العشرات من الصحفيين والسياسيين والحقوقيين في تونس حوكموا بمقتضى المرسوم الرئاسي 54
العشرات من الصحفيين والسياسيين والحقوقيين في تونس حوكموا بمقتضى المرسوم الرئاسي 54

تحيي تونس في الثامن من نوفمبر من كل سنة اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، في ظرف يشهد فيه هذا البلد المغاربي تواتر الإيقافات والملاحقات القضائية لعدد من الصحفيين.

وإلى جانب تلك المتاعب، أحصى التقرير السنوي الصادر عن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في الفترة الممتدة بين 3 مايو/أيار 2023 و3 مايو/أيار 2024 نحو 211 اعتداء على الصحفيين والمراسلين الصحفيين والمصورين العاملين بمختلف المؤسسات الإعلامية المحلية والأجنبية.

وسبق لنقابة الصحفيين التونسيين أن نظمت هذا العام عدة وقفات احتجاجية تنديدا بما تعتبره "تضييقات على الصحفيين وحدّا من حرية التعبير وتوالي ملاحقتهم قضائيا عبر المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة الاتصال والمعلومات".

واقع الحريات الصحفية يطرح اليوم جدلا ما فتئ يتصاعد حول مستقبل حرية الصحافة والتعبير في تونس في ظل تأكيد مختلف الفاعلين في القطاع أن هامش الحريات الصحفية الذي انتزعه التونسيون في أعقاب ثورة 2011 بات يشهد تراجعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة.

اعتداءات ومحاكمات

في هذا الصدد، تقول منسقة وحدة الرصد بمرصد السلامة المهنية التابع لنقابة الصحفيين التونسيين خولة شبح: "إن نسق الاعتداءات على الصحفيين في تونس ارتفعت وتيرته هذه السنة سيما في ما يتعلق بالمسار الانتخابي الذي تصدر سجل الاعتداءات المرتكبة في حق الصحفيين.

وتضيف شبح لـ"الحرة" أنه تم تسجيل ارتفاع كبير في الملاحقات القضائية التي طالت الصحفيين إذ ناهز عددها 40 قضية، فضلا عن إيداع 5 صحفيين السجن في محاكمات على معنى المرسوم 54، لافتة إلى أن السلطات القضائية كانت فاعلة في هذه الملاحقات من خلال إصدار أحكام سالبة للحرية واتخاذ قرارات المنع من التصوير داخل المحاكم وتغطية الجلسات.

وتتابع في السياق ذاته، بأن المراسيم التي أصدرتها السلطة في الأعوام الأخيرة حدت من قدرة الصحفيين على الوصول إلى المعلومة وجعلت التعامل مع مؤسسات الدولة أكثر صعوبة من السنوات الفارطة.

ويتفق نقيب الصحفيين التونسيين زياد دبار مع تشخيص شبح في أن ظاهرة الاعتداء على الصحفيين باتت "مقلقة جدا" رغم وجود ما اعتبره بوادر جيدة في محاسبة المعتدين، مشددا في حديثه لـ "الحرة" على بروز اعتداءات جديدة لا تستطيع الهياكل النقابية محاسبة مرتكبيها ومن ضمنها صدور أحكام قضائية سالبة للحرية.

"وضع خطير"

وبخصوص واقع القطاع الإعلامي في تونس، يؤكد زياد دبار أن هذا القطاع يمر بـ"مرحلة خطيرة جدا" قيدت فيها المراسيم الحكومية حرية التعبير ومن ضمنها المرسوم 54 "الذي نسف بابا كاملا في دستور البلاد وجعل من كل صحفي في حالة سراح شرطي إلى أن يأتي ما يخالف ذلك".

ويشير في سياق حديثه عن الاحتفاء باليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، إلى أن هناك نزوعا من قبل السلطة في تونس كما الحال في مختلف دول العالم إلى تكريس سياسة الإفلات من العقاب والتوجه نحو التضييق على عمل الصحفيين في تناولهم لمختلف القضايا التي تخص الشأن العام في بلدانهم.

