المبنى المستهدف في الضاحية الجنوبية - رويترز
المبنى المستهدف في الضاحية الجنوبية - رويترز

شن الجيش الإسرائيلي، فجر الثلاثاء، غارة على الضاحية الجنوبية في بيروت، قال إنه استهدف فيها "عنصرا من حزب الله"، وتبع ذلك إدانات رسمية لبنانية للهجوم.

وأصدر الجيش الإسرائيلي بيانا قال فيه، إن طائراته الحربية شنت غارة على الضاحية الجنوبية، ضد أحد عناصر الحزب المصنف إرهابيا في الولايات المتحدة ودول أخرى، "كان يوجّه عناصر من حركة حماس، وساهم في التخطيط لتنفيذ عملية إرهابية وشيكة ضد مواطنين إسرائيليين".

وزارة الصحة اللبنانية قالت، الثلاثاء، إن الغارة الإسرائيلية أسفرت عن مقتل 3 أشخاص بينهم امرأة، وإصابة 7 آخرين بينهم اثنان في حالة حرجة.

وقال مصدر أمني لبناني للحرة، إن المقاتلات الإسرائيلية استهدفت مبنى في الضاحية، مما أدى إلى تدمير الطوابق الثلاثة العلوية منه.

وفرض الجيش اللبناني طوقًا أمنيًا حول موقع الغارة، فيما دخلت قوة من مخابرات الجيش لمعاينة المكان. ولا تزال عمليات المسح والبحث في المبنى المستهدف مستمرة.

وأدان الرئيس اللبناني جوزاف عون، الغارة الإسرائيلية، قائلا إنها "اعتداء خطير يشكّل إنذارا حول النيات المبيّتة ضد لبنان"، حسب بيان صادر عن رئاسة الجمهورية.

دبابات إسرائيلية عائدة من جنوب لبنان - رويترز
مناورات إسرائيلية قرب حدود لبنان.. "رسائل ذات بُعدين"
في ظل التوترات المتزايدة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، نفّذ الجيش الإسرائيلي، الأربعاء الماضي، تمريناً عسكرياً واسع النطاق في المنطقة الشمالية، حاكى سيناريوهات قتالية دفاعية وهجومية، وجسّد تعزيز حماية البلدات الحدودية المحاذية للسياج الأمني، إضافة إلى اختبار مستوى التنسيق بين مختلف قوات الأمن العاملة في المنطقة.

وأضاف عون أن الغارة، التي تُعد الثانية منذ اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي، تأتي في توقيت "لا يمكن فصله عن التوقيع في جدة على اتفاق لضبط الحدود اللبنانية – السورية برعاية المملكة العربية السعودية، ولا عن نتائج زيارته الأخيرة إلى باريس والتطابق الكامل في المواقف مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون".

وأضاف أن "التمادي الإسرائيلي في عدوانيته يستدعي تكثيف الجهود مع أصدقاء لبنان في العالم، لحشد الدعم من أجل حماية السيادة اللبنانية ومنع الانتهاكات الخارجية، أو التحركات الداخلية التي توفر ذرائع للاعتداء".

وأكد عون أن الرد يجب أن يكون بـ"مزيد من الوحدة الوطنية خلف الأهداف التي يجمع عليها اللبنانيون، كما وردت في خطاب القسم وبيان الحكومة"، مشددًا على التعاون مع رئيس الحكومة لـ"استثمار الفرصة الاستثنائية المتاحة لإنقاذ لبنان".

وبدوره، أكد رئيس الحكومة نواف سلام، أن الغارة الإسرائيلية تشكل "انتهاكا صارخا للقرار الأممي ١٧٠١ الذي يؤكد على سيادة لبنان وسلامته، كما هو يشكل خرقاً واضحاً للترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية التي تم التوصل اليها في نوفمبر".

وتزايدت المؤشرات في الآونة الأخيرةعلى هشاشة وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، فقد أرجأت إسرائيل ما وعدت به من انسحاب قواتها في يناير، وأعلنت في مارس أنها اعترضت صواريخ أُطلقت من لبنان، وأن ذلك دفعها إلى قصف أهداف في الضاحية الجنوبية لبيروت وجنوبي لبنان.

