في حين يكافح عمال الإنقاذ للعثور على ما يصل إلى 10 آلاف شخص، يُعتقد أنهم في عداد المفقودين، بعد أن اجتاح فيضان مدمر مدينة درنة شرقي ليبيا، فإن هذه ليست "الكارثة الوحيدة" التي سيتعين عليهم مواجهتها، بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
وقالت الصحيفة إن "أكثر من عقد من الفوضى والصراع، في الدولة العربية الواقعة في شمال أفريقيا، تسبب في تدهور البنية التحتية، وإنهاك مؤسسات الدولة، وذلك بسبب الانقسامات السياسية في البلاد".
واعتبر محللون أن "هذه العوامل تهدد بتعقيد جهود الاستجابة لحالات الطوارئ والتعافي"، لا سيما في مدينة درنة، مركز الكارثة، وهي مدينة ساحلية تأكد بالفعل مقتل آلاف الأشخاص فيها، وفقًا لمسؤولين محليين.
وقال الخبير في الشؤون الليبية في معهد "تشاتام هاوس"، تيم إيتون: "لا يزال هناك ما يقرب من 140 مؤسسة حكومية مقسمة بين الشرق والغرب، لذا يمكنكم أن تتخيلوا مدى صعوبة الحصول على استجابة واضحة وجيدة لمواجهة الكارثة".
ووصل عدد القتلى في درنة – حيث انهار سدان مما أدى إلى تفاقم الفيضانات التي جرفت المباني والطرق والجسور – إلى 5100 ضحية على الأقل، وفقًا لمركز الإسعاف والطوارئ في ليبيا.
وقدّرت الحكومة التي تدير شرق ليبيا، عدد الضحايا حتى الآن بنحو 5300 شخص.
ونجمت الكارثة عن العاصفة "دانيال"، التي اجتاحت اليونان وتركيا وبلغاريا، قبل أن تضرب ليبيا في نهاية الأسبوع، حيث انهمرت أمطار غزيرة وهبّت رياح قوية، تسببت في أضرار وفيضانات.
وقال إيتون، إن "الأضرار تفاقمت بسبب الإخفاقات التي هي من صنع الإنسان"، مستشهدا بتحذيرات سابقة بشأن السدود.
تحذيرات سابقة
وفي العام الماضي، حذر تقرير نُشر في مجلة "جامعة سبها" الليبية، من سوء صيانة سد المدينة.
وقال التقرير: "النتائج التي تم الحصول عليها، تثبت أن المنطقة معرضة لخطر الفيضانات.. لذلك يجب اتخاذ إجراءات فورية للصيانة الروتينية للسدود، لأنه في حال حدوث فيضان كبير، ستكون العواقب وخيمة على سكان الوادي والمدينة".
وأكد التقرير أن "السكان يعيشون في منازل على طول الوادي، وأن الأمر يتطلب توعية المواطنين بمخاطر السيول، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لسلامتهم".
وفي هذا الصدد، قال الشريك الإداري في شركة" ليبيا ديسك كونسلتنغ"، محمد الجارح، أن "الحكومات المختلة التي ابتليت بها البلاد منذ عام 2011، هي المسؤولة إلى حد كبير عن تلك الكارثة".
وأضاف: "لم تتم صيانة هذه السدود في درنة، حيث كانت البنية التحتية متهالكة بالفعل"، مردفا: "الأمر لا يقتصر على درنة، فحتى طرابلس وبنغازي تعانيان عند هطول الأمطار.. وبالطبع فإن الفساد والخلل في نظام الحكم هو السبب إلى حد كبير".
وتشهد ليبيا حالة من الانقسام والفوضى منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011، قبل أن تتحول إلى حرب أهلية تسببت في تدخل حلف شمال الأطلسي.
وعلى مدى عقد من الزمن، كانت البلاد تدار من قبل حكومات متنافسة في العاصمة طرابلس، وبنغازي، أكبر مدينة في الشرق، وكل منهما مدعومة من قبل ميليشيات متنافسة.
وقد عانت درنة، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة وتقع غرب بنغازي، من أسوأ جوانب الفوضى.
وفي هذا المنحى، قال الزميل مشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن، جلال حرشاوي: "كانت درنة مهمشة وكان الجميع يتجاهلها. كان المستشفى الوحيد في درنة، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة، عبارة عن مستشفى مؤقت في منزل عادي".
وفي السنوات التي تلت الإطاحة بالقذافي، كانت درنة تعتبر معقلاً لمتطرفين، من بينهم عناصر تنظيم داعش، وذلك قبل أن تسيطر عليها في عامي 2018 و2019، قوات الجنرال خليفة حفتر، الذي يتزعم "الجيش الوطني الليبي"، بعد حصار استمر لمدة عامين، بيد أنه لم يتم بذل جهود كبير لتطوير درنة بعد سنوات من الصراع الوحشي.
ومن المفترض أن يكون لقوات حفتر، التي تسيطر على الموانئ والطرق في الشرق، دور حاسم الآن في جهود التعافي.
لكن المتخصص في شؤون ليبيا في المعهد الألماني للشؤون الوطنية والأمنية، ولفرام لاشر، رأى أن "الإدارة المدنية في الشرق، المدعومة من حفتر، كانت ضعيفة للغاية، وتفتقر إلى الآليات الحكومية والقدرة على الاستجابة للكارثة، في حين أن الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، ليس لديها سلطة للعمل في الشرق، بسبب الانقسامات السياسية".
وأضاف لاشر: "لا توجد مشاكل فيما يتعلق بالتنقل بين الشرق والغرب، لكن المشكلة هي ما إذا كانت الجهات الفاعلة تعيق المساعدات المقدمة من خصومهم السياسيين، أو تحاول المطالبة بها على أنها خاصة بهم".
ورغم أنه يكن هناك قتال كبير في البلاد منذ أشهر، فإن الجهود الدبلوماسية الدولية لنقل ليبيا إلى مرحلة الانتخابات وتوحيد البلاد، باءت بالفشل حتى الآن.
وشدد إيتون على أن "الانقسامات السياسية يجب ألا تعيق وصول فرق الإنقاذ إلى منطقة الكارثة".
وأردف: "لا نعلم كيف سيتم ذلك على الوجه الصحيح، فلا توجد أموال في الخزانة الليبية، وإذا وجدت فسيكون هناك صراع بشأن من يديرها وينفقها".
وقال: "كل الأموال (منذ سقوط نظام القذافي) كانت تذهب إلى جيوب السياسيين، الذين يتنافسون للحصول على هذه الوزارة أو تلك.. وبالتالي فقد كان الإنفاق على البنية التحتية أو التنمية معدومًا بالفعل لبعض الوقت".