معبر راس جدير بين تونس وليبيا

أعلنت وزارة الخارجية الليبية الخميس، أن ملف ترسيم الحدود الليبية التونسية قد أغلق بشكل كامل منذ أكثر من عقد من الزمن، في خطوة جاءت ردّا على تصريحات سابقة لوزير الدفاع التونسي بأن بلاده تعمل مع ليبيا على رسم الحدود بينهما في إطار لجنة مشتركة.

وشددت الخارجية الليبية، في بيان لها، على "أن ملف ترسيم الحدود الليبية-التونسية قد أغلق بشكل كامل منذ أكثر من عقد من الزمن، من خلال لجنة مشتركة بين البلدين، وأصبح منذ ذلك الحين ملفا مستقرا وثابتا وغير مطروح للنقاش أو إعادة النظر".

وأشادت بمستوى التعاون والتنسيق القائم بين الحكومتين الليبية والتونسية، خاصة في المجالات التي تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار، وتعزيز فرص التجارة والاستثمار المشتركة فضلا عن تحسين ظروف السفر والتنقل لمواطنين بين البلدين الشقيقين.

كما أكد البيان على" التزام البلدين بتكثيف الجهود لضمان تحقيق المزيد من التقدم والتنمية المشتركة التي تعود بالنفع على كافة الأصعدة في ليبيا وتونس".

تأتي هذه الخطوة، بعد يومين من تصريح لوزير الدفاع التونسي خالد السهيلي أمام البرلمان التونسي تحدث فيه عن استغلال الأراضي الواقعة على الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس قائلا إن "تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن".

وأضاف، أثناء عرضه ميزانية ووزارة الدفاع أمام البرلمان الثلاثاء، أن "رسم الحدود يتم على مستوى لجنة مشتركة تونسية ليبية"، كاشفا أنه "سيؤدي زيارة إلى المنطقة للاطلاع على الوضع عن قرب".

ولئن عاشت تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات بين الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما، فإن عودة هذا الملف إلى الواجهة فتح النقاش بشأن ما إذا كان سيؤدي إلى أزمة بين البلدين.

توجه نحو نزاع قانوني

تعليقا على ملف ترسيم الحدود التونسية الليبية، يرى المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي محمد بريك الحمروني، أن أصل الخلاف بين البلدين يكمن في الحدود البحرية وهو صراع خفي يعود إلى عقود وقد تضاعف في الأربعة عشر سنة المنقضية جراء ما اعتبرها ممارسات ميليشيات مسلحة ليبية تفتك مراكب صيد البحارة التونسيين واحتجازهم.

ويقول الحمروني لـ "الحرة": إنه فضلا عن التجاوزات في مجال الصيد البحري فإن الجانب الليبي قد أخل بالاتفاق المتعلق بالجرف القاري الذي يضم حقل البوري النفطي، وهو اتفاق يعود إلى عهد الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة ومعمر القذافي مطلع الثمانينات.

ويتوقع المتحدث أن تعيد تونس إثارة هذه القضية من جديد أمام المحكمة الدولية ليكون النزاع قانونيا مشددا على أن العرف الدبلوماسي التونسي لا يعترف بالقوة والعنف، بل بسلطة القانون، لافتا إلى أن هناك ضغوطا داخلية في تونس بالاحتكام إلى القضاء الدولي لإعادة ترسيم الحدود التونسية الليبية.

وسبق للرئيس التونسي قيس سعيد أن أكد خلال زيارة له إي مقر المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية في 16 مارس 2023 أن "تونس لم تحصل إلا على الفتات القليل من حقل البوري" وأن "النية كانت تتجه إلى قسمة هذا الحقل إلى نصفين بين تونس وليبيا ما من شأنه أن يؤمن كل حاجيات تونس وأكثر".


تصريحات سعيد ردت عليها السلطات الليبية بأن أن القضية المتعلقة بالحقل تم الفصل فيها من قبل محكمة العدل الدولية منذ سنة 1982.

