نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس في بيروت - صورة أرشيفية - رويترز
نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس في بيروت - صورة أرشيفية - رويترز

حملت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، خلال زيارتها إلى بيروت، رسائل سياسية واضحة، عكستها لقاءاتها مع كبار المسؤولين اللبنانيين، في ظل تصاعد الضغوط الدولية على لبنان للإيفاء بالتزاماته السياسية والأمنية والاقتصادية.

أورتاغوس، التي وصلت إلى بيروت يوم الجمعة، أجرت سلسلة لقاءات اليوم السبت، شملت رئيس الجمهورية جوزاف عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس الحكومة نواف سلام، قائد الجيش العماد رودولف هيكل، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ووزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي.

وبحسب بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية عبر منصة "إكس"، فقد كان الاجتماع بين الرئيس عون والموفدة الأميركية "بنّاءً"، وتناول عدداً من الملفات الحساسة، أبرزها الوضع في الجنوب اللبناني، الحدود اللبنانية-السورية، والإصلاحات المالية والاقتصادية لمكافحة الفساد.

من جهتها، أصدرت رئاسة الحكومة بياناً وصفت فيه أجواء اللقاء بين أورتاغوس ورئيس الحكومة نواف سلام بـ"الإيجابية"، مشيرة إلى إشادة المسؤولة الأميركية بخطة الحكومة الإصلاحية، وارتياحها للإجراءات التي بدأت في مطار رفيق الحريري الدولي.

وفيما يخص الوضع الأمني في الجنوب، ناقش الطرفان، بحسب البيان، "التدابير التي يتخذها الجيش اللبناني لتنفيذ القرار الدولي 1701 واتفاق الترتيبات الأمنية لوقف الأعمال العدائية، بالتعاون مع لجنة المراقبة العسكرية، فضلاً عن ملف استكمال الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية".

بعد زيارتها السراي الحكومي، انتقلت أورتاغوس إلى عين التينة، حيث التقت رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي وصف الاجتماع بأنه "جيد وبنّاء".

وتأتي زيارة أورتاغوس في وقت دقيق يواجه فيه لبنان ضغوطاً متزايدة من المجتمع الدولي، لا سيما من الولايات المتحدة، لتنفيذ إصلاحات ملموسة، والالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة بالأمن والسيادة.

وفي هذا السياق، يُطرح تساؤل حول قدرة الحكومة اللبنانية على الاستجابة لهذه الضغوط، وسط استمرار التردد في اتخاذ قرارات حاسمة، في ظل تعقيدات النظام السياسي اللبناني والانقسامات الداخلية.

زيارة مفصلية

تنطوي زيارة أورتاغوس إلى بيروت، على دلالات سياسية بالغة الأهمية، كما يرى الكاتب والمحلل السياسي وجدي العريضي "حتى وإن لم تُدلِ بأي تصريح علني من المقرات الرئاسية، بعد التفاهم غير المعلن بين الرؤساء الثلاثة على تجنّب المواقف التصعيدية".

ويقول العريضي لموقع "الحرة" إن "لبنان يقف فعلياً أمام مفترق طرق بعد هذه الزيارة"، مشيراً إلى أن ما طرحته أورتاغوس سيظهر للعلن في وقت غير بعيد. ولفت إلى أنها ناقشت خلال لقاءاتها مع الرؤساء الثلاثة ملفات مفصلية، "على رأسها سلاح حزب الله، والإصلاحات الاقتصادية، ودعم الجيش اللبناني، وتنفيذ القرار 1701".

كذلك يعتبر المحلل السياسي الياس الزغبي "إن ما بعد زيارة أورتاغوس لن يكون في الواقع كما قبلها، لأن الموقف الأميركي، ومعه المواقف الأوروبية والعربية بات مُجمعة على ضرورة إقدام لبنان على تلبية الشروط الدولية لإنقاذه من أزمته وأبرز هذه الشروط، تنفيذ عنوان حصر السلاح في يد الدولة، أي تجريد كل المنظمات المسلّحة غير الشرعية من سلاحها وعلى رأسها حزب الله".

