخير.

ومع ذلك يشير إلى أن "ذهنية التعطيل" لا تزال تتحكم بسياسات الحزب، مستذكراً تعطيله لحكومة فؤاد السنيورة بين عامي 2006 و2008 بعد انسحاب وزراء الشيعة منها، إضافة إلى عراقيله المتكررة في انتخاب رئيس الجمهورية.

ويختم العاقوري بأن "واقع حزب الله اليوم، بما يشمله من انكسار محور الممانعة، انتهاء نظام الأسد، وتصاعد الضغوط الدولية، يدفعه إلى التريث وعدم المجازفة بالخروج من الحكومة، خشية فقدان آخر معاقل نفوذه الرسمي".

Israeli military force positions at Israel-Lebanon border
دبابة الإسرائيلية على الحدود مع لبنان

في ظل التصعيد المستمر في غزة، يواجه لبنان تحديات متزايدة على الصعيدين الأمني والسياسي، خاصة في ظل تأثيرات الحرب المباشرة على الحدود الجنوبية. 

ومع استمرار حزب الله في تعزيز وجوده العسكري في الجنوب، أصبح لبنان مهددًا بتداعيات هذه الحرب على استقراره الداخلي. 

فبينما تتصاعد العمليات العسكرية على الحدود، تزداد المخاوف من أن يصبح لبنان ساحة لـ"تصفية الحسابات الإقليمية". 

في هذا السياق، تزداد الضغوط على الحكومة اللبنانية لتتخذ موقفًا حاسمًا ضد أي تهديدات قد تمس استقرار البلاد، في وقت تبقى إسرائيل في موقف متشدد تجاه سلاح حزب الله ونشاطاته في المنطقة، مما يرفع احتمالية التصعيد في أي لحظة. 

كما أن الانقسامات الداخلية في لبنان تزيد من صعوبة اتخاذ موقف موحد تجاه الأوضاع المتدهورة. 

في ظل هذه الظروف، يواجه لبنان تحديًا حقيقيًا في الحفاظ على استقراره وتجنب الانزلاق إلى أزمات أكبر قد تهدد مستقبله السياسي والأمني.

سيناريو "حرب الإسناد"

أكد الصحافي والكاتب السياسي جوني منير أن استئناف الحرب في غزة لن يؤدي بالضرورة إلى تكرار سيناريو حرب الإسناد، لكنه يشير إلى دخول المنطقة مرحلة جديدة من العنف.

ورأى أن لبنان سيتأثر بشكل غير مباشر بهذه التطورات، خاصة من خلال ما يجري على المستوى الحدودي بين لبنان وسوريا، وتحديدًا في منطقتي الهرمل والقصير، حيث يبدو أن هناك توظيفًا سياسيًا للأحداث.

وشدد منير على أن الحرب في غزة ستُسهم في رفع مستوى الحذر في لبنان، خصوصًا في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر، حيث تعتبر إسرائيل بأن لبنان لم يلتزم بمتطلبات القرار 1701، وأن سلاح حزب الله لا يزال موجودًا في جنوب خط الليطاني. 

وأوضح أن ذلك يعني أن ملف الحرب لم يُقفل بعد، وأن وتيرة التوتر في لبنان سترتفع.

وأضاف منير أن احتمال اندلاع حرب مفتوحة على لبنان ليس مستبعدًا، لكنه في الوقت ذاته ليس مرجحًا بشكل كبير، لافتًا إلى أن المعطيات الميدانية لا تشير إلى حرب شاملة وواسعة، خاصة مع وجود اللجنة الخماسية في الجنوب، إلى جانب انتشار قوات الطوارئ الدولية والجيش اللبناني.

لكنه حذر من أن البديل عن الحرب المباشرة قد يكون تصعيدًا في وتيرة الاغتيالات، وهو سيناريو أخطر بكثير.

وأشار إلى أن إسرائيل "سبق أن هددت بتنفيذ عمليات اغتيال"، وهو ما بدأ بالفعل بالظهور في مناطق البقاع، مع احتمال تمدده إلى الضاحية الجنوبية لبيروت. 

واعتبر أن هذه العمليات تمثل وجهًا آخر للحرب، دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية شاملة، لكنها قد تؤدي إلى نتائج مشابهة من حيث التأثير على الوضع الداخلي في لبنان.

وختم منير بالإشارة إلى أن حزب الله منشغل حاليًا بإعادة ترتيب وضعيته التنظيمية الداخلية وتركيبته العسكرية، في ظل التطورات المتسارعة على الجبهتين الجنوبية والحدودية مع سوريا.

خطر المواجهة الشاملة

من جانبه، يرى الصحافي والمحلل السياسي سيمون أبو فاضل أن لبنان لن يكون في قلب أي مواجهة شاملة، مشيرًا إلى أن التأثير المباشر لاستئناف الحرب في غزة على لبنان سيكون محدودًا، من ناحية تحريك الجبهات أو اندلاع مواجهة عسكرية واسعة.

وشدد على أن التطورات المتوقعة تتركز في استمرار إسرائيل بتوجيه ضرباتها في الجنوب اللبناني، وربما توسيع نطاق عملياتها، كما حدث مؤخرًا عندما دخلت إحدى البلدات اللبنانية، في سياق الضغط العسكري والسياسي الذي تمارسه إسرائيل.

وأضاف أبو فاضل أن أي تصعيد من الجانب اللبناني هو مرتبط بقرار إيراني، إلا أن حزب الله لم يعد في موقع يسمح له بخوض حرب جديدة على غرار المواجهات السابقة، نظرًا للظروف الداخلية والتوازنات الإقليمية، مما قد يدفعه إلى الاكتفاء ببعض التحركات المحدودة دون الدخول في معركة شاملة. 

وأوضح أن هذا السيناريو يبقى مستبعدًا إلى حد كبير في ظل إدارة ترامب، التي تسعى إلى ضبط الإيقاع الإقليمي، وهو ما يجعل لبنان حتى الآن بمنأى عن تداعيات مباشرة أو مواجهة كبرى قد تخلط الأوراق في الداخل. 

بينما يستمر الوضع في لبنان بالتأثر بالتطورات الإقليمية، تظل التحديات الأمنية والسياسية في الواجهة، مما يجعله عرضة لتداعيات غير مباشرة قد تؤثر على استقراره الداخلي.