مرتزقة موالون لتركيا في ليبيا. أرشيفية
مؤتمر برلين الثاني أكد ضرورة انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا

قال مسؤولون في  وزارة الخارجية الأميركية يرافقون الوزير، أنتوني بلينكن، في جولته الأوروبية، الأربعاء، أن هناك اتفاقا من حيث المبدأ، أو تفاهما بين روسيا وتركيا على بدء مناقشة انسحاب "مجموعة" مكونة من 300 "مقاتل سوري من كلا الجانبين من ليبيا".

وأضاف المسؤولون الذين فضلوا عدم الكشف عن اسمائهم إن "أن عملية الانسحاب ليست جاهزة بعد، لكن الأطراف بدأت مناقشات أولية".

وكشفوا عن وجود شكوك لدى الجانبين، وشدد مسؤول كبير في وزارة الخارجية على حقيقة أن جميع الأطراف متفقة الآن على أن "المقاتلين الأجانب بحاجة إلى المغادرة الآن، ... وهذا أمر لم يكن متوفراً من قبل".

وقدر المسؤولون وجود عدة آلاف من المقاتلين السوريين حاليا في ليبيا لدى طرفي الصراع.

وأوضحوا أن الولايات المتحدة أكدت على "تقديم الدعم الدبلوماسي" لعملية نقل المقاتلين الأجانب من ليبيا. 

وذكر المسؤولون أن الولايات المتحدة ودولا أخرى يتلقون ضمانات مؤكدة من قبل رئيس الوزراء الليبي بأنه سيلتزم بشكل تام بالانتخابات في ديسمبر المقبل.

مطالبات دولية بإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا

مؤتمر برلين 2

وقالت وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، إن العملية السياسية في البلاد تواجه "تحديات" وأن "الفشل على المستويين المحلي والدولي بشأن الأزمة الليبية أسهم في تفاقمها".

المنقوش، التي كانت تتحدث للصحفيين في مؤتمر برلين الثاني الذي عقد في ألمانيا، قالت إن "مبادرة استقرار ليبيا" التي تطرحها الحكومة الحالية تهدف إلى "بلورة آليات ملموسة لتوحيد الجيش الليبي".

وأضاف الوزيرة الليبية أن هناك "تحديات أمنية تهدد إجراء انتخابات ليبية" لكنها قالت أيضا أن "هناك تقدما في مساعي إخراج "المرتزقة" من البلاد.

ومن جانبه أعرب بلينكن عن أمله في أن "تشق ليبيا مسارها وتستعيد مكانتها في المجتمع الدولي".

ودعت الأمم المتحدة لعقد مؤتمر برلين الثاني لمناقشة الأوضاع في ليبيا، ويستمر المؤتمر يوما واحدا فقط.

وقالت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، روزماري ديكارلو، في المؤتمر إن "من الضروري مغادرة المرتزقة والقوات الأجنبية لليبيا".

وعدت الأمم المتحدة أن "وقف إطلاق النار في ليبيا ناجح"، مؤكدة أن الانتخابات ستعقد في ديسمبر المقبل".

وأضافت ممثلة المنظمة الدولية إن "من الضروري كذلك تأمين مشاركة المرأة والشباب في الانتخابات الليبية المنتظرة"، مضيفة أن "مؤتمر برلين يثبت الالتزام الدولي بتثبيت الاستقرار في البلاد".

وقالت ألمانيا، التي يشارك وزير خارجيتها، هايكو ماس، في المؤتمر إن هناك "تحديات تواجه العملية السياسية في ليبيا"، لكن ماس قال إن "الفرصة سانحة لتحقيق تقدم يدعم تثبيت الاستقرار في البلاد".

وأضاف وزير الخارجية الألماني أن بلاده تعتقد أن "الحكومة الليبية ستتمكن من إجراء الانتخابات كما هو مخطط لها"، لكنه قال إنه "قد لا يتمكن الجميع من المشاركة في الانتخابات المنتظرة".

وأكد ماس "لن نتوقف عن العمل حتى تغادر جميع القوات الأجنبية ليبيا".

وهذا هو المؤتمر الثاني بعد مؤتمر برلين الأول، في عام 2019، ويكتسب أهمية من التقاء أغلب أو جميع الفاعلين في المشهد السياسي الليبي.

