معمر القذافي قتل في سرت في 2011 . أرشيفية
معمر القذافي قتل في سرت في 2011 . أرشيفية

طلبت الحكومة الليبية، المدعومة من الأمم المتحدة، من واشنطن مساعدتها في استعادة عشرات مليارات الدولارات من أصول الدولة التي تزعم أن الديكتاتور السابق معمر القذافي - والمقربين منه - سرقها وخبأها في جميع أنحاء العالم، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنل.

وتقول الصحيفة إن هناك دراسة أجرتها منظمة الشفافية الدولية عام 2016 تقدر أن ما يصل إلى 120 مليار دولار من أصول الدولة الليبية قد نهبت.

وساعدت وكالة تابعة للأمم المتحدة ليبيا على تتبع وتحديد أصول بقيمة 54 مليار دولار تقريبا بما في ذلك ودائع في بنوك وذهب وألماس وطائرات وسفن بعضها في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، وفقا للصحيفة.

ونقلت الصحيفة عن محمد رمضان منسلي، المسؤول الليبي المكلف بتعقب واستعادة الأصول الليبية المسروقة، إنه التقى بمسؤولين أميركيين في واشنطن وطلب دعمهم، لكنه رفض مناقشة تفاصيل.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية للصحيفة إنها تدعم جهود إعادة الأصول التي تخص الشعب الليبي، بينما حذر من أن البلاد لا تزال في خضم انتقال سياسي.

وقال "نعتقد أيضا أنه من الضروري ضمان أن تتضمن العمليات تدابير رقابة وشفافية قوية لمنع أي تلاعب إضافي بأصول الشعب الليبي".

ويعقد وجود حكومتين متنافستين، تدعي كل منهما أنها تمثل ليبيا، الجهود القانونية لاستعادة المتعلقات المفقودة.

ولا يزال العديد من مسؤولي القذافي السابقين نشطين في المشهد السياسي المعقد في ليبيا، ومن ضمنهم نجل القذافي، سيف الإسلام، الذي أطلق حملة رئاسية في محاولة لاستعادة السيطرة على البلاد.

وتضغط الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول غربية أخرى على الفصائل الليبية لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية هذا العام، بعد فشل خطط للقيام بذلك في عام 2021.

وأقر منسلي وفقا للصحفة، بأن بعض الحكومات لديها تحفظات حول ما إذا كانت الحكومة الليبية قادرة على إدارة مبالغ كبيرة من المال.

ولمعالجة مخاوفهم، قال لوول ستريت جورنل، إن أي أموال مستردة ستبقى في مكان آمن في الخارج، قبل إعادتها على دفعات لتمويل مشاريع محددة، مثل بناء المدارس والمستشفيات.

وفشلت المحاولات السابقة لأسباب متعددة، بما في ذلك النزاعات بين الوكالات الحكومية الليبية المتنافسة.

وأدى نزاع داخل مكتب استرداد الأصول بشأن الرئاسة إلى تعطيل جهود متقدمة لاسترداد بعض الأصول في الولايات المتحدة، وفقا للصحيفة.

وخلال رحلته إلى واشنطن هذا الأسبوع، التقى المسؤول الليبي بأعضاء من وزارة الخارجية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل والأمن الداخلي  والبنك الدولي للحصول على مساعدتهم في استعادة الأموال، وفقا للصحيفة.

وإلى جانب طلب المساعدة في استعادة بعض الأصول المنهوبة، قال منسلي إنه تحدث أيضا إلى مسؤولين أميركيين حول ثماني طائرات شحن من طراز C-130 موجودة في الولايات المتحدة منذ عقود.

وقد دفع نظام القذافي ثمنها ولكن لم يتم تسليمها إلى ليبيا بعد أن علقت الحكومة الأميركية المبيعات العسكرية إلى ليبيا مع تدهور العلاقات بين البلدين.

وأحالت وزارة الدفاع الأميركية طلبا للتعليق إلى القوات الجوية الأميركية التي لم ترد على الفور على طلب وول ستريت جورنل للتعليق، بحسب الصحيفة.