إثارة الفتنة

من جانبه، يؤكد المحلل السياسي الليبي عزالدين عقيل أن إثارة هذا الملف من جديد "تقف وراءه مخابرات أجنبية غربية تعمل بشكل مستمر على تخريب كل التوافقات داخل المنطقة، فضلا عن إثارة الفتنة بين البلدين".

ويضيف عقيل في حديثه لـ " الحرة" بالقول: لا أعتقد أن هناك مستفيد واحد من إثارة مثل هذه الأزمات أو من القيام بعمليات احتواء لشخصيات تقول كلاما يفسر على نحو معين يضاعف الأزمات والفتن ويغذي الوضع المشحون إلا أطراف أجنبية.

ويرى المحلل السياسي الليبي بأن التصريحات المتضادة بين سلطات البلدين "لن يكون لها أي تطور خطير أو مخيف على واقع العلاقة بين تونس وليبيا" لافتا إلى أن ليبيا "ما تزال تحت الوصاية الأجنبية".

وبخصوص تصريح وزير الدفاع الدفاع التونسي خالد السهيلي بشأن ملف ترسيم الحدود، يقول المتحدث بأن "ليس فيه ما يسيء لليبيا باعتباره تحدث عن عدم تخلي تونس عن أي شبر من أراضيها وهو أمر طبيعي".

ويرى عقيل أن كلام الوزير التونسي يأتي في سياق الحديث عن ترتيب الحدود من حيث المواد اللوجستية التي تمنع الهجرة غير النظامية تزامنا مع تعاظم الأمور الصعبة بهذه المنطقة لافتا إلى أن الحدود بين بين البلدين مستقرة منذ سنوات طويلة ولم يطرأ عليها أي جديد.

جذور تاريخية للتوتر

يعود أصل التوتر بين تونس وليبيا بشأن ترسيم الحدود بينهما إلى حقبة الاستعمار الفرنسي والإيطالي في شمال إفريقيا.

فخلال تلك الفترة، وقّعت السلطات الاستعمارية اتفاقيات لترسيم الحدود بين تونس، التي كانت تحت الحماية الفرنسية، وليبيا، التي كانت تحت الحكم الإيطالي، وتم تحديد الحدود بشكل رسمي في عام 1910، لكن بعض المناطق الصحراوية الوعرة ظلت مثار جدل لعدم وضوح الترسيم في بعض الأجزاء البعيدة عن المراكز الحضرية.

وبعد استقلال تونس في عام 1956 وليبيا في 1951، طُرحت مسألة إعادة النظر في الحدود بسبب الاكتشافات النفطية في الصحراء الكبرى، مما زاد من الأهمية الاستراتيجية لهذه المناطق الحدودية. 

وفي سبعينيات القرن الماضي، سعت ليبيا تحت حكم العقيد معمر القذافي إلى توسيع نفوذها في المنطقة المغاربية، مما أدى إلى بعض التوترات مع تونس.

ورغم أن البلدين وقّعا عدة اتفاقيات لضبط الحدود والتعاون الأمني، إلا أن الوضع الأمني غير المستقر في ليبيا بعد 2011 زاد من تعقيد الأمور. وتطورت التحديات الحدودية لتشمل مسائل السيادة والأمن، وتهريب السلع والبشر، ما دفع سلطات البلدين لإغلاق المعابر بينهما وفتحها مرارا.

المصدر: الحرة

مدخل قصر المشور في مدينة تلمسان غرب الجزائر

تعتبر تلمسان من أعرق المدن الجزائرية، وإضافة إلى كونها عاصمة الدولة الزيانية لعدة قرون (1235-1554)، فإن جمالها وتنوع معالمها التاريخية، جعلها تكتسب اسم "الجوهرة" التي أنجبت كوكبة من القادة والزعماء ومشاهير العلوم والأدب والفن في البلاد.