ويضيف الزغبي في حديث لموقع "الحرة"، "صحيح أن الرؤساء الذين التقتهم أورتاغوس اعتبروا أن محادثاتهم معها كانت بنّاءة وإيجابية، ولكن مضمونها لم يكن منسجماً كلياً مع ما تسرّب مسبقاً عن موقفهم الرافض للتفاوض أو الذي يربط تسليم سلاح الحزب بالحوار الملتبس، بل بوجوب اعتماد الدولة جدولاً زمنياً واضحاً لتنفيذ مندرجات تفاهم وقف إطلاق النار ومضامين وموجبات القرار 1701".

فعلى الرغم من مرور أشهر على دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر، لم يلتزم حزب الله حتى الآن بتسليم سلاحه للجيش اللبناني. بل على العكس، يحاول التملص من الاتفاق بذريعة أن القرار 1701 ينص على تسليم السلاح غير الشرعي فقط في جنوب نهر الليطاني، متجاهلاً أن القرار يتضمن أيضاً القرار 1559 الذي ينص على سحب سلاح الميليشيات من جميع الأراضي اللبنانية.

تحذير من المجازفة

شكل ملفا الإصلاح وسلاح حزب الله محور البحث الأساسي في محادثات أورتاغوس مع المسؤولين اللبنانيين، وفق العريضي مشدداً على أن "لبنان لم يعد يملك ترف المراوغة، خاصة مع اقتراب موعد مؤتمر الدول المانحة" وسأل "كيف يمكن جذب الاستثمارات في ظل انعدام الاستقرار الأمني؟"

ويرى العريضي أن "لبنان لا يحتاج إلى الاستدانة بقدر حاجته إلى استقرار فعلي ودولة ذات سيادة وسلطة مركزية واحدة"، معتبراً أن "وجود سلاح غير شرعي خارج إطار الدولة هو العائق الأكبر أمام أي دعم دولي حقيقي".

ويحذّر العريضي من أن استمرار الحكومة اللبنانية في المماطلة بشأن تنفيذ القرارات الدولية، وعلى رأسها القرارين 1701 و1559، "قد يدفع بالبلاد نحو سيناريوهات أكثر قتامة، في ظل تزايد الضغوط الدولية، لا سيما من واشنطن والدول المانحة".

ويشير إلى أن محاولات الالتفاف لم تعد مجدية، مضيفاً أن "الزمن تبدّل، والمطلوب اليوم التزام فعلي بتنفيذ القرارات الدولية". ولفت إلى أن الرؤساء الثلاثة أجمعوا على موقف موحد يدعو إلى "وقف الاعتداءات الإسرائيلية، لا سيما تلك التي تستهدف الضاحية الجنوبية والمنشآت المدنية".

ومع ذلك يرى العريضي أن الحكومة اللبنانية غير قادرة فعلياً على تنفيذ ما يُطلب منها دولياً، "ليس من باب التحدي، بل بسبب خصوصيات النظام الطائفي والمذهبي"، معتبراً أن "أي محاولة لنزع سلاح حزب الله بالقوة، أو معالجة ملف السلاح خارج إطار التوافق، قد تؤدي إلى انقسام داخلي خطير".

وفي هذا السياق، أشار إلى أن رئيس الجمهورية دعا إلى حوار وطني لمعالجة هذه المسألة، مشدداً في الوقت نفسه على أن على الحكومة الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني يُخصّص بنداً أساسياً هو ملف السلاح.

وإذا كان المسؤولون اللبنانيون يتذرّعون كما يرى الزغبي "بعدم قدرة الدولة على التنفيذ السريع مع خشيتهم من تصادمات داخلية، فإن الدول الراعية للحل وعلى رأسها الولايات المتحدة لا تبرر المماطلة بحجة هذه الخشية، وتطلب الضغط الفعلي على سلاح الحزب عبر مكاشفته بخطر التهرّب من تنفيذ هذا الاستحقاق، لئلّا يقع ويوقع معه لبنان في مجازفة العودة إلى الحرب التدميرية".

بين فكّي كماشة؟

أكد رئيس الجمهورية، جوزاف عون، في خطاب القسم التزامه بحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما أكده أيضاً البيان الوزاري لحكومة نواف سلام.

ولم تعلن الحكومة حتى الآن عن خطة واضحة أو جدول زمني لتنفيذ هذا التعهد، وسط انقسام داخل مجلس الوزراء بين مؤيدين ومعارضين لوضع جدول زمني محدد.

