نتانياهو أمر بقصف عشرات الأهداف التابعة لحزب الله
نتانياهو أمر بقصف عشرات الأهداف التابعة لحزب الله (Reuters)

تطورات أمنية كبيرة يشهدها جنوب لبنان إثر إطلاق ثلاثة صواريخ باتجاه إسرائيل، وقيام الجيش الإسرائيلي بالردّ من خلال غارات وصفت بالعنيفة جدا على قرى في الجانب اللبناني. 

واعتبرت قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان أن أي تصعيد من شأنه أن يؤدي إلى عواقب وخيمة في المنطقة وأنّ الوضع بين لبنان وإسرائيل لا يزال هشًا للغاية. 

عن هذا التصعيد يعتبر المحلل السياسي رامي نعيم أن حزب الله "يرمي بيئته من جديد في أتون جهنم، وأن تصرفه غير حكيم وسوف يؤدي حكما إلى تهجير الجنوبيين الذين حاولوا العودة إلى قراهم". 

وسأل نعيم عن جدوى مثل هذه التصرفات غير المجدية في الأساس والتي "لا تؤدي إلى أي نتيجة عملية ضد إسرائيل ولا إلى استعادة الاعتبار الذي خسروه، وفي النتيجة فلن يقنعوا الشعب اللبناني بضرورة بقاء المقاومة". 

واعتبر نعيم أن "حزب الله ربما قد يكون استخدم كلام رئيس الحكومة نواف سلام عن انتهاء ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة كحجة من أجل توتير الأوضاع لأنهم على يقين أن الاتفاق الذي ارتضوا به مع إسرائيل هو اتفاق ذلّ، وبالنتيجة فهم يحاولون تغيير المعادلة السابقة لكنهم لن يستطيعوا". 

وختم نعيم بضرورة التوقف عن هذه الخطوات "غير المحسوبة خصوصا بعد التهديد الإسرائيلي بضرب بيروت، لأننا لا نريد تعريض بيروت لأيّة مخاطر"، وقال مخاطبًا قيادة حزب الله: "عليهم أن يفهموا هذه المرة بأنّ بيئتهم ستكون ضدهم في هذه القرارات". 

من جهته، الكاتب والمحلل السياسي طوني بولس اعتبر أن "هذا الرد من قبل حزب الله هو محاولة لفتح جبهة إسناد جديدة بالاتفاق مع الحوثيين في اليمن ومع إيران ولا سيما بوجود تعزيزات عسكرية أميركية في المنطقة واستهداف للحوثي في اليمن". 

وأضاف أن هذا التحرك يأتي "مؤازرة لليمينيين من باب إنعاش ما يسمى وحدة الساحات، وهي رسالة إيرانية مباشرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأن المقاومة مستمرة وأن إيران ستواصل دعم هذه التنظيمات". 

وتابع بولس أن "ما يعزز هذه الفرضية أنها تأتي استكمالا للرسائل الإيرانية، وهذا ما سيورط لبنان مجددا ويهدد بسقوط الهدنة، وحصول حرب جديدة وهذا وارد على نحو كبير". 

وأشار بولس إلى أن "هناك محاولات الآن من اللجنة الخماسية لتهدئة الأمر في جنوب لبنان، ولكن ننتظر الموقف الإسرائيلي الذي يتمتع بجهوزية كاملة وهو ينتظر مسار الأمور". 

وبرأي بولس "فإن حزب الله يغامر مرة جديدة في لبنان ويستخدمه ساحة إيرانية وهذه المعركة تؤكد أن هناك فلولا في حزب الله على ارتباط مباشر بإيران وتختلف عن القيادة السياسية الحالية للحزب التي تحول القول إنها ملتزمة بوقف إطلاق النار". 

وكان حزب الله أصدر بيانا نفى فيه أي علاقة له بإطلاق الصواريخ مجددا التزامه باتفاق وقف إطلاق النار، وأنه خلف الدولة اللبنانية في معالجة هذا التصعيد الخطير على لبنان. 

من جانبه، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الجيش اللبناني والسلطات القضائية والأمنية وكذلك لجنة مراقبة وقف إطلاق النار إلى المسارعة لكشف ملابسات ما حصل في جنوب لبنان. 

وجدد بري دعوة جميع اللبنانيين وبخاصة القوى السياسية إلى "وجوب تنقية الخطاب السياسي والالتفاف حول الدولة ومؤسساتها الدستورية والقضائية والعسكرية والأمنية ووعي المخاطر الناجمة عن خلق الذرائع من خلال إثارة النعرات التي تشرع أبواب الوطن للنفاذ من خلالها لضرب لبنان واستقراره وتقويضه". 

وقال الجيش الإسرائيلي في وقت سابق إنه اعترض ثلاثة صواريخ أطلقت من منطقة لبنانية على بعد نحو ستة كيلومترات شمال الحدود، في ثاني عملية إطلاق عبر الحدود منذ أن أنهى وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في نوفمبر القتال. 

