Residents of the southern Lebanese village of Kfar Kila Smoke waterpipes in front of a barrier adorned with Hezbollah flags…
حزب الله تكبد خسائر كبيرة في حربه الأخيرة مع إسرائيل.

في تطوّر لافت، استبعدت الحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام بند "المقاومة" من بيانها الوزاري، بعد أن كانت معادلة "الجيش، الشعب، المقاومة" حاضرة في بيانات الحكومات السابقة.

وأدرجت هذه المعادلة بشكل مباشر أو غير مباشر، في جميع البيانات الوزارية على مدى سنوات، في محاولة لمنح "شرعية" لسلاح حزب الله، المصنف جماعة إرهابية في الولايات المتحدة.

ورغم هذا التغيير، منح حزب الله الثقة للحكومة، في خطوة تعكس مقاربته الحذرة للمتغيرات الداخلية والإقليمية، إثر الخسائر التي تكبدها الحزب والمشروع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.

وأكد البيان الوزاري على "حق لبنان في الدفاع عن نفسه في حال التعرض لأي اعتداء، مشدداً في الوقت ذاته على "واجب الدولة في احتكار حمل السلاح وتطبيق القرار 1701 كاملاً من دون اجتزاء أو انتقاء".

واستباقاً لهذا التغيّر، سعى حزب الله إلى التأكيد على استمرار هذه المعادلة كأمر واقع، ففي بيان صدر في 26 يناير، شدد على أن "معادلة الجيش والشعب والمقاومة ليست حبراً على ورق..".

وكان الرئيس اللبناني، جوزاف عون، قد وضع نهاية رسمية للمعادلة الثلاثية في خطاب القسم، من خلال تأكيده على "تثبيت حق الدولة في احتكار السلاح" والالتزام بتطبيق القرارات الدولية، لا سيما القرارين 1701 و1559.

ويرى معارضو هذه المعادلة أنها تهدد سيادة الدولة، إذ تمنح شرعية لسلاح حزب الله خارج إطار المؤسسات الرسمية، ويعتبرون الجمع بينها وبين القرار 1701 شكلاً من أشكال الخداع السياسي.

وغياب هذه المعادلة عن حكومة سلام يطرح تساؤلات حول تأثير ذلك على نفوذ حزب الله، خصوصاً في ظل الضغوط الدولية المتزايدة والمطالبات المستمرة بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.

فهل يشير هذا التطور إلى بداية تحوّل في المشهد السياسي والأمني اللبناني، أم أنه مجرد تعديل شكلي لا يغيّر من الوقائع على الأرض؟

محاولة للالتفاف؟

لطالما هيمن "حزب الله" على المشهد السياسي اللبناني، لكنه يواجه اليوم واقعاً جديداً، حيث تراجع نفوذه الإقليمي بشكل ملحوظ بعد خسائره الميدانية في الحرب الأخيرة مع إسرائيل، التي كبدته خسائر فادحة، أبرزها فقدان عدد من قيادييه، وعلى رأسهم أمينه العام السابق حسن نصر الله.

إلى جانب ذلك، شكّل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا ضربة قاسية للحزب، إذ أدى إلى قطع طريق الدعم الاستراتيجي بالمال والسلاح من إيران، في وقت تعاني فيه طهران من أزمات داخلية وخارجية متزايدة، ما وضع مستقبل الحزب في لبنان أمام تحديات كبيرة.

وفي السياق، سقطت ثلاثية "جيش، شعب مقاومة"، التي دمرّت لبنان بدل من أن تحميه، كما يؤكد رئيس جهاز الاعلام في حزب الكتائب باتريك ريشا حتى "قبل حتى صياغة البيان الوزاري".

وقال ريشا، لموقع "الحرة"، "إنها البداية وبداية جيدة. نحن نطمح أن يقدم حزب الله وبقرار وجداني إلى تسليم سلاحه وحلّ الميليشيا التابعة له أسوة بالميليشيات اللبنانية التي أخذت قراراً بعد الحرب بالعودة إلى الدولة، ونعتبر أن المظلة التي كان يحتمي تحتها الحزب قد سقطت وبالتالي أصبحت مسألة وقت".

واعتبر المحلل السياسي، جورج العاقوري، أن غياب المصطلحات التي كانت تستخدم سابقاً لإضفاء شرعية على سلاح حزب الله في البيانات الوزارية هو تطور طبيعي في ظل المرحلة الحالية.

