إسرائيل حافظت على وجودها في مواقع لبنانية عدة - رويترز
إسرائيل حافظت على وجودها في مواقع لبنانية عدة - رويترز

على وقع استمرار التصعيد في التصريحات، تتزايد التساؤلات حول ما إذا كان حزب الله يستعد لجولة جديدة من المواجهة، أم أنه يستخدم التهديدات ورقة ضغط في إطار حرب نفسية وفي محاولة للهروب من أزمته في لبنان إثر خسائره الأخيرة.

وأثار تصريح مسؤول ملف الموارد والحدود في الحزب، نواف الموسوي، الجدل حول نوايا حزب الله، حيث أكد في حديث لقناة "الميادين" يوم الاثنين الماضي، أن الحزب قادر على المواجهة "إذا عوّض القصور وأنهى التقصير وحلّ الاختراقات التقنية والبشرية".

ويحمل هذا التصريح اعتراف مباشر بنجاح إسرائيل في اختراق الحزب المصنف جماعة إرهابية، بشريا وتقنيا. 

بيد أنه يعكس، في المقابل، استمرار الحزب في تبني النهج العسكري، رغم هزائمه العسكرية والضغوط الدولية المتزايدة التي تطالبه بنزع سلاحه والالتزام بالقرارات الأممية.

وخلال الجولة الأخيرة من المواجهات، تعرض حزب الله لضربات إسرائيلية استهدفت بنيته القيادية اللوجستية والعسكرية، لكنه واصل التلويح بالتصعيد، رغم قبوله باتفاق وقف إطلاق النار الذي يشمل تنفيذ القرارين الدوليين 1701 و1559.

في المقابل، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أن إسرائيل تستعد "للمراحل المقبلة من حرب النهضة على سبع جبهات"، مؤكداً أن العمليات العسكرية لن تتوقف قبل تحقيق "كل أهداف النصر"، ما يشير إلى توجه إسرائيلي نحو توسيع رقعة المواجهة.

في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال مطروحاً: هل لبنان متجه نحو مواجهة عسكرية جديدة بين حزب الله وإسرائيل، أم أن الحزب سيكتفي باستخدام التصعيد الكلامي لتحقيق مكاسب سياسية داخلية وخارجية؟

احتمالات المواجهة

عكست تصريحات الموسوي حجم التحديات الأمنية التي يواجهها حزب الله، وفق ما يؤكده الباحث في الشأن السياسي، نضال السبع.

وأشار السبع إلى أن هذه التحديات دفعت الحزب إلى "تجنب الوسائل التقنية في المراسلات والاعتماد على الرسائل الورقية، في مؤشر واضح إلى مخاوفه من الاختراقات الاستخباراتية".

وشكلت عملية تفجير "البيجر" والاتصالات اللاسلكية في لبنان، التي وقعت في سبتمبر الماضي وأسفرت عن مقتل عشرات الأشخاص وإصابة أكثر من 2800 آخرين، معظمهم من حزب الله، واحدة من أهم الخروقات الأمنية التي طالت الحزب.

وبحسب رئيس الموساد الإسرائيلي، دافيد برنياع، فقد تم "التخطيط للعملية بطريقة إبداعية من قبل موظفي الموساد، مستفيدين من الحنكة والدهاء".

وأضاف في تصريح، يوم 25 فبراير الماضي، أن العملية تعكس "اختراقًا استخباراتيًا عميقًا، وفهمًا دقيقًا للعدو، إلى جانب تفوق تكنولوجي وقدرات عملياتية من الدرجة الأولى".

ورغم أن حزب الله، أحد أبرز الميليشيات الإيرانية في الشرق الأوسط، تعرض، في الأشهر الأخيرة، وفق السبع "لضربات إسرائيلية مؤلمة". 

وبحسب التصريحات الإسرائيلية، فقد استهدفت هذه الضربات 70% من قدراته، ما يعني أنه لا يزال يحتفظ بـ30% من ترسانته، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة.

وتساءل السبع: "هل هذه النسبة المتبقية كافية لخوض معركة واسعة؟"، ليجيب قائلاً إنه يشك في ذلك.

وشدد السبع على أن امتلاك السلاح شيء، لكن القدرة على استخدامه بفعالية في ظل الضغوط الأمنية والتحديات اللوجستية شيء آخر.

وأوضح أن "أي مواجهة شاملة تحتاج إلى إدارة عسكرية محكمة، وتأمين خطوط الإمداد، وضمان استمرارية القتال، وهو أمر ازداد تعقيداً بعد اغتيال معظم قادة الحزب، وقطع خطوط إمداده بالسلاح والمال، إلى جانب الاختراقات الاستخباراتية".

