حزب الله تلقى ضربات كبيرة في لبنان عسكريا وسياسيا وماليا
حزب الله تلقى ضربات كبيرة في لبنان عسكريا وسياسيا وماليا

"لم أحصل على المال لتجديد مطعمي"، يتحدث صاحب مطعم في مدينة صور اللبنانية عن الصعوبات التي يواجهها بعد أشهر من الحرب بين حزب الله وإسرائيل، في حين لا يستطيع التنظيم الوفاء بالتزاماته المالية.

يقول صاحب المطعم إنه اضطر إلى دفع 100 ألف دولار لإصلاح ما تبقى.

ورغم أن فرع البناء والهندسة في حزب الله زار المطعم لتقييم التكلفة المطلوب، فإنه لم يقدم المساعدة.

آخرون أيضا لديهم نفس المخاوف، بعدما بات التنظيم عاجزا عن تعويض داعميه في الجنوب عن الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم.

ويقدر البنك الدولي تكلفة إعادة الإعمار في لبنان بنحو 8.5 مليارات دولار.

أما حزب الله فانقطعت موارده القادمة من إيران، ومن سوريا الجديدة التي فرضت قيودا على مصادر تمويله، في حين يطالب أتباعه وأقارب القتلى الذين سقطوا في الحرب بإعادة بناء منازلهم وتوفير المعاشات.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن لجانا تابعة للتنظيم قيمت مئات الآلاف من المنازل المتضررة، وأصدرت 630 مليون دولار في شكل تعويضات عن الخسائر أو الأضرار، وفقا لمسؤول في مؤسسة القرض الحسن" نقلت عنه الصحيفة.

وفي يناير الماضي، ذكرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن مجموع ما سدّده حزب الله حتّى الآن من بدلات الإيواء وتعويضات الترميم وسواها، بلغ 400 مليون دولار لنحو 140 ألف متضرر.

ووعد الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، في ديسمبر بدفع ما بين 12 ألف دولار إلى 14 ألف دولار سنويا للإيجار لكل متضرر، إلى جانب مدفوعات إضافية للأثاث.

لكن يبدو أن التنظيم غير قادر على الوفاء بهذه الالتزامات.

وقالت "وول سترت جورنال" إن "القرض الحسن" جمدت في الأسابيع الأخيرة مدفوعات شيكات التعويض التي صدرت بالفعل، ورجح تاجر سيارات في النبطية أن حزب الله يعطي الأولوية لمدفوعات المحتاجين إلى مأوى عاجل، وليس للشركات التي تضررت أيضا.

وقالت "واشنطن بوست" إنه في أوائل فبراير، أوقفت مؤسسة "القرض الحسن" دفع التعويضات لمدة خمسة أيام بسبب "صعوبات فنية".

وفي الوقت نفسه، اضطر حزب الله في الأشهر الأخيرة إلى استيعاب حوالي 100 ألف لاجئ شيعي وعلوي من سوريا، في المساجد والمراكز الدينية المزدحمة في معاقل حزب الله.

وكانت ميزانية حزب الله، في السنوات الماضية، تبلغ نحو مليار دولار سنويا تدفع للرواتب والمزايا (لا تشمل النفقات العسكرية).

لكن هذه الميزانية تضررت بشدة بعد الحرب التي خاضها في سبتمبر مع إسرائيل وأسفرت عن مقتل كبار قادة الحزب، وخلفت آلاف القتلى ونزوح أكثر من مليون شخص. وتركزت الأضرار في جنوب لبنان وأجزاء من العاصمة بيروت.

وانعكس ضعف التنظيم على موارده المالية.

في الأسبوع الماضي، منع مسؤولون لبنانيون طائرة إيرانية من الهبوط في بيروت، وسط اتهامات إسرائيلية بأن طهران تستخدم الرحلات الجوية التجارية لتحويل الأموال إلى الجماعة المسلحة.

تصاعد دخان في منطقة جنوبي لبنان بعد بدء سريان الهدنة (رويترز)
قصف إسرائيلي على مواقع لحزب الله في جنوب لبنان (أرشيف)

تجدّدت حالة التوتر العسكري على الحدود الجنوبية اللبنانية، السبت، بعد أن أعلنت إسرائيل اعتراض ثلاثة صواريخ أُطلقت من جنوب لبنان باتجاه بلدة المطلة الواقعة في الجليل الأعلى. 

