ملايين المغاربة يعيشون خارج المملكة ويحولون ملايير الدولارات سنويا إلى أرض الوطن
ملايين المغاربة يعيشون خارج المملكة ويحولون ملايير الدولارات سنويا إلى أرض الوطن

أعلن الملك المغربي محمد السادس مؤخرا عن إعادة هيكلة الإطار الخاص بالمؤسسات التي تعنى بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، وسط ترقب حول مدى قدرة هذه الخطوة على حماية مصالح هذه الفئة التي باتت تحويلاتها تفوق سنويا 10 ملايير دولار.

وقال الملك، في خطاب ألقاه يوم 6 نوفمبر الذكرى الـ49 للمسيرة الخضراء، "قررنا إحداث تحول جديد، في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج. وذلك من خلال إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بها، بما يضمن عدم تداخل الاختصاصات وتشتت الفاعلين، والتجاوب مع حاجياتها الجديدة".

وتابع "وجهنا الحكومة للعمل على هيكلة هذا الإطار المؤسساتي، على أساس هيأتين رئيسيتين، الأولى، هي مجلس الجالية المغربية بالخارج (...) وبهذا الخصوص، ندعو إلى تسريع إخراج القانون الجديد للمجلس، في أفق تنصيبه في أقرب الآجال وأما الثانية، فهي إحداث هيئة خاصة تسمى +المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج+، والتي ستشكل الذراع التنفيذي، للسياسة العمومية في هذا المجال".

وأشار العاهل المغربي إلى أن المؤسسة الجديدة ستتولى مهمة تجميع الصلاحيات المتفرقة حاليا بين عدد من المؤسسات والفاعلين الحكوميين، إلى جانب مواكبة الجالية وتسهيل الإجراءات أمامها للاستثمار بالمغرب، إذ لا تتعدى، وفقه، 10 في المائة من مجموع الاستثمارات الوطنية الخاصة.

وسبق للملك محمد السادس أن أشاد في خطاب ألقاه عام 2022 بالجالية المغربية المقيمة بالخارج ودعا حينها إلى تمكينها من حقوقها من خلال تأهيل الإطار المؤسساتي الخاص "بهذه الفئة العزيزة من المواطنين".

وقال في ذلك الخطاب إن "المغرب والحمد لله، يملك جالية تقدر بحوالي خمسة ملايين، إضافة إلى مئات الآلاف من اليهود المغاربة بالخارج، في كل أنحاء العالم" وتابع "لابد أن نتساءل باستمرار: ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟ وهل الإطار التشريعي، والسياسات العمومية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم ؟ وهل المساطر الإدارية تتناسب مع ظروفهم ؟ وهل وفرنا لهم التأطير الديني والتربوي اللازم؟.

وأضاف "صحيح أن الدولة تقوم بمجهودات كبيرة، لضمان حسن استقبال مغاربة العالم. ولكن ذلك لا يكفي. لأن العديد منهم، مع الأسف، ما زالوا يواجهون العديد من العراقيل والصعوبات، لقضاء أغراضهم الإدارية، أو إطلاق مشاريعهم. وهو ما يتعين معالجته".

مؤسسات متفرقة

ويتولى إدارة شؤون "مغاربة العالم"، كما يطلق عليهم بالمغرب، "مجلس الجالية المغربية بالخارج"، وهو مؤسسة دستورية استشارية مستقلة تأسست عام 2007 بهدف "ضمان المتابعة والتقييم للسياسات العمومية للمملكة تجاه مواطنيها المهاجرين وتحسينها بهدف ضمان حقوقهم وتكثيف مشاركتهم في التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلاد"، وفق ما جاء في موقعها الالكتروني.

وقبل هذه المؤسسة، أنشأ المغرب "مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج" عام 1990 وهي مؤسسة استشارية أيضا ترأسها شقيقة الملك، الأميرة مريم، ومن أهدافها ضمان استمرار العلاقات التي تربط "مغاربة العالم" بوطنهم الأم، كما تهدف إلى مساعدتهم على "تذليل الصعوبات التي تعترضهم بسبب اغترابهم".

وفي الشق العملياتي، تشرف "مؤسسة محمد الخامس للتضامن" منذ عام 2001 على عملية "مرحبا"، التي أطلقتها السلطات لاستقبال المغاربة المقيمين بالخارج الراغبين بقضاء عطلة الصيف بوطنهم.

