اللبنانيون يترقبون تطورات المشهد الأمني ـ صورة أرشيفية.

يترقب اللبنانيون تطورات المشهد الأمني الذي يزداد احتداماً بعد إطلاق 3 صواريخ باتجاه إسرائيل، وردّ الأخيرة بغارات جوية واسعة استهدفت عدة قرى لبنانية في الجنوب والشرق. 

ومع استمرار احتفاظ حزب الله بسلاحه متجاوزاً اتفاق الهدنة، تبدو المواجهة مفتوحة على مزيد من التصعيد.

ففي تحدٍّّ للاتفاقيات الدولية وخطاب قسم رئيس لبنان جوزاف عون والبيان الوزاري، يواصل حزب الله تمسكه بسلاحه، ما يجعل احتمالات التهدئة شبه معدومة. 

في المقابل، تواصل إسرائيل استهداف بنيته التحتية وقياداته العسكرية بضربات جوية، في محاولة لإضعافه أو القضاء عليه.

والسبت الماضي، اعترض الجيش الإسرائيلي 3 صواريخ أُطلقت من منطقة لبنانية تبعد نحو 6 كيلومترات عن الحدود، في ثاني عملية إطلاق عبر الحدود منذ توقف القتال في نوفمبر بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة.

وردّاً على الهجوم، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، أنه أصدر تعليمات، بالتنسيق مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس، للجيش "بالتحرك بقوة ضد عشرات الأهداف الإرهابية في لبنان".

من جانبه، نفى حزب الله مسؤوليته عن الصواريخ التي أُطلقت باتجاه إسرائيل، في وقت يواجه فيه تحديات متزايدة بعد الخسائر التي تكبدها في الحرب الأخيرة. 

ورغم تهديد مسؤوليه بالرد على الضربات الإسرائيلية والتأكيد على أن "للصبر حدود"، يرى مراقبون أنه يواجه صعوبات في تنفيذ تهديداته.

وفي ظل استمرار الغارات الإسرائيلية على مواقع وقيادات الحزب، يفرض السؤال نفسه: هل تكفي هذه الضربات لتحقيق أهداف إسرائيل؟ أم أن حزب الله قادر على امتصاصها وإعادة بناء قدراته مجدداً؟

حسم أم استنزاف؟

"نجحت إسرائيل في جمع معلومات دقيقة عن حزب الله تشمل الأسماء والمواقع والأسلحة"، كما يشير الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب، مؤكداً أن السكان في المناطق المستهدفة "لا يخشون المسيّرات الإسرائيلية أو صوتها، لأنهم يدركون أنهم ليسوا في دائرة الاستهداف، وهو ما يعكس تمييز إسرائيل بين حزب الله والمجتمع المدني اللبناني".

ويقول ملاعب لموقع "الحرة"، "إسرائيل تختار أهدافها بعناية، مستهدفة الأشخاص الذين تعتبرهم جزءاً من حزب الله، مما يجعل بقية السكان يدركون أنهم خارج دائرة الاستهداف".

القضاء على حزب الله "ليس أمراً سهلاً"، كما يرى ملاعب "فالغارات الجوية وحدها لا تحسم المعارك، كما أن اكتشاف الأنفاق التابعة للحزب يؤكد أن بنيته العسكرية لا تعتمد فقط على السلاح المكشوف، بل على استراتيجيات بديلة تعزز استمراريته".

ويشير إلى تصريحات الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، الذي أكد أن "حتى إذا تم قطع طرق الإمداد من سوريا، فإن الحزب يمتلك مخزوناً يكفيه لسنوات، مما يجعل من الصعب القضاء على سلاحه عبر الهجمات العسكرية فقط".

من جانبه يؤكد العميد الركن المتقاعد، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، الدكتور هشام جابر، أن "إسرائيل ستواصل هجماتها على لبنان إذ إن يظل الهدف الأسمى لها القضاء على حزب الله عسكرياً، لكن تحقيق ذلك صعب جداً. ومع ذلك، تسعى إسرائيل من خلال ضرباتها المتكررة إلى إضعاف الحزب إلى الحد الأدنى الذي تريده."

