أكد مسؤول ليبي وخبير مائي أن انهيار السدين ساهم بارتفاع عدد الضحايا في مدينة درنة شمال شرق البلاد، والتي ضربها الإعصار دانيال وتسبب بسيول وفيضانات راح ضحيتها آلاف القتلى والمفقودين.
وما حصل في درنة التي تعد 100 ألف نسمة وتقع في وادي نهر يحمل الاسم نفسه، كان كارثيا بامتياز، ويطرح تساؤلات عن سبب ارتفاع عدد الضحايا في هذه المدينة بالتحديد، على الرغم من ضرب الإعصار عدة مدن ليبية أخرى.
وذكر وزير الصحة في الحكومة المكلفة من البرلمان الليبي، عثمان عبد الجليل، الثلاثاء، لـ"الحرة"، أن الكارثة أتت بعد انهيار السدود فوق درنة، لتجرف أحياء بأكملها وبسكانها إلى البحر.
تأثير كبير
وقال وكيل بلدية درنة، طارق سلامة، إن تأثير انهيار السدين على السيول والفيضانات التي حصلت كان كبيرا.
وأوضح في حديثه لموقع "الحرة" أنه "منذ عام 2002 لم تتم صيانة السدود، وسبب الانهيار هو تجمع كميات كبيرة من مياه الأمطار".
وأضاف "أن جميع مجاري الأودية تتجمع في مجرى وادي درنة، وكانت المسافة الطولية للمياه في المجرى تقارب 12 كيلومترا، مما أدى لانهيار السدين وتدفق المياه بكميات ضخمة وحصول الكارثة".
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن جغرافية المدينة وموقعها على الساحل ساهما بتأثرها بشدة بالعاصفة دانيال.
وقالت "تقع درنة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في نهاية وادي طبيعي طويل وضيق، وهو جاف معظم أيام السنة (...) وعمل الوادي كقمع، مما دفع المياه المتدفقة إلى وسط المدينة. وفاضت ضفاف النهر، وجرفت الجسور، وانفجر سدان في أعلى الوادي، مما أدى إلى زيادة مياههما في الطوفان".
وتعليقا على تقرير الصحيفة، قال سلامة إنه "وصف دقيق لما حصل، وكلام علمي وصحيح، وهذه فعلا الطبيعة الجيولوجية في درنة".
من المسؤول؟
ولدى سؤاله عمن يتحمل مسؤولية عدم صيانة السدود، لم يتهم سلامة طرفا محددا نظرا لأن البلاد منقسمة بين حكومة في الغرب وأخرى في الشرق، بعد الإطاحة بنظام العقيد، معمر القذافي، عام 2011.
وقال إنه "نظرا للحروب والصراعات التي حصلت (...) وتعاقب الحكومات، لم يكن هناك اهتمام بالبنى التحتية، بل بالمؤسسات المدنية والدستور وأمور أخرى".

وأضاف أن "الوزارات المختصة (...) لم تراعِ اهتماما بالبنى التحتية، ولذلك كانت نتائج الإهمال كارثية".
وأكد أن "هناك تقصيرا بشأن سلامة البنى التحتية (...) ونظرا للانقسام السياسي الحاصل لا يمكننا تحديد من هو المسؤول".
وعبر عن أمله "في أن تصبح ليبيا دولة مستقرة وموحدة" بعد هذه الكارثة الأليمة.
نظرة علمية
ومن منظور علمي، يرى الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن انهيار السدين تسبب بمفاقمة الكارثة بشكل كبير.
وقال في حديثه لموقع "الحرة" إنه "في الحقيقة العاصفة (دانيال) سببت خللا في السدين، وهي لم تكن غزيرة الأمطار لدرجة السيول، والإدارة في درنة اعترفت أن السدود لم تجرى لها عمليات صيانة منذ سنوات طويلة".
وأضاف نور الدين "أصبحت السدود هشة ومعرضة للانهيار نتيجة أي خلل".
وأوضح أن "السد الأول الذي يعتبر كبيرا وضخما، تسبب انهياره في تدفق مليارات الأمتار المكعبة من المياه، وبالتالي اجتاحت هذه الكميات الكبيرة السد الثاني الذي انهار أيضا (...) وأدى الأمر إلى السيول الجارفة".
وتابع أن "هذا السبب الرئيسي لارتفاع الوفيات، والدمار الكبير الذي حصل (...) والعاصفة خلخلت السدود فقط، ولو كانت قوية وتتم صيانتها لما حصلت كارثة ولكانت العاصفة مرت على خير".
مجرى السيل
وبالعودة إلى تقرير "نيويورك تايمز" الذي شبه مجرى النهر بالقمع، يرى الخبير المائي أن الكارثة تفاقمت بسبب أن الوادي ضيق وليس عريضا.
وأوضح "لو كان مجرى السيل باتجاه واد عريض لانتشرت المياه بالعرض بدلا من جريانها السريع بالطول (في الحالة الضيقة)".
وأضاف أن "الانحدار الموجود (في حالة درنة) المحاطة بالمرتفعات من الجنوب للشمال، يزيد من سرعة المياه، وبالتالي يزيد من قدرتها التدميرية".
وتابع "لو كانت الأرض مستوية مثلا لافترشت المياه على مساحات كبيرة، ولكن وجود الانحدار، وضيق الوادي، أدى إلى أن يكون السيل ضخما وقويا وأطاح بالبشر والبيوت والسيارات".