منذ عقود تتواجه الرباط والجزائر حول الصحراء الغربية- صورة أرشيفية.
تساؤلات حول الموقف المستقبلي للأمم المتحدة في قضية الصحراء

سادت حالة من التفاؤل في المغرب بفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وسط تساؤلات حول إذا ما كان  الرئيس الأميركي المنتخب يخطط للمضي قدما في ترسيخ القرار الذي تبناه في الأسابيع الأخيرة من ولايته الأولى عندما اعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

 

ومنذ تولي جو بايدن للرئاسة، لم يصدر عن الإدارة الأميركية أي قرار يغير خطوة الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، لكن لم يصدر عنها موقف جديد يدعم القرار.

ويقول تقرير لمعهد الشرق الأوسط صادر في أغسطس الفائت إن "إدارة بايدن وجدت نفسها أمام مهمَّةٍ صعبةٍ تتمثّل في السعي إلى التأكيد على أهمية القانون الدولي وعملية الأمم المتّحدة التفاوضية للتوصُّل إلى حلٍّ دائمٍ، بالتزامن مع دعم السياسة الخارجية الأميركية الجديدة، التي سيكون التراجع عنها مثيرًا للجدل وقد يُحدِث أزمة في العلاقات بين الولايات المتّحدة والمغرب".

تفاؤل مغربي

ومع العودة المرتقبة لترامب إلى البيت الأبيض في يناير المقبل، بدأت الأسئلة حول ما إذا كان الرئيس الأميركي المنتخب ينوي اتخاذ قرارات جديدة في اتجاه دعم الطرح المغربي أم أنه سيتخذ حلولا وسط تساهم في إنهاء هذا الصراع المستمر منذ عقود.

ترامب ومحمد السادس خلال إحياء ذكرى تاريخية بفرنسا عام 2018 -AFP
"العيد عيدان".. مغاربة يحتفلون بفوز ترامب في ذكرى المسيرة إلى الصحراء
تزامنت الذكرى السنوية لـ"المسيرة الخضراء"، التي يحتفي بها المغاربة في السادس من نونبر من كل عام، مع الإعلان عن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية لولاية ثانية، وهو ما أثار تفاعلا واسعا لمغاربة يصفونه بـ"صديق المغرب".

في هذا السياق، يقول  أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، زكرياء أبو الذهب، إن "الرئيس ترامب هو الأنسب للمرحلة المقبلة بالنسبة للمغرب ،حيث يمكنه تثمين موقفه الذي اتخذه في العام 2020 من خلال اتخاذ قرارات جديدة لفائدة المغرب في قضية الصحراء".

لكن في ظل وجود أولويات أخرى لترامب، كالتعامل مع روسيا والصين وملفات الحرب في الشرق الأوسط، يتعين على المغرب، حسب أبو الذهب، "الترقب لمدة سنة ونيف على الأقل وانتظار تعيين سفير جديد لاتخاذ مثل هذه القرارات".

ويشير المحلل المغربي في تصريح لموقع "الحرة" إلى أنه بعد "إكمال الترتيبات على مستوى تعيين الإدارة الأميركية، يمكن تثبيت الاعتراف الأميركي بالطرح المغربي من خلال القيام بزيارات للأقاليم الجنوبية وفتح القنصلية الأميركية التي أعلن عن افتتاحها سابقا، وهي خطوة ينتظرها المغرب من الولايات المتحدة" .

وينتظر المغرب أيضا، وفق المتحدث ذاته، أن "تدفع الولايات المتحدة العمل داخل الأمم المتحدة من أجل دفع مجلس الأمن لاتخاذ قرارات حاسمة تنهي هذا الصراع، ومن شأنها أيضا أن تضغط على الجزائر للقبول بحل سلمي مفاده اعتبار أن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد والواقعي الذي يستجيب لتطلعات السكان سواء في الصحراء المغربية أو في ما يتعلق بالمحتجزين بمخيمات تندوف"، حسب تعبيره.