ويقول جابر لموقع "الحرة" إن"الضربات الجوية تُحدث دماراً، لكنها لا تكفي للقضاء على الحزب أو إضعافه بالكامل. حزب الله لا يزال يمتلك قدرات عسكرية مخفية، وهو يعمل على إعادة تنظيم صفوفه رغم الاستهدافات المستمرة."

أما مسألة تسليم سلاح الحزب للدولة اللبنانية، فيرتبط وفق جابر "بإدماجه في استراتيجية دفاعية وطنية تشرف عليها السلطة العسكرية."

تجدر الإشارة إلى أنه بموجب اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في نوفمبر، كان من المفترض أن يجري إخلاء جنوب لبنان من أي أسلحة لحزب الله وأن تنسحب القوات الإسرائيلية من المنطقة، وأن ينشر الجيش اللبناني قوات فيها.

وينص الاتفاق على أن الحكومة اللبنانية مسؤولة عن تفكيك جميع البنى التحتية العسكرية في جنوب لبنان ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها.

مفتاح الحل

أكد الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، رفضه التخلي عن سلاح الحزب المصنف جماعة إرهابية، متجاهلاً التزامات الدولة اللبنانية وتعهداتها الرسمية، بما في ذلك اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الذي وافق عليه الحزب عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري والحكومة اللبنانية.

وفي مقابلة تلفزيونية على قناة "المنار"، في 9 مارس، أكد قاسم أن "رئيس الجمهورية تحدث عن حصرية السلاح، ونحن أيضاً مع حصرية السلاح بيد قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني لضبط الأمن والدفاع، ولسنا ضد أن يكونوا هم المسؤولين. نرفض منطق الميليشيات ونرفض أن يشارك أحد الدولة في حماية أمنها، لكن نحن لا علاقة لنا بهذا الموضوع، نحن مقاومة".

وبعد إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، دعا الرئيس اللبناني جوزاف عون القوى المعنية في الجنوب اللبناني كافة، لاسيما لجنة المراقبة المنبثقة عن اتفاق نوفمبر 2024، والجيش، إلى متابعة ما يحصل بجدية قصوى لتلافي أي تداعيات وضبط أي خرق أو تسيّب يمكن أن يهدد الوطن في هذه الظروف الدقيقة. 

كما طلب عون من قائد الجيش العماد رودولف هيكل، اتخاذ الإجراءات الميدانية الضرورية للمحافظة على سلامة المواطنين، والتحقيق لجلاء ملابسات ما حصل".

من جانبه، يرى ملاعب أن "انسحاب إسرائيل إلى الحدود الدولية المعترف بها في اتفاقية عام 1949 سيساهم في تعزيز دور الدولة اللبنانية في استعادة سلطتها على السلاح".

ورغم ذلك يلفت ملاعب إلى أن "قرار حزب الله ليس محلياً بالكامل، بل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإيران، لذلك مستقبل سلاح الحزب يتأثر بشكل رئيسي بالعلاقة بين إيران والولايات المتحدة، وخلال الشهرين المقبلين سيتم تحديد ما إذا كانت الجهود الأميركية ستؤدي إلى صفقة بين الطرفين أو ما إذا كنا نتجه نحو تصعيد جديد".

وفي حال فشلت الجهود الدبلوماسية، يحذر ملاعب، من أن "البديل سيكون المواجهة العسكرية، ما قد يؤدي إلى تصعيد دموي في المنطقة، بما في ذلك تفعيل إيران لأذرعها".

وعن السيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة في حال لم يسلم الحزب سلاحه، يرى جابر أن "إسرائيل ستواصل غاراتها على لبنان وعمليات الاغتيال التي تستهدف كوادر وقيادات حزب الله، في إطار سعيها المستمر لإضعافه أو القضاء عليه".

كما لم يستبعد لجوء إسرائيل إلى تنفيذ عمليات كوماندوز ضد أهداف محددة، "فرغم صعوبة هذا الخيار وتكلفته العالية، يبقى احتمالاً قائماً".

