حزب الله تلقى ضربات كبيرة في لبنان عسكريا وسياسيا وماليا
حزب الله تلقى ضربات كبيرة في لبنان عسكريا وسياسيا وماليا

أكد الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، رفضه التخلي عن سلاح الحزب المصنف جماعة إرهابية، في موقف يتعارض مع التزامات الحكومة اللبنانية واتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل.

وفي مقابلة تلفزيونية على قناة "المنار"، يوم الأحد، أكد قاسم أن "رئيس الجمهورية تحدث عن حصرية السلاح، ونحن أيضاً مع حصرية السلاح بيد قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني لضبط الأمن والدفاع، ولسنا ضد أن يكونوا هم المسؤولين. نرفض منطق الميليشيات ونرفض أن يشارك أحد الدولة في حماية أمنها، لكن نحن لا علاقة لنا بهذا الموضوع، نحن مقاومة".

يعدّ هذا التصريح تجاهلاً واضحاً لالتزامات الدولة اللبنانية وتعهداتها الرسمية، بما في ذلك اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الذي وافق عليه الحزب عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري والحكومة اللبنانية.

نظام الأسد كان يعد حليفا استراتيجيا لحزب الله.
كيف يتعامل حزب الله مع خسارة شريان إمداده؟
مرّت نحو 3 أشهر على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الحدث الذي غيّر المعادلات، ليس فقط في سوريا، بل أيضاً بالنسبة لحزب الله، الذي فقد شريانه الرئيسي، فمع انهيار هذا الحليف الاستراتيجي، وجد الحزب نفسه أمام واقع جديد يفرض عليه تحديات غير مسبوقة عسكرياً ومالياً.

كما يشكل تحدياً لما ورد في خطاب قسم رئيس الجمهورية والبيان الوزاري، اللذين أكدا على مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة، ما يعكس ازدواجية مواقف الحزب وتحدّيه لسلطة الدولة اللبنانية.

ويواصل حزب الله استثناء نفسه، وكأن سلاحه كيان مستقل لا يخضع لأي سلطة رسمية أو التزامات قانونية. هذا الواقع يزيد من تفاقم الأزمة السياسية والأمنية في لبنان، ويثير تساؤلات حول قدرة الدولة على فرض سيادتها.

عقبة أمام قيام الدولة؟

رفض حزب الله تسليم سلاحه يشكّل كما قال رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب "القوّات اللبنانيّة"، شارل جبور "العقبة الأساسية أمام بناء الدولة في لبنان".

وشدد جبور، في حديثه مع موقع "الحرة"، على أن "حزب الله ليس إلا ذراعاً إيرانية تنفذ أجندة طهران، ولا علاقة له بلبنان. ولن يتخلى عن مشروعه المسلح إلا بأمر إيراني أو بانهيار المشروع من مرجعيته في طهران".

وأشار إلى أن إعلان قاسم، استمرار ما يسمى بـ"المقاومة"، مرفوض بالكامل، مؤكداً أن "هذا النهج قاد لبنان إلى الحروب والدمار وأغرقه في الفوضى، بينما يصرّ الحزب على اتباع السياسات ذاتها، التي كلّفت اللبنانيين آلاف الضحايا وتسببت في دمار واسع".

وفي سياق متصل، كشف البنك الدولي في تقرير حديث أن تكلفة إعادة الإعمار والتعافي في لبنان عقب الحرب بين إسرائيل وحزب الله، التي امتدت على مدار 14 شهراً، تقدر بنحو 11 مليار دولار.

عناصر من حزب الله
تعنّت حزب الله يهدد "لبنان الدولة"
يتصدر ملف سلاح حزب الله المشهد السياسي اللبناني، في ظل تصاعد المطالب المحلية والدولية بأن تمارس السلطات الحكومية واجبها السيادي منفردة، على عكس السنوات الماضية حين فرطت بحق احتكار القوة، مما أدى إلى اعتبار قوى إقليمية ودولية لبنان دولة فاشلة.

وأسفرت الحرب عن مقتل أكثر من أربعة آلاف شخص، وإصابة الآلاف، ونزوح مئات الآلاف، فضلاً عن الدمار الواسع الذي لحق بالبنى التحتية.

واعتبر جبور أن "حزب الله، بالتواطؤ مع النظام السوري السابق، عطّل قيام دولة فعلية في لبنان على مدى 35 عاماً".

وأوضح أن الحزب لا يزال مصرّاً على عرقلة أي مشروع لبناء دولة حقيقية، كما اعتبر أن استمرار امتلاكه للسلاح "يؤدي إلى عزلة لبنان دولياً".

