لبنان

بين المال والتربية.. لماذا يتجه لبنان لإلغاء هذه الشهادة المدرسية؟

سارة الخنسا - بيروت
20 مارس 2025

بين تأكيد ثم نفي من وزير الإعلام بول مرقص، تتداول الأوساط التربوية خبرًا عن نيّة مجلس الوزراء اللبناني إلغاء الشهادة المتوسطة (البروفيه) هذا العام، في ظل الظرفية المالية والسياسية الحرجة التي تمر بها البلاد.

وقالت وزيرة التربية والتعليم العالي، ريما كرامي، في تصريح سابق، إنها قدّمت مشروع مرسوم إلى مجلس الوزراء لإلغاء الامتحانات الرسمية لهذه الشهادة، واستبدالها بالامتحانات المدرسية، موضحةً أن المشروع بدأ مسيرته القانونية عبر مجلس شورى الدولة تمهيدًا لعرضه على مجلس الوزراء.

في هذا السياق، عبّر نقيب المعلمين في لبنان، نعمة محفوض، عن استيائه من الإلغاء، مشددا على ضرورة وجود بديل مدروس لشهادة البريفيه قبل اتخاذ قرار الإلغاء.

وأكد أن "إلغاء البريفيه ليس لأسباب تربوية، بل بسبب غياب التمويل اللازم في الموازنة". وتابع قائلاً: "ما فهمته من الوزيرة أن السبب ليس تربويًا، بل ماديًا، وهذا ما يعدّ مصيبة في حد ذاته".

وتساءل محفوض حول كيفية تقييم الطلاب دون امتحانات رسمية، قائلاً: "كيف سيتم تقييم هؤلاء الطلاب؟ ما هو الأساس الذي سيُبنى عليه التقييم؟". وأشار إلى غياب الرقابة في بعض المدارس الخاصة، متسائلا: "من يراقب تلك المدارس التي قد تُقرر تلقائيًا نجاح الطلاب في البريفيه؟".

وأضاف محذراً: "المناهج الجديدة التي أعدها المركز التربوي لم تُكتب بعد، ولا توجد أموال لتطويرها". وتساءل عن الجدوى من إلغاء البريفيه قبل تنفيذ المناهج الجديدة.

غياب التمويل

وأوضح أن "المنهج الجديد يتضمن طرق تقييم حديثة، وعندها يمكن الحديث عن إلغاء البريفيه". وشدد على أن "إلغاء الشهادة كان ضروريًا فقط هذا العام بسبب غياب التمويل، ولكن يجب أن يتم العمل على رفع مستوى التعليم في لبنان".

من ناحيتها، أكدت رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء، البروفيسورة هيام إسحق، أن الظروف الاستثنائية التي يشهدها لبنان هذا العام قد حالت دون إجراء امتحانات البريفيه.

وقالت المتحدثة: "اجتمعنا مع وزيرة التربية ريما كرامي التي أكدت أن الظروف في لبنان هذه السنة لا تسمح بإجراء امتحانات البريفيه، خاصة في ظل السنة الدراسية المتعثرة". 

هيام إسحق "نحن نبحث عن بدائل لهذه الامتحانات، التي سيُعلن عنها في وقت لاحق من قبل الوزيرة". وأوضحت أن هناك مقترحًا بإبقاء شهادة البريفيه ولكن مع إجراء تغييرات جوهرية.

وأضافت "نحن مع المناهج الجديدة، وسنطرح نموذجًا جديدًا لامتحانات البريفيه في المستقبل". وأكدت إسحق أن هذا القرار موجه فقط لهذا العام الدراسي، في انتظار موقف لجنة التربية النيابية بشأن مصير هذه الشهادة في الأعوام القادمة.

وفي تعليقه على الموضوع، رحّب الأمين العام للمدارس الإنجيلية، نبيل القسطا، بالإلغاء، معتبرًا إياه خطوة إيجابية نحو تخفيف الضغط عن الطلاب. 

وقال: "القرار في حال اتخذ فهو جيد جدًا. يجب أن نتجنب وضع تحديات مبالغ فيها أمام التلامذة، بل من الأفضل أن ندمج العلامات المدرسية في البريفيه وتضاف لاحقًا لشهادة البكالوريا لدعمهم في الدخول إلى الجامعة". 

وأشار إلى أن "هناك مدارس قد تفتقر للرقابة المناسبة على الامتحانات، ولكن يجب النظر إلى الأسباب التي تدفع لاتخاذ هذا القرار". وذكر بأنه في الماضي "كانت وزارة التربية ترى أن كثرة الامتحانات هي السبيل الوحيد للنجاح، أما الآن، فنحن بحاجة لفهم اهتمامات الطلاب وتوجهاتهم بدلاً من تضييع مستقبلهم بسبب نصف علامة في امتحانات الشهادة المتوسطة".

تدني مستوى التعليم

أما منسقة العلوم الاجتماعية وعضو نقابة المعلمين، سناء أبو حيدر، فقد عبّرت عن قلقها من تدني مستوى التعليم في لبنان في حال إلغاء امتحانات البريفيه للعام الثالث على التوالي. 

وقالت سناء أبو حيدر: "للأسف، للسنة الثالثة على التوالي، قد يتم إلغاء شهادة البريفيه بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية". وأضافت: "المستوى التعليمي في لبنان يتراجع تدريجيًا، وإذا كانت العلامات المدرسية للبريفيه جيدة، إلا أن السؤال يبقى: هل المدارس تلتزم بتقديم المعلومات الدقيقة حول أداء الطلاب؟". 