وبلغ مجموع العائدين المغاربة الذين زاروا المغرب الصيف الماضي 3 ملايين و761 ألفا و589 مغربيا، بزيادة "غير مسبوقة" بنسبة 18.84% مقارنة بعام 2023، وفق معطيات نشرتها المؤسسة.

معطيات وأرقام رسمية

بلغ مجموع المهاجرين المغاربة المسجلين لدى شبكة قنصليات المملكة عبر العالم 5.1 مليون شخص إلى حدود شهر أبريل من عام 2021، ما يمثل نحو 15 في المائة من مجموع ساكنة البلاد، بحسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي (مؤسسة رسمية).

ونوه المجلس في التقرير الذي أصدره عام 2023، إلى أن هذا العدد يمكن أن يصل إلى 6 ملايين ونصف، إذا ما أخذ بعين الاعتبار عدد المهاجرين غير المسجلين لدى المصالح القنصلية.

وتستقطب الدول الأوروبية نحو 89 في المائة من مجموع المهاجرين المغاربة المقيميين بالخارج، على الرغم من أن هذه الجالية تستقر في أكثر من 100 بلد حول العالم.

وتضم فرنسا لوحدها أكثر من مليون مهاجر مغربي تليها إسبانيا بنحو مليون شخص، ثم إيطاليا بنحو 500 ألف مهاجر مغربي.

على صعيد آخر، أفاد تقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة احصاء رسمية)، بأن 78 في المائة من "مغاربة العالم" غادوا المغرب خلال الفترة الممتدة بين 2000 و2018، لافتا إلى أن 24 في المائة منهم أقدموا على خطوة الهجرة منذ عام 2015.

وبشكل عام تتسم الجالية المغربية المقيمة بالخارج بكونها جالية شابة، حيث قدر بحث المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن 60 في المائة منهم تتراوح أعمارهم بين 15 و39 عاما، كما تتسم هذه الجالية بكون أن أكثر من ثلثها تتوفر على مستوى تعليمي عال، وفق المؤسسة نفسها.

"اقصاء" من رسم سياسة بلادهم

نص الدستور المغربي لعام 2011 في الفصل الـ16على أن المملكة المغربية تعمل على "حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين والمواطنات المغاربة المقيمين في الخارج، في إطار احترام القانون الدولي، والقوانين الجاري بها العمل في بلدان الاستقبال".

وجاء في الفصل الـ17 أنه "يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات. ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية، المحلية والجهوية والوطنية".

ومع ذلك، ظلت مشاركة "مغاربة العالم" في الاستحقاقات الانتخابية في بلادهم معلقة إلى اليوم، رغم دسترة هذا الحق، حيث لم ينص الدستور على إحداث دوائر انتخابية خارج المغرب، مما يعرقل مشاركة هذه الفئة في الانتخابات المنظمة في بلادهم.

وتفاعلا مع سؤال كتابي بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان)، قال وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، في سبتمبر الماضي، إن القوانين الانتخابية المغربية تتيح للجالية المشاركة في الانتخابات "إما بشكل مباشر في مكاتب التصويت بالمغرب أو عن طريق الوكالة".

وأشار إلأى أن الحكومة اتخذت إجراءات لتعزيز تمثيلية هذه الفئة منها "إلزام الأحزاب السياسية بوضع مترشحة مقيمة بالخارج على رأس لائحة ترشيح جهوية واحدة على الأقل، وذلك بهدف تشجيع الأحزاب على إدماج المرأة المغربية المقيمة بالخارج في الحياة السياسية".

وأردف الجواب الكتابي أنه "تم بالموازاة مع ذلك إقرار تحفيزات مالية مهمة لفائدة الأحزاب السياسية قصد تشجيعها على إدماج المترشحين ذكورا وإناثا، من أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج في لوائح ترشيحها المحلية المقدمة برسم مجلس النواب".

ملايير الدولارات

ويطالب مغاربة العالم بفتح المجال أمامهم للمشاركة في الانتخابات، خاصة بعد أن أصبحت تحويلاتهم السنوية تمثل 7 في المائة من الناتج الداخلي الاجمالي للبلاد منذ انتشار جائحة فيروس كورونا.

وأفاد التقرير السنوي لمكتب الصرف، الصادر في أغسطس الماضي بأن هذه التحويلات بلغت 56.72 مليار درهم (5 مليارات دولار) عند متم شهر يونيو الأخير، مقارنة بـ55.69 مليار درهم خلال الفترة نفسها من عام 2023.