موقف البوليساريو

في المقابل، يقلل ممثل جبهة البوليساريو لدى المنظمات الدولية بجنيف، أبي بشرايا البشير، من أهمية اعتراف ترامب بمقترحات المغرب في قضية الصحراء ودوره مستقبلا في إنهاء الأزمة، قائلا "لو كان حل النزاع في الصحراء الغربية لصالح المغرب معقودا بدولة محددة أو مجموعة دول، لكان النزاع قد انتهى منذ زمن طويل خلال ولايتي رونالد ريغان في أميركا وجيسكار ديستان في فرنسا مطلع ثمانينيات القرن الماضي".

ويضيف البشير في تصريح لموقع "الحرة" أن "الرئيس ترامب، مثله في ذلك مثل ماكرون، يستطيع  أن يعترف للمغرب بالسيادة المزعومة على الإقليم بشكل أحادي الجانب، لكنه لا يستطيع فرض ذلك في الإطار المتعدد الأطراف في الأمم المتحدة، كما لا يمكن أن يمحو الصحراء الغربية من لائحة الأقاليم 17 غير المستقلة ذاتيا والمعنية بعملية تصفية الاستعمار في العالم حسب الأمم المتحدة".

ويتعين على ترامب وفريقه، عند الوصول إلى البيض الأبيض في يناير القادم، أن يجيبوا، وفق البشير، على "سؤال حول ما إذا كان قرار الاعتراف للمغرب بالسيادة شهرا قبل مغادرة ترامب للحكم، قد ساهم في دفع العملية السياسية الهادفة للتسوية السلمية العادلة"، مضيفا أن "الجواب واضح، فقد توترت الأوضاع على الأرض وفي المحيط الإقليمي وتوجد في حالة احتقان غير مسبوقة تهدد بتفجر الوضع في أي لحظة".

ويفند البشير وجود أي مخاوف لدى البوليساريو من عودة ترامب للسلطة، مستدركا "لدينا أمل في أن يستوعب ترامب وفريقه درس العهدة الماضية والتأكد من أن النزاع ليس بالبساطة التي كانوا يتصورون، فهناك قانون دولي واضح، وهناك حلفاء للشعب الصحراوي لا يمكن التغاضي عن وجهة نظرهم، وهناك شعب هو وحده، من يمتلك حق اتخاذ القرار فيما يتعلق بالوضع القانوني النهائي للإقليم".

تتهم دول مغاربية إيران بمحاولة التغلغل فيها
تتهم دول مغاربية إيران بمحاولة التغلغل فيها

فجأة، باتت الخطوط الجوية الرابطة بين طهران والعواصم المغاربية تشهد حركة غير مسبوقة، بعد خفوت علاقات دام سنوات ووصل في بعض الأحيان لحد القطيعة.

الأسبوع الماضي لوحده شهد تحركات إيرانية وزيارات رسمية واتصالات هاتفية مع بلدان مغاربية بشكل متزامن، وسط العزلة التي تعرفها إيران دوليا بسبب سياساتها المريبة وتأثيراتها على استقرار بلدان الشرق الأوسط.

لماذا كثفت إيران تحركاتها في المنطقة المغاربية الآن بالضبط؟ ما علاقة ذلك بوضع إيران الدولي حاليا؟ وهل سيؤدي إلى تغلغل إيراني أكبر في الشؤون المغاربية إلى تحويل المنطقة إلى بؤرة توتر؟

تحركات إيرانية

أنهى رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني، إبراهيم عزيزي، السبت، زيارة إلى تونس التقى خلالها كبار المسؤولين البرلمانيين والسياسيين في هذا البلد المغاربي.

ووصل عزيزي إلى تونس قادما من الجزائر التي التقى فيها وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف ومسؤولين آخرين بينهم عميد جامع الجزائر محمد المأمون القاسمي الحسني.