ودفع الكاتب الفرنسي الجزائري، بوعلام صنصال، بتلمسان (غرب) إلى الواجهة عقب إدلائه بتصريحات لقناة فرنسية في أكتوبر الماضي، أشار فيها إلى "مغربية" عدد من مناطق الغرب الجزائري، من بينها "وهران، تلمسان ومعسكر"، وهو ما اعتبرته الجزائر "تجاوزا للخطوط الحمر، ووصفت الكاتب بـ"محترف التزييف" بعد اعتقاله في مطار الجزائر العاصمة في نوفمبر الماضي.

"المنارة" إرث من حصر تلمسان

يقف بومدين بلعطار مسؤول وكالة سياحية ومهتم بتاريخ المدينة، أمام منارة منصورة التاريخية التي بناها السلطان أبو يعقوب المريني عام 1303 خلال حصار قواته لمدينة تلمسان.

ويذكر المتحدث أن تاريخ المدينة "لم يبدأ من هنا، بل يطول إلى العهد الروماني عندما أقام القائد الأمازيغي صيفاكس ملك ماسيسيليا في غرب نوميديا عاصمة مملكته بجوارها خلال الربع الأخير من القرن الثالث قبل الميلاد".

ويشير بومدين إلى أن منارة منصورة "تحولت إلى أيقونة سياحية تبرز ثراء المدينة التي تعرضت لحصار مرير على يد المرينيين".

بدأ حصار المرينيين لمملكة تلمسان سنة 1299 وتواصل إلى غاية 1307، ورغم "ما سخروه من إمكانيات فقد أنهكته مقاومة الزيانيين"، مثلما يقول الباحث في تاريخ الجزائر، محمد بن ترار، الذي أضاف أن "مقتل السلطان يوسف بن يعقوب يوم 3 مايو 1307دفع بالمرينيين إلى رفع الحصار والعودة للديار".

ويوضح بن ترار لـ "الحرة" أن النزاع بين الزيانيين والمرينيين حول النفوذ في المنطقة "تحول إلى صراع مستمر ومتواصل أظهر فيه المرينيون أطماعا للاستيلاء على تلمسان".

عاصمة التعايش

ظلت تلمسان حاضنة لمختلف الطوائف الدينية والإثنية، وترحب بالتنوع الديني والعرقي، ويمثل حي قباسة الأرض التاريخية التي لجأ إليها العديد من اليهود سنة 1392 قادمين من شبه الجزيرة الأيبيرية، يتقدمهم الحاخام أفريم بن كاوا (1359/ 1442)، لاجئا إلى المغرب ثم تلمسان، بعد أن سمح لهم سلطانها بالدخول والاستقرار فيها.

لا زالت معالم الطائفة اليهودية في تلمسان حاضرة، حيث قبر الحاخام إفرايم بن كاوا الذي حج إليه مئات اليهود من مختلف أصقاع العالم سنة 2006 بترخيص حكومي، كما لا زالت أكبر أزقة وسط المدينة تحمل اسم "درب اليهود" إلى يومنا هذا قرب الكنيس التاريخي.

وتُعرف الموسوعة اليهودية، الحاخام بن كاوا، بأنه "الطبيب والحاخام، والكاتب اللاهوتي، ومؤسس الطائفة اليهودية في تلمسان وشمال أفريقيا، وحسب الأسطورة المتداولة، فإنه فر من محاكم التفتيش الإسبانية وهناك فقد والده وأمه".

وفي نفس المدينة يرقد سيدي بومدين الغوث الأندلسي (1126- 1198) أحد أهم أقطاب الصوفية في العالم الإسلامي، الذي تحول ضريحه إلى مزار سنوي لمريديه من داخل الجزائر وخارجها.

معاهدة لالة مغنية

ظلت تلمسان مركزا حضاريا قويا إلى أن ضعف جسمها مع بدء الإسبان هجماتهم على وهران (غرب)، واضطر ملوكها للتحالف معهم ضد العثمانيين، الذين تمكنوا من دخولها سنة 1553 وطرد الإسبان منها، وبعد احتلال الجزائر من قبل الفرنسيين سنة 1830، تعرضت المدينة لعدة هجمات تصدى لها جيش الأمير عبد القادر إلى غاية 1844 تاريخ سقوطها.