وهذه التطورات وضعت اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى حربًا دامت عامًا كاملًا بين إسرائيل وحزب الله على المحك، وأثارت موجة من التصريحات المتبادلة بين الجانبين وسط مخاوف من عودة التصعيد العسكري.

الجيش الإسرائيلي أكد في بيان أنه اعترض الصواريخ الثلاثة وأنه ردّ على الهجوم بقصف مدفعي وجوي طال بلدات جنوبية لبنانية، شملت بحسب وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية بلدتيْن على الأقل بقذائف مدفعية، وثلاث بلدات أخرى تعرضت لغارات جوية قرب الحدود.

في هذا السياق، صعّد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، من لهجة التحذير، مُحمّلاً الحكومة اللبنانية "كامل المسؤولية عن أي إطلاق نار ينطلق من أراضيها". 

وقال كاتس إنه أصدرت تعليماته للجيش بالرد على إطلاق الصواريخ من لبنان، موضحا أن القاعدة التي تنطبق على المطلة تنطبق على بيروت أيضًا".

وأعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال إيال زامير، أن "دولة لبنان تتحمل مسؤولية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار"، مشددًا على أن "الجيش سيرد بقوة على الهجمات". 

وأكد الجيش أنه لا توجد أي تغييرات في تعليمات الجبهة الداخلية حتى اللحظة.

وفي الجانب اللبناني، حذر رئيس مجلس الوزراء نواف سلام من مخاطر انزلاق الأوضاع إلى مواجهة شاملة، مؤكدًا في بيان أن "تجدد العمليات العسكرية على الحدود الجنوبية قد يجرّ البلاد إلى حرب جديدة، تعود بالويلات على لبنان واللبنانيين".

وأجرى سلام سلسلة اتصالات، شملت وزير الدفاع الوطني اللواء ميشال منسى، للتأكيد على ضرورة اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية والعسكرية الكفيلة بتثبيت الاستقرار، مؤكدًا أن "قرار الحرب والسلم يجب أن يبقى بيد الدولة اللبنانية وحدها".

وعلى ذات المنحى، دعا الرئيس اللبناني، جوزاف عون، عون إلى متابعة ما يحصل بجنوب لبنان لتلافي أي تداعيات وضبط أي خرق او تسيب.

وطلب عون من قائد الجيش اللبناني، العماد رودولف هيكل، اتخاذ الإجراءات الميدانية والتحقيق لجلاء ملابسات ما حصل في الجنوب.

ورغم أن أحدًا لم يتبنّ إطلاق الصواريخ، إلا أن التوتر تزامن مع حالة من الترقب بعد خروقات إسرائيلية متكررة للهدنة في قطاع غزة، ما يعزز المخاوف من اتساع رقعة النزاع إقليميًا. وقد امتنعت جماعة حزب الله عن التعليق حتى لحظة إعداد هذا التقرير، فيما قال الجيش الإسرائيلي إنه "لا يزال يتحقق من الجهة التي تقف خلف الهجوم الصاروخي".

بعد "الأهالي".. حزب الله يلجأ لورقة "العشائر" في لبنان
يواصل حزب الله استغلال بيئته كأداة لخدمة أجندته العسكرية والسياسية، متكيّفاً مع المتغيرات وفقاً للمنطقة والظروف. ففي الجنوب، يتوارى خلف شعار "الأهالي"، مستخدماً هذا الغطاء بطرق مختلفة، سواء لمواجهة إسرائيل أو لعرقلة مهام القوات الدولية.

وكان وقف إطلاق النار، الذي تم بوساطة أميركية في نوفمبر الماضي، قد وضع حدًا لسلسلة من الضربات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله على امتداد الشريط الحدودي. 

ونص الاتفاق على التزام إسرائيل بسحب قواتها من مواقع متقدمة على التلال الحدودية، مقابل التزام الحكومة اللبنانية بإخلاء الجنوب من أي بنى تحتية عسكرية لحزب الله ومصادرة الأسلحة غير المرخصة، في خطوة تهدف إلى منع تكرار السيناريوهات التصعيدية السابقة.

غير أن كلا الطرفين تبادلا الاتهامات بشأن عدم الالتزام ببنود الاتفاق، إذ تقول إسرائيل إن حزب الله لم يفكك بنيته العسكرية في الجنوب، بينما يرى لبنان وحزب الله أن إسرائيل تواصل احتلال أجزاء من الأراضي اللبنانية وتنفذ غارات جوية متكررة، فضلاً عن إبقاء مواقع عسكرية في خمسة مواقع استراتيجية على التلال الحدودية.