وأضاف التقرير أن هذه التحويلات "سجلت مستوى قياسيا عام 2023"، موضحا أنها بلغت 115,3 مليار درهم (11 مليار دولار) مقابل 110 مليار درهم (11.1 مليار دولار) عام 2022، أي نسبة ارتفاع بلغت 4.1 في المائة.

"رسالة واضحة"

تعليقا على ما جاء خطاب العاهل المغربي، قال مصطفى نضيف، الناشط في مجال الهجرة والمقيم بإيطاليا، إن توحيد المؤسسات المعنية بشؤون الجالية "بادرة جيدة" متمنيا أن تقطع الخطوة الجديدة مع "الاقصاء والتهميش" الذي تعاني منه الجالية.

وأوضح نضيف، في حديث مع موقع "الحرة"، أن الخطاب الملكي استجاب لتطلعات ومطالب رفعتها الجالية المغربية منذ سنوات، مفيدا بأن تعدد المؤسسات المعنية بشؤون هذه الفئة يعيق تدبير ملفهم.

وأشار إلى أن "الجالية المغربية أظهرت حبها ودعمها لوطنها في عدد من الأزمات، كجائحة كورونا وفي أزمة زلزال الحوز، ومع ذلك، تفاجأنا بعد تنصيب الحكومة الجديدة الاستغناء كليا عن الوزارة المخصصة لخدمة الجالية".

وتابع "جلالة الملك له رؤية استراتيجية وواع بهذه المشاكل، لذلك أمر بإعادة هيكلة مؤسسات الجالية، حيث تحدث الخطاب عن عدد من الصعوبات التي تواجهنا، بما فيها عوائق تواجه الراغبين منا بالاستثمار بالمغرب".

وتعليقا على مشاركة الجالية في رسم سياسات بلادهم، أضاف، نضيف "دون تمثيلية في البرلمان سيكون صوتنا ضعيفا، وننتظر تزيل الفصل الـ16 والـ17 من الدستور، ونطمح من خلال هذه الالتفاتة الملكية أن يكون بمقدورنا التصويت من بلدان إقامتنا".

وتابع "تعدد المؤسسات لا يخدم الجالية، كان لا بد من توحيد جهودها في مؤسسة واحدة لتواصل مع الجالية وتأطير أبنائها وتعزيز انتمائهم وحبهم لوطنهم الأم، لذلك خطاب جلالة الملك رسالة واضحة للحكومة للعمل على تجاوز هذا التقصير".

"بارقة أمل"

بدورها، رحبت سعاد أمجاهدي، رئيسة مؤسسة "مني لكم" الخيرية بفلوريدا (جنوب شرق الولايات المتحدة) بتوحيد جهود المؤسسات المغربية الموجهة للخدمة الجالية، متمنية أن يساهم القرار الملكي في دفع الحكومة إلى التحرك.

واعتبرت أمجهادي، في تصريح لموقع "الحرة"، أن الجالية المغربية تعاني "تهميشا" منذ سنوات، قبل أن تستدرك "لدي أمل في الجهود التي يقودها جلالة الملك لأنه وحده المدافع عن حقوقنا".

وأوضحت "جمعني لقاء مؤخرا بالوزير السابق المكلف بالجالية بالولايات المتحدة، وقلت له كيف تطلب منا أن تستثمر بالمغرب ولا نتوفر على مكتب مكلف بالجالية بالمغرب، أنا شخصيا أنفق آلاف الدولارات بالمغرب كل سنة ومع ذلك لا أرى أي اعتبار للجالية".

وتابعت "صحيح أن المعاملات القنصلية والإدارية تحسنت بشكل كبير في السنوات الأخيرة ولكننا نطالب إلى جانب ذلك، بالمشاركة في الانتخابات المحلية في بلدان إقامتنا كما نطالب بتسهيلات في الضرائب".

وترى الفاعلة الحقوقية والجمعوية أن الإجراءات الجديدة "بارقة أمل" جديدة للجالية، منوهة إلى أن العاهل المغربي "عمل منذ توليه الحكم على معالجة سنوات من الاهمال لشؤون الجالية وعمل على مدار السنوات الأخيرة لتجاوزها".

"نقطة تحول حقيقة"

وتفاعلا من الخطاب نفسه، قال عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، إن توحيد مؤسسات هذه الفئة "تحول مهم في مقاربة إشكاليات الجالية".