ولترتيب بيت مستعمرتها الجديدة لجأت الحكومة الفرنسية إلى إبرام معاهدة على أرض تلمسان في 18 مارس 1845 لترسيم الحدود بين الجزائر المستعمرة والمملكة المغربية، وعرفت منذ ذلك الوقت بـ"معاهدة لالة مغنية" نسبة إلى المدينة الجزائرية المحاذية للمغرب.

كما حملت "مجموعة تلمسان" اسم المدينة، ويشير  أستاذ التاريخ الجزائري، عبد الرحمان قدوري، أنه كان "نسبة لقادة الجيش والثورة الذين قدموا من المغرب عشية الاستقلال، في يوليو 1962، وعقدوا اجتماعهم في تلمسان، قبل الزحف على الجزائر العاصمة وتولي الحكم، عوضا عن الحكومة الجزائرية المؤقتة".

و"لم تتوقف الخلافات بين الجزائر والمغرب بعد الاستقلال، ولم تهدأ مرحلة التوتر إلا بدخول المملكة السعودية على خط المصالحة"، مثلما يذكر قدوري لـ"الحرة"، الذي أضاف أن "الملك فهد بن عبد العزيز تقاربا بين الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والعاهل المغربي الحسن الثاني في قمة احتضنتها مدينة مغنية بولاية تلمسان على مقربة من الحدود بين البلدين".

نجوم السياسة والطب والأدب والفن

سطعت أسماء لامعة من تلمسان في سماء السياسة بالجزائر، فقد انحدر منها الزعيم الوطني الشهير مصالي الحاج،  وأحمد بن بلة، أحد مفجري الثورة الجزائرية وأول رئيس للبلاد بعد الاستقلال، فضلا عن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

وكان محمد بن رحال التلمساني أول جزائري حائز على البكالوريا عام 1874. وأنجبت هذه الولاية أشهر الأطباء من بينهم إلياس زرهوني المدير السابق لمعاهد الصحة الطبية الأميركية خلال الفترة ما بين 2002/ 2008.

وفي الأدب يقول المؤلف المسرحي على عبدون لـ"الحرة"": "يعتبر الكاتب الجزائري المعروف محمد ديب والروائي واسيني الأعرج، وأمين الزاوي، وعمار بلحسن، وبلقاسم بن عبد الله، من أبرز ما أنجبت تلمسان".

ويشير المتحدث إلى أن تلمسان اشتهرت أيضا بكونها "عاصمة الموسيقى الأندلسية من خلال كوكبة من الفنانين من أمثال عبد الكريم دالي، والحاج الغفور والعربي بن صاري".

أميرات الأندلس

كانت تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2011، واحتضنت التظاهرة بعد اختيارها من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، باعتبارها أشبه بالمتحف المفتوح، بمعالمها التاريخية البالغ عددها 48 معلما مصنفا ومحميا، أشهرها قصر المشور وأبواب المدينة ومنارة منصورة.

كما اشتهرت تلمسان بلباس أميرات الأندلس المعروف بـ"الشدة التلمسانية"، وفي عام 2012 صنفته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو" تراثا غير مادي للإنسانية، لقيمته التاريخية والحضارية والجمالية.

ويتشكل زي الشدة التلمسانية من "اِثنيْ عشر قطعة متناسقة تم تصنيفها جميعا، فيما بينها، ومن بين هذه القطع، نجد: البلوزة، القفطان، الحايك، الشاشية والمجوهرات"، حسب تعريف وزارة الثقافة والفنون له.

أما مطبخ تلمسان فلا يقل شهرة عن ألبستها، فهو يزخر بأطباق الحريرة التلمسانية والحلو (زبيب وبرقوق ولحم بمذاق حلو) وطاجين الزيتون والكسكس، وحلويات المقروط والقرويش والكعك التلمساني.