أصوات مغاربية

أمازيغية ومساجد وأخلاق.. قضايا أشعلت منصات التواصل مغاربيّا

إبراهيم ميطار
01 نوفمبر 2024

مع استمرار انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، تشهد الدول المغاربية تصاعدا في الدعاوى القضائية المرفوعة ضد بعض المؤثرين بسبب نشرهم محتويات اعتبرت تمييزية أو مخلة بالآداب العامة.

وأثارت هذه القضايا جدلا واسعا حول حرية التعبير وحدودها، كما فتحت النقاش حول ضرورة تدخل السلطات المعنية لتنظيم المجال حماية لـ"الذوق العام".

ففي تونس، قضت الدائر الجناحية التاسعة بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة، الخميس، بالسجن أربعة أعوام وستة أشهر في حق صانعة محتوى، ورفضت تمتيع أربعة صناع محتوى آخرين بالسراح المؤقت مع تأخير ملفهم إلى جلسة لاحقة الأسبوع المقبل.

وقال موقع "موزاييك" المحلي، إن الأمر يتعلق بخمسة صناع محتوى، بينهم 3 فتيات أوقفوا مؤخرا ووجهت لهم تهم تتعلق بـ"مضايقة الغير والتجاهر عمدا بفاحشة والظهور بوضعيات مخلة بالأخلاق الحميدة أو منافية للقيم المجتمعية من شأنها التأثير سلبا على سلوكيات الشباب".

🟥وزارة العدل السيدة #ليلى #جفال تتجاوب مع دعوات ضبط محتوى #التيك_توك في تونس...وتفعّل قوانين الردع والعقاب ضد من...

Posted by Bou Argoub on Sunday, October 27, 2024

وكانت النيابة العامة في تونس، قد أصدرت، الإثنين، قرارات اعتقال خمسة من صناع المحتوى و"مؤثرة" على إنستغرام، بعد يوم واحد من طلب وجهته وزارة العدل للنيابة بملاحقة المتهمين بنشر ما قالت إنها "محتويات تتعارض مع الآداب العامة" على منصات التواصل الاجتماعي.

وطلبت وزارة العدل، في بيان، النيابة العامة ملاحقة المتهمين بنشر ما قالت إنها "مضامين تمس من القيم الأخلاقية"، كما هددت في ذات البيان بمتابعة كل من ينشر "محتويات مخلة" وفقها.

وأوضحت أن هذه الاجراءات تأتي بعد "انتشار ظاهرة تعمد بعض الأفراد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تيك توك وإنستغرام، لعرض محتويات تتعارض مع الآداب العامة أو استعمال عبارات أو الظهور بوضعيات مخلة بالأخلاق الحميدة أو منافية للقيم المجتمعية من شأنها التأثير سلبا على سلوكيات الشباب الذين يتفاعلون مع المنصات الإلكترونية المذكورة".

إساءة للأمازيغ

وفي المغرب، وفي اليوم نفسه الذي تابع القضاء التونسي المؤثرين الخمسة، مثل أمام محكمة بمدينة الجديدة (غرب) اليوتوبر إلياس المالكي المتابع في حالة اعتقال بعد تصريحات اعتبرتها جمعيات حقوقية مسيئة للأمازيغ.

وأفاد موقع "هسبريس" المحلي بأن المحكمة قررت تأجيل النظر في ملف المالكي، الذي يصنف ضمن أشهر صناع المحتوى بالمغرب، إلى غاية 12 نوفمبر الجاري.

ونقل المصدر ذاته، أن محامي المتهم، عبد الحميد صبري، اعتبر أن موكله "لم يقصد الإساءة أو الاستهزاء بالمكون الأمازيغي المغربي" وأن تصريحاته بشأن الأمازيغ "يتداول في التلفاز وفي مجال الكوميديا".

ويطالب النشطاء في تونس والمغرب وباقي الدول المغاربية بتنظيم شبكات التواصل الاجتماعي وبحظر بعض المنصات، كمنصة تيك توك، لمساهمتها في نشر "التفاهة"، وفق زعمهم، فيما يطالب آخرون بحماية حرية الرأي والتعبير.

في هذه القائمة، تعرف على قضايا أشعلت شبكات التواصل في الدول المغاربية وفتحت النقاش بشأن حدود حرية التعبير كما أوصل بعضها أصحابها إلى السجن.

توثيق لحظة احتضار مسنة

تعرضت فتاة مغربية في ماي الماضي لانتقادات لاذعة بعد إقدامها على تصوير اللحظات الأخيرة من حياة جدتها، الشهيرة في تيك توك بـ"مي السعدية".

وفي سابقة بالمغرب، ظهرت الراحلة في بث مباشر وهي تحتضر، كما أصرت الابنة على نقل وقائع جنازها، ما جر عليها انتقادات من المدونين الذين اتهموها باستغلال مأساة إنسانة لدخول سباق "الترند".

