من زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى بيروت - رويترز
من زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى بيروت - رويترز

في ظل تصاعد الضغوط الأميركية على حزب الله وسلاحه، جاءت زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى بيروت حاملةً رسائل متعددة، إذ لم يقتصر اهتمام واشنطن على الشق الأمني المتعلق بنزع سلاح الحزب، بل برز بوضوح تركيز موازٍ على ملف الإصلاحات الاقتصادية والمالية، الذي تصدّر جدول أعمال لقاءاتها مع المسؤولين اللبنانيين.

وقالت أورتاغوس، عقب اجتماعاتها في بيروت، إن "السنوات العشر الماضية كانت محبطة جداً، بين الانفجار والانهيار المالي"، مضيفة في حديث إلى "المؤسسة اللبنانية للإرسال" "الآن هناك مجموعة من الأشخاص الوطنيين الذين يضغطون لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي طلبها صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة وشركاؤنا العرب في الخليج".

هذا التوجّه يطرح تساؤل: هل بات ملف الإصلاح جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية أوسع تهدف إلى تحصين الدولة كوسيلة لتقليص نفوذ الحزب المصنف جماعة ارهابية؟ وهل السلطة اللبنانية جادة في معالجة هذا الملف؟

الرقابة في قلب الإصلاح؟

تأخّرت السلطات اللبنانية في تنفيذ الإصلاحات المالية والنقدية منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في عام 2019، رغم التوصّل إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في أبريل 2022، بحسب ما يؤكد الباحث في "المعهد اللبناني لدراسات السوق" خالد أبو شقرا.

ويتضمن الاتفاق، بحسب ما يقوله أبو شقرا لموقع "الحرة"، مجموعة من الإصلاحات البنيوية، أبرزها: إعادة هيكلة القطاع المصرفي، ضبط المالية العامة، إعادة هيكلة الدين الخارجي، رفع السرية المصرفية، إصلاح القطاع العام، وقف الدعم العشوائي، توحيد أسعار الصرف، إلغاء منصة "صيرفة"، وإقرار موازنات متوازنة وخالية من العجز.

ومع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة رفعت شعار "الإصلاح"، وجّه المجتمع الدولي رسائل واضحة إلى بيروت: لا مساعدات لإعادة الإعمار ولا دعم من صندوق النقد من دون تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

الدفع الأميركي والدولي باتجاه تنفيذ هذه الإصلاحات لا يمكن فصله عن محاولات تجفيف مصادر تمويل حزب الله، كما يشير الباحث في الشأن السياسي نضال السبع، ويقول لموقع "الحرة" إن "واشنطن تتعاون مع السلطات اللبنانية لتكثيف الرقابة المالية على الحزب".

ويضيف أن أورتاغوس التقت خلال زيارتها الأخيرة حاكم مصرف لبنان كريم سعيد ووزير المالية ياسين جابر، حيث دار الحديث حول "مراقبة التدفقات المالية المرتبطة بالحزب، لا سيما تلك القادمة من إيران".

وفي السياق ذاته، يلفت السبع إلى التقارير التي تحدّثت مؤخراً عن إرسال إيران شحنات من السلاح والأموال إلى لبنان عبر مرفأ بيروت، معتبراً أن تسريب هذه المعلومات يشكّل "رسالة مزدوجة إلى كل من طهران والسلطات اللبنانية، تدعو إلى تشديد الرقابة على المرافئ".

ويضيف أن واشنطن تمارس ضغوطاً متزايدة لتعزيز الرقابة على المعابر البرية والبحرية والجوية، فيما يندرج ضمن المرحلة الثانية من الاستراتيجية الأميركية في لبنان.

أورتاغوس التقت مسؤولين لبنانيين- الصورة من حساب السفارة الأميركية في بيروت
جهود دبلوماسية أميركية في لبنان وتعهدات بـ"الإصلاح" وحصر السلاح
أجرت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، الاثنين، مباحثات "صريحة" مع كبار المسؤولين اللبنانيين، فيما أكد رئيس مجلس الوزراء، نواف سلام، أن الحكومة اللبنانية مصممة على تطبيق خطتها للإصلاح.

ويشرح السبع أن المرحلة الأولى من هذه الاستراتيجية ركزت على الدفع نحو وقف إطلاق النار وسحب سلاح حزب الله من جنوب الليطاني، أما المرحلة الحالية، فتركّز على دعم مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الجيش والحكومة، لتعزيز سيادتها على المعابر وفرض رقابة صارمة على الأنشطة المالية واللوجستية المرتبطة بالحزب.

