بعد شهور من معركة قادها الرجل القوي في الشرق، المرشح الرئاسي الحالي خليفة حفتر، للسيطرة على العاصمة طرابلس، وفشل فيها في تحقيق هدفه، يحذر الكثيرون، الآن، ترتيبات سياسية قد تسفر قريبا عن معارك جديدة تندلع بين أطراف قوية في الغرب الليبي.
ويستعد البرلمان الليبي لاختيار رئيس جديد للحكومة، في جلسة الثامن فبراير الجاري، في آلية قد تساهم في تعميق الانقسام ومفاقمة الصراع على السلطة، حيث يتمسك عبد الحميد الدبيبة بمنصبه حتى إجراء الانتخابات، التي كان ينتظر إجراؤها في 24 ديسمبر الماضي قبل أن يصبح مصيرها مجهولا.
وشُكّلت حكومة موحّدة، برئاسة الدبيبة، قبل عام في عملية سياسية رعتها الأمم المتحدة من أجل إخراج ليبيا من الفوضى التي تلت سقوط نظام معمر القذافي في 2011، وبهدف قيادة المرحلة الانتقالية إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية والتي تعذر إجراؤها في موعدها المقرر، بسبب خلافات بين الأطراف الليبية.
تحالف بعد عداء
المرشح الأقوى لخلافة الدبيبة، هو فتحي باشاغا، الذي شغل منصب وزير الداخلية في حكومة الوفاق السابقة برئاسة فايز السراج، وكان من أشد أعداء حفتر أثناء المعركة على طرابلس.
لكن ترشيح باشاغا لمنصب رئيس الحكومة، بينما لا تزال قوات مسلحة في غرب ليبيا تدين له بالولاء في الغرب الليبي، يأتي بعد صفقة وتحالف مع حفتر، بحسب العديد من المراقبين الذين تحدث معهم موقع "الحرة".
بوادر هذا التحالف ظهرت جليا قبل موعد الانتخابات التي كان ينتظر إجراؤها في ديسمبر الماضي بثلاثة أيام، عندما زار باشاغا، بنغازي، والتقى حفتر الذي يسيطر بحكم الأمر الواقع على الشرق، وجزء من الجنوب.
مثلت هذه الزيارة واقعة غير مسبوقة، خاصة أن باشاغا من مدينة مصراتة الواقعة على بعد 200 كلم إلى الشرق من طرابلس، والتي عُرفت بعدائها الصريح للمعسكر الشرقي وحفتر.
أعلن باشاغا حينه، خلال مؤتمر صحفي، وبجانبه حفتر، والمرشح الرئاسي أحمد معيتيق، أن هذه اللقاءات تجري من أجل "المصلحة الوطنية"، مؤكدا أن المرشحين اتفقوا على مواصلة التنسيق والاتصالات في إطار "هذه المبادرة الوطنية" مع حرصهم على توسيعها لتشمل الجميع.
وأضاف، قبل انطلاق محادثاته مع حفتر: "نريد كسر حاجز الانقسامات الأخير الذي يسود البلاد.. يجب على ليبيا أن تتوحد أيا كان الفائز في الانتخابات الرئاسية".
وقد بدأت الخلافات بين حفتر والدبيبة، قبل فترة طويلة، "حيث منع الأول رئيس الحكومة من زيارة بعض المناطق في الشرق، أو من عقد اجتماعات في بنغازي. في المقابل، رفض الثاني صرف مرتبات جنود حفتر إلا بعد إصدار قائمة تفصيلية ببيانات مرتبات عناصر ما يسمى بـ"الجيش الوطني الليبي"، وحتى انتهاء عمل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)"، وذلك بحسب ما ذكر مدير الشؤون القانونية بهيئة مكافحة الفساد في ليبيا، مجدي الشبعاني لموقع "الحرة".
بينما يؤكد الأكاديمي والمستشار السابق لمجلس النواب الليبي، عاطف الحاسية، في حديثه مع موقع "الحرة"، أنه يتم الآن الاستعداد من قبل البرلمان الليبي للإعلان عن باشاغا كرئيس وزراء "بعد أن انتهت شرعية ومدة عبد الحميد الدبيبة من الناحية القانونية".
وقال الحاسية إن "التسوية السياسية التي تمت في جنيف نصت على انتهاء فترة حكومة الدبيبة في 24 ديسمبر، الموعد السابق للانتخابات، فضلا عن أن مجلس النواب سحب الثقة منه منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ولذلك توجد أزمة شرعية وحكومة أمر واقع تسيطر فقط في طرابلس".