قهوة أمام الترام واي

وفي المغرب أيضا، وثق فيديو على المنصات الاجتماعية بالمغرب في ماي عام 2021، لحظة اعتراض شاب طريق "ترام واي" الدار البيضاء بشكل مفاجئ، مما أثار غضبا وسجالا في البلاد.

وأقدم شاب موضوع الجدل إقدام شاب في المقطع بمساعدة صديقه على نصب طاولة وكرسي فوق سكة عربات "الترام واي" بالبيضاء، حيث قرر فجأة الجلوس والاستمتاع بتدخين سيجارة وشرب كوب قهوة رقم تنبيهات السائق، الذي اضطر إلى كبح فرامل العربة بسرعة لتجنب صدم الشاب.

وفي يوليو من العام نفسه، قضت محكمة مغربية بإدانة ثلاثة شبان بتهمة عرقلة سير الترامواي وحكمت على المتهم الرئيسي بثلاث سنوات حبسا نافذا، كما قضت في حق المشاركين معه "في الفعل الجرمي" بسنتين حبسا نافذا لكل واحد منهما، وغرامة مالية قدرها 40.000 درهم (4 آلاف دولار).

مليون متابع بالجزائر

وفي أبريل الماضي، اعتقلت السلطات الجزائرية ناشطا على مواقع التواصل الاجتماعي بعد إضرامه النار في الشارع العام من أجل "التباهي أمام الرأي العام".

وقرر الناشط على منصة تيك توك باسم رؤوف، الاحتفال بوصوله إلى مليون متابع برسم العدد في الشارع العام بالوقود وإضرام النار فيه.

وذكرت وسائل إعلام محلية حينها أن الدرك الوطني اعتقل الشاب ووجه له تهمة تخريب أملاك عمومية.

راب بالمسجد

وخلق مواطنه، مروان الباتني، الجدل أيضا في أبريل عام 2023 حين نشر مقطعا على حسابه بموقع تيك توك فيديو من داخل مسجد مرفوقا بأغنية راب.

وأظهر فيديو "التيك توكر" وهو يدخل إلى أحد المساجد الجزائرية قبل أن يجلس ويشرع في تلاوة القرآن، لكن المثير في القصة، حسب ما أشار إليه مدونون، هو مرافقة كل ذلك بأغنية شهيرة من موسيقى الراب.

وأثارت الحادثة جدلا كبيرا حيث دعا مدونون إلى "فتح تحقيق قضائي ضد هذا الناشط ومعاقبته على فعلته التي لا تتوافق مع قدسية المكان"، في حين اعتبر آخرون "الأمر عاديا ولا يمثل إساءة مباشرة للمسجد".

عملية في "لايف"

بدورها، خلقت طبيبة تونسية الشهر الماضي الجدل في بلادها بعد إقدامها نقل عملية جراحية في بث مباشر على صفحتها على تيك توك.

وصورت الطبيبة الطاقم المشرف على عملية لمريض بإحدى المصحات الخاصة، الأمر الذي اعتبره مدونون انتهاكا لحقوق المريض، كما طالب بعضهم بتقييد هذه المنصات.

رقصة قرب المئذنة 

وامتد نطاق الدعوات المطالبة بحظر تيك توك وباقي المنصات الاجتماعية إلى ليبيا، البلاد التي شهدت أيضا قضايا مشابهة، لعل أبرزها تصوير "تيك توكر" نفسه يرقص على سطح أحد المساجد في أبريل من العام الماضي.

وظهر الناشط في مقطع فيديو يرقص محاكيا إحدى الرقصات الشهير على المنصة الصينية، في واقعة استنكرها مدونون واعتبروها "تتناقض" مع القيم الدينية المحافظة للمجتمع الليبي.

واعتقلت السلطات في موريتانيا، شهر سبتمبر الماضي، فتاة بعد ظهورها في مقطع على تيك توك تشرب الخمر وأحالتها على السجن بتهمة "المس بقيم الإسلام".

المصدر: موقع الحرة

إبراهيم ميطار

احتجاجات سابقة في تونس

تتصاعد المخاوف في تونس من تنامي الاعتقالات والملاحقات القضائية التي تستهدف نشطاء بالمجتمع المدني من ممثلي جمعيات وإعلاميين ومحامين، وسط جدل ونقاشات في الأوساط الحقوقية بشأن مصير هذه المنظمات في ظل التحديات التي تواجهها.

وأشار تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في سبتمبر الماضي إلى أنه منذ عام 2022، شنت السلطات التونسية موجات متعاقبة من الاعتقالات استهدفت عددا من الخصوم السياسيين ومنتقدي الرئيس التونسي قيس سعيد.

وانتقد التقرير "تعرّض أكثر من 70 شخصا، من بينهم معارضون سياسيون، ومحامون، وصحفيون، ومدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء للاحتجاز التعسفي أو الملاحقات القضائية أو كليهما منذ نهاية 2022". 

ولفت إلى أن العشرات ما يزالون رهن الاحتجاز التعسفي على خلفية ممارسة حقوقهم المكفولة دوليا، مثل الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها.