وقال رئيس جهاز الإعلام والتواصل في "القوّات اللبنانيّة" إن "المجتمع الدولي لن يقدّم مساعدات مالية للبنان في ظل هيمنة حزب الله، لأن أي دعم سيتم استخدامه لتعزيز الوضع القائم الذي يفرضه الحزب".

وأكد أن "هذا الواقع يحرم اللبنانيين من فرص إعادة الإعمار والمساعدات الخارجية، مما يبقي البلاد في حالة انهيار مستمرة بسبب السلاح غير الشرعي".

ورأى الكاتب الصحفي، مجد بو مجاهد، أن رفض حزب الله التخلّي عن سلاحه يشكّل "محاولة إضافية للمماطلة بحثاً عن متغيرات سياسية إقليمية أو دولية تقلّل من حجم التنازلات التي لا يزال يضطر لتقديمها، منذ قبوله اتفاق وقف النار..".

وأضاف أن وقف إطلاق النار "تبعته تطورات لبنانية مهمّة من بينها انتخاب رئيس للجمهورية لم يكن محور "الممانعة" يوافق على انتخابه سابقاً، ثم تكليف رئيس للحكومة لم يسمح حزب الله بوصوله منذ سنوات".

وأشار بو مجاهد، لموقع "الحرة"، إلى أن ما قاله قاسم "يشكّل إبقاءً على نمط التعنت الرافض تسليم كلّ سلاح حزب الله للدولة اللبنانية، ما يذكّر بمراحل سابقة تحدّى فيها تنفيذ القرارات الدولية ومطالب فئات واسعة من اللبنانيين وعرقل بعض الأهداف الحكومية المتطلّعة لاسترجاع القرارات الاستراتيجية وحصر السلاح".

غموض حكومي؟

فيما يخص الموقف الحكومي من مسألة نزع سلاح حزب الله، صرّح نائب رئيس مجلس الوزراء، طارق متري، في حديث مع "الحرة"، يوم الاثنين، بأن "الحكومة لم تحدد بعد متى وكيف سيتم نزع سلاح حزب الله، وأن الشرط الأساسي لفرض سيطرة الدولة هو تمكين الأجهزة العسكرية وتعزيز قدراتها".

كما أكد أنه "عند الخوض في نقاش استراتيجية الأمن القومي، يتم البحث في مسألة السلاح ومستقبله. لكن من المستحيل أن يكون لدينا جدول زمني محدد أو ادعاء بإمكانية نزع سلاح حزب الله بالقوة".

كلام متري دفع الدائرة الإعلامية في "القوات اللبنانية" إلى اصدار بيان، الثلاثاء، عبّرت خلاله عن استغربها الشديد لما ورد على لسانه.

واعتبرت أن متري "ألحق ضرراً فادحاً بصورة الحكومة الحالية ووضع عصيًاً في دواليب العهد الجديد، وما قاله هو عود على بدء، وينذر بإبقاء القديم على قدمه ويضرب محاولة الإنقاذ التي بدأت مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية".

غير أن متري عاد وأوضح تصريحه، حيث نقلت عنه "الوكالة الوطنية للإعلام" قوله "في أكثر من مقابلة صحفية، أكدت موقف الحكومة الواضح في بيانها الوزاري، المستند إلى خطاب القسم لفخامة رئيس الجمهورية، والذي يؤكد حق الدولة في احتكار حمل السلاح وامتلاك قرار الحرب والسلم، بالإضافة إلى التزامها بتطبيق القرارات الدولية دون انتقاء أو اجتزاء. فالموقف الحكومي ليس مجرد إعلان نوايا، بل هو التزام واضح".

وأضاف "اليوم، أؤكد أنه من البديهي أن يعمل مجلس الوزراء على وضع جدول زمني وخطوات ملموسة لتحقيق هذا الهدف".

تبعات التعنّت

لا يزال حزب الله يحاول اتباع الأسلوب نفسه في التصدّي لأي مشاورات جديّة هادفة لتسليم سلاحه، وفق ما يقوله بو مجاهد.

وأضاف أن ذلك "يذكّر بمراحل سابقة شارك فيها بحوارات وطنية للبحث في قضايا استراتيجية من بينها النأي بالنفس عن النزاعات الإقليمية، لكنها كانت كلّها شعارات لم يلتزم بها حزب الله وكان يماطل ثم نفّذ الأجندة الإيرانية".