وأشار إلى أن "الحزب نفسه أسقط ثلاثيته المعهودة عندما خاض حرب 8 أكتوبر منفرداً، دون العودة إلى الجيش أو الشعب عبر النواب في البرلمان الذين منحهم أصواته".

وأكد أن "هذه المعادلة لم تكن سوى غطاء سياسي يبرر تفرده بقرار السلاح، بعيداً عن أي شراكة حقيقية مع مؤسسات الدولة وشعبها".

كما ذكر العاقوري أن المرحلة الحالية فرضت تجاوز هذه المعادلة نهائياً، خاصة مع حكومة نواف سلام، التي تشكلت وفق معايير تعكس اتجاهاً واضحاً نحو احتكار القوى الشرعية للسلاح وحصيرته بيد الدولة التزاما بالدستور واتفاق الطائف والقرارات الدولية وخطاب قسم الرئيس جوزاف عون.

وأشار إلى أن "الأمر يعني عملياً طي صفحة حزب الله على الصعيد العسكري".

أما الكاتب الباحث السياسي، مكرم رباح، فيرى أن تحجيم دور حزب الله "بدأ من داخله خلال حربه الأخيرة مع إسرائيل، إذ لم يكن قادراً على المواجهة ولم يدرك التغيرات الإقليمية المتسارعة".

وقال رباح، لموقع "الحرة"، إن غياب المعادلة الثلاثية عن البيان الوزاري للحكومة الجديدة يعكس تحولاً في المشهد السياسي اللبناني.

وأكد أن "البيان الوزاري لا يمكن أن يكون بديلاً عن الدستور، فشرعنة سلاح الحزب عبر الصيغ الحكومية لم تعد مقبولة".

أما الخبير الإستراتيجي، العميد المتقاعد ناجي ملاعب، فيرى أن البيان الوزاري الحالي يعكس تغييرات واضحة في المصطلحات.

وأوضح أنه "عندما كانت سوريا تسيطر على لبنان، فرضت معادلة الجيش، الشعب، المقاومة، التي كان حزب الله يمثلها. أما خلال عهد ميشال عون، فتغيّرت صيغة البيان الوزاري إلى تحرير أرض لبنان بكافة الوسائل، وهو تعبير فضفاض أبقى للحزب هامشاً لتبرير استمراره المسلح".

وقال ملاعب، لموقع "الحرة"، إن الصيغة التي وردت في البيان الوزاري الحالي، التي تتحدث عن "حق لبنان في الدفاع عن النفس"، أثارت انتقادات نيابية".

وأضاف أن هذا البند اعتبر "غامضاً وقد يتيح لأي طرف، بما في ذلك حزب الله، تبنّي هذا الحق. لذا، طالب النائب ميشال الدويهي خلال مشاركته في مناقشة البيان الوزاري بتعديل الصياغة لتشمل "حق الدولة اللبنانية في الدفاع عن النفس"، لضمان أن هذا الدور يبقى حصرياً بيد المؤسسات الرسمية.

ورأى أن "حزب الله يتجه، في ظل المتغيرات الراهنة، إلى تقديم نفسه كحزب سياسي داخلي، مستفيداً من المزاج العام في لبنان الذي بات يرفض الخطاب العسكري، خاصة مع تصريح رئيس الجمهورية بأن الحلول العسكرية لم تؤدِّ إلى نتيجة".

لكن هذا التحول، وفقاً لملاعب، "لا يزال مرتبطاً بقرار طهران وما إذا كانت ستسعى إلى إعادة تفعيل دوره العسكري في لبنان".

استجابة داخلية وخارجية؟

لم يكن حزب الله ليقبل بشطب المقاومة من البيان الوزاري، لو كان حقق انتصاراً في معركته الأخيرة مع إسرائيل، كما يشدد العاقوري.

وأوضح: "وافق الحزب على اتفاق وقف إطلاق النار لعدم قدرته على فرض إيقاعه في المعركة، وموافقته على الهدنة تعكس التزاماً واضحاً بالقرارات الدولية، بما فيها القرار 1701..".

واعتبر أن خضوع الحزب يعكس إدراكه "لحدود قدراته العسكرية، وتصريحات الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، خلال تشييع حسن نصر الله، أكدت هذا الواقع، حين أقرّ بأن موافقتهم على الاتفاق جاءت انطلاقاً من عدم وجود أفق سياسي أو عسكري لاستمرار المواجهة".