وركز المؤتمر على موضوع اخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، الذين تقدر  الأمم المتحدة عددهم بنحو 20 ألفا عددينقسمون إلى  روس وتشاديين وسودانيين وسوريين وغيرهم.

عبدالغني الككلي

بعد غروب شمس  الثاني عشر من مايو، دوّى صوت الرصاص في حي "أبو سليم" وسط العاصمة الليبية طرابلس. لم يكن الحدث غريبا في مدينة اعتادت على أصوات الاشتباكات المسلحة. لكن، هذه المرة، كان الشعور مختلفا. 

مع انقضاء شطر من الليل، كان عبد الغني الككلي، المعروف بلقب "غنيوة"، أحد أقوى قادة الميليشيات في العاصمة، قد قُتل. 

الرجل الذي كان يعد شريكا، ومنافسا في وقت لاحق، لحكومة الوحدة الوطنية، انتهى فجأة.

أثار الخبر دهشة الشارع الليبي، في طرابلس وخارجها. 

لسنوات، خضعت منطقة أبو سليم، إحدى أكثر مناطق العاصمة تنوعا قبليا، لسيطرة ما يُعرف بـ"قوة دعم الاستقرار"، وهي الميليشيا التي قادها غنيوة شخصيا. 

وأعلنت وزارة الدفاع الليبية، بعد مقتله، أنها أعادت السيطرة على الحي، في تطور اعتبره كثيرون بداية مفترضة لترسيخ سلطة الدولة. إلا أن مفهوم "سلطة الدولة" في ليبيا يبقى غامضا، في بلد طالما تقاسمت فيه الميليشيات القرار.

الاشتباكات التي أدت إلى مقتل غنيوة اندلعت بين قوة دعم الاستقرار، التابعة للمجلس الرئاسي، ولواء 444، التابع لوزارة دفاع حكومة الوحدة الوطنية. ووصفت مصادر ليبية ما جرى بأنه أعنف مواجهة أمنية شهدتها إحدى المؤسسات الرسمية منذ سنوات.

وبحسب مصادر محلية تحدثت إلى "الحرة"، فإن المواجهة سبقتها، بأيام، حادثة أثارت غضب الحكومة تمثلت في اقتحام عناصر من جهاز "دعم الاستقرار" لشركة الاتصالات القابضة، وهي مؤسسة مملوكة للدولة، واختطاف رئيس مجلس إدارتها ونائبه، في محاولة للهيمنة على المؤسسة. وكان هذا التصرف، كما يبدو، القشة التي قصمت ظهر التحالف بين غنيوة وحكومة الدبيبة.

رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة وصف مقتل غنيوة بأنه "خطوة حاسمة نحو القضاء على الجماعات غير النظامية وترسيخ أن مؤسسات الدولة هي الجهة الوحيدة الشرعية في البلاد".

من قائد ميداني إلى قوة موازية للدولة

لم يكن عبد الغني الككلي مجرد قائد ميليشيا، بل أصبح مؤسسة قائمة بذاتها. عقب ثورة فبراير 2011، أسس الككلي "كتيبة حماية بو سليم" لسد الفراغ الأمني المنطقة، مستغلا انهيار أجهزة الدولة. وسرعان ما توسعت الكتيبة، مدعومة بأسلحة تم الاستيلاء عليها من مستودعات نظام معمر القذافي بعد انهياره، لتتحول إلى قوة أمنية تسيطر على مرافق حكومية، وتتلقى تمويلا رسميا.

ومع الوقت، أعيد تشكيل الكتيبة تحت عناوين مختلفة، وصولا إلى "جهاز دعم الاستقرار" الذي حظي بشرعية رسمية بقرار من حكومة الوفاق الوطني السابقة، بقيادة فايز السراج. 

بعد تسلّمه الحكم، دخل الدبيبة في تحالف مع الككلي، لكن ذلك التحالف تفكك لاحقا بسبب توسّع نفوذ جهاز دعم الاستقرار وتحوّله إلى سلطة موازية تهدد سلطة الدولة.

يقول المحلل السياسي الليبي رمضان معيتيق، في تصريح لـ"الحرة"، إن الدبيبة يحاول إثبات قدرته في السيطرة على زمام الأمور الأمنية والسياسية في غرب البلاد "للمحافظة على شرعيته الدولية والأقليمية".

