المباني الجديد في المدينة لن تمحو ألم فراق العائلات في درنة. أرشيفية
المباني الجديد في المدينة لن تمحو ألم فراق العائلات في درنة. أرشيفية

تجري السلطات في درنة أعمال إعادة إعمار للمدينة التي تسببت فيضانات فيها قبل عام بتدمير أجزاء منها، وأودت بحياة الآلاف.

ولكن المباني الجديدة "لا يمكنها أن تمحو صدمتهم" من المأساة التي عاشوها، بحسب ما قال الأهالي لصحيفة نيويورك تايمز.

المدينة التي اعتاد الناس فيها التنزه على شواطئ البحر المتوسط، أصبحوا يخافون من الأمواج الزرقاء، وأي مياه جارية تذكّرهم بما حصل.

لا أحد يعرف عدد الجثث التي سحبتها المياه قبل نحو عام، حيث تسببت العاصفة دانيال في انفجار سدين قديمين، فيما تقدر الأرقام الرسمية الوفيات بـ 4000 شخص، ولا يزال آلاف أخرين في عداد المفقودين.

إعادة إعمار درنة بعد الكارثة التي لحقت بها

مصطفى سعيد (54 عاما) يقول للصحيفة: "كان الصيد هواتي المفضلة، والآن أتجنب البحر وكل ما يتعلق به. هناك الكثير من الجثث. أتخيل السمك يأكلهم. لا أستطيع أكله بعد الآن".

المياه الجارفة وقت العاصفة أخذت معها زوجته وبناته الثلاث وأحد ابنيه من على سطح كانوا يحتمون عليه.

مصطفى نجا، لأنه ركض على الدرج لمساعدة أحد الجيران، وكان محميا داخل المبنى من الموجة، ولم يعثر قط على جثث عائلته، بينما لا يزال على أمل العثور على جثثهم خلال أعمال التنظيف وإعادة الإعمار في الحي.

وحيثما تتجه بنظرك في درنة، تجد العمال بسترات برتقالية اللون، فيما تتعالى أصوات الآلات حيث تجري أعمال البناء فوق ما تبقى من المدينة المدمرة، بحسب الصحيفة.

عاد نحو 40 ألف شخص إلى المنازل القديمة، مفضلين العودة حتى وإن كانت البنية التحتية مدمرة، بدلا من البقاء عند أقاربهم أو في منازل مستأجرة.

خلال العام الماضي بعد الفيضان، منعت السلطات وسائل الإعلام من تغطية ما حصل في المدينة، ولكن بعد عام وبمناسبة الذكرى السنوية دعوا وسائل الإعلام لمشاهدة جهود إعادة الإعمار.

المياه تذكر أهالي درنة بالدمار الذي لحق بهم. أرشيفية

السكان الذين قابلتهم الصحيفة في درنة، عبروا عن دهشتهم من التجديد وإعادة الإعمار في مدينتهم، خاصة بعد عقود من التهميش، ولكن لا يمكنهم "نسيان أنهم يعيشون في مقبرة".

نجمة محمد (49 عاما)، قالت "الأمر المتعلق بالمباني سيكون أفضل بكثير من ذي قبل"، إذ دمر الفيضان وسط المدينة التاريخية والمتنزه الساحلي.

وأضافت "لكننا سنفتقد دائما ذلك الجزء القديم والعائلات التي فقدناها"، إذ توفي شقيقها وعائلته في الفيضان.

وفي ظل الخصومات وانعدام الأمن منذ سقوط نظام معمر القذافي ومقتله، في عام 2011، انقسمت ليبيا إلى معسكرين متناحرين، يتمثل الأول في الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، التي تتخذ في طرابلس مقرّا بقيادة عبد الحميد الدبيبة، بينما يتمثل الثاني بسلطة تنفيذية مقابِلة بقيادة المشير خليفة حفتر، الذي يسيطر على الشرق وجزء كبير من الجنوب.

وفي فبراير، أنشأ عقيلة صالح رئيس البرلمان الذي يتخذ في الشرق مقرا "صندوق تنمية وإعمار ليبيا" برئاسة بلقاسم حفتر (43 عاما) أحد أبناء حليفه، خليفة حفتر.

الكفرة تقع جنوب شرقي ليبيا
الكفرة تقع جنوب شرقي ليبيا

بلغ عدد اللاجئين السودانيين الذي نزحوا إلى مدينة الكفرة الليبية 65 ألفا منذ بداية اندلاع الحرب في السودان عام 2023، وهو ما يضاهي عدد السكان الأصليين للمدينة، وفق مسؤوليها المحليين.

ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في تقرير صادر الأحد، وصول ما بين 300 و400 نازح جديد يوميًا منذ بداية النزاع المسلحة في السودان، موضحة أن عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية "في ازدياد مستمر".

يعاني نازحون سودانيون في ليبيا من ظروف عيش صعبة
وتوقع التقرير أن تكون "الأرقام الحقيقية" للنازحين السودانيين في ليبيا، وتحديدا مدينة الكفرة، "أعلى بكثير"، بالنظر إلى "الظروف الصعبة للهروب عبر الصحراء، بالإضافة إلى عدم قدرة العديد من اللاجئين على الوصول إلى مراكز التسجيل، التي تجعل من الصعب تحديد العدد الدقيق".

وبدأت الحرب في السودان منتصف أبريل 2023 نتيجة صراع بين القوات المسلحة بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). ويعود أصل الخلاف إلى تنافس قديم بين المؤسستين حول السلطة والنفوذ، وتفاقم الخلاف بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019.

وخلفت هذه الحرب آثارا إنسانية تصفها تقارير دولية بـ"الكارثية"، إذ سقط آلاف الضحايا المدنيين وأجبر الملايين على النزوح داخليًا وخارجيًا. كذلك تسببت الحرب في انهيار الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، ونقص حاد في الغذاء والمياه، فضلا عن اضطرار الآلاف للنزوح.

أوضاع "مأساوية"

ويلجأ الكثير من السوادنيين إلى الكُفرة، الواقعة بجنوب شرق ليبيا، باعتبارها المدينة الليبية الأقرب للحدود، إذ تبعد بـ350 كيلومترا عن أقرب نقطة حدودية سودانية. 

ويبلغ عدد سكان الكفرة 65 ألفا، غير أن هذا العدد تضاعف بسبب توافد آلاف اللاجئين السودانيين.

وفي هذا السياق، كشف مدير المكتب الإعلامي ببلدية الكفرة، عبد الله سليمان، أن عدد السودانيين اللاجئين حاليا في الكفرة يعادل عدد سكان المدينة الأصليين، مبرزا أنه يوجد بالمدينة أكثر من 40 تجمعا للاجئين السودانيين.

ويطرح استقطاب المدينة لأعداد متلاحقة من اللاجئين تحديات، وفق سليمان الذي أفاد لموقع "تواصل" الليبي أن المؤسسات بالمدينة "غير مهيأة لتقديم الخدمات، وهي بحاجة إلى المزيد من الدعم والإمكانيات"، كاشفا أن "اللاجئين يقيمون في أوضاع مأساوية".

ووفقا لأرقام مفوضية اللاجئين الصادرة نهاية سبتمبر، وصل أكثر من 100 ألف سوداني إلى ليبيا.

وحذّر المفوّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، في مقابلة سابقة مع فرانس برس، من تداعيات الأزمة الإنسانية بالسودان، قائلا "للأسف، بدأت هذه الأزمة تؤثّر على المنطقة بأكملها بطريقة خطرة للغاية".