وربما يمنح المجتمع الدولي حزب الله وفق ما يرى الزغبي "مهلة غير طويلة لتسليم سلاحه تتماشى مع المهلة الممنوحة لإيران كي تلتزم بشروط الحوار حول ملفها النووي وتقليص نفوذها في المنطقة تحت التهديد بضربات قاسية إذا استمرت في المماطلة والمراوغة".

ولا شك أن لبنان واقع بين فكَّي كماشة، كما يصف الزغبي "فإمّا ينجح في الضغط على حزب الله لتسليم سلاحه ضمن مهلة محدودة أو التعرّض لخطر تجدد الحرب الواسعة. وقد باتت الطابة الآن في الملعب المشترك بين الدولة والرؤساء الثلاثة من جهة وبين الثنائي الشيعي وخلفه طهران من جهة ثانية".

ستظهر نتائج زيارة أورتاغوس وفق الزغبي "خلال الأيام القليلة المقبلة، فيلتزم الطرفان وخصوصاً الحزب بالاستجابة للطلبات الأميركية لتفادي التهوّر الانتحاري الذي يمارسه حتى الآن. وفي حال الاستمرار في التمييع يكون لبنان أمام خطر الحرب التي يدفع ثمنها غالياً ويكون حزب الله ضحيتها النهائية".

أما العريضي فيشدد على أن الحكومة مطالبة بالاستجابة لمطالب المجتمع الدولي، ولا سيما تنفيذ قرارات مجلس الأمن، إلى جانب إجراء الإصلاحات السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية، ويؤكد "الوقت لا يعمل لصالح لبنان، وإذا استمرّ على هذا النحو من المراوحة، فسينتظره الأسوأ".

بين المنازل السكنية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، يزرع حزب الله الموت.. صواريخ وذخائر في أقبية المباني والمستودعات.
بين المنازل السكنية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، يزرع حزب الله الموت.. صواريخ وذخائر في أقبية المباني والمستودعات.

بين المنازل السكنية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، يزرع حزب الله الموت.. صواريخ وذخائر في أقبية المباني والمستودعات.

قبل أيام، عرض الجيش الإسرائيلي مشاهد لقصف استهدف بنية تحتية قال إنها خُصصت لتخزين صواريخ دقيقة في الضاحية الجنوبية لبيروت، مؤكداً أنه دمرها بالكامل. لم تكن هذه المرة الأولى التي تنشر فيها إسرائيل مقاطع تُظهر استهداف مستودعات أسلحة لحزب الله تتطاير منها الذخائر والصواريخ وسط أحياء سكنية.

أعادت واقعة الضاحية الجنوبية تسليط الضوء على المخاطر الجسيمة التي تتهدد حياة المدنيين في مناطق نفوذ حزب الله.

الدروع البشرية تحمي السلاح؟

بلغ حزب الله من حال الارتباك والضعف درجة الاحتماء بالمدنيين، كما يقول المحلل السياسي الياس الزغبي وهذا ما يفسّر برأيه "تخزينه الأسلحة في عمق المناطق الآهلة وفقاً لما ظهر في الهنغار الذي استهدفته إسرائيل قبل بضعة أيام في الضاحية الجنوبية لبيروت".

وهذا ما يفسّر أيضاً وفق ما يقوله الزغبي لموقع الحرة "الإنذار الذي وجهته إسرائيل إلى المدنيين القاطنين في محيط هذا الموقع كي تتفادى نقمة عالمية في حال سقوط قتلى من الأهالي. ولوحظ هذه المرة أن فترة الانذار كانت أطول من سابقاتها بهدف إتاحة الوقت الكافي لإخلاء الأبنية المحيطة بالموقع المستهدف".

عملياً، لم يعد حزب الله يقيم وزنا للمدنيين، يقول الزغبي، بل لعلّه يفضل وفق ما يشدد "سقوط قتلى كي يستثير العواطف ويؤجج مشاعر بيئته، فهو يضع أولوية الحفاظ على سلاحه قبل أي أمر آخر، حتى لو سقطت أرواح بريئة. وبذلك يكون قد استبدل شعاره "السلاح يحمي السلاح" بشعار جديد "الدروع البشرية تحمي السلاح"!.