عبدالغني الككلي

بعد غروب شمس  الثاني عشر من مايو، دوّى صوت الرصاص في حي "أبو سليم" وسط العاصمة الليبية طرابلس. لم يكن الحدث غريبا في مدينة اعتادت على أصوات الاشتباكات المسلحة. لكن، هذه المرة، كان الشعور مختلفا. 

مع انقضاء شطر من الليل، كان عبد الغني الككلي، المعروف بلقب "غنيوة"، أحد أقوى قادة الميليشيات في العاصمة، قد قُتل. 

الرجل الذي كان يعد شريكا، ومنافسا في وقت لاحق، لحكومة الوحدة الوطنية، انتهى فجأة.

أثار الخبر دهشة الشارع الليبي، في طرابلس وخارجها. 

لسنوات، خضعت منطقة أبو سليم، إحدى أكثر مناطق العاصمة تنوعا قبليا، لسيطرة ما يُعرف بـ"قوة دعم الاستقرار"، وهي الميليشيا التي قادها غنيوة شخصيا. 

وأعلنت وزارة الدفاع الليبية، بعد مقتله، أنها أعادت السيطرة على الحي، في تطور اعتبره كثيرون بداية مفترضة لترسيخ سلطة الدولة. إلا أن مفهوم "سلطة الدولة" في ليبيا يبقى غامضا، في بلد طالما تقاسمت فيه الميليشيات القرار.

الاشتباكات التي أدت إلى مقتل غنيوة اندلعت بين قوة دعم الاستقرار، التابعة للمجلس الرئاسي، ولواء 444، التابع لوزارة دفاع حكومة الوحدة الوطنية. ووصفت مصادر ليبية ما جرى بأنه أعنف مواجهة أمنية شهدتها إحدى المؤسسات الرسمية منذ سنوات.

وبحسب مصادر محلية تحدثت إلى "الحرة"، فإن المواجهة سبقتها، بأيام، حادثة أثارت غضب الحكومة تمثلت في اقتحام عناصر من جهاز "دعم الاستقرار" لشركة الاتصالات القابضة، وهي مؤسسة مملوكة للدولة، واختطاف رئيس مجلس إدارتها ونائبه، في محاولة للهيمنة على المؤسسة. وكان هذا التصرف، كما يبدو، القشة التي قصمت ظهر التحالف بين غنيوة وحكومة الدبيبة.

رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة وصف مقتل غنيوة بأنه "خطوة حاسمة نحو القضاء على الجماعات غير النظامية وترسيخ أن مؤسسات الدولة هي الجهة الوحيدة الشرعية في البلاد".

من قائد ميداني إلى قوة موازية للدولة

لم يكن عبد الغني الككلي مجرد قائد ميليشيا، بل أصبح مؤسسة قائمة بذاتها. عقب ثورة فبراير 2011، أسس الككلي "كتيبة حماية بو سليم" لسد الفراغ الأمني المنطقة، مستغلا انهيار أجهزة الدولة. وسرعان ما توسعت الكتيبة، مدعومة بأسلحة تم الاستيلاء عليها من مستودعات نظام معمر القذافي بعد انهياره، لتتحول إلى قوة أمنية تسيطر على مرافق حكومية، وتتلقى تمويلا رسميا.

ومع الوقت، أعيد تشكيل الكتيبة تحت عناوين مختلفة، وصولا إلى "جهاز دعم الاستقرار" الذي حظي بشرعية رسمية بقرار من حكومة الوفاق الوطني السابقة، بقيادة فايز السراج. 

بعد تسلّمه الحكم، دخل الدبيبة في تحالف مع الككلي، لكن ذلك التحالف تفكك لاحقا بسبب توسّع نفوذ جهاز دعم الاستقرار وتحوّله إلى سلطة موازية تهدد سلطة الدولة.

يقول المحلل السياسي الليبي رمضان معيتيق، في تصريح لـ"الحرة"، إن الدبيبة يحاول إثبات قدرته في السيطرة على زمام الأمور الأمنية والسياسية في غرب البلاد "للمحافظة على شرعيته الدولية والأقليمية".

