إسرائيل ضربت الضاحية الجنوبية لأول مرة منذ نوفمبر (Reuters)
إسرائيل ضربت الضاحية الجنوبية لأول مرة منذ نوفمبر (Reuters) | Source: Reuters

تطوّرات أمنيّة كبيرة شهدها لبنان، الجمعة، أعادت اللبنانيين إلى مشاهد الحرب مع إطلاق قذيفتين من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل، ثمّ لجوء الجيش الإسرائيلي إلى قصف أحد المباني في الضاحية الجنوبيّة للعاصمة اللبنانيّة متّهمًا حزب الله بوضع مخازن لمسيرات حربيّة في المباني السكنيّة.

حالة من البلبلة والخوف سادت بين المواطنين قبل ساعة من الاستهداف، مع نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي تحذيرًا للسكان بوجوب إخلاء المبنى الذي أشار إليه في إحدى الخرائط، الأمر الذي أثار المخاوف من عودة الحرب، بعد أشهر على اتفاق وقف إطلاق النار، وما استتبعه من خروقات في عدة مناطق لبنانية.

الجديد هذه المرة في التطوّرات الأمنيّة أنّها تحصل بعد انتخاب رئيس للجمهوريّة وتشكيل حكومة بصلاحيات كاملة، وتأكيدها في البيان الوزاري على حصر السلاح بيد الجيش اللبناني. واستطرادًا كان حزب الله قد أكّد على لسان أكثر من مسؤول عدم تبنّيه إطلاق القذائف والتزامه اتفاق وقف إطلاق النار.

وفي هذا السياق، رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي وصل إلى باريس اليوم في زيارة رسمية يرافقه وزير الخارجيّة والمغتربين يوسف رجي، دان بعد لقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الإليزيه "بشدّة عودة الاعتداءات الإسرائيليّة على بلدنا، ونرفض أيّ اعتداء على لبنان وأيّ محاولة مشبوهة لإعادته إلى دوّامة العنف"، مناشدًا جميع أصدقاء لبنان في العالم، من باريس إلى واشنطن "التّحرّك سريعًا لوقف التّدهور، ومساعدة لبنان على تطبيق القرارات الدّوليّة على كامل حدودنا وأراضينا".

وأشار، في مؤتمر صحافي مشترك مع الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى "أنّنا لن نسمح أن تتكرّر الحرب اللبنانيّة، ولذلك ثمّة مقتضيات مطلوبة منّا كلبنانيّين وكدولة ومسؤولين، وهي أوّلًا أن نبني دولة قويّة سيّدة يحميها جيشها وقواها الرّسمية وتوافق أبنائها ووحدتهم".

وركّز على أنّ "سيادة دولتنا على أرضنا هي مسار ضروري ودقيق في آن قررنا المضي به، ونتطلّع إليكم لشرح الحساسيّات والمقتضيات للعالم أجمع، بحيث نطبّق القرارات الأمميّة ذات الصّلة".

من جهته، عبّر الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون عبّر في المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس اللبناني، عن "تضامنه مع سكان بيروت الذين شهدوا اليوم غارة إسرائيلية في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدًا أنّ "فرنسا إلى جانب لبنان في وجه التحدّيات التي يواجهها".

وأكّد ماكرون أنّ "قصف بيروت اليوم غير مقبول وكذلك التّوتر على طول الخط الأزرق، ونحن ملتزمون مع واشنطن والأمم المتحدة بدعم اتفاق وقف إطلاق النار"، مضيفًا أننا "سنقف إلى جانب لبنان لتحقيق سيادته وضمان أمنه".

وعن هذه التطوّرات الأمنية قال الصحافي محمّد بركات لموقع "الحرة" إنّ "هناك عقولًا غبية تسعى لإعادة لبنان إلى دوامة المجزرة" معتبرًا أنّها "ليست حربًا، ولا مواجهة، ولا مقاومة بل هي استدعاء للمجزرة".

وتابع بركات أنّ "هناك حزبًا أعلن الحرب على الناتو، إسرائيل، أميركا، وأوروبا، وخسر الحرب، والآن يسعى لإعادتها مجددًا ليستثمر هذه المجزرة في إعلان صموده، تمامًا كما تفعل حماس في غزة".

وعن هذه الخطوة اعتبر بركات أنّ هذا "يعدّ انتحارًا، واستدعاءً للمجزرة، ويجب القبض على من يطلقون الصواريخ ومحاكمتهم أمام القضاء اللبناني بتهمة ضرب الاتفاقات الدّوليّة التي وقّعها لبنان، وتعريض المدنيين للأذى، والتحريض على الأمن القومي اللبناني".

وأكّد بركات أنّ "ما يحدث الآن لم يعد مقبولًا". وعن إمكانية العودة إلى الحرب قال بركات إنّنا "لا نستطيع القول إننا عدنا إلى الحرب، لكن من الواضح أننا لا نزال في حالة من أشكال الحرب، مع إطلاق صواريخ مرّتين من لبنان، وقصف من إسرائيل على البقاع وجنوب لبنان عشرات المرّات، والآن على الضاحية الجنوبية" وختم أنّ هناك "تهديدًا مستمرًّا، وبالتالي، عمليًا نحن في حالة تتراوح بين السلم والحرب."

من جهته، قال الصحفي طوني أبي نجم لموقع "الحرة" إنّ "ما تابعناه اليوم في الجنوب وأيضًا غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت يأتي في سياق واحد هو نتيجة عبثيّة لعدم تنفيذ حزب الله المطلوب منه بموجب اتفاق وقف إطلاق النار مما يسمح للتمادي في الضربات الإسرائيليّة."

