حزب الله لم يعد يمتلك القدرة العسكرية على التحرك في الجنوب كما كان في السابق (رويترز)
حزب الله أعلن أنه استعاد "قدراته القتالية" - صورة تعبيرية

في تصعيد جديد، رفع حزب الله من حدة خطابه تجاه إسرائيل، مجدداً تمسكه بسلاحه ورافضاً أي جهود دولية لنزع ترسانته العسكرية. 

وفي رسالة تحدٍ واضحة، أعلن الحزب عن استعادة قدراته القتالية بعد الأضرار التي لحقت بها خلال حربه الأخيرة مع إسرائيل، مؤكداً استمراره فيما يسميه "المقاومة"، متجاهلاً القرارات الأممية والضغوط الدولية المتزايدة.

وأكد النائب عن حزب الله في البرلمان، علي عمار، يوم الثلاثاء أن "المقاومة لا تزال قائمة ومستمرة، وهي في جهوزية تامة لمواجهة أي عدوان جديد"، مشدداً على أن "المقاومة بكامل قوتها واستعداداتها".

ورغم التصعيد، يطالب الحزب الدولة اللبنانية بتحمل مسؤولياتها، سواء في إعادة الإعمار أو التدخل لدى المجتمع الدولي للحد من الضربات الإسرائيلية التي تستهدف قيادييه ومخازن أسلحته. ويعكس هذا التباين بين استعراض القوة العسكرية والاحتماء بمؤسسات الدولة استراتيجية الحزب في إدارة المواجهة.

وسط هذا المشهد، تتزايد المخاوف من تداعيات موقف حزب الله على استقرار لبنان، ومدى قدرة السلطة اللبنانية على منع انزلاق البلاد إلى مواجهات جديدة. وتأتي هذه التطورات في وقت تتصاعد فيه المؤشرات على احتمالية تصعيد عسكري في المنطقة، ما يضع لبنان أمام تحديات أمنية وسياسية قد تكون لها تداعيات خطيرة.

مرحلة مفصلية

الوضع الذي يعيشه لبنان اليوم "هو نتيجة مباشرة لسياسات حزب الله، الذي انخرط في الحرب وتجاهل المناشدات المطالبة بوقف التصعيد، فضلاً عن رفضه الوساطات الهادفة إلى إنهاء النزاع"، وفقاً لرئيس تحرير موقع "جنوبية"، الصحفي علي الأمين، الذي شدد على ضرورة "امتناع الحزب عن التعليق على التطورات الأخيرة، وترك الحكومة اللبنانية تحدد المسار المناسب".

وأشار الأمين في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "إصرار الحزب على المواجهة مع إسرائيل هو السبب الرئيسي لما وصل إليه لبنان"، مضيفاً "لقد وقع حزب الله على اتفاق أضرّ بسيادة لبنان نتيجة خياراته، ما يجعل المسؤولية اليوم تقع على الدولة اللبنانية لإنقاذ البلاد من تداعيات ذلك. وبالتالي، لا يحق للحزب مساءلة الدولة أو التعليق على أدائها. وإذا كان قادراً على اتخاذ أي خطوة، فليقم بذلك، لكنه منذ وقف إطلاق النار لم يتحرك، رغم الخسائر التي تكبدها، ليس لأنه يلتزم بسياسة الدولة اللبنانية كما يدّعي، بل لأنه ببساطة عاجز عن الرد ويدرك تماماً تكلفة أي تصعيد".

لطالما اعتمد الحزب سياسة الازدواجية في مواقفه، كما يشير المحلل السياسي جورج العاقوري، "محاولاً الالتفاف على القرارات الدولية لكسب الوقت. فبعد حرب يوليو 2006، وافق على القرار 1701، لكنه سرعان ما تنصل منه، وكذلك بعد ان وافق على ميثاق بعبدا في عهد الرئيس ميشال سليمان والذي يتحدث عن حصرية السلاح بيد الدولة، خرج رئيس كتلته النائب محمد رعد ليقول "بلوا وشربوا زومو". واليوم، يحاول تكرار النهج ذاته، لكن المشهد تغيّر تماماً في لبنان والمنطقة، ونحن في مرحلة مفصلية حيث لم يعد بالإمكان الاستمرار في التلاعب بالمواقف".