وردا على الصواريخ، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان إنه أصدر تعليمات هو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس الجيش "بالتحرك بقوة ضد عشرات الأهداف الإرهابية في لبنان".

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان منفصل إنه قصف عشرات من منصات إطلاق الصواريخ لحزب الله ومركز قيادة كان مسلحو الجماعة يعملون من خلاله في جنوب لبنان.

وأعلن الدفاع المدني في جنوب لبنان عن مقتل شخصين وإصابة 10 آخرين بجروح في غارة إسرائيلية على بلدة تولين.

وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، كان من المفترض أن يجري إخلاء جنوب لبنان من أي أسلحة لحزب الله وأن تنسحب القوات الإسرائيلية من المنطقة وأن ينشر الجيش اللبناني قوات فيها. 

وينص الاتفاق على أن الحكومة اللبنانية مسؤولة عن تفكيك جميع البنى التحتية العسكرية في جنوب لبنان ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها.

علي - حزب الله

"أنا مين؟" سأل نفسه، عائدا، على حدود الوطن.

لم يجد جوابا.

منذ غادر لبنان، لم يكن الاسم وحده ما تغيّر.

علي، الشاب الشيعي المنتمي لحزب الله منذ الطفولة، لم يقرر أن يولد عليًّا، ولم يكن يتخيل يومًا أن يصير إيلي، يقول.

من الكشافة إلى القتال

في بيت فقير، في جنوب لبنان، وُلد علي يتيمًا بين عشرة.

أمه، بلا سند، لم تجد ملاذًا سوى في الحزب الذي يفرض حضوره على كل تفصيل في المجتمع: من المدرسة إلى المستشفى، من الطفولة إلى السلاح.

هناك، لم تكن الحياة مجرد حياة؛ بل عقيدة. "نحن على الحق"، يرددونها صباحًا ومساءً. ومنذ الطفولة، صارت البندقية جزءًا من المنهج.

في عمر العاشرة، انضم علي إلى "كشافة الإمام المهدي"، حيث يبدأ الغرس العقائدي والعسكري معًا. "دورة محو الأمية" لم تكن كما توحي تسميتها؛ بل تدريبًا أوليًا على حمل السلاح. في الثانية عشرة، كان الطفل الصغير يعرف كيف يفكك البندقية، وفي الثالثة عشرة، كان يفتخر باستشهاد أصدقاء في التدريبات.

يصف علي دورات القتال بأنها "مزج من العسكر والعقيدة"، لكن العقيدة كانت الغالبة دائمًا. يتعلم المنتسبون أنهم يدافعون عن "أمة، عن شرف، عن طائفة"، وأن كل ما هو خارج هذا المسار مشبوه، خطر، أو "كفر".

 

عالم بالألوان

لكن العالم ليس أبيض وأسود. في سن الثامنة عشرة، بدأت تظهر تصدعات الشك. تعرّف علي على أصدقاء خارج "الخط"، وبدأ يرى شيئًا مختلفًا: حياة أخرى، حوارات، ضحك، نساء، ملابس ملونة، وموسيقى. كلها ممنوعة.

في إحدى الليالي، عاد إلى البيت متأخرًا، فصفعته أمه بركوة قهوة. تلك الصفعة لم تكن مجرد غضب أم، بل لحظة صدع.

"هل هذا هو الحق؟"، تساءل لأول مرة.

ومن هذا السؤال، بدأ كل شيء يتغير.

الهروب من القدر

رفض علي دعوة الحزب للانضمام إلى دورة تؤهله ليصبح "متفرغًا". كان يعلم أن القبول بها يعني بلوغ نقطة اللاعودة. فقرر أن يغادر. هرب من عائلته، من أصدقائه، ومن اسمه.

سافر إلى تركيا، ومنها حاول عبور البحر إلى أوروبا على "قوارب الموت". غرق ثلاث مرات. في كل مرة، كان الموت قريبا وكان كأنه يولد من جديد. أعادته النجاة إلى السؤال الأصلي: من هو؟ وماذا يريد أن يكون؟

من علي إلى إيلي

بعد فشل محاولة اللجوء، عاد إلى لبنان. في مطار بيروت، وقف حائرًا: لا أهل، لا أصدقاء، ولا خط عودة إلى الحزب. دق باب صديق قديم، فأتاه الجواب:

"في عائلة بدها حدا يساعدها... بس في مشكلة: اسمك علي".

ضحك، وقال: "خليه إيلي".

هكذا بدأ فصلاً جديدًا من حياته، يعيش مع عائلة مسيحية، يذهب معهم إلى الكنيسة، يشاركهم التراتيل، ويشعر لأول مرة بأنه إنسان، فقط إنسان.

"أنا مين؟" يعيد السؤال، هذه المرة بثقة أكبر. لا يريد أن يكون تابعًا، ولا أن يُملى عليه ما هو الحق وما هو الباطل. "بدي أكون إنسان يقرر، يشوف، يعرف".

تغير الاسم، بقي السؤال، لكن صارت لديه حرية البحث عن إجابة.