وكانت تونس قد قررت، في يونيو الفائت، إعفاء الإيرانيين من تأشيرة الدخول، في خطوة سبقتها زيارة من الرئيس قيس سعيّد هي الأولى إلى طهران منذ 1979، للمشاركة في تشييع الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، الذي قتل في حادث تحطم طائرة.

إيران تتقرب من المغرب.. لماذا الآن؟
بعد سنوات من التوترات التي وصلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بسبب اتهام المغرب لإيران بدعم جبهة البوليساريو، أعادات التصريحات الأخيرة للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إثارة تساؤلات حول محاولات طهران في التقرب من الرباط وتحسين العلاقات بين البلدين.

وجاءت هذه الزيارات بعد أيام من تصريح أسال حبرا كثيرا في المغرب، أدلى به المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي وقال فيه إن بلاده "ترحب دائما بتحسين وتوسيع العلاقات مع دول الجوار ودول المنطقة والدول الإسلامية"، مضيفا "تاريخ علاقاتنا مع المغرب واضح".

وكان المغرب قد قطع علاقاته مع إيران في العام 2018، متهما طهران بدعم جبهة البوليساريو.

وتزامنا مع ذلك كله، استقبل وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، في الـ23 من شهر نوفمبر الفائت، سفير إيران بموريتانيا، جواد أبو علي أكبر، من أجل "استعراض علاقات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها وتطويرها"، حسب وكالة الأنباء الموريتانية.

نفوذ بتكلفة منخفضة

وتثير هذه التحركات تساؤلات حول الأهداف التي تسعى طهران إلى تحقيقها في المنطقة المغاربية، وهل تسعى إلى إنشاء منطقة نفوذ على مقربة من السواحل الأوروبية.

إجابة على هذه الأسئلة، يقول الباحث الإيطالي في مجموعة الأزمات الدولية ريكاردو فابياني، في تصريح لموقع "الحرة"، إنه "لا يمكن الحديث عن استراتيجية إيرانية واضحة في هذه المنطقة، التي تظل بعيدة عن المصالح الأساسية لطهران، والتي تتركز بشكل رئيسي في الشرق الأوسط".

ويرى فابياني، الذي يدير مشروع شمال إفريقيا في المجموعة، أن "إيران تسعى حاليا إلى استغلال الفرص لتوسيع علاقاتها ونفوذها بتكلفة منخفضة، نظرًا للقيود الاقتصادية التي تواجهها والضغوط التي تتعرض لها في الشرق الأوسط".

نفى الرئيس التونسي التضييق على ترشح منافسيه في الانتخابات المقبلة - صورة أرشيفية.
تونس تفتح أبوابها لإيران.. ماذا يريد قيس سعيّد؟
قررت تونس، إعفاء الإيرانيين من تأشيرة الدخول، في خطوة سبقتها زيارة من الرئيس قيس سعيّد، هي الأولى إلى طهران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، للمشاركة في تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي قتل في حادث تحطم طائرة مايو الماضي.

بناء أو إعادة بناء العلاقات في شمال إفريقيا، حسب فابياني، "يمكن أن يكون مفيدًا لإيران في أوقات الحاجة؛ ففي حال تعرض إيران لهجوم من إسرائيل أو ضغوط كبيرة من إدارة ترامب المقبلة، قد تكون العلاقات مع دول أخرى مفيدة على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي من حيث التجارة أو التهريب، على سبيل المثال".

أما بالنسبة للمحلل السياسي التونسي، عبد الجليل معالي، فيفسر في تصريح لموقع "الحرة"، ما يعتبره "تصويبا من إيران لاهتماماتها نحو مناطق لا تجمعها بها مشتركات دينية ومذهبية كثيرة" بتراجع حضورها في العالمين العربي والإسلامي خصوصا بعد الضربات التي تلقاها حزب الله في لبنان وحماس في غزة، إضافة إلى التحديات المحيطة بالميليشيات العراقية "ذات الهوى الإيراني". 