وأضاف العاقوري في حديث لموقع "الحرة" "لا يكفي أن يقول حزب الله إنه ملتزم باتفاق وقف إطلاق النار ويتبع سياسة الدولة اللبنانية. عليه أن يكون أكثر وضوحاً، ويسلّم سلاحه ومواقعه للسلطة اللبنانية. هو يدرك ذلك، وأقرّ به عندما وافق على مضامين وقف إطلاق النار. هذه هي المعادلة القائمة اليوم، وأي محاولة للالتفاف عليها ستكلّف لبنان كثيراً، وستكلّف الحزب أكثر، لأنها ستتسبب بضربة قاضية لدوره العسكري، وربما تؤثر حتى على دوره السياسي".

من جانبه، حذّر الكاتب والباحث السياسي الدكتور مكرم رباح من استمرار حزب الله في استغلال الدولة اللبنانية وشعبها لخدمة مصالحه ومصالح إيران، مشيراً في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "حزب الله لا يؤمن أصلاً بوجود الدولة اللبنانية، بل لطالما استخدمها وشعبها كدرع بشري. وما يقوم به حالياً، بالتنسيق مع إيران، ليس سوى مماطلة تهدف إلى تحسين شروطه، مع إبقاء لبنان واللبنانيين ورقة ضغط في معادلاته الإقليمية".

المسار المنقذ

لا خيار أمام الحكومة اللبنانية سوى "مواجهة سلاح حزب الله ونزعه"، كما يرى رباح، "سواء عبر قوة القانون أو وفقاً للاتفاقات التي وقع عليها لبنان، بما في ذلك القرار 1701، الذي وافق عليه رئيس مجلس النواب بصفته ممثلاً لحزب الله. وأي تهاون في هذا الملف سيؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية والإقليمية".

من جهته، شدد الأمين على ضرورة اتخاذ الدولة اللبنانية قرارات حاسمة لمعالجة ملف سلاح حزب الله، عبر وضع خطة تنفيذية واضحة تحدد آلية تطبيق القرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 1701. وقال "يجب وضع خارطة طريق ملزمة تكون الحكومة اللبنانية هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن تنفيذها، مع التأكيد على التزام جميع الأطراف بها".

وأضاف أن "القضية لا تقتصر على سلاح حزب الله فقط، بل تشمل جميع الأسلحة غير الشرعية في لبنان، سواء كانت بحوزة جهات لبنانية أخرى أو فصائل فلسطينية أو أي قوة خارج إطار الدولة"، لافتاً إلى أن الحرب الأخيرة "أثبتت أن سلاح الحزب لم يعد يشكل عامل ردع لإسرائيل، ما يستوجب التركيز على تعزيز علاقات لبنان الدولية والعربية باعتبارها الوسيلة الأكثر فاعلية لتحصين الوضع الأمني وردع أي اعتداء خارجي، إلى جانب تنفيذ القرارات الدولية من الجانبين، الإسرائيلي واللبناني".

وأشار الأمين إلى أن "حزب الله فقد جزءاً كبيراً من نفوذه، وأن ما تبقى له لم يعد يشكل تهديداً فعلياً"، مستدلاً بالاستهدافات الإسرائيلية المتكررة التي يتعرض لها دون أن يتمكن من الرد".

وأكد أن البيان الوزاري وخطاب القسم شددا على ضرورة استعادة الدولة اللبنانية سيادتها، مشيراً إلى أن إعلان رئيس الحكومة نواف سلام عن انتهاء ثلاثية "الجيش، الشعب، المقاومة" يشكل خطوة محورية في مسار احتواء النفوذ العسكري والأمني لحزب الله.

تداعيات خطيرة

التصعيد الأمني الأخير يهدد أمن لبنان واستقراره، كما يؤكد العاقوري، "لأنه تصعيد غير مضبوط، ولا يمكن التكهن بتداعياته، كما أنه يقوّض أي محاولة لاستعادة الثقة بلبنان وجذب الاستثمارات".

وشدد العاقوري على أنه "لا خيار أمام الحكومة اللبنانية سوى الحلول الدبلوماسية، إذ إن المواجهة العسكرية مع إسرائيل غير متكافئة. فجيوش الدول العربية مجتمعة لا تمتلك القدرات العسكرية التي تملكها إسرائيل، فكيف الحال بلبنان؟ كما أن الحرب الأخيرة كشفت زيف نظرية الردع التي روّج لها حزب الله على مدى 40 عاماً، موهِمًا اللبنانيين بأنه قادر على حمايتهم، لكنها سقطت سقوطاً مدوياً".