ويضيف بأن ما حدث "تغيير مهم جدا وأعطى لحكومة الوحدة الوطنية رصيدا كبير جدا، مع سقوط أبرز المنافسين للحكومة".

مشهد ميليشيوي معقد وولاءات متشابكة

ليست قوة "دعم الاستقرار" الميليشيا الوحيدة في طرابلس. إذ بلغ عدد التشكيلات المسلحة في العاصمة نحو 50 تشكيلا، أبرزها "قوة الردع الخاصة" المتمركزة في قاعدة معيتيقة الجوية، والتي تدير مطار طرابلس الوحيد، وتُشرف على سجن تقول إنه يضم آلاف السجناء المتهمين بالتطرف والإرهاب.

توترت العلاقة بين قوة الردع والحكومة في الآونة الأخيرة، وتطور الخلاف إلى اشتباكات بالأسلحة الثقيلة، وهددت ميليشيات من خارج طرابلس بالتدخل لصالح "الردع"، ما كاد يفجر الوضع الأمني بالكامل لولا اتفاق على وقف إطلاق النار.

بحسب معيتيق، فإن الحكومة قد تتوصل إلى تسوية تُبقي على بعض عناصر "الردع" داخل مؤسسات الدولة، مقابل تسليم المطار والسجن. وقد يتم دمج العديد من عناصر هذه القوة داخل وزارة الدفاع، في مسعى لتفكيك الميليشيات دون الدخول في مواجهات مفتوحة معها.

حكومتان لبلد منقسم 

خارج طرابلس، يبدو المشهد أكثر تعقيدا. من الحدود المصرية شرقا إلى مدينة سرت في وسط الساحل الليبي، مرورا بالصحراء الجنوبية حتى تخوم تشاد والنيجر والجزائر، تخضع تلك المناطق لسيطرة قوات المشير خليفة حفتر، المدعوم من مجلس النواب في بنغازي، والذي يحظى بدعم مباشر من روسيا.

أما الغرب الليبي، فيخضع لحكومة الوحدة الوطنية، المعترف بها دوليا، والتي تدعمها تركيا، إلى جانب المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة. ويعمل هذا الكيان وفق اتفاق سياسي عُرف باتفاق تونس - جنيف، أُبرم عام 2020، وينص على تشكيل سلطة تنفيذية من مجلس رئاسي وحكومة وحدة.

لكن التوتر لا يزال قائما بين المكونات السياسية في الغرب، وسط غياب أي مسار حقيقي نحو توحيد مؤسسات الدولة بالكامل.

"ساعة الصفر"؟ ربما قد بدأت

يعتقد رمضان معيتيق أن مقتل الككلي قد يكون بداية مسار جديد. 

"هذه الجماعات المسلحة باتت عقبة في تأسيس جيش نظامي ليبي حقيقي، فهناك قرار ضمني بالقضاء على هذه المليشيات،" يقول معيتيق، مؤكدا أن ساعة الصفر قد حانت على ما يبدو، لأن التطورات السياسية المتسارعة على المسرح الدولي عجلت في بدء عملية الإقصاء، وهناك توافق دولي بشأن ما يحدث في الداخل الليبي.

ويضيف معيتيق أن دولا إقليمية - لا سيما تركيا والجزائر - تدعم استقرار حكومة الوحدة، في حين أن روسيا، رغم دعمها لحفتر، لديها مصلحة في إنهاء نفوذ الجماعات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الدولة.

وعلى الرغم من التوتر بين المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة بعد الأحداث الأخيرة، يؤكد معتوق، أن الخلاف مؤقت، وأن "الغضب الشعبي سيتلاشى والمجلس لن يتخلى عن الحكومة".

ماذا بعد غنيوة؟

سواء مثّل سقوط عبد الغني الككلي بداية لإصلاح حقيقي في ليبيا، أو مجرّد حلقة أخرى في سلسلة إعادة توزيع النفوذ، يبقى الحدث مفصليا في العاصمة التي أنهكتها الميليشيات. وقد تكون منطقة أبو سليم، التي طالما اعتُبرت رمزا لهيمنة المسلحين، تجربة اختبار للانطلاق نحو ليبيا موحدة ومستقرة ومن دون ميليشيات.