ورأى رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد هشام جابر، أن حزب الله أطلق تحقيقات بشأن الاختراقات التقنية والبشرية التي تعرض لها.

ولفت إلى إمكانية تجاوز هذه العقبات إذا تم كشف العملاء والوصول إلى الحقائق، لكنه في الوقت ذاته حذر من أن إسرائيل قد تتمكن من اختراق الحزب مجدداً.

أما بشأن احتمال اندلاع مواجهة جديدة بين حزب الله وإسرائيل، فرأى جابر، خلال حديث مع موقع "الحرة"، أن ذلك "وارد".

وأشار إلى أنه إذا استمر الوجود الإسرائيلي في التلال الخمس المحتلة، وفشلت الجهود الدبلوماسية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، فقد يلجأ الحزب إلى "المقاومة المحلية".

وأضاف "لن يتم قصف شمال إسرائيل بشكل مباشر، بل ستركز العمليات على استهداف التلال المحتلة ضمن القرى، على غرار الوضع الذي كان قائماً قبل عام 2000".

وأضاف "إذا ردّت إسرائيل بقصف مناطق في جنوب لبنان، فقد يتوسع نطاق المواجهة، وفي حال استهداف مناطق في شمال الليطاني، قد نشهد تصعيداً سريعاً وخارجاً عن السيطرة".

وأكد جابر أن "حزب الله يمتلك القدرة العسكرية على المواجهة، لكنه سياسياً لن يقدم على أي خطوة تصعيدية قبل استنفاد جميع الوسائل الدبلوماسية عبر الدولة اللبنانية".

تجدر الإشارة إلى أنه في 27 نوفمبر 2024، دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل حيز التنفيذ، وذلك بعد أشهر من المواجهات العسكرية المتبادلة، التي اندلعت على خلفية دعم حزب الله لجبهة غزة.

وبحسب صحيفة "جيروزاليم بوست"، فإنه بين 8 أكتوبر 2023 و26 نوفمبر 2024، تقدّر خسائر حزب الله البشرية بما يتراوح بين 2,500 و3,000 مقاتل.

وتشير البيانات إلى أن معظم هذه الخسائر وقعت منذ منتصف سبتمبر، رغم مقتل عدة مئات من مقاتلي الحزب في الأشهر السابقة.

ورغم هذه الضربات، لا يزال الحزب يحتفظ بعشرات الآلاف من المقاتلين، إلا أن غالبيتهم من العناصر الميدانية، بينما فقد معظم قياداته العسكرية.

أما بالنسبة لترسانة الحزب الصاروخية، فقد ذكرت الصحيفة، في 27 نوفمبر الماضي، أن عدد الصواريخ انخفض من أكثر من 150,000 إلى نحو 30,000، رغم أن هذه التقديرات ليست مؤكدة بالكامل.

ومع ذلك، فإن امتلاك الحزب لهذا العدد من الصواريخ يجعله لا يزال يشكل قوة نارية تفوق ضعف ما كانت تمتلكه حركة حماس قبل اندلاع الحرب الحالية.

بين التصعيد والحرب النفسية

لا يزال حزب الله متمسكاً بموقفه التقليدي بشأن القرار 1701، "إذ يعتبر أن نطاق تطبيقه يقتصر على جنوب الليطاني، فيما يرى أن سلاحه شمال الليطاني غير مشمول بهذا الاتفاق"، وفق ما أشار إليه السبع.

وحذّر السبع من أن "إصرار حزب الله على الاحتفاظ بسلاحه قد يمنح إسرائيل ذريعة لشن ضربات على لبنان".

وأوضح أن "الاستهداف قد يتركز على مخازن الأسلحة والبنية التحتية العسكرية، لا سيما في الجنوب اللبناني وعلى الحدود مع سوريا، إلى جانب استهداف شبكات التهريب التي يعتمد عليها الحزب لنقل الأسلحة".

أما بشأن تصريحات نتانياهو حول استعداد إسرائيل لخوض حرب على سبع جبهات، فاعتبر السبع أنها "مبالغ فيها وتهدف إلى تضخيم التهديدات الأمنية".

وأضاف أن "نتانياهو يسعى إلى تسويق فكرة أن إسرائيل تواجه أخطاراً متعددة، لكن في الواقع، لا يمكن اعتبار غزة واليمن والعراق جبهات رئيسية، نظراً لمحدودية تأثيرها العسكري المباشر على إسرائيل".