في المقابل، تثير حملة الاعتقالات والملاحقات التي تشنها السلطات الأمنية التونسية في العامين الأخيرين تساؤلات بشأن تداعياتها على المجتمع المدني في تونس ومصير الجمعيات والمنظمات في ظل هذه الخطوات.

تقلص نشاط المجتمع المدني

تعليقا على هذا الموضوع، يرى رئيس "الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات" (رقابية غير حكومية) بسام معطر أن نشاط المجتمع المدني بتونس تقلص بشكل لافت بعد إجراءات 25 يوليو 2021 التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيّد.

ويوضح معطر في حديثه لـ"الحرة" بأن تعامل مؤسسات الدولة مع الجمعيات والمنظمات تراجع بشكل كبير بعد أن كان هناك انفتاح على منظمات المجتمع المدني والاستئناس بتجاربه وآرائه في القضايا التي تخص الشأن العام، من ذلك مشاريع القوانين التي يسنها البرلمان في تونس.

ويشدد على أن الاعتقالات التي طالت عددا من النشطاء في تونس ورافقتها حملة شيطنة واسعة استهدفت نشاط منظمات المجتمع المدني فضلا عن الصعوبات في الحصول التمويلات، كلها عوامل أدت إلى انحصار دور هذه المنظمات والجمعيات والأحزاب السياسية وأدخلتها في مرحلة ركود.

ويلفت المتحدث إلى أن جزءا من الجمعيات والمنظمات في تونس محل تدقيق ومتابعة من السلطات القضائية بخصوص نصوصها القانونية ومصادر تمويلها خاصة تلك التمويلات المتأتية من الخارج.

وسبق للرئيس التونسي قيس سعيّد أن اتهم بعض الجمعيات بتلقي أموال من الخارج كما اتهم القائمين عليها بـ"الخيانة والعمالة"، وأعقبت هذه الاتهامات حملة إيقافات طالت ممثلي جمعيات حقوقية في تونس.

وفي نوفمبر الماضي، أصدرت جمعيات تونسية ودولية بيانا مشتركا نددت فيه بما اعتبرته "تجريم الحراك السلمي والاحتجاجات" من طرف السلطة ودعت في المقابل إلى "وقف جميع التتبّعات ضد النشطاء السياسيين والمدنيين والاجتماعيين والنقابيين".

غلق الفضاء العام

"واقع الحقوق والحريات في تونس سيء جدا، والسلطة سعت بكل ثقلها إلى غلق الفضاء العام في البلاد في خطوة تهدف إلى التضييق على نشاط الأحزاب والمنظمات والجمعيات وتغيبها عن المشهد العام"، هذا ما يراه المنسق العام لـ "ائتلاف صمود" (جمعية حقوقية غير حكومية) حسام الحامي في تشخيصه لتعامل السلطة مع منظمات المجتمع المدني في تونس.

ويقول الحامي لـ"الحرة": إن حملة الاعتقالات و الملاحقات القضائية التي طالت العشرات من النشطاء سواء كانوا سياسيين أو صحفيين أو محاميين أو ممثلي جمعيات ومنظمات فضلا عن الضغط المسلط على المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة كانت عوامل ساهمت في تراجع الاهتمام بالشأن العام وأدت إلى خفوت صوت المجتمع المدني في البلاد.

وبخصوص مصير منظمات المجتمع المدني في ظل الواقع الذي تعيشه اليوم، يشدد المتحدث على أن مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية المقامة في 6 أكتوبر 2024 "يخيم عليها شعور عام بالإحباط" ودفعت الأحزاب والمنظمات والجمعيات إلى الشروع في تقييم الفترة السابقة وإعادة النظر في المقاربات والاستراتيجيات التي يجب اعتمادها في المرحلة المقبلة لتكون أكثر جدوى، وفقه.

ويضيف في السياق ذاته، بأنه يجري العمل على صياغة بدائل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية استعدادا للمحطات الانتخابية القادمة، لافتا إلى أن أنشطة المجتمع المدني في تونس لن تتوقف وذلك بالنظر إلى وجود أكثر من 20 ألف جمعية ومنظمة تنشط في البلاد.

وفي مايو 2024 كشف الرئيس سعيّد عن وثيقة تفيد بتلقي جمعيات تونسية تمويلات تفوق ملياري دينار (نحو 700 مليون دولار) من الخارج من سنة 2011 إلى 2023، لافتا إلى أن لجنة التحاليل المالية أثبتت ذلك دون القيام بدورها كاملا.

في الشهر ذاته، ناقش مجلس وزاري مضيق مشروع قانون يتعلق بتنظيم الجمعيات  "يهدف إلى تنظيم وتعصير آليات تأسيس الجمعيات وطرق سيرها مع الموازنة بين تكريس حرية العمل الجمعياتي والرقابة على تمويلاتها ونظمها المالية".

جدير بالذكر أن عدد الجمعيات ارتفع من 9600 جمعية سنة 2011 إلى نحو 25 ألف جمعية سنة 2024 وفق ما أعلنت عنه منظمات رقابية في البلاد.