أصوات مغاربية

يثقون فيه أكثر من السياسيين.. استطلاع يكشف علاقة المغاربيين بالجيش

عبد النبي مصدق- واشنطن
03 نوفمبر 2024

تحظى الجيوش في الدول المغاربية بثقة شعبية واسعة، بخلاف المؤسسات السياسية كالأحزاب السياسية والمجالس التمثيلية المحلية. هذا ما كشفته نتائج دراسة استطلاعية نشرتها، الجمعة، شبكة "أفروبارومتر" المتخصصة في سبر الآراء في إفريقيا حول ثقة مواطني البلدان الإفريقية في مؤسسات دولهم.

وتقول الدراسة، التي أجريت بين نهاية عام 2021 ومنتصف عام 2023، إن الثقة في المؤسسات "تعد عنصرا أساسيا لعمل المجتمع بشكل سليم، خصوصاً في الديمقراطية". 

وتضيف إن هذه الثقة "تظهر عندما يعتقد المواطنون أن المؤسسات تفي بوعودها، وتكون مسؤولة، فعالة، كفؤة، شفافة ونزيهة".

التونسيون والجيش

في تونس، على سبيل المثال، تنال المؤسسة العسكرية النسبة الأكبر من الثقة الشعبية مقارنة ببقية المؤسسات، وفق الدارسة، بنسبة تناهز 90 بالمئة.

وتتقارب هذه النسبة مع استطلاعات رأي محلية في تونس تضع المؤسسة العسكرية في رتب متقدمة في مؤشرات الثقة.

وفي الرتبة الثانية من حيث نسبة الثقة الشعبية بتونس تأتي مؤسسة الرئاسة، إذ عبر نحو 74 بالمئة من المستجوبين عن ثقتهم في الرئيس.

نفى الرئيس التونسي التضييق على ترشح منافسيه في الانتخابات المقبلة - صورة أرشيفية.
بعد "فوز" قيس سعيد.. ماذا تعني نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية؟
أظهرت النتائج التقديرية لسبر آراء قدمته مؤسسة "سيغما كونساي"، مساء الأحد، فوز الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية التونسية، بنسبة تخطت 89 بالمئة متقدما على منافسيه، العياشي زمال (6.9 بالمئة) وزهير المغزاوي (3.9 بالمئة).

أما المؤسسات التي تحظى بأقل نسبة ثقة شعبية في تونس فهي المجالس المحلية التي عبر 18 بالمئة فقط عن ثقتهم فيها.

المغاربيون والسياسة.. مشكل ثقة

وفي المغرب، ينال الجيش تأييد 72 بالمئة من المستجوبين ليحل في الرتبة الأولى قبل جهاز الشرطة بـ67 بالمئة.

وتُظهر الدراسة أن المغاربة لا يثقون في البرلمان والأحزاب السياسية والمجالس المحلية التي حصلت جميعها على نسب لا تتخطى ربع المستجوبين.

ويتواصل التأييد الشعبي للجيش في المنطقة المغاربية، فقد تصدر رجال الدين والمؤسسة العسكرية قائمة المؤسسات التي يثق فيها سكان هذا البلد المغاربي، بنسبة 81 بالمئة و65 بالمئة على التوالي.

في المقابل، فإن الأحزاب الحاكمة والمعارضة لا تحظى بدعم من قبل الموريتانيين، إذ حصلت على 39 بالمئة و31 بالمئة تواليا.

استطلاع من 39 دولة

ولا يختلف الوضع كثيرا في الدول الإفريقية، إذ تؤكد نتائج استطلاعات الرأي التي أجرتها "أفروباروميتر" في 39 دولة أن الأفارقة أصبحوا أقل ثقة في مؤسساتهم الرئيسية وقادتهم مقارنة بما كانوا عليه قبل عقد من الزمن. 

وتفيد الدراسة بأن القادة الدينيين والجيش والقادة التقليديين يتمتعون بثقة الأغلبية، في حين أن المؤسسات السياسية هي الأقل ثقة.

وتُحذر الدراسة من أن نقص الثقة بالمؤسسات العامة قد يؤدي إلى مجموعة واسعة من المشاكل الاجتماعية والسياسية.

وتشير إلى أنه في العديد من البلدان، وخاصة في الدول النامية، "يترافق انعدام ثقة الجمهور بالمؤسسات الحكومية مع قبول سلوكيات مخالفة للقانون مثل التهرب الضريبي، وزيادة الاستقطاب، وهي جميعها عوامل قد تعيق التنمية".

عبد النبي مصدق

احتجاجات سابقة في تونس

تتصاعد المخاوف في تونس من تنامي الاعتقالات والملاحقات القضائية التي تستهدف نشطاء بالمجتمع المدني من ممثلي جمعيات وإعلاميين ومحامين، وسط جدل ونقاشات في الأوساط الحقوقية بشأن مصير هذه المنظمات في ظل التحديات التي تواجهها.

وأشار تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في سبتمبر الماضي إلى أنه منذ عام 2022، شنت السلطات التونسية موجات متعاقبة من الاعتقالات استهدفت عددا من الخصوم السياسيين ومنتقدي الرئيس التونسي قيس سعيد.

وانتقد التقرير "تعرّض أكثر من 70 شخصا، من بينهم معارضون سياسيون، ومحامون، وصحفيون، ومدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء للاحتجاز التعسفي أو الملاحقات القضائية أو كليهما منذ نهاية 2022". 