يذكر أن للبنانيين تجارب عديدة مع استخدام حزب الله للمناطق اللبنانية في سبيل أنشطته العسكرية، لا سيما في حرب عام 2006، حيث أجرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تحقيقاً موسعاً حول أداء حزب الله خلال تلك الحرب، بيّن أن الميليشيا التي تصنفها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، عرّضت في مواقف عدة موثقة بالتواريخ والأمكنة حياة المدنيين للخطر، إما بسبب نشاطها العسكري أو بسبب إخفاء مخازن أسلحة بين المدنيين.

ووثقت المنظمة حينها عدداً من الحالات التي انتهك فيها حزب الله قوانين الحرب عبر تخزين الأسلحة والذخيرة في مناطق مأهولة وعدم بذل أي جهد بغرض إبعاد المدنيين الواقعين تحت سيطرته عن تلك المناطق.

ونقل التحقيق معلومات مفادها أن حزب الله خزن أسلحةً في مناطق مدنية بضواحي بيروت الجنوبية. وقابل مدنيين في الضاحية الجنوبية نقلوا لـ"هيومن رايتس ووتش" مشاهداتهم لتخزين ونقل الأسلحة من مبان سكنية في الضاحية الجنوبية والاحتماء في ملاجئ مدنية، وهو ما اعتبره التحقيق انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني بتعريض المدنيين للخطر.

في حينها، رأت المنظمة أن الحالات التي قام بها الحزب بتخزين الأسلحة ونشر المقاتلين في أحياء كثيفة السكان، فإنه كان يرتكب انتهاكاً جسيماً لقوانين الحرب، تتضمن "اتخاذ المدنيين دروعاً".

مخاوف محلية وتحذيرات دولية

منذ سنوات، يواصل الجيش الإسرائيلي نشر صور ومقاطع مصورة تُظهر منشآت ومخازن ومصانع صواريخ تابعة لحزب الله، أقيمت وسط مناطق مدنية مأهولة، بعضها يقع قرب مدارس ومساجد ومرافق حيوية. وتتهم إسرائيل الحزب باستخدام السكان المدنيين كدروع بشرية وكساتر لتخزين سلاحه وتنفيذ مخططاته العسكرية، في حين ينفي حزب الله هذه الاتهامات بشكل متكرر.

"والمشكلة أن المدنيين لا حول لهم ولا قدرة على مواجهة ما يقرره حزب الله"، كما يقول الزغبي، "وهم مجبرون على تنفيذ مشيئته ولو على حساب استقرارهم وسلامتهم، لكنهم يتهامسون فيما بينهم عن المصيبة التي أوقعهم فيها الحزب ويناشدون الدولة لإنقاذهم ويسلّمون أمرهم لله".

وشكّل هذا الملف على الدوام محور تجاذب وخلاف داخلي في لبنان، في ظل رفض شريحة واسعة من اللبنانيين لتحويل مناطقهم إلى ساحات عسكرية، وقد برزت هذه المعارضة بشكل واضح في حادثة بلدة شويا في قضاء حاصبيا عام 2021، حين اعترض الأهالي على إطلاق صواريخ من منطقتهم، وقاموا بتوقيف راجمة تابعة لحزب الله. وتكررت مشاهد التوتر في بلدة الكحالة، حيث اندلع اشتباك بين سكان المنطقة وعناصر من الحزب، إثر سقوط شاحنة كانت تنقل أسلحة في قلب البلدة.

وشهدت السنوات الماضية تصاعداً في التحذيرات المحلية من خطورة هذه الممارسات، والتي لم يقتصر على الساحة اللبنانية فحسب، بل اتخذ أبعاداً دولية. ففي عام 2020، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن وجود مصنع صواريخ في منطقة الجناح في بيروت، ما أثار موجة من الجدل والقلق. ورداً على الاتهامات، نظّم الجانب اللبناني جولة ميدانية لسفراء عدد من الدول الأجنبية إلى الموقع المذكور، في مسعى لنفي صحة الاتهامات الإسرائيلية وتأكيد خلو المنطقة من أي نشاط عسكري.