تفاصيل "الصفقة"
ويشير الخبير القانوني، مجدي الشبعاني، في تصريحاته لموقع "الحرة"، إلى أن الصفقة بين الرجلين تشمل أن "يرأس باشاغا الحكومة الليبية الانتقالية، وفي المقابل، يسيطر حفتر على حقيبة الدفاع، فيثبت شرعيته أمام العسكريين الموالين له، ويوسع سيطرته العسكرية لتشمل كافة الأراضي الليبية وليس في الشرق فقط كما هو حاصل حاليا، باعتبار أنه إذا أصبح وزير الدفاع من الموالين لحفتر، فسوف يتم توحيد المؤسسة العسكرية بجرة قلم".
في حين يرى المحلل السياسي الليبي، عبدالله الكبير، في حديثه لـ"الحرة" أن "هذا التحالف يمكِّن باشاغا من نيل رضا معسكر حفتر وصالح عقيلة ليحقق طموحه بالإطاحة بحكومة الدبيبة ويتبوأ رئاسة الحكومة. وبالمقابل يحصل حفتر على وزارة الدفاع ويستمر في منصبه".
أما البرلمان، الذي يسعى إلى استكمال الصفقة، فإن رئيسه، عقيلة صالح، الذي أعلن أكثر من مرة أن حكومة الدبيبة منتهية الصلاحية، "فيمثا جزءا من الصفقة، المفترضة، ويتركز مكسبه في الهيمنة على الحكومة باعتبار أنه من أوجدها، وإبعاد شبح الانتخابات التي قد تطيح به هو شخصيا والبرلمان.
ويرى الحاسية أن "نقطة اللقاء بين حفتر وباشاغا، هي الاهتمام بالسيادة الليبية وبناء جيش ليبي موحد، ودولة قوية".
وقال إن "باشاغا كعسكري سابق، يعلم تماما أن الدولة يجب أن يكون لديها جيش قوي حتى تتمكن من البقاء، وحفتر كانت له محاولات ولا تزال ناجحة نسبيا في بناء ما سمي بالجيش الوطني الليبي، ونجح فعلا في تحرير بنغازي ودرنة من الإرهابيين وملاحقة فلولهم في إقليم فزان".
مساع وطنية أم تبادل مصلحة؟
وبينما يرى الشبعاني أن التحالف بين حفتر وباشاغا عبارة عن "تبادل مصلحة بينهما"، يعتبره الحاسية: "مساع وطنية للملمة الأطراف الفاعلة على الأرض لبناء دولة موحدة".
ويقول الشبعاني: "في المعطيات الحالية تحالف ورقي وليس حقيقي لأن الخلاف بينهما موجود وعميق، لكن السياسة هي التي دفعتهما لتكوين مشروع للسيطرة على كامل التراب الليبي، وكلاهما يسعى للحكم، هل هما متفقان من حيث التبعية ورئيس ومرؤوس، هناك خلاف قائم أعتقد أنه سينشأ بينهما في المستقبل، ولذا فهي تحالفات مؤقتة مبنية على أزمات مؤقتة تتمثل في وجود حكومة موجودة فعلا على الأرض".
لا يعتقد الشبعاني أن هذا التحالف سيحقق مصالحة وطنية كبيرة لأن تحالفهما لا يعني التحالف بين الشرق والغرب، لأنه لا يزال لديهما خصوم آخرون..".
ويقول الكبير: إنه "ليس بوسع حفتر تحقيق المزيد من السيطرة.. ستظل المنطقة الغربية خارج نفوذه ولن يقبل به سكانها بعد كل هذه الجرائم التي ارتكبها، أما باشاغا، فإنه فَقَدَ الكثير من شعبيته ونفوذه في مصراتة وطرابلس عقب هذا التحالف وبات ينظر إليه كمهووس بالسلطة لن يتورع عن الإقدام على نسج أي تحالف في سبيلها"، بحسب قوله.
في المقابل، يقول السايحة، إنه "ربما كانت هناك بعض الأخطاء في الطريق لكن تحظى هذه المؤسسة بالكثير من الاحترام بغض النظر عن التوجهات السياسية، ويمكن البناء عليها في التحالف ما بين حفتر وباشاغا لتوحيد الليبيين".
وأشار إلى أن البرلمان يضع شرطا في قانون الانتخابات سيمنع باشاغا من الترشح للرئاسة، إذا اصبح رئيسا للحكومة.
وقال: "باشاغا عندما يترشح لرئاسة الحكومة الأسبوع المقبل في البرلمان، سيسحب ترشحه للرئاسة في الانتخابات المقبلة".