وتابع أبي نجم أنّ "الحلّ الوحيد لكل هذا الموضوع هو في التزام حزب الله بتسليم سلاحه كاملا إلى الجيش اللبناني وتفكيك بنيته ومنظومته العسكرية والأمنية جنوب الليطاني وشمال الليطاني وعلى كامل مساحة الأراضي اللبنانية وغير ذلك سنبقي لبنان عرضة لمزيد من الضربات الإسرائيلية التي ربما ولا سمح الله أن تتوسع وبالتالي اليوم نأتي إلى جولة جديدة من الضربات كنتيجة ظاهرية لصواريخ مفتعلة أو لصواريخ قد تكون منها أهداف خبيثة لتحوير الأنظار عن التحضيرات لربما لضربة إسرائيلية أميركية لإيران وأيضا ربما لتحييد الأنظار عن الضربات لليمن". 

واتّهم أبي نجم حزب الله "بتعريض الأراضي اللبنانيّة وسلامة لبنان لمخاطر جمّة وبالتالي ما حصل قد يشكّل بابًا لمزيد من تدهور الأوضاع ولمواجهات أوسع نطاقًا لا سمح الله"، وكرّر أن "لا حلّ إلا بالالتزام الكامل بمضمون اتفاق وقف إطلاق النار وبالقرارات الدولية 1559، 1680، و1701 وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية حصرًا، وهذا ما يؤدي برأيه إلى منع إسرائيل من القيام بأي اعتداء على لبنان.

ويعيش سكان الضاحية الجنوبية والمناطق المجاورة حالة من القلق بانتظار جلاء الصورة وأن تثمر الاتصالات السياسية في وضع حدّ للتطورات الأمنية الخطيرة قبل أيام من إجازة عيد الفطر.

علي - حزب الله

"أنا مين؟" سأل نفسه، عائدا، على حدود الوطن.

لم يجد جوابا.

منذ غادر لبنان، لم يكن الاسم وحده ما تغيّر.

علي، الشاب الشيعي المنتمي لحزب الله منذ الطفولة، لم يقرر أن يولد عليًّا، ولم يكن يتخيل يومًا أن يصير إيلي، يقول.

من الكشافة إلى القتال

في بيت فقير، في جنوب لبنان، وُلد علي يتيمًا بين عشرة.

أمه، بلا سند، لم تجد ملاذًا سوى في الحزب الذي يفرض حضوره على كل تفصيل في المجتمع: من المدرسة إلى المستشفى، من الطفولة إلى السلاح.

هناك، لم تكن الحياة مجرد حياة؛ بل عقيدة. "نحن على الحق"، يرددونها صباحًا ومساءً. ومنذ الطفولة، صارت البندقية جزءًا من المنهج.

في عمر العاشرة، انضم علي إلى "كشافة الإمام المهدي"، حيث يبدأ الغرس العقائدي والعسكري معًا. "دورة محو الأمية" لم تكن كما توحي تسميتها؛ بل تدريبًا أوليًا على حمل السلاح. في الثانية عشرة، كان الطفل الصغير يعرف كيف يفكك البندقية، وفي الثالثة عشرة، كان يفتخر باستشهاد أصدقاء في التدريبات.

يصف علي دورات القتال بأنها "مزج من العسكر والعقيدة"، لكن العقيدة كانت الغالبة دائمًا. يتعلم المنتسبون أنهم يدافعون عن "أمة، عن شرف، عن طائفة"، وأن كل ما هو خارج هذا المسار مشبوه، خطر، أو "كفر".

 

عالم بالألوان

لكن العالم ليس أبيض وأسود. في سن الثامنة عشرة، بدأت تظهر تصدعات الشك. تعرّف علي على أصدقاء خارج "الخط"، وبدأ يرى شيئًا مختلفًا: حياة أخرى، حوارات، ضحك، نساء، ملابس ملونة، وموسيقى. كلها ممنوعة.

في إحدى الليالي، عاد إلى البيت متأخرًا، فصفعته أمه بركوة قهوة. تلك الصفعة لم تكن مجرد غضب أم، بل لحظة صدع.

"هل هذا هو الحق؟"، تساءل لأول مرة.

ومن هذا السؤال، بدأ كل شيء يتغير.

الهروب من القدر

رفض علي دعوة الحزب للانضمام إلى دورة تؤهله ليصبح "متفرغًا". كان يعلم أن القبول بها يعني بلوغ نقطة اللاعودة. فقرر أن يغادر. هرب من عائلته، من أصدقائه، ومن اسمه.

سافر إلى تركيا، ومنها حاول عبور البحر إلى أوروبا على "قوارب الموت". غرق ثلاث مرات. في كل مرة، كان الموت قريبا وكان كأنه يولد من جديد. أعادته النجاة إلى السؤال الأصلي: من هو؟ وماذا يريد أن يكون؟

من علي إلى إيلي

بعد فشل محاولة اللجوء، عاد إلى لبنان. في مطار بيروت، وقف حائرًا: لا أهل، لا أصدقاء، ولا خط عودة إلى الحزب. دق باب صديق قديم، فأتاه الجواب:

"في عائلة بدها حدا يساعدها... بس في مشكلة: اسمك علي".

ضحك، وقال: "خليه إيلي".

هكذا بدأ فصلاً جديدًا من حياته، يعيش مع عائلة مسيحية، يذهب معهم إلى الكنيسة، يشاركهم التراتيل، ويشعر لأول مرة بأنه إنسان، فقط إنسان.

"أنا مين؟" يعيد السؤال، هذه المرة بثقة أكبر. لا يريد أن يكون تابعًا، ولا أن يُملى عليه ما هو الحق وما هو الباطل. "بدي أكون إنسان يقرر، يشوف، يعرف".

تغير الاسم، بقي السؤال، لكن صارت لديه حرية البحث عن إجابة.