ويضيف بأن ما حدث "تغيير مهم جدا وأعطى لحكومة الوحدة الوطنية رصيدا كبير جدا، مع سقوط أبرز المنافسين للحكومة".

مشهد ميليشيوي معقد وولاءات متشابكة

ليست قوة "دعم الاستقرار" الميليشيا الوحيدة في طرابلس. إذ بلغ عدد التشكيلات المسلحة في العاصمة نحو 50 تشكيلا، أبرزها "قوة الردع الخاصة" المتمركزة في قاعدة معيتيقة الجوية، والتي تدير مطار طرابلس الوحيد، وتُشرف على سجن تقول إنه يضم آلاف السجناء المتهمين بالتطرف والإرهاب.

توترت العلاقة بين قوة الردع والحكومة في الآونة الأخيرة، وتطور الخلاف إلى اشتباكات بالأسلحة الثقيلة، وهددت ميليشيات من خارج طرابلس بالتدخل لصالح "الردع"، ما كاد يفجر الوضع الأمني بالكامل لولا اتفاق على وقف إطلاق النار.

بحسب معيتيق، فإن الحكومة قد تتوصل إلى تسوية تُبقي على بعض عناصر "الردع" داخل مؤسسات الدولة، مقابل تسليم المطار والسجن. وقد يتم دمج العديد من عناصر هذه القوة داخل وزارة الدفاع، في مسعى لتفكيك الميليشيات دون الدخول في مواجهات مفتوحة معها.

حكومتان لبلد منقسم 

خارج طرابلس، يبدو المشهد أكثر تعقيدا. من الحدود المصرية شرقا إلى مدينة سرت في وسط الساحل الليبي، مرورا بالصحراء الجنوبية حتى تخوم تشاد والنيجر والجزائر، تخضع تلك المناطق لسيطرة قوات المشير خليفة حفتر، المدعوم من مجلس النواب في بنغازي، والذي يحظى بدعم مباشر من روسيا.

أما الغرب الليبي، فيخضع لحكومة الوحدة الوطنية، المعترف بها دوليا، والتي تدعمها تركيا، إلى جانب المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة. ويعمل هذا الكيان وفق اتفاق سياسي عُرف باتفاق تونس - جنيف، أُبرم عام 2020، وينص على تشكيل سلطة تنفيذية من مجلس رئاسي وحكومة وحدة.

لكن التوتر لا يزال قائما بين المكونات السياسية في الغرب، وسط غياب أي مسار حقيقي نحو توحيد مؤسسات الدولة بالكامل.

"ساعة الصفر"؟ ربما قد بدأت

يعتقد رمضان معيتيق أن مقتل الككلي قد يكون بداية مسار جديد. 

"هذه الجماعات المسلحة باتت عقبة في تأسيس جيش نظامي ليبي حقيقي، فهناك قرار ضمني بالقضاء على هذه المليشيات،" يقول معيتيق، مؤكدا أن ساعة الصفر قد حانت على ما يبدو، لأن التطورات السياسية المتسارعة على المسرح الدولي عجلت في بدء عملية الإقصاء، وهناك توافق دولي بشأن ما يحدث في الداخل الليبي.

ويضيف معيتيق أن دولا إقليمية - لا سيما تركيا والجزائر - تدعم استقرار حكومة الوحدة، في حين أن روسيا، رغم دعمها لحفتر، لديها مصلحة في إنهاء نفوذ الجماعات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الدولة.

وعلى الرغم من التوتر بين المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة بعد الأحداث الأخيرة، يؤكد معتوق، أن الخلاف مؤقت، وأن "الغضب الشعبي سيتلاشى والمجلس لن يتخلى عن الحكومة".

ماذا بعد غنيوة؟

سواء مثّل سقوط عبد الغني الككلي بداية لإصلاح حقيقي في ليبيا، أو مجرّد حلقة أخرى في سلسلة إعادة توزيع النفوذ، يبقى الحدث مفصليا في العاصمة التي أنهكتها الميليشيات. وقد تكون منطقة أبو سليم، التي طالما اعتُبرت رمزا لهيمنة المسلحين، تجربة اختبار للانطلاق نحو ليبيا موحدة ومستقرة ومن دون ميليشيات.