وردّاً على ما تم تداوله في وسائل إعلامية حول عمليات تهريب في مرفأ بيروت، أكّد وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني، خلال جولة له في المرفأ، أن "الوضع الأمني فيه ممسوك بيد من حديد، ولا نقبل بأي كلام إعلامي يشكك بذلك".

وقال رسامني، اليوم الأربعاء، إن "العمل في المرفأ سيكون بالقوة نفسها التي اعتمدناها في مطار بيروت، وقد طلبت تعزيز إجراءات المراقبة وتشديدها"، مضيفاً "لن نسمح بالتشكيك بقدرة المرفأ التشغيلية، ولن نقبل بما صدر من تصريحات بالأمس. وإذا كان هناك شيء، فليُقدّم أي دليل".

يُذكر أن حزب الله نجح، على مدى سنوات، في بناء "إمبراطورية مالية" قائمة على أنشطة غير مشروعة، أبرزها إنتاج وتهريب المخدرات، غير أن المتغيّرات الإقليمية وسقوط حليفه بشار الأسد في سوريا وضعته أمام تحديات مالية متزايدة.

ودفعته هذه التحديات، إلى الاعتماد بشكل أكبر على التمويل الإيراني، عبر تهريب مبالغ نقدية من مطار بيروت الدولي، قبل أن تدفع الرقابة المشددة على المطار الحزب إلى استخدام ممرات بديلة.

خطوات منقوصة

في مقدمة الإصلاحات المطلوبة من لبنان، يضع أبو شقرا تعديل قانون السرية المصرفية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي.

ويشرح أبو شقرا أن السلطات اللبنانية أجرت في العام 2022 تعديلاً جزئياً على قانون السرية المصرفية من خلال القانون رقم 306، إلا أن صندوق النقد الدولي اعتبر التعديل غير كافٍ، لكونه لم يمنح الهيئات الرقابية – مثل لجنة الرقابة على المصارف، الهيئة المصرفية العليا في مصرف لبنان، ومؤسسة ضمان الودائع – صلاحية رفع السرية المصرفية عند الحاجة.

لاحقاً، استجابت وزارة المالية لملاحظات صندوق النقد، وقدّمت مشروع قانون لتعديل الفقرتين (هـ) و(و) من المادة السابعة من القانون، أقرّته الحكومة لاحقاً، ما أتاح للجهات الرقابية الرسمية إمكانية رفع السرية المصرفية في حالات محددة.

ورغم هذا التقدم المحدود، يبقى التحدي الأكبر، بحسب أبو شقرا، في ملف إعادة هيكلة القطاع المصرفي، "الذي يعدّ الأكثر تعقيداً. فمشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، باعتباره قانوناً إطاراً، يطرح خيارات متعددة للتعامل مع المصارف المتعثّرة أو غير القادرة على الوفاء بالتزاماتها، مثل الدمج، التصفية، إعادة الرسملة من خلال مساهمين جدد، أو تحويل كبار المودعين إلى مساهمين".

لكن المشروع لا يتناول وفق أبو شقرا "مصير الودائع بشكل تفصيلي، بل يحيل هذه المسألة الحساسة إلى قانون منفصل يفترض إقراره لاحقاً، يعرف بقانون "عودة الانتظام المالي".

وفي جلستها الأخيرة أمس الثلاثاء، أقرت الحكومة الأسباب الموجبة لمشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، لكنها علّقت تطبيقه وفق أبو شقرا "إلى حين إقرار قانون توزيع الخسائر، استجابة لاعتراضات قوية من القطاع المصرفي، الذي رفض المضي في قانون يجيز تصفية المصارف أو دمجها من دون وضوح بشأن مصير الودائع وآلية توزيع الخسائر. وقد نصّت المادة 37 من المشروع صراحة على هذا التعليق".

ويضيف "برّرت الحكومة قرارها بالحاجة إلى توفير بيئة قانونية واستثمارية واضحة، تسهم في جذب رؤوس أموال جديدة وتساعد في رسملة القطاع المصرفي".

بين الرغبة والقدرة

لا تنفصل معركة الإصلاح عن معركة السيادة، كما شدد الأمين العام لحزب "الكتلة الوطنية" ميشال حلو، ورأى في تغريدة عبر "إكس" أن "كثيرين يظنون أن الإصلاح ليس معركة سيادية، بل يعتبرونه مسّاً بالسيادة، فيما الحقيقة هي العكس تماماً".

