أسباب اهتمام أوروبا المفاجئ بالأزمة الليبية
أسباب اهتمام أوروبا المفاجئ بالأزمة الليبية

بعد إسقاط معمر القذافي في 2011، إثر تدخل القوات الأوروبية وبمساعدة القوات الأميركية، تخلت أوروبا عن الساحة في ليبيا وتركتها للميلشيات المتحاربة، وبدت وكأنها غير مكترثة لما يجري هناك، رغم أهمية ليبيا لأوروبا باعتبارها ملعبا للإرهابين، ونقطة عبور المهاجرين الأفارقة إلى القارة العجوز.

ولكن مع تورط روسيا وتركيا بدعمهما لطرفي الصراع وازدياد تدخل القوى الإقليمية، استيقظت أوروبا وأدركت أهمية ليبيا، التي قد تكون سببا في زعزعة استقرارها، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.

لهذا ستحاول ألمانيا والأمم المتحدة، الأحد، في اجتماع برلين، الوصول إلى حل سياسي ووقف إطلاق النار في ليبيا، بعد فشل مفاوضات موسكو.

ولن يكون الأمر سهلا، حيث تزيد فرص الحصول على النفط والغاز من شدة الصراع.

أما عن سبب جذب ليبيا أنظار أوروبا، فقال إيان ليسير، مدير مكتب مارشال الألماني في بروكسل: "كان هناك استيقاظ كبير للمصالح الجيوسياسية في ليبيا، والتي تبدأ بقضايا الهجرة والطاقة والأمن ومكافحة الإرهاب، والسياسة الجيولوجية للعلاقات مع روسيا وتركيا، وهي هامة للغاية، لهذا جذبت كل هذا الاهتمام الآن".

من جانبه، أكد خوسيب بوريل فونتيليس، منسق السياسة الخارجية الجديد بالاتحاد الأوروبي، في مقابلة مع المجلة الأسبوعية الألمانية "دير شبيغل"، إنه في حال الاتفاق على وقف إطلاق نار في مؤتمر برلين، قد يرسل الاتحاد الأوروبي قوات لحمايته ومراقبته، وهي خطوة اقترحتها إيطاليا واليونان.

بينما قال مصدر في صندوق مارشال الألماني: "الآن الأوروبيون قلقون، لكن قد فات الآوان، نحن خارج الصورة".

موقف أوروبا في البداية

في بداية الأزمة الليبية، تبنت الدول الأوروبية القضية الليبية بشكل فردي، وكل دولة بحثت عن مصالحها الخاصة، وكانت متباينة.

ومع دخول مرتزقة الروس إلى النزاع العام الماضي، ومع تعهد تركيا مؤخرا بإرسال قواتها إلى طرابلس، أصبحت أوروبا غير قادرة على تجاهل الأمر.

وتحولت خريطة الصراع الليبي، من جهة، تدعم مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا وروسيا خليفة حفتر، الذي فرضت قواته حصارا على طرابلس، العاصمة، معقل حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.

ومن ناحية أخرى، تدعم قطر وإيطاليا وتركيا حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج.

ولقد أدت الانقسامات بين فرنسا وإيطاليا إلى تقسيم موقف الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى إضعاف موقفه من ليبيا.

مخاطر التدخل الروسي التركي

بصفته أكبر دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي، أكد خوسيب بوريل فونتيليس مرارا وتكرارا على مخاطر التورط العسكري التركي في ليبيا، وانتقد تفضيل أوروبا للإشارة إلى القانون الدولي كرد على كل صراع.

وقال أمام البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي: "نحن الأوروبيون، بما أننا لا نريد المشاركة في حل عسكري، فإننا نحاصر أنفسنا في الاعتقاد بأنه لا يوجد حل عسكري".

وأضاف في تغريدة على تويتر "لن يكون هناك شخص سعيد للغاية إذا كان هناك، على الساحل الليبي، حلقة من القواعد العسكرية من القوات البحرية الروسية والتركية أمام الساحل الإيطالي، لكن هذا شيء يمكن أن يحدث كثيرا، نحن بحاجة إلى المشاركة بقوة، والحفاظ على ليبيا موحدة وإيجاد حل سلمي لهذا الصراع، ولن يتم ذلك بسهولة".

وفي الأسبوع الماضي فقط، أحضرت موسكو وأنقرة، حفتر وسراج إلى موسكو لحملهما على التوقيع على اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، كدليل على النشاط الدبلوماسي الروسي لملء الفراغات التي تركتها أوروبا والولايات المتحدة، لكن حفتر غادر موسكو دون توقيع.

