يحاول رئيس الحكومة الليبية المكلف، عبد الحميد الدبيبة، تقديم التنازلات للحصول على تصديق مجلس النواب، على حكومته التي لم يختر منها إلا واحدا، بحسب قوله، الثلاثاء، ما أثار الكثير من الانتقادات.
وإلى يوم ثالث جديد، ستستمر المناقشات في سرت حول منح الثقة للحكومة، بعد أن طالب عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، الدبيبة بتقديم تشكيلته مكتملة، الأربعاء.
دعوة صالح جاءت بعد التحفظات التي سادت المناقشات حول التشكيلة الحكومية، والتي حاول فيها رئيس الوزراء المكلف تسريع عملية منح الثقة، من خلال تعديل فريقه الحكومي بتغيير الأسماء التي كانت محل تحفظ النواب.
"برلمان يختار الوزراء!"
واشتكى الدبيبة من التشكيك في تشكيلة حكومته وكفاءتها قبل أن تبدأ.
ففي اليوم الثاني من نقاشات برلمانية حول مقترحه لحكومة انتقالية، ندد رئيس الوزراء المكلف، ما وصفه بـ "حملة شرسة" تهدف إلى "تدمير" البلاد، وأكد أنه لم يختر في تشكيلته الحكومية سوى وزيرا واحدا وأن باقي الوزراء تم اختيارهم بناء على تزكيات من النواب.
ويرى الباحث السياسي الليبي، حافظ الغويل، في حديثه مع موقع "الحرة"، أن الدبيبة هو من "فتح النار على نفسه".
وأوضح الغويل "لم نسمع أبدا برئيس حكومة لا يختار وزراءه، ويترك اختيارهم لأعضاء البرلمان، الذين هم من المفترض الذين سيحاسبون الحكومة"، متسائلا "كيف سيكون ولاء هؤلاء الوزراء لرئيس الحكومة. بالتأكيد سيكون ولاؤهم لمن عينوهم".
ويرى الغويل أن الدبيبة يعتقد أن مهمته "إرضاء الجميع"، فأنشأ "وزارات ليس لها معنى في حكومة أزمة مثل وزراء موارد مائية، وللسياحة والصناعات التقليدية"، مضيفا أنه "في ظل الانقسام الحالي لن يستطيع أن يرضي جميع الأطراف".
وأكد الغويل، وهو خبير في البنك الدولي، أن "هذه حكومة أزمة، ويجب أن تكون مصغرة. من المفترض أن تضع ثلاثة أهداف نصب أعينها، أولها التحضير للانتخابات، ثانيها المصالحة، ثالثها الخدمات العامة. هذه الحكومة يجب أن تكون منتقاة بعناية".
ويستنكر الغويل تقديم رئيس الوزراء المكلف تنازلات لمجلس النواب وحرصه على نيل ثقته، رغم أن لديه فرصة أخرى في اللجوء إلى ملتقى الحوار السياسي الذي انتخبه والمكون من 75 شخصية إذا لم يحصل على تصديق البرلمان الذي سيفقد شرعيته ولن يكون له أي صلاحيات.
وقام ملتقى الحوار الليبي الذي يضم 75 ممثلا عن كل مدن البلاد وانطلق، في نوفمبر الماضي، في سويسرا برعاية الأمم المتحدة، بانتخاب الدبيبة (61 عاما) في 5 فبراير رئيسا للوزراء لقيادة المرحلة الانتقالية حتى الانتخابات المقرر تنظيمها في 24 ديسمبر المقبل.
"تخلى عن وعوده"
المتحدث السابق باسم المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، إسماعيل السنوسي، رأى في مقابلة مع قناة "الحرة" أن الدبيبة يحاول أن يتلافى الذهاب إلى ملتقى الحوار السياسي "بدليل أنه اضطر إلى التخلي عن وعوده عندما فازت قائمته".
ووعد رئيس الحكومة المكلف بأن تكون حكومته تكنوقراط ومصغرة وأنه سيحتفظ بالوزراء الذين نجحوا في الحكومة السابقة، "كل ذلك لم يفعله دبيبة، لأنه يريد أن يكسب النواب من خلال سياسة الترضية وتوزيع الحقائب الوزارية على النواب حسب دوائرهم الانتخابية الـ13"، بحسب السنوسي الذي كان يتحدث من طرابلس.
وتتضمن تشكيلة الدبيبة الحكومية نائبين لرئيس الوزراء و26 وزيرا وستة وزراء دولة، مع إسناد حقيبتي الخارجية والعدل لامرأتين في سابقة في ليبيا.
لكن حقيبة الدفاع الاستراتيجية لا تزال موضع خلاف كبير، وكشف الدبيبة عن "صراع" بين جميع الأطراف على هذه الحقيبة.