ولفت العاقوري إلى أن إسقاط هذه المعادلة من البيان الوزاري "لا يقتصر على كونه مطلباً داخلياً للقوى السيادية، بل يأتي أيضاً نتيجة ضغوط دولية متزايدة لإنهاء الدور العسكري للحزب كشرط لاستعادة الثقة بلبنان ولتقديم أي مساعدة جدية له إلى جانب اشتراط سيره بالإصلاحات".

وأوضح أن هذا التوجه بدأ بالتبلور منذ الحكومات الأخيرة، حيث لم تعد الصيغة تذكر حرفياً، بل تم استبدالها بـ "التأكيد على حق المواطنين اللبنانيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وردّ اعتداءاته، واسترجاع الأراضي المحتلة"، مع استمرار بعض القوى السياسية كالقوات اللبنانية، في التحفظ على هذه الصيغة في الحكومتين اللتين شاركت فيهما خلال عهد الرئيس ميشال عون.

وتجدر الإشارة إلى أن رئيس حزب "القوات اللبنانية"، سمير جعجع، كان قد شدد في مقابلة مع قناة "الحدث" بتاريخ 13 يناير، على أن "القوات ستكون خارج أي حكومة تتضمن في بيانها الوزاري معادلة: جيش، شعب، مقاومة، أو تضم وزراء عليهم أي شبهة".

وأشار إلى أن مشاركة القوات في أي حكومة ستكون مشروطة بانسجامها مع توجهات رئيس الجمهورية المنتخب ورئيس الحكومة المكلف.

وقال رئيس جهاز الاعلام في حزب الكتائب باتريك ريشا ريشا، إن إسقاط المعادلة الثلاثية من البيان الوزاري هو "استجابة للداخل اللبناني أولاً!".

وذكّر بأن "هذه المعادلة كرّست بالقوة والدم في 7 مايو واتفاق الدوحة، وبالانقلاب على نتائج انتخابات 2009، كما كرّست بالفرض والترهيب والترغيب، وبالتالي العودة عنها هو مطلب لبناني صافي تلاقى مع مصالح دولية".

كذلك يعتبر رباح، أن إسقاط هذه المعادلة "لا يعكس فقط الضغوط الدولية، بل يعكس أيضاً ضغطاً داخلياً متصاعداً، إذ يرى جزء كبير من اللبنانيين أن هذه المعادلة كانت أحد الأسباب الرئيسية في تدمير البلاد".

عزلة متزايدة؟

كشف تشييع نصر الله ضعف تحالفات حزب الله داخلياً وإقليمياً، كما يقول العاقوري "وهو ما يفسّر سهولة شطب المعادلة الثلاثية من البيان الوزاري".

وأوضح أنه "على المستوى الدولي، كان التمثيل الدبلوماسي محدوداً، مع حضور إيراني بارز، بينما غاب التمثيل العراقي الفاعل..".

أما "داخلياً، فقد غاب عدد من حلفاء الحزب الأساسيين، إما بذريعة السفر أو المرض، فيما بدا واضحاً امتعاض الشارع الشيعي من عدم مشاركة رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، شخصياً"، يتابع عاقوري.

كذلك، يلفت العاقوري إلى أن الحزب التقدمي الاشتراكي، "الذي أصدر بياناً يدعو إلى المشاركة الشعبية، امتنع عن إرسال أي وفد رسمي، بحجة أن التشييع تحوّل إلى مناسبة ذات طابع سياسي، وهو ما يعكس تحولاً في المواقف الداخلية تجاه حزب الله، في ظل التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، على الرغم من تقديم الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط وباسيل التعازي في وقت لاحق".

وأشار إلى أن "حزب الله، كإيران، يتقن سياسة ضبط النفس وكسب الوقت"، لافتاً إلى أنه "يحاول اليوم التلطي خلف الدولة اللبنانية في ملفات عدة..".