ويتطلب المسار الدبلوماسي كما يرى العاقوري "أن تستعيد السلطة اللبنانية قرار في الحرب والسلم، وتمسك بزمام الأمور عسكرياً، بحيث لا يبقى أي ازدواجية في السلاح، عندها فقط، يمكن للبنان أن يطلب من أصدقائه والمجتمع الدولي الضغط على إسرائيل للانسحاب من النقاط الخمس الحدودية، لأنه سيكون قد سحب الذريعة التي تستخدمها دائماً، وهي وجود تهديد لأمنها ووجودها".

في السياق ذاته، حذّر رباح من تداعيات التصعيد الحالي على الاقتصاد اللبناني، موضحاً أنه "يشكّل تهديداً جدياً لقدرة لبنان على التعافي الاقتصادي والسياسي، كما يلقي بظلاله السلبية على الموسم السياحي المقبل. إضافة إلى ذلك، فإن عودة المغتربين تُعدّ عاملاً أساسياً في إنعاش الاقتصاد الوطني".

أما فيما يتعلق بالحد من نفوذ حزب الله، فقد أكد رباح أن ذلك ممكن "من خلال تفكيك وجوده داخل المؤسسات اللبنانية، سواء الأمنية، كالمخابرات والجيش، أو الاقتصادية، مع رفض منحه أي مكافآت سياسية على فشله العسكري والسياسي".

بدوره، يرى الأمين أن "على حزب الله أن يقرر إنهاء دوره كحزب عسكري وأمني، والتحول إلى حزب سياسي صرف. لم يعد أمامه خيار آخر، إلا إذا قرر المضي في خيار انتحاري عبر الإصرار على الاحتفاظ بسلاحه والاستمرار في لعب دور القوة العسكرية داخل دولة قررت أن يكون السلاح الشرعي هو الوحيد المسموح به على أراضيها".

أما العاقوري، فيشدد على ضرورة "التمييز بين نفوذ حزب الله العسكري ونفوذه السياسي. فاحتواء نفوذه العسكري غير مطروح وغير منطقي، بل يجب إنهاؤه بالكامل. أما نفوذه السياسي، فله كامل الحق في ممارسته ضمن إطار الدستور اللبناني والنظام الديمقراطي، شرط أن يتم عبر صناديق الاقتراع، لا عبر صناديق الرصاص".

بين المنازل السكنية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، يزرع حزب الله الموت.. صواريخ وذخائر في أقبية المباني والمستودعات.
بين المنازل السكنية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، يزرع حزب الله الموت.. صواريخ وذخائر في أقبية المباني والمستودعات.

بين المنازل السكنية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، يزرع حزب الله الموت.. صواريخ وذخائر في أقبية المباني والمستودعات.

قبل أيام، عرض الجيش الإسرائيلي مشاهد لقصف استهدف بنية تحتية قال إنها خُصصت لتخزين صواريخ دقيقة في الضاحية الجنوبية لبيروت، مؤكداً أنه دمرها بالكامل. لم تكن هذه المرة الأولى التي تنشر فيها إسرائيل مقاطع تُظهر استهداف مستودعات أسلحة لحزب الله تتطاير منها الذخائر والصواريخ وسط أحياء سكنية.

أعادت واقعة الضاحية الجنوبية تسليط الضوء على المخاطر الجسيمة التي تتهدد حياة المدنيين في مناطق نفوذ حزب الله.

الدروع البشرية تحمي السلاح؟

بلغ حزب الله من حال الارتباك والضعف درجة الاحتماء بالمدنيين، كما يقول المحلل السياسي الياس الزغبي وهذا ما يفسّر برأيه "تخزينه الأسلحة في عمق المناطق الآهلة وفقاً لما ظهر في الهنغار الذي استهدفته إسرائيل قبل بضعة أيام في الضاحية الجنوبية لبيروت".

وهذا ما يفسّر أيضاً وفق ما يقوله الزغبي لموقع الحرة "الإنذار الذي وجهته إسرائيل إلى المدنيين القاطنين في محيط هذا الموقع كي تتفادى نقمة عالمية في حال سقوط قتلى من الأهالي. ولوحظ هذه المرة أن فترة الانذار كانت أطول من سابقاتها بهدف إتاحة الوقت الكافي لإخلاء الأبنية المحيطة بالموقع المستهدف".