ويعتقد مراقبون أنه سيوافق على القيام بذلك، الأحد، في برلين، وإن كان توقيعه، صادقا أم لا، سيكون رسالة من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين.

موقف الولايات المتحدة

أما عن الولايات المتحدة الأميركية، فقد غيرت إدارة ترامب، التي دعمت حكومة سراج واتفاق الأمم المتحدة، موقفها بعد اجتماع مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إبريل الماضي، وفقا لمجموعة الأزمات الدولية.

كما أعلنت واشنطن أنها ستقلص بشكل حاد الوجود العسكري للولايات المتحدة في غرب إفريقيا، والمقصود به محاربة الإرهاب إلى جانب الفرنسيين، وبالتالي فإن النفوذ الأميركي سوف يقل تدريجيا.

وقال مسؤول كبير في الخارجية الأميركية إن الوزير مايك بومبيو، الذي غير جدوله لحضور مؤتمر برلين، سيحث على ثلاثة أمور: استمرار وقف إطلاق النار وانسحاب جميع القوى الخارجية والعودة إلى العملية السياسية التي تقودها ليبيا بتيسير من الأمم المتحدة.

لب المشكلة

إن التحالفات التاريخية في ليبيا، والاهتمام باكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط ​​هي لب المشكلة، وقد أثارت المخاطر بالنسبة للأطراف الخارجية.

وبصرف النظر عن الهجرة، فإن إيطاليا، القوة الاستعمارية السابقة وعملاق الطاقة "إيني"، من اللاعبين الرئيسيين في ليبيا، لذا فإن الاستقرار مهم بالنسبة لروما، وقد حاولت الحكومة أيضا التوسط بين حفتر وسراج.

من جانبه، قال طارق مجريسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "بدأ النفوذ الروسي أولا وقبل كل شيء في البنية التحتية للغاز والنفط".

وأضاف مجريسي: "إذا ظهر موقف تتخلى فيه روسيا وتركيا عن السلام، وتقوم روسيا باستثمارات ضخمة في البنية التحتية للنفط والغاز في ليبيا، فإن هذا يعني أن هناك خط أنابيب آخر في أوروبا في أيدي الروس .. هذا خطير للغاية".

مبنى مصرف ليبيا المركزي في طرابلس (رويترز)
مبنى مصرف ليبيا المركزي في طرابلس (رويترز)

قرر مجلس ادارة مصرف ليبيا المركزي، تخفيض سعر صرف الدينار الليبي مقابل العملات الأجنبية بنسبة 13.3 بالمئة. 

وبموجب هذا القرار، تصبح قيمة الدينار مقابل الدولار الأميركي 5.5677 دينار لكل دولار.

وتضاف لهذه القيمة، نسبة 15 بالمئة مفروضة من قبل مجلس النواب الليبي على بيع العملات الاجنبية، لتكون قيمة الدينار مقابل الدولار الأميركي 6.4 دينار تقريبا.

وقال محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى، إن المصرف "اضطر إلى استخدام جزء من احتياطاته الأجنبية، للحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار الليبي".

وأشار في بيان، الأحد، إلى حدوث عجز بين النفقات والإيرادات بأكثر من 100 مليار دينار (20 مليار دولار تقريبا).

وبلغت النفقات العامة خلال 2024 نحو 224 مليار دينار، فيما بلغت الإيرادات 123 مليار دينار، مما أدى إلى عجز كبير، حسب البيان.

وأوضح المحافظ أن "التوسع في الإنفاق العام وزيادة في عرض النقود، تسببا في ضغوط على سوق النقد الأجنبي، وساهما في انخفاض قيمة الدينار الليبي".

وحذر من أن استمرار هذا الاتجاه في الإنفاق العام، سيؤدي إلى تفاقم العجز بحلول 2025 ليصل إلى 94 مليار دينار، وديون تتجاوز 330 مليار دينار.

ودعا المصرف إلى "التنسيق بين السلطات التنفيذية والتشريعية ومؤسسات الدولة، لوضع خطة اقتصادية واضحة وشاملة".

وتعتمد ليبيا في إيراداتها على بيع النفط الخام، الذي تراجعت أسعاره خلال العام الجاري إلى 65 دولارا للبرميل.

وصنفت ليبيا من ضمن أسوأ 10 دول في العالم على مستوى مؤشر مدركات الفساد العالمي لعام 2025.

يذكر أن أنه تتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان، إحداها في طرابلس (غرب) برئاسة عبدالحميد الدبيبة، ومعترف بها من الأمم المتحدة، وأخرى في بنغازي شرقا ويرأسها أسامة حماد، وهي مكلفة من مجلس النواب ومدعومة من القائد العسكري خليفة حفتر.