وتساءل حلو "كيف يمكن مكافحة قنوات تمويل حزب الله، بما فيها تجارة المخدرات، من دون التزام كامل بالشفافية؟ وكيف نواجه الاقتصاد الموازي، وفي طليعته مؤسسة 'القرض الحسن'، إذا استمرّ القطاع المصرفي في حالة الانهيار؟".

وأضاف "من كان الداعم الأكبر لحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة إن لم يكن نبيه برّي؟ وكيف نقرأ تصويت نواب محسوبين على المصارف لصالح سليمان فرنجيّة؟ ولماذا يتوافق الثنائي الشيعي باستمرار مع جمعية المصارف في القضايا الماليّة، بما فيها تعطيل الإصلاحات؟".

وختم حلو بالقول إن معركة الإصلاح هي معركة محوريّة لاستعادة السيادة، معتبراً أن "كل من يصوّرها على نحوٍ مغاير يضلّل الناس، ولا يحق له أن يصف نفسه بـ'السيادي'".

كذلك يرى أبو شقرا أن "السلطة السياسية في لبنان لا تبدي رغبة حقيقية في الإصلاح، رغم امتلاكها القدرة على تنفيذه"، موضحاً أن "الإصلاح بطبيعته يقود إلى المحاسبة، ويُقوّض نفوذ القوى النافذة من خلال إجراءات مثل رفع السرية المصرفية أو تقليص صلاحيات الجهات المالية والسياسية".

ويخلص أبو شقرا إلى أن "مسار الإصلاح في لبنان لا يزال طويلاً وشاقاً، لأن كل مشروع قانون يقر في مجلس الوزراء يحتاج إلى المرور عبر مسار تشريعي بطيء في مجلس النواب، بدءاً من اللجان وصولاً إلى الهيئة العامة، حيث غالباً ما تصطدم المشاريع بالحسابات السياسية والانتخابية". ويشير إلى أن "من الصعب على النواب اتخاذ قرارات غير شعبوية تُواجه الناخبين بحقائق قاسية، من بينها الإقرار بضياع جزء من أموال المودعين".

من جانبه يرى السبع أن "السلطات اللبنانية تبذل جهداً كبيراً فيما يتعلق بتشديد الرقابة على مصادر تمويل حزب الله"، مشيراً إلى أن "أداءها قد يكون متكاملاً من حيث النية والإجراءات، إلا أن النتائج تبقى غير مضمونة بالكامل، بسبب احتمال الالتفاف على هذه الإجراءات أو استمرار بعض عمليات التهريب".

أما فيما يتعلق بموقف حزب الله، يستبعد السبع لجوء الحزب إلى التصعيد في المرحلة الراهنة، لافتاً إلى أنه "يدرك أن عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تعني بدء مرحلة جديدة من الضغوط القصوى، خاصة في ظل الأزمات الداخلية التي يواجهها، وسقوط نظام بشار الأسد، وانقطاع خطوط الإمداد الإيرانية".

ويرجّح السبع أن يعتمد الحزب، رغم امتعاضه من الإجراءات اللبنانية الأخيرة، سياسة "الترقّب" إلى حين موعد الانتخابات النيابية المقبلة، "التي يعتبرها محطة مفصلية لإعادة ترتيب أوراقه السياسية والشعبية، ولا سيما داخل بيئته. فالحزب يراقب بدقة تطورات المشهدين الإقليمي والداخلي قبل اتخاذ أي خطوات مستقبلية".

سلاح حزب الله

في مقابلة أجراها غسان شربل ونشرها في كتابه "لعنة القصر،" يقول رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، رفيق الحريري، الذي اغتيل في العام ٢٠٠٥ في تفجير ضخم، إن إنهاء الميليشيات بعد اتفاق الطائف شهد محاولتين:

الأولى اعتمدها ميشال عون (قائد الجيش حينذاك)، عبر محاولة إنهاء القوات اللبنانية بالقوة، "استخدم المدفع فماذا كانت النتيجة؟"، يسأل الحريري، ثم يجيب: "دُمرت المنطقة الشرقية ودُمّر الجيش وبقيت الميليشيات". 

والطريقة الثانية التي يتحدث عنها الحريري كانت تلك التي اعتمدها رئيس الجمهورية في تلك الفترة، الياس الهراوي، الذي قال للميليشيات (بحسب الحريري): "الدولة تتسع للجميع. سلموا أسلحتكم للدولة وشاركوا". يتابع الحريري: "أسألك أين هي الميليشيات اليوم؟ ذابت الميليشيات".

ما يحكي عنه الحريري حدث في العام 1990 بعد شهور على توقيع اتفاق الطائف في أكتوبر ١٩٨٩، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية. 

نص الاتفاق آنذاك بوضوح على أن الحكومة الأولى بعد الطائف تضع خطة هدفها "بسط سلطة الدول اللبنانية تدریجیاً علـى كامل الأراضي اللبنانیة بواسطة قواتها الذاتیة". ل

يس ذلك فقط، بل وضع الاتفاق جدولاً زمنياً لهذا الانتقال من عهد الميليشيات إلى عهد الدولة: 

"الإعلان عن حل جمیع المیلیشیات اللبنانية وغیـر اللبنانية وتسليم أسـلحتها إلـى الدولـة اللبنانية خـلال سـتة أشـهر تبـدأ بعـد التصديق علـى وثیقـة الوفـاق الـوطني وانتخـاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومـة الوفـاق الـوطني وإقـرار الإصـلاحات السياسية بصورة دستورية".

"ذابت الميليشيات" في الدولة، بحسب المصطلح الذي استخدمه الحريري، وهذا الذوبان تمّ، على ما يشرح غسان شربل، عبر "رشوة الميليشيات بحصة من الدولة". دخل كثير من عناصر هذه الميليشيات إلى القوى العسكرية والأمنية الرسمية، وتسلّم الجيش اللبناني منها السلاح الثقيل والمتوسط، فيما بقي كثير من السلاح الخفيف (رشاشات ومسدسات) في بيوت عديد من اللبنانيين حتى يومنا هذا.

ما كان لافتاً لدى تطبيق هذا الاتفاق، أن "حزب الله" وحده لم "يذب" في الدولة، وجرى الإبقاء على سلاحه، بحجة "مقاومة إسرائيل"، بتواطؤ من أطراف محلية واقليمية، وبغض نظر من الأطراف الدوليين. 

بقي "حزب الله" الميليشيا المسلحة الوحيدة بعد الطائف. وراح يكبر في منظومته العسكرية حتى بات جيشاً رديفاً، يغرّد وحيداً بأجندة إيرانية- سورية، في مخالفة واضحة لنص اتفاق الطائف، وفي تحايل على أحد بنوده الذي ينص على "اتخـاذ كافـة الإجراءات اللازمة لتحرير جمیع الأراضـي اللبنانية مـن الاحتلال الإسرائيلي وبسط سـیادة الدولـة علـى جمیع أراضيها ونشر الجیش اللبناني في منطقة الحـدود اللبنانیة المعتـرف بهـا دولیاً والعمـل علـى تـدعیم وجـود قـوات الطوارئ الدولية فـي الجنـوب اللبنـاني لتأمين الانسحاب الإسرائيلي ولإتاحـة الفرصـة لعـودة الأمـن والاسـتقرار إلـى منطقـة الحدود". 

هذه الفقرة تبدو مطابقة إلى حد كبير لنص القرار 1701، موضع التنفيذ حاليا في جنوب لبنان.

اليوم، بعد حرب طاحنة مع إسرائيل أفقدته قوته العسكرية، يعود الحديث عن تسليم سلاح "حزب الله" للدولة على غرار ما حدث مع باقي الميليشيات في العام ١٩٩٠، وقد تحدث رئيس الجمهورية، جوزاف عون، في مقابلة تلفزيونية عن حوار ثنائي مع الحزب لتسليم سلاحه. وفي تصريح آخر- أثار بلبلة ديبلوماسية مع العراق- أكد عون أنه من غير الوارد تكرار تجربة الحشد الشعبي في لبنان.

الخبير الأمني والعسكري الجنرال المتقاعد خليل الحلو، يرى في مقابلة مع موقع "الحرة" أن تجربة الحشد الشعبي في العراق غير مقبولة في لبنان، "ويجب أن تمر عبر مجلس الوزراء ولا أعتقد أن أي مجلس وزراء يستطيع تمرير هكذا قرار كما تحتاج إلى قانون من مجلس النواب، من أجل التمويل، وهذا غير وارد".

يشرح الحلو أن "ميليشيات الحشد الشعبي تستحصل على رواتبها من الحكومة العراقية، وهي تأتمر نظرياً من الحكومة، لكن عملياً هناك فصائل عدة تأتمر بشكل مباشر أو غير مباشر من إيران ولديها أيديولوجيتها الخاصة. وهذه التجربة دلت على أن الحكومة العراقية لا تسيطر على الحشد الشعبي".

وهذا، برأي الحلو، هو بيت القصيد في مسألة استيعاب عناصر "حزب الله" داخل الجيش اللبناني. 