عملياً، لم يعد حزب الله يقيم وزنا للمدنيين، يقول الزغبي، بل لعلّه يفضل وفق ما يشدد "سقوط قتلى كي يستثير العواطف ويؤجج مشاعر بيئته، فهو يضع أولوية الحفاظ على سلاحه قبل أي أمر آخر، حتى لو سقطت أرواح بريئة. وبذلك يكون قد استبدل شعاره "السلاح يحمي السلاح" بشعار جديد "الدروع البشرية تحمي السلاح"!.

يذكر أن للبنانيين تجارب عديدة مع استخدام حزب الله للمناطق اللبنانية في سبيل أنشطته العسكرية، لا سيما في حرب عام 2006، حيث أجرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تحقيقاً موسعاً حول أداء حزب الله خلال تلك الحرب، بيّن أن الميليشيا التي تصنفها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، عرّضت في مواقف عدة موثقة بالتواريخ والأمكنة حياة المدنيين للخطر، إما بسبب نشاطها العسكري أو بسبب إخفاء مخازن أسلحة بين المدنيين.

ووثقت المنظمة حينها عدداً من الحالات التي انتهك فيها حزب الله قوانين الحرب عبر تخزين الأسلحة والذخيرة في مناطق مأهولة وعدم بذل أي جهد بغرض إبعاد المدنيين الواقعين تحت سيطرته عن تلك المناطق.

ونقل التحقيق معلومات مفادها أن حزب الله خزن أسلحةً في مناطق مدنية بضواحي بيروت الجنوبية. وقابل مدنيين في الضاحية الجنوبية نقلوا لـ"هيومن رايتس ووتش" مشاهداتهم لتخزين ونقل الأسلحة من مبان سكنية في الضاحية الجنوبية والاحتماء في ملاجئ مدنية، وهو ما اعتبره التحقيق انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني بتعريض المدنيين للخطر.

في حينها، رأت المنظمة أن الحالات التي قام بها الحزب بتخزين الأسلحة ونشر المقاتلين في أحياء كثيفة السكان، فإنه كان يرتكب انتهاكاً جسيماً لقوانين الحرب، تتضمن "اتخاذ المدنيين دروعاً".

مخاوف محلية وتحذيرات دولية

منذ سنوات، يواصل الجيش الإسرائيلي نشر صور ومقاطع مصورة تُظهر منشآت ومخازن ومصانع صواريخ تابعة لحزب الله، أقيمت وسط مناطق مدنية مأهولة، بعضها يقع قرب مدارس ومساجد ومرافق حيوية. وتتهم إسرائيل الحزب باستخدام السكان المدنيين كدروع بشرية وكساتر لتخزين سلاحه وتنفيذ مخططاته العسكرية، في حين ينفي حزب الله هذه الاتهامات بشكل متكرر.

"والمشكلة أن المدنيين لا حول لهم ولا قدرة على مواجهة ما يقرره حزب الله"، كما يقول الزغبي، "وهم مجبرون على تنفيذ مشيئته ولو على حساب استقرارهم وسلامتهم، لكنهم يتهامسون فيما بينهم عن المصيبة التي أوقعهم فيها الحزب ويناشدون الدولة لإنقاذهم ويسلّمون أمرهم لله".

وشكّل هذا الملف على الدوام محور تجاذب وخلاف داخلي في لبنان، في ظل رفض شريحة واسعة من اللبنانيين لتحويل مناطقهم إلى ساحات عسكرية، وقد برزت هذه المعارضة بشكل واضح في حادثة بلدة شويا في قضاء حاصبيا عام 2021، حين اعترض الأهالي على إطلاق صواريخ من منطقتهم، وقاموا بتوقيف راجمة تابعة لحزب الله. وتكررت مشاهد التوتر في بلدة الكحالة، حيث اندلع اشتباك بين سكان المنطقة وعناصر من الحزب، إثر سقوط شاحنة كانت تنقل أسلحة في قلب البلدة.

وشهدت السنوات الماضية تصاعداً في التحذيرات المحلية من خطورة هذه الممارسات، والتي لم يقتصر على الساحة اللبنانية فحسب، بل اتخذ أبعاداً دولية. ففي عام 2020، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن وجود مصنع صواريخ في منطقة الجناح في بيروت، ما أثار موجة من الجدل والقلق. ورداً على الاتهامات، نظّم الجانب اللبناني جولة ميدانية لسفراء عدد من الدول الأجنبية إلى الموقع المذكور، في مسعى لنفي صحة الاتهامات الإسرائيلية وتأكيد خلو المنطقة من أي نشاط عسكري.