ونفى حزب الله المتحالف مع إيران أي تورط له في إطلاق الصواريخ. وألقت السلطات اللبنانية القبض على عدة أشخاص متهمين بالتورط في إطلاق صواريخ نحو إسرائيل، وفق بيان رسمي الإثنين.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء، إن إسرائيل تدافع عن نفسها ضد هجمات صاروخية انطلقت من لبنان، وإن واشنطن تحمل "الإرهابيين" مسؤولية استئناف الأعمال القتالية.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عبر البريد الإلكتروني، وفق رويترز: "استؤنفت الأعمال القتالية لأن الإرهابيين أطلقوا صواريخ على إسرائيل من لبنان"، مضيفا أن واشنطن تدعم رد إسرائيل.

علي - حزب الله

"أنا مين؟" سأل نفسه، عائدا، على حدود الوطن.

لم يجد جوابا.

منذ غادر لبنان، لم يكن الاسم وحده ما تغيّر.

علي، الشاب الشيعي المنتمي لحزب الله منذ الطفولة، لم يقرر أن يولد عليًّا، ولم يكن يتخيل يومًا أن يصير إيلي، يقول.

من الكشافة إلى القتال

في بيت فقير، في جنوب لبنان، وُلد علي يتيمًا بين عشرة.

أمه، بلا سند، لم تجد ملاذًا سوى في الحزب الذي يفرض حضوره على كل تفصيل في المجتمع: من المدرسة إلى المستشفى، من الطفولة إلى السلاح.

هناك، لم تكن الحياة مجرد حياة؛ بل عقيدة. "نحن على الحق"، يرددونها صباحًا ومساءً. ومنذ الطفولة، صارت البندقية جزءًا من المنهج.

في عمر العاشرة، انضم علي إلى "كشافة الإمام المهدي"، حيث يبدأ الغرس العقائدي والعسكري معًا. "دورة محو الأمية" لم تكن كما توحي تسميتها؛ بل تدريبًا أوليًا على حمل السلاح. في الثانية عشرة، كان الطفل الصغير يعرف كيف يفكك البندقية، وفي الثالثة عشرة، كان يفتخر باستشهاد أصدقاء في التدريبات.

يصف علي دورات القتال بأنها "مزج من العسكر والعقيدة"، لكن العقيدة كانت الغالبة دائمًا. يتعلم المنتسبون أنهم يدافعون عن "أمة، عن شرف، عن طائفة"، وأن كل ما هو خارج هذا المسار مشبوه، خطر، أو "كفر".

 

عالم بالألوان

لكن العالم ليس أبيض وأسود. في سن الثامنة عشرة، بدأت تظهر تصدعات الشك. تعرّف علي على أصدقاء خارج "الخط"، وبدأ يرى شيئًا مختلفًا: حياة أخرى، حوارات، ضحك، نساء، ملابس ملونة، وموسيقى. كلها ممنوعة.

في إحدى الليالي، عاد إلى البيت متأخرًا، فصفعته أمه بركوة قهوة. تلك الصفعة لم تكن مجرد غضب أم، بل لحظة صدع.

"هل هذا هو الحق؟"، تساءل لأول مرة.

ومن هذا السؤال، بدأ كل شيء يتغير.

الهروب من القدر

رفض علي دعوة الحزب للانضمام إلى دورة تؤهله ليصبح "متفرغًا". كان يعلم أن القبول بها يعني بلوغ نقطة اللاعودة. فقرر أن يغادر. هرب من عائلته، من أصدقائه، ومن اسمه.

سافر إلى تركيا، ومنها حاول عبور البحر إلى أوروبا على "قوارب الموت". غرق ثلاث مرات. في كل مرة، كان الموت قريبا وكان كأنه يولد من جديد. أعادته النجاة إلى السؤال الأصلي: من هو؟ وماذا يريد أن يكون؟

من علي إلى إيلي

بعد فشل محاولة اللجوء، عاد إلى لبنان. في مطار بيروت، وقف حائرًا: لا أهل، لا أصدقاء، ولا خط عودة إلى الحزب. دق باب صديق قديم، فأتاه الجواب:

"في عائلة بدها حدا يساعدها... بس في مشكلة: اسمك علي".

ضحك، وقال: "خليه إيلي".

هكذا بدأ فصلاً جديدًا من حياته، يعيش مع عائلة مسيحية، يذهب معهم إلى الكنيسة، يشاركهم التراتيل، ويشعر لأول مرة بأنه إنسان، فقط إنسان.

"أنا مين؟" يعيد السؤال، هذه المرة بثقة أكبر. لا يريد أن يكون تابعًا، ولا أن يُملى عليه ما هو الحق وما هو الباطل. "بدي أكون إنسان يقرر، يشوف، يعرف".

تغير الاسم، بقي السؤال، لكن صارت لديه حرية البحث عن إجابة.