وأوضح في تدوينة له على فيسبوك "التحول الجديد والمهم في مقاربة تدبير إشكاليات الجالية سيتم من خلال مؤسستين أولهما مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج وضرورة الإسراع بإخراج القانون التنظيمي حسب المادة 163 من الدستور وثانيهما خلق +المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج " باختصاصات مهمة".

وتابع أن المؤسسة "المحمدية" ستعطي "دفعة قوية في مجال التأطير اللغوي والثقافي والديني وتبسيط ورقمنة المساطر الإدارية والقضائية التي تهم المغاربة المقيمين بالخارج".

من جانبه، قال إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، في تصريح لموقع محلي، إن الدعوة الملكية "تثمل نقطة تحول حقيقية" بالنظر إلى التحولات التي طالبت الجالية في السنوات الأخيرة.

وأضاف "أعتقد أنه من المهم اليوم أن ندرك أن الجالية المغربية المقيمة بالخارج لم تعد تقتصر على فرنسا فقط، بل أصبحت جالية دولية لذلك يجب أخذ تنوع هذه الجالية بعين الاعتبار من حيث التواصل والمعلومات حول جميع إمكانيات الاستثمار بالمغرب".

المصدر: الحرة

قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي
قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي. (AFP)

رخصت الحكومة المغربية، بداية نوفمبر الفارط، توريد كميات من زيت الزيتون، لسد النقص في هذه المادة التي توصف بالأساسية في المطبخ المغربي. لكن على عكس ما جرت عليه العادة، فإن الكميات المستوردة ومن ضمنها نحو 10 آلاف طن من البرازيل، غاب عنها هذه السنة زيت الزيتون التونسي.

هذا الغياب يعد مظهراً جديداً يدل على فتور العلاقات بين الرباط وتونس، منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين، في صيف عام 2022، عقب استقبال الرئيس التونسي، قيس سعيد، لرئيس جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، على هامش اجتماعات الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا، "تيكاد"، التي انعقدت في تونس.

واعتبرت الرباط حينها أن الخطوة التونسية "عدائية وغير مبررة"، وبادرت إلى سحب سفيرها كخطوة احتجاجية، قابلتها تونس بخطوة مماثلة، وسحب سفيرها لدى المغرب هي الأخرى.

حادث دبلوماسي

يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور رشيد لزرق، إن المغرب اختار أن يكون معيار علاقاته الخارجية مدى احترام الفاعلين الدوليين لوحدته الترابية، وأن اختياراته التجارية لا تشذ عن هذه القاعدة، وبالتالي فإن اعتراف الفاعلين الدوليين بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، هو من أبرز محددات العلاقات الخارجية للمغرب، إن لم يكن أهمها.

ويرى لزرق في حديث للحرة أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس في السنوات الأخيرة، جعلتها "مضطرة لأن ترضخ" لطلبات جارتها الجزائر، حسب قوله. وهو ما يعتبر خروجاً عن تقاليد السياسة الخارجية التونسية، ليس فقط بشأن النزاع في الصحراء الغربية، بل بحكم التطور التاريخي لكل منهما، والذي اتسم باتباعهما تجربة ليبرالية عقب الاستقلال، وهو ما لم يحدث في الجزائر.

ويضيف لزرق أن الموقف التونسي كان نتيجة "قلة الخبرة السياسية للرئيس سعيد، الذي لم يفهم طبيعة العلاقات بين البلدين، وكذلك طبيعة شخصيته التي جعلته يتعامل بمزاجية مع هذا الموضوع الحساس بالنسبة للمغرب، حسب قوله. لكنه يرى أن هذه العلاقات مرشحة للتطور في ضوء التحديات الدولية القادمة.

أما الباحث والمحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، الذي تحدث إلى الحرة، فيرى أن كلاً من تونس والمغرب ينتميان إلى نفس المجال الجيوسياسي، وذلك بحكم انتمائهما إلى العالم الحر، ومعاداة المعسكر الاشتراكي، عقب الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي.

وبخصوص قضية الصحراء الغربية، فيرى ثابت أنه رغم "الحادث" الدبلوماسي الذي رافق لقاء الرئيس سعيد بزعيم البوليساريو، فإنه لا يوجد دليل على أي توجه رسمي للاعتراف بها، وأن الموقف التونسي لا يزال بصدد التشكل، وهو ما يفسر البطء الذي اتسمت به الدبلوماسية التونسية مؤخراً.