ولفت إلى أن العشرات ما يزالون رهن الاحتجاز التعسفي على خلفية ممارسة حقوقهم المكفولة دوليا، مثل الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها.

في المقابل، تثير حملة الاعتقالات والملاحقات التي تشنها السلطات الأمنية التونسية في العامين الأخيرين تساؤلات بشأن تداعياتها على المجتمع المدني في تونس ومصير الجمعيات والمنظمات في ظل هذه الخطوات.

تقلص نشاط المجتمع المدني

تعليقا على هذا الموضوع، يرى رئيس "الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات" (رقابية غير حكومية) بسام معطر أن نشاط المجتمع المدني بتونس تقلص بشكل لافت بعد إجراءات 25 يوليو 2021 التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيّد.

ويوضح معطر في حديثه لـ"الحرة" بأن تعامل مؤسسات الدولة مع الجمعيات والمنظمات تراجع بشكل كبير بعد أن كان هناك انفتاح على منظمات المجتمع المدني والاستئناس بتجاربه وآرائه في القضايا التي تخص الشأن العام، من ذلك مشاريع القوانين التي يسنها البرلمان في تونس.

ويشدد على أن الاعتقالات التي طالت عددا من النشطاء في تونس ورافقتها حملة شيطنة واسعة استهدفت نشاط منظمات المجتمع المدني فضلا عن الصعوبات في الحصول التمويلات، كلها عوامل أدت إلى انحصار دور هذه المنظمات والجمعيات والأحزاب السياسية وأدخلتها في مرحلة ركود.

ويلفت المتحدث إلى أن جزءا من الجمعيات والمنظمات في تونس محل تدقيق ومتابعة من السلطات القضائية بخصوص نصوصها القانونية ومصادر تمويلها خاصة تلك التمويلات المتأتية من الخارج.

وسبق للرئيس التونسي قيس سعيّد أن اتهم بعض الجمعيات بتلقي أموال من الخارج كما اتهم القائمين عليها بـ"الخيانة والعمالة"، وأعقبت هذه الاتهامات حملة إيقافات طالت ممثلي جمعيات حقوقية في تونس.

وفي نوفمبر الماضي، أصدرت جمعيات تونسية ودولية بيانا مشتركا نددت فيه بما اعتبرته "تجريم الحراك السلمي والاحتجاجات" من طرف السلطة ودعت في المقابل إلى "وقف جميع التتبّعات ضد النشطاء السياسيين والمدنيين والاجتماعيين والنقابيين".

غلق الفضاء العام

"واقع الحقوق والحريات في تونس سيء جدا، والسلطة سعت بكل ثقلها إلى غلق الفضاء العام في البلاد في خطوة تهدف إلى التضييق على نشاط الأحزاب والمنظمات والجمعيات وتغيبها عن المشهد العام"، هذا ما يراه المنسق العام لـ "ائتلاف صمود" (جمعية حقوقية غير حكومية) حسام الحامي في تشخيصه لتعامل السلطة مع منظمات المجتمع المدني في تونس.

ويقول الحامي لـ"الحرة": إن حملة الاعتقالات و الملاحقات القضائية التي طالت العشرات من النشطاء سواء كانوا سياسيين أو صحفيين أو محاميين أو ممثلي جمعيات ومنظمات فضلا عن الضغط المسلط على المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة كانت عوامل ساهمت في تراجع الاهتمام بالشأن العام وأدت إلى خفوت صوت المجتمع المدني في البلاد.

وبخصوص مصير منظمات المجتمع المدني في ظل الواقع الذي تعيشه اليوم، يشدد المتحدث على أن مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية المقامة في 6 أكتوبر 2024 "يخيم عليها شعور عام بالإحباط" ودفعت الأحزاب والمنظمات والجمعيات إلى الشروع في تقييم الفترة السابقة وإعادة النظر في المقاربات والاستراتيجيات التي يجب اعتمادها في المرحلة المقبلة لتكون أكثر جدوى، وفقه.

ويضيف في السياق ذاته، بأنه يجري العمل على صياغة بدائل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية استعدادا للمحطات الانتخابية القادمة، لافتا إلى أن أنشطة المجتمع المدني في تونس لن تتوقف وذلك بالنظر إلى وجود أكثر من 20 ألف جمعية ومنظمة تنشط في البلاد.

وفي مايو 2024 كشف الرئيس سعيّد عن وثيقة تفيد بتلقي جمعيات تونسية تمويلات تفوق ملياري دينار (نحو 700 مليون دولار) من الخارج من سنة 2011 إلى 2023، لافتا إلى أن لجنة التحاليل المالية أثبتت ذلك دون القيام بدورها كاملا.

في الشهر ذاته، ناقش مجلس وزاري مضيق مشروع قانون يتعلق بتنظيم الجمعيات  "يهدف إلى تنظيم وتعصير آليات تأسيس الجمعيات وطرق سيرها مع الموازنة بين تكريس حرية العمل الجمعياتي والرقابة على تمويلاتها ونظمها المالية".

جدير بالذكر أن عدد الجمعيات ارتفع من 9600 جمعية سنة 2011 إلى نحو 25 ألف جمعية سنة 2024 وفق ما أعلنت عنه منظمات رقابية في البلاد.