رسائل سياسية واضحة المضامين ستحملها نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، خلال لقاءاتها المرتقبة مع المسؤولين اللبنانيين يوم السبت في الخامس من أبريل الجاري.
أورتاغوس، التي وصلت الجمعة إلى بيروت، ستقود محادثات مباشرة يوم السبت مع كلّ من رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام، وقد تلقتي وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي ومسؤولين آخرين.
بحسب مصادر سياسية مطّلعة لـ"الحُرّة"، فإنّ هذه الزيارة التي هي الثانية لأورتاغوس إلى بيروت، ستتّسم بالصرامة والوضوح. أبرز ما ستنقله إلى الجانب اللبناني الرسمي هو ضرورة نزع سلاح حزب الله، وأنّ واشنطن ترغب بتشكيل ثلاث لجان متخصصة لبحث ملفّ الانسحاب الإسرائيلي من التلال الخمس الاستراتيجية في جنوبي لبنان والأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل، وكذلك حلّ مسألة النقاط الثلاث عشر المتنازع عليها عند الخط الأزرق، بالإضافة إلى ملف إعادة إعمار لبنان ولاسيما الجنوب وعودة سكّانه إليه.
تنفيذ هذه الشروط الأميركية سيكون المدخل نحو سماح الولايات المتحدة الأميركية بوضع ملف إعادة الإعمار على سكّة التنفيذ. هذا الاستنتاج نبع من الواقع الميداني في الأيام القليلة الماضية، تتابع المصادر السياسية، خصوصًا في ما يتعلّق باستمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف معيّنة لاغتيال شخصيات في حزب الله وحركة حماس، ومتابعة الجيش الإسرائيلي بقصف بيوت جاهزة يقوم أصحاب الأراضي بإنشائها بدلًا من منازلهم التي تدمّرت في القرى الحدودية جنوبي لبنان.
يُذكر أنّ احتياجات لبنان لإعادة الإعمار والتعافي في أعقاب الحرب الأخيرة تبلغ نحو 11 مليار دولار أميركي، وذلك وفقًا لتقرير التقييم السريع للبنك الدولي للأضرار والاحتياجات للعام 2025.
ووفق شخصيّات مقرّبة من الرؤساء الثلاثة، علمت "الحُرّة" أنّ الموقف اللبناني الرسمي سيكون موحّدًا أمام الزائرة الأميركية، مستنِدًا إلى خطاب القسم والبيان الوزاري للحكومة حول الالتزام بالقرارات الدولية وحصرية السلاح بيد الدولة وقيام الأجهزة الأمنية بدورها. لبنان سيُجدّد مرّة أخرى، تمامًا كما فعل خلال زيارة أورتاغوس الأولى، التزامَه الثابت بالقرار الأممي 1701، وباتفاق وقف إطلاق النار، مع تشديده على ضرورة انسحاب الجيش الاسرائيلي بأسرع وقت ممكن من النقاط الاستراتيجية الخمس التي يحتلّها جنوبي لبنان، وعلى دور المجتمع الدولي لاسيما الولايات المتحدة الأميركية بالضغط على اسرائيل لوقف القصف المدفعي والغارات الجوية والطلعات الجوية الاستطلاعية فوق القرى والمدن اللبنانية لاسيما في الجنوب.
وتشير الأوساط السياسية في لبنان إلى أنّ نفي حزب الله لإطلاق صواريخ باتّجاه شمالي إسرائيل في الفترة الماضية، يصبّ في مصلحة الموقف اللبناني الرسمي الذي يشدّد عليه باستمرار الرئيس اللبناني جوزاف عون بأنّ لبنان ملتزم بقرار وقف اطلاق النار. ويستند لبنان الرسمي إلى هذا النفي لتأكيد عدم وقوف أي جهة لبنانية خلف إحداث الخروقات عبر إطلاق هذه الصواريخ، وسينقل إلى أورتاغوس إصرار الجهزة الأمنية اللبنانية، لاسيما الجيش، في كشف ملابسات الحوادث المماثلة وإجراء التحقيقات والإجراءات اللازمة. كلّ هذا يعني أنّ لبنان لا يريد العودة إلى الحرب، وهو يسعى إلى اعتماد نهج بناء الدولة ومؤسساتها.