لكن في المقابل، يرى ثابت أن العلاقات التونسية مع جارتها الجزائر، لا يمكن اختزالها في المستوى الاقتصادي فقط، لأنها تشمل كذلك جملة من الملفات الساخنة على المستوى الإقليمي، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والتنسيق بشأن الأوضاع في ليبيا، التي تشهد تدخل عدد من الفاعلين الدوليين مثل مصر وتركيا وروسيا.

أما بخصوص اختيارات الرئيس التونسي، فيرى ثابت أن نظرته الإيديولوجية تتركز على مبدأ احترام السيادة الوطنية، لذلك لم يصدر أي تعليق سلبي من تونس بخصوص اختيار المغرب الانخراط في اتفاقيات أبراهام، والتطبيع الكامل لعلاقاته مع إسرائيل، واعتبر ذلك أمراً سيادياً، رغم الحساسية الكبيرة التي تكتسيها هذه المسألة وارتباطها بالأمن القومي للمنطقة.

ويقول ثابت إن المعيار الذي يعتمده الرئيس سعيّد في تحديد سياسته الخارجية، هو ما سماه "رفض الإملاءات والإسقاطات"، والبحث عن "نظام عالمي عادل"، فيما يمكن اعتباره إعادة إحياء لفكرة "تيار العالم الثالث".

تحديات تفرض تطوير العلاقات

يرى الدكتور، رشيد لزرق، أن هناك استحقاقات هامة على المستوى الدولي، تفرض على دول المنطقة تطوير علاقاتها، وأنه حتى بعد سحب السفراء من عاصمتي البلدين، فإن المبادلات التجارية لا تزال قائمة، وأن الوضع الراهن هو حالة شاذة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وبالعودة إلى عدم توريد زيت الزيتون التونسي، يقول لزرق إن المرآة العاكسة لمدى تحسن العلاقات بين الرباط وتونس ستكون العلاقات التجارية، وإن زيت الزيتون التونسي أقرب إلى مذاق المستهلك المغربي، لكن التغيير المطلوب لتطوير العلاقات بين البلدين يجب أن يأتي من تونس.

ويشرح لزرق أن المعنى المقصود بكلمة التغيير، هو التغيير "الماكروسياسي" القادم في العلاقات الدولية، في ظل التغيرات الجيوسياسية التي طرأت في الأشهر القليلة الماضية، ولعل أبرزها عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. لذلك فإن طي ملف الصحراء قد يعطي دفعة لاتحاد المغرب العربي.

ويقول لزرق إن الإدارة الأميركية الجديدة سيكون لسياستها تأثير كبير على منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، وأن ترامب من المتوقع أن يدفع بطموحات اقتصادية وتجارية في هذه المنطقة، في مواجهة التمدد الصيني.

من جهته يرى المحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، أنه من خلال الخبرة والتجربة التي تكونت خلال إدارة ترامب الأولى، خصوصاً فيما يتعلق باختياراته السياسية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي اتسمت بعدم مساندة الربيع العربي، وجعل الاصطفاف الواضح إلى جانب الولايات المتحدة أولوية في سياسته الخارجية، فإنه يتوقع تأثيراً كبيراً للإدارة الجديدة في البيت الأبيض على المنطقة.

ويضيف ثابت أنه يوجد نوع من الترقب لتطور الموقف بين المغرب والجزائر، ومدى انخراط دول عربية جديدة في التطبيع مع إسرائيل، كما أن إرساء وعي شعبي داعم لسياسة الولايات المتحدة في تونس، لا يمكن أن يتم إلا عبر دعم الخيارات الواقعية على المستوى المحلي، ما يمكن من بناء وعي براغماتي، حسب قوله.

أما الأولوية في تونس، حسب ثابت، فهي إعادة ترتيب البيت الداخلي، لذلك لم تصدر إشارات قوية بعد، تجاه الرباط أو غيرها من العواصم العربية والدولية، لكن ذلك لا يعني أن هناك قطيعة بين البلدين. 

ويضيف أنه من المفارقات أن المستفيدين من الحدود التي رسمت أثناء الفترة الاستعمارية، هم الذين يزايدون على بقائها، رغم أن الاندماج في فضاء أكبر مثل اتحاد المغرب العربي، يزيل الإشكالات القائمة.