فمن جهة، يسعى الحزب، وفق العاقوري، إلى "نقل مسؤولية إعادة الإعمار إلى الحكومة، رغم أنه كان يعد جمهوره سابقاً بأنه سيعيد منازلهم أجمل مما كانت. ومن جهة أخرى، يطرح خطاباً يدعو إلى تعزيز دور الدولة في المواجهة مع إسرائيل، بعد أن كان يرفض هذا الطرح بحجة ضعف الجيش لا بل كان قبل العام 2006 يمنع وجود الجيش جنوباً ويعتبر أي انتشار له يجعله حرس حدود لإسرائيل".

وفي محاولة لاحتواء غضب جمهوره، والتغطية على حقيقة أن خياراته الاستراتيجية كانت خاطئة ومكلفة، يعتقد العاقوري أن حزب الله قد يلجأ إلى تحركات احتجاجية، مشابهة لما جرى على طريق المطار.

وقال: "تدخل الحزب في الحرب السورية دفاعاً عن نظام الأسد، وفتح الجبهة مع إسرائيل تحت شعار وحدة الساحات، لم يكونا سوى خطيئتين جسيمين، دفعت ثمنهما بيئته الحاضنة، التي خسرت آلاف الشبان في معارك لم تحقق سوى المزيد من التحديات والخسائر له. لذا قد يلجأ الى تحركات محدودة في الشارع كـ"تنفيسة" لاحتقان جمهوره لحرف الأنظار عن إنكاره لنتائج خياراته".

وفي السياق ذاته، يشدد رباح على أن "حزب الله على المستوى الداخلي بات يفتقر إلى حلفاء فاعلين، إذ أثبت التيار الوطني الحر أنه شريك غير موثوق لا يقدم للحزب أي مكاسب خارج إطار السياسة اللبنانية الضيقة. أما على المستوى الإقليمي، فيشير إلى أن المنطقة تشهد تحولات كبرى، حيث حتى قطر، التي كانت في السابق منفتحة على التعامل مع الحزب، أصبحت اليوم أقرب إلى الاصطفاف مع المجتمع الدولي والعربي".

لكن، حزب الله ليس كياناً مستقلاً، بل هو "درع لإيران، ضمن محور إقليمي صنعته طهران لتمكينها من القتال خارج أراضيها"، كما يشير ملاعب.

ولفت إلى أن "العقوبات الأميركية الأخيرة على 22 شركة إيرانية متخصصة في نقل الغاز والطاقة دليل على فشل المسار الدبلوماسي بين واشنطن وطهران، إذ كانت الأخيرة تسعى جاهدة للوصول إلى تسوية سياسية، لكن فرض عقوبات جديدة يشير إلى تعثر هذه الجهود".

وأضاف ملاعب أن إسرائيل حددت عام 2025 كموعد حاسم لمواجهة التهديد الإيراني، "وهي تعمل على استغلال اللحظة التي تضعف فيها أذرع إيران الخارجية، بانتظار ضوء أخضر أميركي لتنفيذ ضربة عسكرية ضد المفاعل النووي الإيراني".

وأشار إلى أن "إسرائيل بذلت جهوداً استخباراتية وعسكرية كبيرة، بما في ذلك عمليات سيبرانية وهجمات مباشرة استهدفت منشآت إيرانية، في مؤشر على تصعيد متزايد لا يمكن تجاهله".

وفي سياق ارتباط حزب الله بالاستراتيجية الإيرانية، يرى ملاعب أن "التنظيم الذي ظهر خلال تشييع أمينه العام السابق، حسن نصر الله، يعكس قدرة تنظيمية تتجاوز إمكانات حزب تعرض لضربات كبيرة في بنيته اللوجستية والإدارية، حيث خسر ما لا يقل عن 4000 عنصر في عمليات استهداف البيجرز"، ويتساءل "إذا كان الحزب قد تكبّد هذه الخسائر، فمن الذي نظّم هذا التشييع بهذه الدقة؟".

مرونة سياسية أم تكتيك مرحلي؟

بعد تمسك رئيسي الجمهورية والحكومة، باحتكار الدولة اللبنانية للسلاح، هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لمصير سلاح حزب الله، كما يرى العاقوري.

وأوضح أن "الخيار الأول يتمثل في استمرار الغارات الإسرائيلية لاستهداف ترسانته العسكرية، والثاني في تسليم السلاح إلى الجيش اللبناني أو إعادة هذا السلاح إلى إيران، وهو السيناريو الأكثر تعقيداً، نظراً للمراقبة الأمنية المشددة، أما الخيار الثالث فهو عدم إمكان الحزب الوصول الى هذا السلاح خوفاً من الاستهداف الاسرائيلي ما يجعله مع الوقت مجرد خردة غير قابلة للاستخدام".