وما تغيّر حالياً بحسب بو مجاهد أنّ "المرحلة باتت مناسبة للسلطات اللبنانية لفرض شروطها بخاصة إذا اتخذت قرارات جذرية للبتّ في حصر السلاح بطريقة مباشرة، ذلك أنّ المتغيرات الإقليمية والدولية مساعدة على اتخاذ قرارات حازمة بعدما تراجعت قوة حزب الله السياسية والعسكرية".

وثمة تبعات لرفض الحزب التخلي عن سلاحه أو تغاضي الدولة اللبنانية عن هذا الهدف، وهي كما شدد بو مجاهد "تبعات ستترك تأثيرات على الواقع السياسي اللبناني لأن عدم حصر السلاح سيفاقم حجم الحساسيات الداخلية بين المكونات اللبنانية ويعرقل التطورات الجيدة بين لبنان والمجتمعين العربي والدولي..".

و"خاصة أن حصر السلاح بات مطلباً عربياً ودوليّاً أكثر إلحاحاً وشرطاً لإعادة الإعمار والنقطة الأولى الأكثر أهمية لإعادة أوج الانسجام بين لبنان وعدد من الدول الصديقة التي لطالما حضّت على أهمية استرجاع الدولة اللبنانية للقرارات الاستراتيجية"، وفق بو مجاهد.

وفيما يتعلق بمستقبل العلاقة بين السلطات اللبنانية وحزب الله، رأى جبور أن "الوضع سيبقى على حاله طالما أن الحزب مستمر في مصادرة قرار الدولة ومنعها من احتكار السلاح وبسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية".

واعتبر أن "أي تغيير في المعادلة لن يكون ممكناً إلا في حال سقوط النظام الإيراني أو تراجع طهران عن دورها الإقليمي تحت وطأة الضغوط الدولية".

هل ينفجر الوضع؟

محاولة حزب الله الإبقاء على ما لا لديه من سلاح، "لن تكون لها ارتدادات على مستوى مواجهة اضافية مع إسرائيل"، كما يرى بو مجاهد.

وأوضح أن "محور الممانعة لن يكون قادراً على القتال بعد كلّ الخسائر التي لحقت به في الأشهر الماضية، لكنه يتوجه بخطابه نحو الداخل اللبنانيّ بحثاً عن فرض بعض الشروط السياسية على السلطات اللبنانية، تجعل في مقدوره الحصول على نقاط قوّة للهيمنة في الداخل والمشاركة في الحكم.

لذلك، من المهمّ وفق بو مجاهد، أن "تتيقّن السلطات اللبنانية كيفية التعامل مع هذا الواقع وأن تطرح سريعاً أفكاراً جدية لبحث كيفية حصر السلاح. فإذا فضّلت عقد طاولة حوارية، من الضروري مشاركة القوى السياسية المعارضة لحزب الله والقوى المستقلة بآراء ومقترحات واحدة ومباشرة لحصر السلاح، حتى تشكّل غالبية سياسية ضاغطة على أن تنفّذ السلطات اللبنانية المقرّرات من دون تأخير. ويمكن للسلطات اللبنانية اتخاذ تدابير خاصة بمساعدة دولية لحصر السلاح تلقائياً، في حال لم تكن السبل الحوارية ناجعة".

وعن احتمال اندلاع مواجهة جديدة بين حزب الله وإسرائيل، رأى جبور أن "حزب الله قد استسلم فعلياً، والدليل على ذلك أن إسرائيل، منذ 27 نوفمبر الماضي، تستهدف مواقعه يومياً، بينما هو لا يجرؤ على الرد، لأنه عاجز عن مواجهة إسرائيل".

لكن هذا الواقع، كما قال جبور، "يُبقي لبنان ساحة مفتوحة للصراعات، حيث يسمح لإسرائيل، انطلاقاً من اتفاق وقف إطلاق النار، بحرية الحركة في الأجواء اللبنانية. وبما أن الحزب وقّع على هذا الاتفاق، فقد جعل لبنان ساحة مستباحة للصراع الإقليمي بين إسرائيل وإيران".

وختم جبور بالتأكيد على أن "المطلوب هو أن يُسلّم الحزب سلاحه، حتى يعود لبنان وطنًا حقيقيًا، بدلاً من أن يبقى مجرد ساحة للصراعات الخارجية".

يذكر أن حزب الكتائب اللبنانية علّق على كلام قاسم، معتبراً أنه "يؤكد مرة جديدة أنه ما زال خارج الزمن وعاجزاً عن فهم الواقع الجديد قصداً او تذاكياً".

وخلال اجتماعه الأسبوعي برئاسة النائب سامي الجميّل، شدّد المكتب السياسي للحزب، الثلاثاء، على أن "حزب الله ليس في موقع يسمح له بإملاء شروط على الدولة اللبنانية.. بعدما انقضى زمن الإملاءات".