وعقب الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، عاد الحديث عن سلاح الحزب إلى الواجهة، في ضوء اتفاق وقف إطلاق النار الذي يستند إلى القرار الدولي 1701، والذي يشدد بدوره على تنفيذ القرار 1559 القاضي بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ونزع سلاح الميليشيات.

خرق للقانون الإنساني

يفرض تخزين الأسلحة والصواريخ الالتزام بإجراءات دقيقة وبروتوكولات صارمة تأخذ في الحسبان مختلف الاحتمالات، بما في ذلك خطر الاستهداف، أو التعرض لخلل تقني، أو نشوب حريق، أو تلف المواد المخزنة. ويستدعي ذلك دراسة منهجية لمواقع التخزين، وضمان ابتعادها عن المناطق السكنية لتفادي أي أضرار محتملة. كما يشترط، في هذا السياق، تفكيك المقذوفات كالصواريخ وجعلها غير مفعّلة أثناء التخزين، بهدف الحد من تداعيات أي طارئ قد يؤدي إلى انفجارها أو تسرب مواد خطرة إلى محيطها.

ويلزم القانون الإنساني الأطراف المتقاتلة اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية ما تحت سيطرتها من سكان مدنيين من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، ويشمل هذا تجنب إقامة أهداف عسكرية (كالأسلحة والذخيرة) في المناطق المكتظة بالسكان، وعند تعذر ذلك نقل السكان المدنيين بعيداً عن المناطق المجاورة للأهداف.

وتشدد اللجنة الدولية للصليب الأحمر على اتخاذ أقصى "الاحتياطات المستطاعة" خلال الحروب لتجنيب المدنيين آثار العمليات العسكرية، حيث تدعو لاتخاذ الخطوات المطلوبة للتعرف على الهدف العسكري المشروع "في الوقت المناسب وبالشكل الذي يعفي السكان المدنيين من الضرر قدر المستطاع".

ومن بين الاحتياطات، تجنب "إقامة أهداف عسكرية داخل المناطق المكتظة بالسكان أو بالقرب منها، وتدعو أطراف النزاع للسعي بجهد إلى "نقل ما تحت سيطرتهم من السكان المدنيين بعيداً عن المناطق المجاورة للأهداف العسكرية".

وتحذر من أنه لا يجوز لأطراف النزاع استخدام المدنيين لصالح "درء الهجمات عن الأهداف العسكرية" أو التذرع بوجودهم في "درء الهجوم عن الأهداف العسكرية، أو تغطية، أو تحبيذ، أو إعاقة العمليات العسكرية، وإذا استخدم أحد أطراف النزاع المدنيين كدروع يجب ألا يفعل الطرف الآخر مثله، وأن يستمر في اتباع قواعد القانون الإنساني الدولي، وتفادي الهجمات العشوائية واتخاذ الاحتياطات لحماية المدنيين".

معادلة مكشوفة

منذ توريط حزب الله للبنان بالحرب الأخيرة مع إسرائيل، تتعالى أصوات داخل لبنان وخارجه تطالب حزب الله بالالتزام الكامل بالقرارات الدولية، إلا أن الحزب لا يزال يرفض التخلي عن سلاحه في شمال الليطاني، ويضع شروطاً مسبقة للدخول في أي حوار وطني حول هذه المسألة.

من أبرز شروط الحزب، بحسب تصريحات مسؤوليه، أن أي نقاش حول تسليم سلاحه يجب أن يسبقه انسحاب إسرائيل من خمس نقاط في جنوب لبنان.

وحتى الآن لا تبدو الدولة اللبنانية وفق ما يقوله الزغبي "قادرة على حماية الناس من سطوة الحزب، وتتعامل بحذر شديد معه تخوفاً من التصادم وشبح الحرب الأهلية، لكن المجتمع الدولي لن يسمح باستمرار هذا الوضع الضاغط على الدولة، وقد بدأ يضعها أمام استحقاق نزع السلاح غير الشرعي ضمن مهلة محددة قبل أن تتمادى إسرائيل في عملياتها العسكرية".

وفي أي حال بات لبنان كما يشدد الزغبي "أمام معادلة مكشوفة: حصر السلاح فعلياً في يد الجيش أو التعرض المستمر للغارات الإسرائيلية. والمسألة ليست مفتوحة، بل تقاس بالأسابيع".