أما رباح، فإشار إلى أن "هناك توجهاً جدياً لنزع سلاح حزب الله، خصوصاً أن القرار 1701، الذي ينص على حصر السلاح بيد الدولة جنوب الليطاني، كان قد وقّعه رئيس مجلس النواب نبيه بري، الحليف الأساسي للحزب في لبنان. ومع مرور الوقت، لم يعد هناك وجود فعلي للسلاح في هذه المنطقة يبرر استمرار مشروع الحزب".

وأضاف أن "حزب الله، عندما وافق على اتفاق وقف إطلاق النار وتسليم سلاحه جنوب الليطاني، كان يراهن على أن نظام بشار الأسد سيعيد ترميم نفوذه، لكن مع سقوط النظام السوري، أصبح واضحاً أن رصاصة الرحمة التي أطلقها الحزب على نفسه، قضت عليه".

ولفت رباح إلى أن الحزب، بعد إدراكه للواقع الجديد، "لجأ إلى الدولة اللبنانية عبر نعيم قاسم، محاولاً البحث عن مصادر تمويل بديلة في ظل توقف الدعم الإيراني، ليس بسبب القيود على دخول الأموال إلى لبنان فحسب، بل لأن طهران نفسها تعاني من أزمة مالية".

واعتبر أن "حزب الله ربما يسعى لابتزاز الدولة بطرح مسألة تسليم سلاحه مقابل مكاسب مالية لكن هذه الطريقة فاشلة".

أما ريشا، فقال "يمكن أن يحاول حزب الله أن يعيد تسليح نفسه غير أنه سيضع نفسه مرة جديدة بمواجهة اللبنانيين ومعهم دولتهم والمجتمع الدولي ونعرف أين سيودي هذا الأمر".

وبدأ حزب الله "بإظهار مرونة سياسية، في محاولة للتأقلم مع الواقع الجديد"، كما يشير ملاعب، مستشهداً بتصريحات نائب الحزب محمد رعد داخل البرلمان، "الذي أكد التزام الحزب بتطبيق اتفاق الطائف، في تحول لافت عن مواقفه السابقة".

كما لفت إلى أن خطاب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، تحدث عن "المقاومة بجميع أشكالها"، دون الإشارة صراحة إلى العمل العسكري، وهو ما يفتح الباب أمام تأويلات عدة حول مستقبل الدور العسكري للحزب.

ويخلص ملاعب إلى أن هذه المواقف قد تعكس تكتيكاً مرحلياً، أكثر من كونها تحولاً استراتيجياً، "حيث يبقى القرار النهائي مرتبطاً بإيران ومدى استعدادها لتقليص نفوذ الحزب في لبنان، في ظل الضغوط الدولية المتزايدة، وذلك بغض النظر فيما إن لم تذكر المعادلة الثلاثية في البيان الوزاري.

Israeli military force positions at Israel-Lebanon border
دبابة الإسرائيلية على الحدود مع لبنان

في ظل التصعيد المستمر في غزة، يواجه لبنان تحديات متزايدة على الصعيدين الأمني والسياسي، خاصة في ظل تأثيرات الحرب المباشرة على الحدود الجنوبية. 

ومع استمرار حزب الله في تعزيز وجوده العسكري في الجنوب، أصبح لبنان مهددًا بتداعيات هذه الحرب على استقراره الداخلي. 

فبينما تتصاعد العمليات العسكرية على الحدود، تزداد المخاوف من أن يصبح لبنان ساحة لـ"تصفية الحسابات الإقليمية". 

في هذا السياق، تزداد الضغوط على الحكومة اللبنانية لتتخذ موقفًا حاسمًا ضد أي تهديدات قد تمس استقرار البلاد، في وقت تبقى إسرائيل في موقف متشدد تجاه سلاح حزب الله ونشاطاته في المنطقة، مما يرفع احتمالية التصعيد في أي لحظة. 

كما أن الانقسامات الداخلية في لبنان تزيد من صعوبة اتخاذ موقف موحد تجاه الأوضاع المتدهورة. 

في ظل هذه الظروف، يواجه لبنان تحديًا حقيقيًا في الحفاظ على استقراره وتجنب الانزلاق إلى أزمات أكبر قد تهدد مستقبله السياسي والأمني.