وثمّة من يرى في الكواليس السياسية أنّ أورتاغوس ستطرح، بطريقة أو بأُخرى، ملفّ تطبيع لبنان مع إسرائيل، إلّا أنّ الموقف الرئاسي اللبناني لا يزال يرفض التفاوض حول هذا الملف ويرفض ربط ملف إعادة الإعمار به، كما يرفض التفاوض حول ملفات أخرى عبر لجان جديدة مدنية أو دبلوماسية، مؤكّدًا وجوب الاستناد إلى التفاوض غير المباشر لتسريم الحدود البرية بين البلدين من خلال لجنة واحدة من التقنيين والعسكريين، بالاستناد الى الاتفاقيات الدولية.
أمّا ملف نزع سلاح حزب الله، الذي لم يَعُد ملفًا مغلقًا وممنوعًا عن النقاش، فمن المرتقب أن يقول المسؤولون اللبنانيون لأورتاغوس إنّ هذا الملف سيكون موضع بحث لبناني داخلي من خلال حوار وطني يجريه رئيس الجمهورية ضمن البحث في الاستراتيجية الوطنية للدفاع، مع تعبير لبنان عن رفضه لتحديد جدول زمني لتسليم السلاح غير الشرعي.
في هذا الإطار، ستتولّى أورتاغوس إبلاغ المسؤولين اللبنانيين أنّ واشنطن تعوّل على دور عون وسلام والجيش اللبناني لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وبناء دولة القانون ومكافحة الفساد وتحقيق الإصلاحات. وكأنّ هذه الرسالة موجّهة، حسب مصادر مطّلعة، إلى برّي، إذ ستضع واشنط الكرة في ملعبه ليختار بين البقاء على التحالف الكامل مع حزب الله، أو التجاوب مع المطالب الأميركية.
في هذا الإطار، يُذكر تصريح لوزير الخارجية اللبناني يوسف رجي في حديث لمجلة الامن العام اللبناني يوم الخميس، إذ أكّد رجي "انّ هناك شروطًا لإعادة الإعمار والمساعدات لكنها ليست سياسية بل شروط وطنية إن صح التعبير، أهمها تطبيق القرارت الدولية حرصا على السلم والاستقرار الداخلي في لبنان".
وأضاف: "نسعى دبلوماسيًا ونطالب الأصدقاء بالضغط على إسرائيل للانسحاب لكن حتى الآن لا تجاوب، فماذا نفعل أكثر من المسعى السياسي والدبلوماسي؟ الحل الوحيد هو ان تضغط الدولة الأميركية التي لها مصالح مع إسرائيل عليها لتحقيق الانسحاب، وكذلك المجتمع الدولي. لكن الجميع يطلب منا تطبيق القرار 1701 كاملا".
وأشار وزير الخارجية اللبناني إلى أنّ الجهات الرسمية التي يسمح لها بحمل السلاح محددة في اتفاق وقف الأعمال العسكرية وهي الجيش وقوى الأمن الداخلي والامن العام والجمارك وحتى شرطة البلدية، وهذا ما يريد المجتمع الدولي من لبنان تطبيقه، لكن البعض في لبنان ما زال غير مقتنع بتطبيق المطلوب، دائمًا حسب رجّي الذي اعتبر أنّ "قبل تطبيق المطلوب من لبنان لا مساعدات اقتصادية ولا دعم لإعادة الإعمار".
في المجمل، زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس "لن تكون عادية أو سطحية" بمحادثاتها والظروف المحلية والإقليمية المحيطة بها، ولبنان لا يتحمّل حسب الأوساط السياسية أيّ سوء علاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، ولكنه سينقل وجهة نظره حول مختلف الملفات الساخنة المطروحة، والتخوّف يكمن في نقل صورة أنّ السلطة في لبنان غير حاسمة في ملف حزب الله وسلاحه، ومتلكئة عن تأمين العيش المستقرّ والهادئ للشعب اللبناني، ما قد يفتح أبواب الحرب من جديد أمام لبنان.