حرب جديدة
ويبرز التساؤول حول ما إذا أعلن البرلمان الليبي الثلاثاء المقبل، الإطاحة بحكومة الدبيبة وتشكيل أخرى برئاسة فتحي باشاغا.
وأكد الدبيبية، الاثنين، رفضه لما وصفه بأنه "محاولة فردية" من جانب رئيس مجلس النواب لفرض مرحلة انتقالية جديدة. وقال في تصريح صحفي "ما يقوم به رئيس مجلس النواب، هو محاولة يائسة لعودة الانقسام (..) الحكومة مستمرة في أداء مهامها حتى إنجاز الانتخابات".
وأضاف "مخرجات الاتفاق السياسي واضحة بشأن المجلس الرئاسي والحكومة، ونحن نعمل وفقا له"، في إشارة إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه في جنيف العام الماضي.
ويقول الشبعاني: "قرار البرلمان إذا تم اتخاذه بتعيين باشاغا والإطاحة بالدبيبة، سيكون أحاديا وغير ذا جدوى، لأن هناك المجلس الأعلى للدولة وملتقى الحوار السياسي والمجلس الرئاسي الحالي، بمعنى أنه ستكون هناك إشكاليات عديدة، فضلا عن أن حكومة الدبيبة جاءت بتوافق دولي خاصة وأنها تصر وتؤكد أنها لن تسلم السلطة إلا بعد الانتخابات البرلمانية".
لكن الشبعاني يحذر من "سيناريو متوقع"، على حد تعبيره: " في حال تسمية باشاغا وأراد الدخول وتمكين نفسه بالقوة، قد تندلع حربا جديدة، هذه المرة بين أبناء المنطقة الغربية ويكون حفتر داعما لأحد الطرفين،. هذا السيناريو الذي أرجحه وأسأل الله ألا يتحقق".
ويضيف أن الدبيبة لديه قوة ومسلحين أكثر بكثير من فتحي باشاغا، وربما أكثر من التي يمتلكها حفتر، ولكن لا تسيطر هذا القوات على كامل التراب الليبي، ومن يريد أن يكون رئيس حكومة على كل أراضي الدولة، فلابد أن يكون على وفاق مع القيادة العامة التي يتزعمها حفتر، والتي تتحكم بالمنافذ والمطارات في الشرق والجنوب".
ويتساءل السايحة "هل يتمسك الدبيبة بالسلطة إلى أن يدخل البلاد في حرب جديدة؟ أو أن ينصاع إلى ما يريده الليبيون في تنصيب حكومة انتقالية جديدة لحين الوصول للانتخابات".
وأضاف: "في نظري هذه مغامرة خطيرة جدا، ولا أدري ما يدور في رأس الرجل وأعتقد بأن النتائج ستكون وخيمة، ولكن ستكون هناك مواجهات ما بين أطراف جديدة لم يكن بينها حرب من قبل".
ويتوقع الكبير أن يفشل مخطط تشكيل حكومة جديدة، "وإذا شكلت فستكون موازية ولن يعترف بها دوليا. والنتيجة عودة الانقسام".
لكن الكبير لم يستبعد اندلاع حرب جديدة، "إلا إذا كان هناك إنذار أميركي باستخدام العقوبات ضد كل من يحاول إثارة العنف".
وأعلن المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق في تصريح صحفي، الاثنين، "بدء استلام ملفات الترشح لرئاسة (الحكومة) وفحص الملفات للتأكد من مطابقتها للشروط المطلوبة" مشيرًا إلى أنه سيتمّ "عرضها على مجلس النواب في جلسة الثامن من فبراير لاختيار رئيس مجلس الوزراء، بعد عقد جلسة في السابع من فبراير للاستماع للمترشحين".
ويعتبر مجلس النواب الليبي أن حكومة الدبيبة "منتهية الولاية" مع إرجاء الانتخابات ويؤكد على ضرورة إعادة تشكيلها. إلا أن الحكومة أكدت مرات عدة على استمرارها في عملها، إلى حين تسليم الحكم إلى سلطة جديدة منتخبة.
وأكد بليحق أن مجلس النواب طالب بعض السفراء، دون تسميتهم، ومستشارة الأمين العام للأمم المتحدة، بعدم التدخل في الشؤون الليبية.
وكانت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، ستيفاني وليامز، طالبت مرات عدة بأن يركز مجلس النواب على تحديد موعد جديد للانتخابات بدلا من تغيير الحكومة، والتسبب في إطالة الأزمة السياسية والمراحل الانتقالية، وفق قولها.
كما تؤيد البعثة الأممية إلى ليبيا تركيز مجلس النواب على تحديد موعد جديد للانتخابات، بدلا من تشكيل حكومة جديدة.