سيناريو "حرب الإسناد"

أكد الصحافي والكاتب السياسي جوني منير أن استئناف الحرب في غزة لن يؤدي بالضرورة إلى تكرار سيناريو حرب الإسناد، لكنه يشير إلى دخول المنطقة مرحلة جديدة من العنف.

ورأى أن لبنان سيتأثر بشكل غير مباشر بهذه التطورات، خاصة من خلال ما يجري على المستوى الحدودي بين لبنان وسوريا، وتحديدًا في منطقتي الهرمل والقصير، حيث يبدو أن هناك توظيفًا سياسيًا للأحداث.

وشدد منير على أن الحرب في غزة ستُسهم في رفع مستوى الحذر في لبنان، خصوصًا في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر، حيث تعتبر إسرائيل بأن لبنان لم يلتزم بمتطلبات القرار 1701، وأن سلاح حزب الله لا يزال موجودًا في جنوب خط الليطاني. 

وأوضح أن ذلك يعني أن ملف الحرب لم يُقفل بعد، وأن وتيرة التوتر في لبنان سترتفع.

وأضاف منير أن احتمال اندلاع حرب مفتوحة على لبنان ليس مستبعدًا، لكنه في الوقت ذاته ليس مرجحًا بشكل كبير، لافتًا إلى أن المعطيات الميدانية لا تشير إلى حرب شاملة وواسعة، خاصة مع وجود اللجنة الخماسية في الجنوب، إلى جانب انتشار قوات الطوارئ الدولية والجيش اللبناني.

لكنه حذر من أن البديل عن الحرب المباشرة قد يكون تصعيدًا في وتيرة الاغتيالات، وهو سيناريو أخطر بكثير.

وأشار إلى أن إسرائيل "سبق أن هددت بتنفيذ عمليات اغتيال"، وهو ما بدأ بالفعل بالظهور في مناطق البقاع، مع احتمال تمدده إلى الضاحية الجنوبية لبيروت. 

واعتبر أن هذه العمليات تمثل وجهًا آخر للحرب، دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية شاملة، لكنها قد تؤدي إلى نتائج مشابهة من حيث التأثير على الوضع الداخلي في لبنان.

وختم منير بالإشارة إلى أن حزب الله منشغل حاليًا بإعادة ترتيب وضعيته التنظيمية الداخلية وتركيبته العسكرية، في ظل التطورات المتسارعة على الجبهتين الجنوبية والحدودية مع سوريا.

خطر المواجهة الشاملة

من جانبه، يرى الصحافي والمحلل السياسي سيمون أبو فاضل أن لبنان لن يكون في قلب أي مواجهة شاملة، مشيرًا إلى أن التأثير المباشر لاستئناف الحرب في غزة على لبنان سيكون محدودًا، من ناحية تحريك الجبهات أو اندلاع مواجهة عسكرية واسعة.

وشدد على أن التطورات المتوقعة تتركز في استمرار إسرائيل بتوجيه ضرباتها في الجنوب اللبناني، وربما توسيع نطاق عملياتها، كما حدث مؤخرًا عندما دخلت إحدى البلدات اللبنانية، في سياق الضغط العسكري والسياسي الذي تمارسه إسرائيل.

وأضاف أبو فاضل أن أي تصعيد من الجانب اللبناني هو مرتبط بقرار إيراني، إلا أن حزب الله لم يعد في موقع يسمح له بخوض حرب جديدة على غرار المواجهات السابقة، نظرًا للظروف الداخلية والتوازنات الإقليمية، مما قد يدفعه إلى الاكتفاء ببعض التحركات المحدودة دون الدخول في معركة شاملة. 

وأوضح أن هذا السيناريو يبقى مستبعدًا إلى حد كبير في ظل إدارة ترامب، التي تسعى إلى ضبط الإيقاع الإقليمي، وهو ما يجعل لبنان حتى الآن بمنأى عن تداعيات مباشرة أو مواجهة كبرى قد تخلط الأوراق في الداخل. 

بينما يستمر الوضع في لبنان بالتأثر بالتطورات الإقليمية، تظل التحديات الأمنية والسياسية في الواجهة، مما يجعله عرضة لتداعيات غير مباشرة قد تؤثر على استقراره الداخلي.