وأشار السبع إلى أن الجبهة الأكثر خطورة بالنسبة لإسرائيل تظل جنوب لبنان، "حيث تمكّن الجيش الإسرائيلي من تحقيق اختراقات أمنية غير مسبوقة داخل حزب الله، ما أدى إلى استهداف مخازن أسلحته واغتيال قادة بارزين، مثل فؤاد شكر وأعضاء في وحدة الرضوان، وحتى تهديد مواقع حساسة داخل الحزب".

ورأى أن هذه الاختراقات سببت حالة من الإرباك للحزب، "وهو ما لم يتمكن من تجاوزه حتى الآن".

من جانبه، وصف جابر التصريحات الأخيرة لحزب الله بأنها جزء من الحرب النفسية، مشدداً على أن "الحزب لن يفتح جبهة جديدة إلا في إطار الدفاع عن النفس".

كما يعتبر تصريحات نتانياهو حول الحرب على سبع جبهات "جزءاً من الحرب النفسية كذلك"، مضيفاً أن "نتنياهو يسعى إلى تنفيذ عمليات عسكرية محدودة، خاصة أنه يدرك أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن يسمح له بتوسيع نطاق المواجهة".

معضلات متفاقمة

رغم محاولات حزب الله إنكار التحديات التي يواجهها، فإنه، وفقا لما يقول السبع، يواجه ثلاث معضلات رئيسية: التمويل، إعادة ترميم ترسانته العسكرية، وسد الثغرات الأمنية.

وأوضح السبع أن إحدى نقاط قوة الحزب كانت شبكة الإمداد عبر سوريا، لكنها تعرضت لضربة قاسية مع سقوط نظام الأسد، مما أدى إلى انقطاع خطوط إمداده بالسلاح والمال.

وأشار إلى أن "قدرة الحزب على تعويض خسائره أصبحت محدودة، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على استعداده لأي معارك طويلة الأمد".

أما فيما يخص التمويل، فأوضح السبع أن "تشديد العقوبات الأميركية على إيران، إلى جانب تعزيز السلطات اللبنانية رقابتها على المنافذ الحدودية والجوية والبحرية، أثّر بشكل مباشر على الدعم المالي للحزب".

وأضاف أن حادثة ضبط الأموال الأخيرة في مطار بيروت تعكس محاولات يائسة لإدخال السيولة بطرق غير رسمية، ما يشير إلى أزمة مالية حقيقية داخل الحزب.

ويؤكد أن "الكادر الكبير داخل الحزب يستهلك جزءاً كبيراً من موارده المالية، ما يشكل تحدياً إضافياً، لا سيما مع استمرار الضغوط المالية المتزايدة عليه".

أياً يكن، لا يستبعد السبع وجابر سيناريو الحرب بين حزب الله وإسرائيل. ويرى جابر أنه في حال اندلاع مواجهة جديدة، فمن المرجح أن تكون "أوسع نطاقاً من السابق، وأن الدولة اللبنانية قد تجد نفسها مضطرة للتورط فيها".

دخان كثيف عقب غارة على أحد المباني في مدينة صور جنوبي لبنان (فرانس برس)
دخان كثيف عقب غارة على أحد المباني في مدينة صور جنوبي لبنان (فرانس برس)

أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، اعتراض صواريخ أطلقت من جنوب لبنان على شمال إسرائيل.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، "سلاح الجو يعترض قبل قليل ثلاث قذائف صاروخية أطلقت من لبنان نحو إسرائيل. تم تفعيل الإنذارات في تمام الساعة 07:32 و07:34 (بالتوقيت المحلي) في بلدة المطلة الحدودية".

وهذه المرة الأولى التي يتم فيها إطلاق صواريخ من جنوب لبنان منذ الإعلان عن وقف لإطلاق النار في نوفمبر الماضي، بعد حرب مدمرة بين إسرائيل وحزب الله.

ويذكر أن إسرائيل تستمر بشن غارات في جنوب لبنان والبقاع والحدود اللبنانية السورية، وتقول إنها تكافح أنشطة وعمليات لحزب الله وتضرب مواقع عسكرية، وما زالت قواتها تتواجد في 5 نقاط بمناطق جنوب لبنان.

وتسببت الحرب بمقتل وإصابة آلاف الأشخاص في لبنان ومئات الأشخاص في إسرائيل، وتعرضت غالبية القرى والبلدات في جنوب لبنان للدتدمير، كما تم قصف الكثير من المباني في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع.