#الحرة_تتحرى - #ليبيا.. أين تذهب أموال النفط؟

"استحدثوا أنبوبا يصل إلى عمق 2 إلى 3 كيلو في البحر فيتم الشحن مباشرة دون استخدام الجرافات"، هكذا يكشف المتحدث باسم خفر السواحل الليبي العميد أيوب قاسم ، لـ"الحرة تتحرى" عمل مجموعات محترفة تهرب النفط الليبي، وتضيع على الدولة الليبية نحو 750 مليون دولار سنويا.

فمنذ اكتشاف النفط لأول مرة في ليبيا عام 1985، ارتفع الإنتاج حتى بلغ مليونا و600 ألف برميل يوميا بحدود 2011، ولو كان استمر على نفس الوتيرة، لأدخل إلى خزينة الدولة أكثر من 500 مليار دولار في ظرف عشر سنوات .

لكن وسط الفوضى الأمنية والسياسية، تضرر قطاع النفط، وتضررت البلاد كلها، وانتهت مقسمة بين سلطتين، واحدة في طرابلس والأخرى في بنغازي.

ويقول المبعوث الدولي إلى ليبيا غسان سلامة لـ"الحرة تتحرى" إن الصراع في ليبيا لا يتم في بلد فقير بل بلد ثري جدا ينتج أكثر من مليون برميل من النفط "ولديه إمكانية العيش برفاهية لكنه لا يعيش، بل على العكس نحن اليوم في وضع واحد من أصل سبعة ليبيين يحتاج مساعدة إنسانية، هذا يعني أن هناك نهبا قائما في هذا البلد".

وكان الليبيون يحلمون بالتمتع بخيرات بلادهم، بعد أن كان معمر القذافي ودائرته المقربة تستحوذ على عائدات بيع النفط التي تشكل أكثر من 94 في المئة من إجمالي مدخول الدولة، لكن النهب تجذر في أغلب مؤسسات الدولة، حتى باتت ليبيا أكثر دول العالم فسادا حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير.

وترى المستشارة الإقليمية للمنطقة العربية في منظمة الشفافية الدولية كندة حتر  أنه لا يمكن المقارنة بين نظام القذافي وما بعده لأن نوع الفساد اختلف، "هناك العديد من القضايا التي خرجت بعد حقبة القذافي لها علاقة بنظام حكمه.. هناك فساد متجذر بشخصيات كانت في النظام القديم وازدادت بعد ذلك بسبب عدم وجود سلطة للقانون، وعدم وجود مؤسسات دولة قوية، لذلك طريق القضاء على الفساد طويل".

وسلطت العديد من التقارير الضوء على المخالفات المرتكبة من أهم المؤسسات الاقتصادية في ليبيا على رأسها المؤسسة الوطنية للنفط والبنك المركزي في طرابلس، إضافة إلى اتهاماتها جهات محسوبة على الحكومتين المتنازعتين بما فيها الدائرة المقربة من خليفة حفتر، في سيناريو مشابه لعهد القذافي.

ويقول رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله "كان هناك قانون في 2007 لتنظيم عمل حرس المنشآت النفطية لكن بعد 17 فبراير 2011 الحراسة لم تتم وفق القانون، بل وضعت ميليشيات مسلحة اليد على هذه المواقع".

وفي 2018 استعاد الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر الذي يقود شرق ليبيا، معظم حقول النفط في البلاد، أهمها الهلال النفطي، الذي كان لما يقارب العامين يستولى عليها حليفه السابق، آمر حرس المنشآت النفطية إبراهيم الجضران.

وبعد سيطرة الجيش الوطني على معظم الحقول والموانئ النفطية، اختزل الصراع بشكل كبير على النفط وعائداته بين طرابلس وبنغازي.

وأنشِئت مؤسسة موازية للمؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي، وبنك مركزي في البيضاء بطبرق، وفتح حساب بنكي في الخارج لإيداع الإيرادات النفطية.

وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، فقد تمكنت المؤسسة الموازية من التعاقد مع 18 شركة على الأقل منذ 2016 لبيع النفط تذهب عائداته إلى حساب في بنك الاتحاد بعمان باسم رئيس الخزانة في المصرف كما جاء في تقرير خبراء مجلس الأمن، والذي أشار إلى أن العقود كانت أقل من نظيرتها الصادرة من طرابلس بخمسة دولارات للبرميل الواحد.

ويعلق رئيس المؤسسة الوطنية للنفط ليبيا مصطفى صنع الله "نعم، هناك دعم خارجي لعمليات سرقة النفط، هذه الشركات ومن يقف خلفها أبلغنا عنها السلطات الخاصة في ليبيا وكلك لجنة العقوبات الدولية، وهي شركات معروفة وبعضها مدعوم من دول تريد تأجيج الوضع في ليبيا".

اما عن الأموال التي يدرها النفط فيقول صنع الله "ليس لنا علاقة بإدارة الأموال والنفقات الحكومية، لكن ما أعرفه أنا وجميع الليبيين أن الرواتب خيالية، تذهب كل عائدات النفط للرواتب تقريبا".

ويظهر آخر تقرير لديوان المحاسبة مخالفات وفسادا في منح الرواتب في أغلب القطاعات.

وتوضح مستشارة منظمة الشفافية الدولية كندة حتر أن تقرير ديوان المحاسبة وجد "أن 1.8 مليون موظف لا يعملون أكثر من ربع ساعة وهذا بحد ذاته فساد"، مشيرة إلى أن "هذه المبالغ هائلة يجب أن تكون مبالغ مخصصة للخدمات بما فيها المساءلة، ويجب وضعها في الموازنة وتصرف العائدات على التنمية وإعادة الإعمار".

ووسط الانقسام المستفحل بين مؤسسات الدولة المستباحة من طرفي النزاع، والذين يحملهما خبراء مجلس الأمن الدولي مسؤولية الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد اليوم، أصبح من الصعب الحديث عن مفهوم الدولة.

وكما اتهم التقرير الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق في طرابلس بتهديد وابتزاز أهم المؤسسات الاقتصادية في العاصمة، اتهم أيضا عناصر من الجيش الوطني بقيادة صدام ابن خليفة حفتر، بالهجوم على فرع البنك المركزي في بنغازي، ونقل أمواله إلى جهة غير معلومة.

أما القضاء على تهريب النفط فإنه قد يحتاج إلى إمكانات، حيث يقول المتحدث باسم خفر السواحل الليبي العميد أيوب قاسم "سنقضي على التهريب في حال توافر لدينا القطع الضرورية لأعمال الدورية اليومية وأعمال البحث الدوري، حينها سنستطيع إنهاء كل الظواهر السلبية". 

رئيس البرلمان الليبي المقيم في الشرق، عقيلة صالح
ليبيا تعاني من انقسامات ونزاعات مسلحة وصراع سياسي

قال رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، إن الولايات المتحدة قادرة على مساعدة ليبيا على تجاوز الانقسام والأزمة السياسية، نافيا وجود أي قوات روسية في البلاد بموافقة رسمية من السلطات التي يمثلها.

وفي مقابلة مع قناة "الحرة" تردد صالح في تأكيد وجود قوات فاغنر في ليبيا، مشيرا إلى أن البلاد تعرف تواجد مجموعات عسكرية مختلفة بما فيها إيطالية وتركية.

وأكد صالح الذي يقوم بزيارة إلى الولايات المتحدة أن لا وجود لمعاهدة رسمية مع روسيا بشأن تواجد قوات عسكرية،  مضيفا أن الفوضى في البلاد سبب تواجد عدة تشكيلات عسكرية مختلفة ومخابرات أجنبية. 

 

وتوقع صالح أن تنتهي الفوضى والانقسام بمجرد تشكيل حكومة موحدة "وهو ما نسعى إليه"، حسب تعبيره.

وشدد صالح على أن ليبيا تعول على واشنطن لحل أزمة الانقسام في البلاد التي تعرف تواجد حكومتين.

وقال صالح إن  قانون انتخاب الرئيس موجود وقانون انتخاب البرلمان موجود عند المفوضية العليا للانتخابات "لكن نحتاج لسلطة تمهد وتجهز لهذه الانتخابات" بحسب تعبيره، مضيفا أنه لا يمكن ذلك إلا بحكومة موحدة توفر المال توفر الأمن وكل العمل اللوجستي للمفوضية العليا للانتخابات.

وأوضح رئيس مجلس النواب في حكومة شرق ليبيا أن واشنطن تستطيع التأثير لإنهاء الأزمة، لأن "هناك تدخلا من بعض الدول وهو سبب التأخر في قضية الانتخابات"، بحسب تعبيره.

واتهم صالح حكومة الدبيبة بأنها فشلت في كل المهام التي جاءت من أجلها وبالتالي "لاتوجد حكومة شرعية لا تنال ثقة البرلمان ولا يستطيع البرلمان أن يحاسبها إذا كان هناك فساد".

وحكومة عبد الحميد دبيبة معترف بها دوليًا وتتواجد في طرابلس (غرب). 

ومنذ سقوط نظام معمر القذافي العام 2011، تعاني ليبيا من انقسامات ونزاعات مسلحة وصراع سياسي، وتتنافس حاليا فيها حكومتان على السلطة: واحدة مقرها طرابلس (غرب) برئاسة عبد الحميد الدبيبة منذ مطلع عام 2021، وأخرى برئاسة فتحي باشاغا عينّها مجلس النواب في مارس الماضي ويدعمها الرجل القوي في الشرق المشير خليفة حفتر.

وتقيم موسكو علاقات وثيقة مع المشير حفتر الذي لجأ إلى مرتزقة مجموعة فاغنر في محاولته التي باءت بالفشل للسيطرة على طرابلس بين أبريل 2019 ويونيو 2020، وكان حفتر، الرجل النافذ في شرق ليبيا، زار موسكو، في سبتمبر الماضي، حيث حظي باستقبال رسمي، والتقى فلاديمير بوتين.

وكان مقررا أن تشهد ليبيا انتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر 2021، لكنها أرجئت بسبب خلافات سياسية وقانونية وأمنية.