بالنسبة إلى الحلو فإن المسألة سياسية وعسكرية: "لا يمكن أن يكون هناك أمرة عسكرية على حشد شعبي-نسخة لبنانية، وهذا الحشد الشعبي يفعل كما يحلو له ويجر لبنان إلى حروب لا يريدها".

معضلة أخرى تبرز في الحالة اللبنانية ترتبط بحساسية التوازن الطائفي القائم على قاعدة يطلق عليها اللبنانيون تسمية "ستة وستة مكرر". وهي تعود إلى فترة الانتداب الفرنسي، ومرتبطة بمراسلات بين رئيس الجمهورية آنذاك والمفوض السامي الفرنسي تتعلق بالمساواة في الحقوق السياسية والمدنية بين اللبنانيين.

كانت هناك مراسلة رقمها ٦، أرسلها الرئيس إلى المفوض أكد فيها على التزام المساواة في التعيينات والوظائف الرسمية، وبعد رد المفوض أرسل الرئيس رسالة ثانية حملت عنوان "٦ مكرر"، جدد فيها الرئيس التزامه السابق، وتحول الأمر مع الوقت إلى عرف لبناني، نص عليه اتفاق الطائف عبر المناصفة في مجلس النواب بين المسلمين والمسيحيين.

مراعاة "الستة وستة مكرر" ستكون صعباً في حالة ضم آلاف العناصر من "حزب الله" إلى الجيش اللبناني. الحلو يذكر أنه "عندما جرى استيعاب الميلشيات في العام ١٩٩٠ داخل الجيش اللبناني، كان الأمر مقبولاً لأن العدد لم يكن كبيراً، وأكثرية الميليشياويين في ذلك الوقت اختاروا الذهاب إلى الحياة المدنية وليس إلى الجيش".

إذا حصل الأمر كما يتم تداوله، أي ضم مقاتلي "حزب الله" إلى الجيش دفعة واحدة، فإنه بلا شك سيكسر التوازن الطائفي داخل المؤسسة العسكرية، كما يؤكد الحلو، "وقيادة الجيش حريصة على الحفاظ ليس فقط على التوازن الطائفي (إسلامي – مسيحي) بل أيضاً التوازن المذهبي (سني-شيعي مثلاً)". 

ولهذا يرى حلو أن "هناك استحالة في ضم عناصر حزب الله بالآلاف إلى الجيش، لأن المسألة لا تتعلق فقط بالأعداد، بل العقيدة القتالية وبالموازنة والتسليح وهي مسألة متكاملة".

هل حزب الله مستعد للتخلي عن ثلاثين ألف مقاتل؟ يسأل الحلو. ثم يجيب: "واقعياً المعضلة موجودة ولا حل عملياً لها، إلا بفتح باب التطويع وتدريب المقاتلين وفق عقيدة الجيش اللبناني واستيعابهم داخل المؤسسة إذا كانوا مقتنعين، رغم انتمائهم لحزب الله، بالالتزام بعقيدة الجيش والالتزام بالأوامر على المستويين العسكري والسياسي". 

الحلو يقول إن هناك ضباطاً شيعة في الجيش اليوم من الجو السياسي لـ"حزب الله"، و"هؤلاء مندمجون في الجيش في تجربة تعتبر إلى حد كبير ناجحة، وإذا كان حزب الله لا يثق بهؤلاء الضباط فإنه لن يثق بالدولة اللبنانية".

لماذا يقوم الجيش اللبناني بإتلاف السلاح الذي يصادره من "حزب الله" ولا يحتفظ به؟

هذا السؤال، الذي يترافق غالباً مع قضية ضم مقاتلي "حزب الله" يطرحه كثيرون، ويرى البعض أن الأمر يعود لأسباب سياسية. لكن الحلو يقول إن الأمر تقني بحت، "في ألف-باء الأمور العسكرية، عندما يكون هناك ذخائر لا يمكن استخدامها أو صيانتها، تصبح خطرة، وتخزينها خطر، وأكبر دليل على ذلك ذخائر لحزب الله انفجرت بعناصر من الجيش اللبناني وهم ينقلونها وقتلت ٣ عسكريين".

في السابق كانت تقع حوادث يصادر على إثرها الجيش ذخائر وأسلحة لـ"حزب الله" وكانت تعاد هذه الأسلحة للحزب بقرار من السلطة السياسية، استنادا إلى البيانات الوزارية السابقة التي كانت تغطي تسليح الحزب وعمله العسكري. اليوم اختلف الأمر تماماً، كما يقول الحلو، "البيان الوزاري يلتزم بتطبيق القرار ١٧٠١ والسلطة السياسية كلها ملتزمة بهذا الأمر تحت رقابة دولية".