بعد الفيضان الكارثي الذي تعرضت له مدينة درنة الليبية والذي أدى إلى مقتل آلاف الأشخاص وجرف الكثيرين إلى البحر، تزايدت التحذيرات من قبل المسؤولين وعمال الإنقاذ بشأن المخاوف من انتشار الأمراض والأوبئة، خاصة تلك المنقولة بالمياه.
نقص أكياس الجثث يفاقم المخاطر الصحية
ومع زيادة أعداد الجثث في ظل توقعات بأن يكون 20 ألف شخص قد لقوا حتفهم فيما يعرف بالعاصفة دانيال، زادت الحاجة إلى دفن هذه الجثث سريعا لتجنب انتشار الأمراض والأوبئة، بحسب صحيفة "الغارديان".
ومن أجل الحد من فرص انتشار أي أمراض، تم دفن المئات بشكل جماعي في قبر واحد، خوفا من حدوث تلوث بالمناطق المتضررة بالفيضانات، نتيجة لانتشار الجثامين ونفوق الحيوانات.
وناشد عمال الإنقاذ في مدينة درنة الليبية المدمرة توفير المزيد من أكياس الجثث لتخزين الرفات بطرق آمنة، كما طالب سكان درنة بإنشاء مستشفى ميداني جديد حيث أصبح المستشفيان الموجودان في المدينة مشارح مؤقتة، وفقا للصحيفة.
وفي تصريحات نقلتها "الغارديان"، قال عمدة درنة، عبد المنعم الغيثي، إنهم بحاجة إلى فرق متخصصة في انتشال الجثث. وأضاف: "أخشى أن تصاب المدينة بالوباء بسبب كثرة الجثث تحت الأنقاض وفي المياه".
وفي وقت سابق، قال وزير الطيران المدني في الإدارة التي تدير شرق ليبيا، هشام أبو شكيوات، إن "البحر يلقي باستمرار عشرات الجثث". وتعمل الدوريات البحرية على طول الساحل في محاولة لتحديد مكان الجثث التي جرفتها الأمواج، وتم نقل العديد منها إلى طبرق لتحديد هوياتها.
ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن أحد عمال الإغاثة قوله إن "الجثث في كل مكان، داخل المنازل، في الشوارع، في البحر. أينما ذهبت، تجد رجالاً ونساءً وأطفالاً قتلى. لقد فُقدت عائلات بأكملها".
صعوبة الوصول للمياه النظيفة
وذكر موقعا "فوربس" و"كوب ويب" أن الموت والدمار والنزوح على نطاق واسع الذي يعقب الكوارث مثل الفيضانات يثير دائما المخاوف من تفشي الأمراض المعدية، ما في ذلك الكوليرا والتيفويد، كما تزداد مخاوف بشأن تفشي الملاريا وأمراض أخرى بسبب برك المياه الراكدة، خاصة إذا تعطلت البنية التحتية التي تضمن سلامة مياه الشرب والصرف الصحي.
وأوضح "فوربس" أن عدد الجثث التي لم يتم انتشالها تحت الأنقاض وفي المياه قد تكون بالآلاف، خاصة أنه يقال إن البحر لا يزال يجرف العديد من الجثث إلى الشاطئ.
وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ينس ليرك، لـ"بي بي سي" إن نظام الآبار في ليبيا ملوث، وحذر من خطر انتشار الأمراض المنقولة بالمياه.
وأضاف "يحتاج الناس إلى الشرب، وإذا بدؤوا في شرب المياه الملوثة، فيمكن أن نشهد موجة من المرض قد تؤدي إلى الموت إذا لم نتمكن من وقف ذلك الأمر".
ونقل موقع "فوكس ويذير" عن المدير القطري للجنة الإنقاذ الدولية في ليبيا، إيلي أبو عون، قوله: "سيكون الوصول إلى المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي والنظافة أمراً ضرورياً لمنع حدوث أزمة أخرى داخل الأزمة".
وأضاف أبو عون أن العديد من الخدمات الطبية تأثرت، ما أدى إلى إجلاء المرضى إلى مدن أخرى، بما في ذلك المدن التي تأثرت أيضا. وقد أصبحت العديد من العيادات والمستشفيات في المنطقة مكتظة وتعمل بما يفوق طاقتها.