ويتابع بأن الوضعية الصحية لبعض الصحفيين التونسيين في السجون خطيرة وتثير القلق، من ذلك الوضعية الصحية لشذى الحاج مبارك الموقوفة في السجن منذ العام 2023 والإعلامي محمد بوغلاب الذي تم إيقافه أواخر مارس 2024 في قضايا مختلفة.

وكانت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين قد أصدرت الخميس، بيانا حملت فيه مسؤولية السلامة الجسدية للصحفيين الموقوفين في السجون إلى وزارة العدل التونسية، مؤكدة دخول الصحفية شذى الحاج مبارك في إضراب جوع فضلا عن "تعقد" الوضح الصحي للإعلامي محمد بوغلاب، بحسب نص البيان.

وسبق للرئيس التونسي قيس سعيد أن صرح في أغسطس/آب الماضي لوسائل إعلام محلية، تعليقا على موضوع سجن الصحفيين بأن النيابة العمومية في تونس "تحركت من تلقاء نفسها وأنه لم يتدخل في القضاء" مضيفا بالقول إجابة على سؤال أحد الصحفيين ''لا تعتقد أنني أفرح حينما أسمع بشخص تم سجنه''.

انتكاسة للحريات

ويثير واقع الحقوق والحريات في تونس انتقادات واسعة من قبل الهيئات والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية، عقب حملة الاعتقالات التي نفذتها السلطات الأمنية مطلع العام الماضي وتتواصل هذا العام وطالت شخصيات سياسية بارزة، وصحفيين، ومدونين، ومحامين.

وفي هذا الخصوص، يرى رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية غير حكومية) مصطفى عبد الكبير، أن الوضع الذي عاشته تونس في الأعوام الأخيرة يمثل "انتكاسة" للحريات وتراجعا غير مسبوق في هذا المجال الذي يعد أحد أهم مكاسب الثورة التونسية في 2011.

ويوضح عبد الكبير لـ"الحرة" قائلا: إن الزج بسياسيين وصحفيين وحقوقيين في السجون التونسية يشكل منعرجا خطيرا في المسار الانتقالي الذي سلكته البلاد بعد سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، إذ بتنا نسجل بشكل متواتر ضربا لحرية التعبير وتضييقا على أنشطة الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية نتيجة الرقابة الأمنية التي تفرضها السلطة.

وتبعا لذلك، دعا المتحدث السلطات التونسية إلى مراجعة المراسيم والقوانين التي تحد من حرية التعبير والصحافة وفتح قنوات الحوار مع مختلف الأطياف السياسية والحقوقية في البلاد من أجل تقديم مشروع مشترك ينقذ البلاد من أزمتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

في المقابل، يندد الرئيس التونسي قيس سعيّد بما يعتبره "تدخلا سافرا" في شؤون بلاده، في أعقاب انتقادات دولية لحملة الإيقافات التي تنفذها السلطات الأمنية التونسية، معتبرا أن ما حدث "قانوني".

ويواجه الرئيس سعيّد الانتقادات باتهام خصومه السياسيين بـ"الفساد والتآمر على أمن الدولة" نافيا في السياق ذاته تقييد حرية الإعلام، مؤكدا أن حرية التعبير مضمونة وأنه لا تراجع عنها.

يشار إلى أن تونس شهدت تراجعا لافتا في السنوات الأخيرة على مستوى التصنيف العالمي لحرية الصحافة الصادر عن "مراسلون بلا حدود"، لتحل في المرتبة 118 عالميا من بين 180 بلدا شمله هذا التصنيف، وقد كانت في العام 2020 تحتل المرتبة 72 عالميا، قبل إعلان الرئيس قيس سعيد "الإجراءات الاستثنائية" في 25 يوليو/تموز 2021.

المصدر: الحرة 

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.