علي - حزب الله

"أنا مين؟" سأل نفسه، عائدا، على حدود الوطن.

لم يجد جوابا.

منذ غادر لبنان، لم يكن الاسم وحده ما تغيّر.

علي، الشاب الشيعي المنتمي لحزب الله منذ الطفولة، لم يقرر أن يولد عليًّا، ولم يكن يتخيل يومًا أن يصير إيلي، يقول.

من الكشافة إلى القتال

في بيت فقير، في جنوب لبنان، وُلد علي يتيمًا بين عشرة.

أمه، بلا سند، لم تجد ملاذًا سوى في الحزب الذي يفرض حضوره على كل تفصيل في المجتمع: من المدرسة إلى المستشفى، من الطفولة إلى السلاح.

هناك، لم تكن الحياة مجرد حياة؛ بل عقيدة. "نحن على الحق"، يرددونها صباحًا ومساءً. ومنذ الطفولة، صارت البندقية جزءًا من المنهج.

في عمر العاشرة، انضم علي إلى "كشافة الإمام المهدي"، حيث يبدأ الغرس العقائدي والعسكري معًا. "دورة محو الأمية" لم تكن كما توحي تسميتها؛ بل تدريبًا أوليًا على حمل السلاح. في الثانية عشرة، كان الطفل الصغير يعرف كيف يفكك البندقية، وفي الثالثة عشرة، كان يفتخر باستشهاد أصدقاء في التدريبات.

يصف علي دورات القتال بأنها "مزج من العسكر والعقيدة"، لكن العقيدة كانت الغالبة دائمًا. يتعلم المنتسبون أنهم يدافعون عن "أمة، عن شرف، عن طائفة"، وأن كل ما هو خارج هذا المسار مشبوه، خطر، أو "كفر".

 

عالم بالألوان

لكن العالم ليس أبيض وأسود. في سن الثامنة عشرة، بدأت تظهر تصدعات الشك. تعرّف علي على أصدقاء خارج "الخط"، وبدأ يرى شيئًا مختلفًا: حياة أخرى، حوارات، ضحك، نساء، ملابس ملونة، وموسيقى. كلها ممنوعة.

في إحدى الليالي، عاد إلى البيت متأخرًا، فصفعته أمه بركوة قهوة. تلك الصفعة لم تكن مجرد غضب أم، بل لحظة صدع.

"هل هذا هو الحق؟"، تساءل لأول مرة.

ومن هذا السؤال، بدأ كل شيء يتغير.

الهروب من القدر

رفض علي دعوة الحزب للانضمام إلى دورة تؤهله ليصبح "متفرغًا". كان يعلم أن القبول بها يعني بلوغ نقطة اللاعودة. فقرر أن يغادر. هرب من عائلته، من أصدقائه، ومن اسمه.

سافر إلى تركيا، ومنها حاول عبور البحر إلى أوروبا على "قوارب الموت". غرق ثلاث مرات. في كل مرة، كان الموت قريبا وكان كأنه يولد من جديد. أعادته النجاة إلى السؤال الأصلي: من هو؟ وماذا يريد أن يكون؟

من علي إلى إيلي

بعد فشل محاولة اللجوء، عاد إلى لبنان. في مطار بيروت، وقف حائرًا: لا أهل، لا أصدقاء، ولا خط عودة إلى الحزب. دق باب صديق قديم، فأتاه الجواب:

"في عائلة بدها حدا يساعدها... بس في مشكلة: اسمك علي".

ضحك، وقال: "خليه إيلي".

هكذا بدأ فصلاً جديدًا من حياته، يعيش مع عائلة مسيحية، يذهب معهم إلى الكنيسة، يشاركهم التراتيل، ويشعر لأول مرة بأنه إنسان، فقط إنسان.

"أنا مين؟" يعيد السؤال، هذه المرة بثقة أكبر. لا يريد أن يكون تابعًا، ولا أن يُملى عليه ما هو الحق وما هو الباطل. "بدي أكون إنسان يقرر، يشوف، يعرف".

تغير الاسم، بقي السؤال، لكن صارت لديه حرية البحث عن إجابة.