ويؤكد المحلل السياسي، خالد ترجمان، من بنغازي، في حديثه مع "الحرة"، الثلاثاء، أن ما يحدث في ليبيا حاليا هو أن "الأمر الواقع يفرض نفسه سواء كان أمنيا عسكريا أو جهويا، من خلال توزيع الحقائب الوزارية"، واصفا ما وقع فيه الدبيبة بأنه "خطأ قاتل".
وقال ترجمان إن "توزيع الحقائب الوزارية على 13 دائرة انتخابية قد يرضي البعض ويغضب البعض الآخر، لأن النواب قدموا له ثلاثة آلاف سيرة ذاتية رأى منها ألفين و300 سيرة ذاتية".
وأضاف "هذا كم هائل وغير معقول بأن يتم التعامل مع هذا الرجل بهذا الشكل ولديه استحقاقات محددة عليه أن ينجزها، أهمها رحيل القوات الأجنبية وتفكيك الميليشيات وفتح الطرقات والذهاب إلى الانتخابات".
واستنكر الغويل كيف يتم اختيار أعضاء حكومة من خلال السير الذاتية، موجها حديثه إلى الدبيبة "أنت هنا لا تختار مهندسا، أو سكرتيرة، أنت تختار وزيرا، وهذا له معيارات أخرى، بعضها يكون سياسي، وأخرى تتعلق بالخبرة".
وقال: "أي إنسان قادر ويفهم وله أي كفاءة لا يمكن أن يتطوع ويرسل سيرته الذاتية لأحد، مسؤولية رئيس الوزراء أن يبحث عن هذه الكفاءات ويحاول إقناعها أن تنضم إلى فريق العمل".
وعزا الغويل ما وصفه بـ"تعثر" الدبيبة، إلى أنه "ليس لديه خبرة سواء في السياسة أو الحكومة لا داخليا ولا خارجيا".
واعترف دبيبة خلال كلمة أمام البرلمان بالصعوبات والضغوطات التي اعترضته خلال فترة تشكيل الحكومة، مشيرا إلى أن المحاصصة والتوازنات فرضت نفسها.
ورغم الانتقادات، قال رئيس الوزراء المكلف في تغريدة له، على تويتر، الثلاثاء، إن "التئام مجلس النواب اليوم بعد سنوات من الانقسام يدعو إلى السعادة، بغض النظر عن اختلاف وجهات الرأي".
وأضاف "من الأفضل أن تتم إدارة الاختلاف تحت قبة البرلمان بدل جبهات القتال"، معبرا عن تفاؤله "بغد أفضل يليق بالليبيين".
التئام مجلس النواب اليوم بعد سنوات من الانقسام يدعوا إلى السعادة، بغض النظر عن اختلاف وجهات الرأي، من الأفضل أن يتم إدارة الاختلاف تحت قبة البرلمان بدل جبهات القتال.
— عبدالحميد الدبيبة Abdulhamid AlDabaiba (@Dabaibahamid) March 9, 2021
متفائلون بغد أفضل يليق بالليبيين إن شاء الله pic.twitter.com/mIkjAAIoJR
هل سيمررها مجلس النواب؟
وتباينت مواقف النواب الليبيين بين الدعوة إلى حجب الثقة عن بعض الأسماء في الحكومة، في حين يرى آخرون أن مناقشة منح الثقة للحكومة تحتاج وقتا أكثر للتشاور مع الدبيبة حول إجراء بعض التعديلات.
ويرى السنوسي أنه من المحتمل ألا يمنح البرلمان الليبي الثقة للتشكيلة المقترحة للحكومة في جلسة الأربعاء، "ما يقود إلى جلسة جديدة حسب لائحة مجلس النواب في 18 من الشهر الجاري، أو الاضطرار إلى الذهاب إلى ملتقى الحوار السياسي".
لكن الغويل يرى أن مجلس النواب سيمرر الأربعاء الحكومة بعدما علم أنه يستطيع السيطرة عليها، ويقول: "الدبيبة وضع نفسه في موقع لا يحسد عليه أمام البرلمان رغم أن لديه فرصة أخرى.. ليس عليه أن يرضي أعضاء البرلمان والقبائل المختلفة، لأن لديه فرصة العودة للجنة الحوار الوطني".
"حكومة ضعيفة"
ويرى كل من الغويل والسنوسي أن الحكومة ستقابلها الكثير من التحديات والمشاكل.
ورأى السنوسي أن "الطريق الذي سلكه الدبيبة سيؤدي إلى حكومة فاشلة وضعيفة ولا يمكن أن تكون حكومة سياسية بهذا الشكل".
ويتوقع الغويل أن تطول الفترة الانتقالية وألا تجرى الانتخابات، في ديسمبر، كما هو مخطط له، لأنه "أعطى للبرلمان سلطة أكبر من حجمه، كما سمح لأعضائه بالتحكم بالحكومة وبكل شيء بما في ذلك خطة الطريق".