نشر الفوضى

وفي ظل التوترات الأمنية التي تعيشها ليبيا ودول الساحل القريبة منها، تبرز إلى الواجهة أسئلة حول إذا ما كانت إيران تسعى إلى زرع الفوضى في شمال إفريقيا، قرب حدود أوروبا.

ويجيب فابياني على السؤال بالقول إنه حتى لو كانت طهران تسعى لذلك بالفعل، فإنها تفتقر إلى الموارد والقدرات اللازمة لنشر الفوضى في شمال إفريقيا.

أعلام الجزائر والمغرب والعلم الذي تستخدمه جبهة البوليساريو
البوليساريو والمسيرات الإيرانية.. مسؤول صحراوي يرد واتهامات جزائرية مغربية متبادلة
أثارت تصريحات السفير المغربي لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، بشأن امتلاك جبهة "بوليساريو"، مسيرات إيرانية الصنع وتدريب عناصر الجبهة على يد قوات إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله اللبناني، حالة من الجدل في الأوساط السياسية، بين تأكيد لتلك الاتهامات التي طالت "الجزائر" أيضا، ونفي على جانب آخر وحديث عن "إدعاءات باطلة".

ويضيف أن منطقة شمال إفريقيا "بعيدة جدًا عن إيران، وموارد طهران محدودة للغاية في الوقت الحالي، وهي تحت ضغوط خارجية كبيرة تجعلها عاجزة عن إحداث الفوضى في هذه المنطقة".

من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، خالد يايموت، أنه "لو كان لإيران القدرة على إحداث الفوضى في شمال إفريقيا لكانت قد قامت بذلك خلال الفترة الفاصلة بين 2011 و2017"، في إشارة إلى السنوات التي عقبت اندلاع ثورات بدول مغاربية كليبيا وتونس، بالتزامن مع احتجاجات "الربيع العربي" في بقية بلدان المنطقة.

ويعتبر يايموت في تصريح لموقع "الحرة" أن "إيران الآن أضعف حاليا مما كانت عليه سواء تعلق الأمر بالوضع الداخلي أو التأثير الخارجي".

هل ترضخ الدول المغاربية؟

يستبعد الباحث المصري في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عماد جاد، رضوخ الدول المغاربية لرغبة إيران في إقامة علاقات على نحو أوسع.

ويقول جاد في تصريح لموقع "الحرة" إن الدول العربية "عادة ما تتحفظ من الانفتاح الكبير على إيران لطالما أنها تتبنى مبدأ تصدير الثورة وتفتح مراكز ثقافية للتشيع".

ويرجح الباحث المصري أن تكون الدول المغاربية "شديدة الحرص على عدم وجود تعاون كبير"، إذ ستأخذ دول كتونس والمغرب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران بعين الاعتبار.

أما في ما يتعلق بالجزائر، فيشير جاد إلى أن هذا البلد قد يرحب بتوسيع التعاون مع إيران، لكنه "يخشى أيضا من التشيع والمراكز الثقافية الإيرانية والتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول".

ويردف أن "المشكلة الأساسية لإيران هي عملها بمبدأ تصدير الثورة وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول وقد حصل ذالك في لبنان والعراق وسوريا واليمن"، متابعا أن "إيران لا تقيم علاقات طبيعية مع الدول حيث أن علاقاتها مع مصر مثلا مازالت مقطوعة، إذ تقيم علاقات مع جماعات إرهابية سنية وشيعية".

من جانبه، يضع الأستاذ بالجامعة المغربية خالد يايموت تحركات إيران الراهنة في المنطقة المغاربية في سياق "محاولة لخلق نفس جديد في شمال إفريقيا هدفه استعادة المحيط العربي الذي يبدأ من الخليج وينتهي عند المغرب وموريتانيا".