سوريا استقدمت تعزيزات إلى الحدود مع لبنان
سوريا استقدمت تعزيزات إلى الحدود مع لبنان

خلفت المواجهات على الحدود السورية اللبنانية خلال اليومين الماضيين، مقتل 3 عناصر من القوات السورية على يد مسلحين تابعين لجماعة "حزب الله" اللبنانية، المصنفة على لائحة الإرهاب.

لكن هذه المواجهات ليست الأولى من نوعها بعد سقوط نظام الأسد بل هي الثانية والأشد أيضا من حيث الخسائر التي خلفتها، وعلى مستوى نوعية السلاح الذي استخدمه الطرفان.

وانتهت الاشتباكات بين قوات الإدارة السورية الجديدة ومسلحين من حزب الله، ينشطون في عدة مواقع وقرى وبلدات حدودية، باتفاق بنص مقتضب بين وزارتي الدفاع السورية واللبنانية.

ورغم أن الاتفاق كان كفيلا بتخفيف حدة التوتر، لكن لا يمكن اعتباره "حلا مستداما"، بحسب مراقبين.

يقول النائب، نزيه متى، عن حزب القوات اللبنانية، في حديث لقناة "الحرة" إن "التداخل في الحدود بين البلدين، وعدم حسم ملف الترسيم وفقًا للقرار 1680، رغم الجهود التي بذلها لبنان منذ عام 2010، يعد من أبرز التحديات التي تعيق جهود إعادة الاستقرار بين البلدين".

وأكد أن هذا الملف لا يزال عائقًا رئيسيًا أمام تحقيق أي تقدم في مسار استقرار العلاقات بين لبنان وسوريا.

وأضاف متى أن عدم تأمين المنطقة يزيد من تعقيد الأمور، سيما في ظل وجود معامل لإنتاج مادة "الكبتاغون" في سوريا، وما يترتب على ذلك من تهريب لهذه المادة إلى لبنان ودول أخرى.

هذا الوضع يعزز من تدهور الأمن، ويزيد من معاناة المنطقة نتيجة عدم قدرة كلا البلدين على فرض سيطرة كاملة على حدودهما.

وأشار النائب إلى أن حزب الله والجهات الأخرى التي تحمل السلاح في المنطقة متورطة بشكل كبير في إشعال "حرب مفتوحة" بين سوريا ولبنان، وهو ما يمنع السلطات في البلدين من السيطرة على الحدود.

كما أن هذه الممارسات تعيق تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي يتضمن بندا هاما يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة، مما يعزز حالة الانفلات الأمني.

ودعا متى الجيش اللبناني إلى تحمل كامل المسؤولية في حفظ أمن الحدود، مشددًا على أهمية إجراء تحقيق شامل للكشف عن الجهات المتورطة في تأجيج الصراع ومنع تطبيق قرار 1680 "القرار يدعو إلى حل القضايا العالقة بين لبنان وسوريا، بما في ذلك مسألة الترسيم الحدودي، بالإضافة إلى حل جميع الميليشيات المسلحة في لبنان وحصر السلاح في أيدي الجيش اللبناني".

واتفقت سوريا ولبنان الاثنين، على وقف إطلاق النار عقب اشتباكات خلال اليومين الماضيين أدت إلى مقتل جنود من الجانبين.

وذكرت وزارتا الدفاع السورية والصحة اللبنانية أن 3 جنود من الجيش السوري الجديد و7 لبنانيين قُتلوا في الاشتباكات.

واتهمت وزارة الدفاع السورية مساء الأحد عناصر من جماعة حزب الله بدخول الأراضي السورية وخطف ثلاثة من أفراد الجيش السوري الجديد وقتلهم، ونفت جماعة حزب الله ضلوعها في هذا الأمر.

وقالت وزارة الدفاع السورية والجيش اللبناني إن القوات السورية قصفت بلدات حدودية لبنانية ليلا ردا على مقتلهم.

وقال الجيش اللبناني في بيان، الاثنين، إنه سلم جثامين القتلى السوريين الثلاثة إلى السلطات السورية، وإن الوحدات العسكرية ردت على إطلاق النار من الأراضي السورية "وعمدت إلى تعزيز انتشارها وضبط الوضع الأمني".

وكانت القوات السورية خاضت مواجهات حدودية مع "حزب الله"، في فبراير الماضي. وبعد اشتباكات استمرت لأيام، حينها، وتركزت جهة مدينة القصير بريف حمص وسط البلاد، أعلنت دمشق أنها تمكنت من تأمين الحدود.