وعقب الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، عاد الحديث عن سلاح الحزب إلى الواجهة، في ضوء اتفاق وقف إطلاق النار الذي يستند إلى القرار الدولي 1701، والذي يشدد بدوره على تنفيذ القرار 1559 القاضي بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ونزع سلاح الميليشيات.

خرق للقانون الإنساني

يفرض تخزين الأسلحة والصواريخ الالتزام بإجراءات دقيقة وبروتوكولات صارمة تأخذ في الحسبان مختلف الاحتمالات، بما في ذلك خطر الاستهداف، أو التعرض لخلل تقني، أو نشوب حريق، أو تلف المواد المخزنة. ويستدعي ذلك دراسة منهجية لمواقع التخزين، وضمان ابتعادها عن المناطق السكنية لتفادي أي أضرار محتملة. كما يشترط، في هذا السياق، تفكيك المقذوفات كالصواريخ وجعلها غير مفعّلة أثناء التخزين، بهدف الحد من تداعيات أي طارئ قد يؤدي إلى انفجارها أو تسرب مواد خطرة إلى محيطها.

ويلزم القانون الإنساني الأطراف المتقاتلة اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية ما تحت سيطرتها من سكان مدنيين من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، ويشمل هذا تجنب إقامة أهداف عسكرية (كالأسلحة والذخيرة) في المناطق المكتظة بالسكان، وعند تعذر ذلك نقل السكان المدنيين بعيداً عن المناطق المجاورة للأهداف.

وتشدد اللجنة الدولية للصليب الأحمر على اتخاذ أقصى "الاحتياطات المستطاعة" خلال الحروب لتجنيب المدنيين آثار العمليات العسكرية، حيث تدعو لاتخاذ الخطوات المطلوبة للتعرف على الهدف العسكري المشروع "في الوقت المناسب وبالشكل الذي يعفي السكان المدنيين من الضرر قدر المستطاع".

ومن بين الاحتياطات، تجنب "إقامة أهداف عسكرية داخل المناطق المكتظة بالسكان أو بالقرب منها، وتدعو أطراف النزاع للسعي بجهد إلى "نقل ما تحت سيطرتهم من السكان المدنيين بعيداً عن المناطق المجاورة للأهداف العسكرية".

وتحذر من أنه لا يجوز لأطراف النزاع استخدام المدنيين لصالح "درء الهجمات عن الأهداف العسكرية" أو التذرع بوجودهم في "درء الهجوم عن الأهداف العسكرية، أو تغطية، أو تحبيذ، أو إعاقة العمليات العسكرية، وإذا استخدم أحد أطراف النزاع المدنيين كدروع يجب ألا يفعل الطرف الآخر مثله، وأن يستمر في اتباع قواعد القانون الإنساني الدولي، وتفادي الهجمات العشوائية واتخاذ الاحتياطات لحماية المدنيين".

معادلة مكشوفة

منذ توريط حزب الله للبنان بالحرب الأخيرة مع إسرائيل، تتعالى أصوات داخل لبنان وخارجه تطالب حزب الله بالالتزام الكامل بالقرارات الدولية، إلا أن الحزب لا يزال يرفض التخلي عن سلاحه في شمال الليطاني، ويضع شروطاً مسبقة للدخول في أي حوار وطني حول هذه المسألة.

من أبرز شروط الحزب، بحسب تصريحات مسؤوليه، أن أي نقاش حول تسليم سلاحه يجب أن يسبقه انسحاب إسرائيل من خمس نقاط في جنوب لبنان.

وحتى الآن لا تبدو الدولة اللبنانية وفق ما يقوله الزغبي "قادرة على حماية الناس من سطوة الحزب، وتتعامل بحذر شديد معه تخوفاً من التصادم وشبح الحرب الأهلية، لكن المجتمع الدولي لن يسمح باستمرار هذا الوضع الضاغط على الدولة، وقد بدأ يضعها أمام استحقاق نزع السلاح غير الشرعي ضمن مهلة محددة قبل أن تتمادى إسرائيل في عملياتها العسكرية".

وفي أي حال بات لبنان كما يشدد الزغبي "أمام معادلة مكشوفة: حصر السلاح فعلياً في يد الجيش أو التعرض المستمر للغارات الإسرائيلية. والمسألة ليست مفتوحة، بل تقاس بالأسابيع".