وتابع أبو عون: "سيارات الإسعاف بحاجة إلى الإصلاح، وتحديات الوصول المادي والاحتياجات إلى الدعم اللوجستي تجعل من الصعب على المتطوعين الصحيين الوصول إلى المناطق المتضررة".
وقالت وكالات الإغاثة إنها تواجه تحديات في الوصول إلى الضحايا في درنة، وكذلك سوسة وشحات والمرج والبيضاء والمجتمعات الريفية في المناطق النائية بسبب الأضرار التي لحقت بالطرق والجسور.
وانقطعت خطوط الهاتف في المناطق المتضررة، ما يجعل عمليات الإنقاذ صعبة للغاية.
الأطفال.. المتضرر الأكبر
وذكرت "يونيسف"، الخميس، أن التقديرات تشير إلى أن ما يقرب من 300 ألف طفل قد تعرضوا للعاصفة دانيال القوية في جميع أنحاء شرق ليبيا، موضحة أنه بالإضافة إلى المخاطر المباشرة مثل الموت والإصابة، فإن الفيضانات الشديدة في ليبيا تعرّض الأطفال لخطر متزايد للإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه والنزوح وفقدان الخدمات الأساسية.
وقال ممثل اليونيسف في ليبيا، ميشيل سيرفادي، الذي يقوم حاليا بزيارة المناطق المتضررة من الفيضانات: "نحن نعلم من الكوارث السابقة في جميع أنحاء العالم أن آثار الفيضانات غالباً ما تكون أكثر فتكاً بالأطفال من الأحداث المناخية المتطرفة نفسها. فالأطفال هم من بين الفئات الأكثر ضعفاً وهم معرضون بشدة لخطر تفشي الأمراض، ونقص مياه الشرب الصحية، وسوء التغذية، وتعطيل التعلم، والعنف".
وبالإضافة إلى المخاطر المباشرة للموت والإصابة، تشكل الفيضانات في ليبيا خطراً شديداً على صحة الأطفال وسلامتهم، بحسب المنظمة الدولية.
وأوضحت أنه مع تضاؤل إمدادات المياه الصالحة للشرب، فإن احتمالات تفشي الإسهال والكوليرا، فضلا عن الجفاف وسوء التغذية، تتزايد بشكل كبير. وفي الوقت ذاته، فإن الأطفال الذين يفقدون والديهم أو ينفصلون عن أسرهم يكونون أكثر عرضة للمخاطر، بما في ذلك العنف والاستغلال.
وأكدت اليونيسف أنها تحتاج إلى ما لا يقل عن 6.5 مليون دولار أميركي للتدخلات العاجلة المنقذة للحياة، وهي على استعداد لدعم الأطفال والأسر المحتاجة للمساعدات الإنسانية في البيضاء والمرج وبنغازي ودرنة وغيرها من المناطق المتضررة. وتتمثل الأولويات العاجلة في توفير مياه الشرب المأمونة والإمدادات الطبية والفرق الصحية المتنقلة والدعم النفسي والاجتماعي والبحث عن الأسر.
مخاطر نقل مخلفات الحرب
ومن جانبها، حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في ليبيا من أن الفيضانات في درنة أدت إلى نقل مخلفات الحرب إلى جميع المناطق المنكوبة، مشيرة إلى أن خطر مواجهة مخلفات الحرب القابلة للانفجار منتشر بجميع أنحاء مدينة درنة.
وناشدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في ليبيا، الخميس، على صفحتها على فيسبوك المواطنين ورجال الإنقاذ توخي الحذر من بعد ما تسببت الفيضانات التي اجتاحت مدينة درنة في نقل مخلفات الحرب القابلة للانفجار إلى مواقع جديدة في المناطق التي غمرتها المياه.
وقالت: "من المعروف أن درنة مدينة ملوثة بمخلفات الحرب القابلة للانفجار، وأدت الفيضانات إلى نقل المخلفات من مواقعها السابقة إلى مناطق في جميع أنحاء المدينة".
وأضافت أن المتفجرات ما زالت حية وخطيرة، وناشدت المواطنين والمنقذين بتوخي الحذر ووضع علامات على الأماكن المشبوهة لتحذير الآخرين وإبلاغ السلطات.