وأكدت أن "لدينا أعدادًا كبيرة من الطلاب في المرحلة المتوسطة، وبعضهم لا يتمكن من تحصيل المنهج كما يجب، ومع ذلك يتقدم للمرحلة الثانوية".

وأعربت عن دعمها لتقديم هذه الشهادات، لكن "الأوضاع الاقتصادية والسياسية فرضت نفسها، من الأزمة الاقتصادية إلى تداعيات حرب لبنان الأخيرة". وتساءلت عن تأثير هذه الأوضاع على سير المنهاج التعليمي، مرجحة أن يكون الواقع المالي هو السبب الرئيس في إلغاء الامتحانات، وقد تكون هناك أيضًا عوامل سياسية وراء هذا القرار.

رغم أن قرار إلغاء شهادة البريفيه هذا العام قد يكون حلا مؤقتا نتيجة للأوضاع الصعبة التي يمر بها لبنان، إلا أن هذا التغيير يثير الكثير من الأسئلة حول مصير التعليم في البلاد. 

وتتثار الكثير من الأسئلة حول قدرة وزارة التربية على إيجاد بدائل عادلة لتقييم الطلاب، في إطار البحث عن حلول جذرية تضمن جودة التعليم وحقوق الطلاب في التقييم والمساواة، في ظل التحديات المادية والأمنية التي تعاني منها البلاد.

سارة الخنسا

علي - حزب الله

"أنا مين؟" سأل نفسه، عائدا، على حدود الوطن.

لم يجد جوابا.

منذ غادر لبنان، لم يكن الاسم وحده ما تغيّر.

علي، الشاب الشيعي المنتمي لحزب الله منذ الطفولة، لم يقرر أن يولد عليًّا، ولم يكن يتخيل يومًا أن يصير إيلي، يقول.

من الكشافة إلى القتال

في بيت فقير، في جنوب لبنان، وُلد علي يتيمًا بين عشرة.

أمه، بلا سند، لم تجد ملاذًا سوى في الحزب الذي يفرض حضوره على كل تفصيل في المجتمع: من المدرسة إلى المستشفى، من الطفولة إلى السلاح.

هناك، لم تكن الحياة مجرد حياة؛ بل عقيدة. "نحن على الحق"، يرددونها صباحًا ومساءً. ومنذ الطفولة، صارت البندقية جزءًا من المنهج.

في عمر العاشرة، انضم علي إلى "كشافة الإمام المهدي"، حيث يبدأ الغرس العقائدي والعسكري معًا. "دورة محو الأمية" لم تكن كما توحي تسميتها؛ بل تدريبًا أوليًا على حمل السلاح. في الثانية عشرة، كان الطفل الصغير يعرف كيف يفكك البندقية، وفي الثالثة عشرة، كان يفتخر باستشهاد أصدقاء في التدريبات.

يصف علي دورات القتال بأنها "مزج من العسكر والعقيدة"، لكن العقيدة كانت الغالبة دائمًا. يتعلم المنتسبون أنهم يدافعون عن "أمة، عن شرف، عن طائفة"، وأن كل ما هو خارج هذا المسار مشبوه، خطر، أو "كفر".

 

عالم بالألوان

لكن العالم ليس أبيض وأسود. في سن الثامنة عشرة، بدأت تظهر تصدعات الشك. تعرّف علي على أصدقاء خارج "الخط"، وبدأ يرى شيئًا مختلفًا: حياة أخرى، حوارات، ضحك، نساء، ملابس ملونة، وموسيقى. كلها ممنوعة.

في إحدى الليالي، عاد إلى البيت متأخرًا، فصفعته أمه بركوة قهوة. تلك الصفعة لم تكن مجرد غضب أم، بل لحظة صدع.

"هل هذا هو الحق؟"، تساءل لأول مرة.

ومن هذا السؤال، بدأ كل شيء يتغير.

الهروب من القدر

رفض علي دعوة الحزب للانضمام إلى دورة تؤهله ليصبح "متفرغًا". كان يعلم أن القبول بها يعني بلوغ نقطة اللاعودة. فقرر أن يغادر. هرب من عائلته، من أصدقائه، ومن اسمه.

سافر إلى تركيا، ومنها حاول عبور البحر إلى أوروبا على "قوارب الموت". غرق ثلاث مرات. في كل مرة، كان الموت قريبا وكان كأنه يولد من جديد. أعادته النجاة إلى السؤال الأصلي: من هو؟ وماذا يريد أن يكون؟

من علي إلى إيلي

بعد فشل محاولة اللجوء، عاد إلى لبنان. في مطار بيروت، وقف حائرًا: لا أهل، لا أصدقاء، ولا خط عودة إلى الحزب. دق باب صديق قديم، فأتاه الجواب:

"في عائلة بدها حدا يساعدها... بس في مشكلة: اسمك علي".

ضحك، وقال: "خليه إيلي".

هكذا بدأ فصلاً جديدًا من حياته، يعيش مع عائلة مسيحية، يذهب معهم إلى الكنيسة، يشاركهم التراتيل، ويشعر لأول مرة بأنه إنسان، فقط إنسان.

"أنا مين؟" يعيد السؤال، هذه المرة بثقة أكبر. لا يريد أن يكون تابعًا، ولا أن يُملى عليه ما هو الحق وما هو الباطل. "بدي أكون إنسان يقرر، يشوف، يعرف".

تغير الاسم، بقي السؤال، لكن صارت لديه حرية البحث عن إجابة.